الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الفوات والإحصار
من لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يوم النحر، فاته الحج، لا نعلم فيه خلافاً؛ ويتحلل بطواف وسعي وحلاق، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي. وقال المزني: يمضي في حج فاسد، أي: يفعل أفعال الحاج. ولنا: أنه قول عمر وغيره من الصحابة، ولم يعرف لهم مخالف، ولأنه يجوز فسخه إلى العمرة من غير فوات، فمعه أولى. فيجعل إحرامه بعمرة. وعنه: لا يصير إحرامه بعمرة، بل يتحلل، وهو مذهب مالك والشافعي، لأن إحرامه انعقد بأحد النسكين فلم ينقلب إلى الآخر. وفي وجوب القضاء روايتان:
إحداهما: يجب ولو تطوع، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي.
والثانية: لا قضاء عليه، روي عن عطاء. ووجه الأولى: الحديث وإجماع الصحابة. وإذا قضى أجزأ القضاء عن الحجة الواجبة، لا نعلم فيه مخالفاًً.
ويجب عليه الهدي، وهو قول مَن سمّينا من الصحابة والفقهاء، إلا أصحاب الرأي. فإن اختار البقاء على إحرامه إلى قابل، فله ذلك. ويحتمل أنه ليس له، وبه قال الشافعي، لظاهر الخبر وقول الصحابة. فإن كان قارناً حلَّ، وعليه مثل الذي فاته من قابل؛ وبه قال مالك والشافعي. ويحتمل أن يجزئه ما فعله عن عمرة الإسلام، وليس عليه إلا قضاء الحج، ويلزمه هديان لقرنه وفواته، وبه قال مالك والشافعي. وقيل: يلزمه ثالث، وليس بشيء.
وإن أخطأ الناس فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأ، وإن أخطأ بعضهم فاته
الحج. ومن أحرم فحصره عدوٌّ ولم يكن له طريق إلى الحج، نحر هديه في موضعه وحل، لا خلاف، إلا أنه حكي عن مالك: أن المعتمر لا يتحلل، لأنه لا يخاف الفوات، ولا يصح ذلك، لأن الآية نزلت في عمرة الحديبية، وعلى من تحلل بالإحصار الهدي في قول الأكثر. وعن مالك: لا هدي عليه، لأنه لم يفرط. ولنا: قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} . 1 وقال الشافعي: لا خلاف أنها نزلت في حصر الحديبية.
فإن أمكنه الوصول من طريق أخرى، لم يتحلل ولو خشي الفوات، لأنه إن فاته تحلل بعمرة. وليس له التحلل قبل ذبح الهدي؛ فإن كان معه ذبحه، وإلا لزمه شراؤه إن أمكنه. ويجزئ شاة أو سُبع بدنة. وله نحره في حل أو حرم، وبه قال مالك والشافعي. فإن قدر على أطراف الحرم، فقيل: يلزمه نحره فيه، وقيل: ينحره في موضعه، لفعله صلى الله عليه وسلم.
وإن كان مفردًا أو قارناً، فله التحلل وقت حصره. وعنه: لا يحل، ولا ينحره إلا يوم النحر، لأن للهدي محل زمان ومكان. قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه: أن من يئس أن يصل إلى البيت، فجاز له الحل فلم يحل حتى خلا سبيله، ألا عليه أن يقضي مناسكه. وإن زال بعد فوات الحج، تحلل بعمرة. فإن فات الحج قبل زوال الحصر، تحلل بهدي. فإن لم يجد، صام عشرة أيام ثم حل؛ وبه قال الشافعي في أحد قوليه. وقال مالك: لا بد له، لأنه لم يذكر. وهل يلزمه الحلق مع الهدي؟ فعنه: لا، وعنه: بلى، لفعله صلى الله عليه وسلم. وفي وجوب القضاء على المحصر روايتان: إحداهما: لا يجب، وبه قال مالك والشافعي. والثانية: بلى، روي عن مجاهد وغيره، لفعله صلى الله عليه وسلم عمرة القضية. ووجه الأولى: "أن الذين اعتمروا معه
1 سورة البقرة آية: 196.
صلى الله عليه وسلم كانوا دون أولئك، ولم ينقل أنه أمر بالقضاء"؛ وإنما سميت عمرة القضية أي: التي تقاضوا عليها.
فإن صد عن عرفة دون البيت، تحلل بعمرة ولا شيء عليه، وبه قال الشافعي. وقال مالك: يخرج إلى الحل، فيفعل ما يفعل المعتمر. وإن أُحصر عن البيت بعد الوقوف، تحلل، لأن الحصر يفيد التحلل من الجميع، فكذا التحلل من البعض. و"من أُحصر لمرض أو ذهاب نفقة، لم يكن له التحلل"، روي عن ابن عمر وابن عباس، وبه قال مالك والشافعي. وقيل:"له التحلل"، روي عن ابن مسعود، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي، لقوله:"من كسر أو عرج، فقد حلّ، وعليه حجة أخرى ". 1 رواه النسائي، ولأنه محصور فيدخل في الآية. ووجه الأولى: قوله لضباعة: "اشترطي"، فلو أباحه لمرض ما احتاجت إلى شرط، وحديثهم متروك الظاهر، فإن مجرد الكسر والعرج لا يكون حلالاً. فإن حملوه على الإباحة حملناه على ما إذا اشترط، على أن فيه كلاماً لابن عباس يرويه ومذهبه بخلافه:"من اشترط فله التحلل لجميع ذلك، ولا شيء عليه".
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
قوله: وإن أخطأ الناس
…
إلخ، قال الشيخ: هل هو يوم عرفة باطناً، فيه خلاف، بناء على أن الهلال لما يطلع في السماء أو لما يراه الناس ويعلمونه، فيه خلاف مشهور. فيه عن أحمد روايتان. وقال: الثاني: الصواب، ويدل عليه لو أخطأ وغلط في العدد أو في الطريق ونحوه، فوقفوا العاشر لم يجزهم إجماعاً؛ فلو اغتفر الخطأ للجميع لاغتفر لهم، فعلم أنه يوم عرفة باطناً وظاهراً، يوضحه لو كان هنا خطأ وصواب لا يستحب الوقوف مرتين، وهو بدعة لم يفعله أحد من السلف في الحج، فعلم أنه لا خطأ. ومن اعتبر كون الرائي
1 الترمذي: الحج (940)، والنسائي: مناسك الحج (2860، 2861)، وأبو داود: المناسك (1862)، وابن ماجة: المناسك (3077، 3078) ، وأحمد (3/450)، والدارمي: المناسك (1894) .
من مكة دون مسافة القصر أو بمكان لا تختلف فيه المطالع، فلم يقله أحد من السلف في الحج، فلو رآه طائفة قليلة وقفوا مع الجمهور.
قوله: ومن أحصر لمرض أو ذهاب نفقة لم يتحلل، ويحتمل له التحلل، اختاره الشيخ، وقال: مثله حائض تعذّر مقامها وحرم طوافها، أو رجعت ولم تطف لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه، أو لذهاب الرفقة، قال في الفروع: وكذا من ضل عن الطريق.