الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الوليمة
لا خلاف أنها في العرس سنة، "لأنه صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها"، وليست واجبة في قول الأكثر. وقيل: بلى، "لأمره بها ولوجوب الإجابة إليها". ولنا: أنها طعام لسرور حادث، فأشبه سائر الأطعمة، والخبر محمول على الاستحباب لما ذكرنا، ولكونه أمر بشاة، ولا خلاف أنها لا تجب أي: الشاة، وما ذكروه باطل بالسلام.
قال ابن عبد البر: لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة، لمن دعي إليها إذا لم يكن فيها لهو، لقوله:"شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء. ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله". 1 أي: طعام الوليمة التي يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ولم يُرد كل وليمة، فلو أراده لما أمر بها ولا أمر بالإجابة إليها. وإذا صنعت أكثر من يوم جاز، فإن دعي اليوم الثاني استحب، وفي الثالث لا يُستحب. قال أحمد: الأول يجب، والثاني يستحب، والثالث لا. وسائر الدعوات الإجابة إليها مستحبة، وقال العنبري: تجب. ولنا: أن الصحيح من السنة في إجابة الداعي إلى الوليمة، وإجابة كل داع مستحبة، لحديث البراء:"أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإجابة الداعي". فإن كان صائماً صوماً واجباً لم يفطر، فإن كان نفلاً أو كان مفطراً استحبّ الأكل. وإن أحب دعا وانصرف، ويخبر بصيامه ليعلموا عذره. وقيل: يجب الأكل لقوله: "فليطعم". ولنا: قوله: "إذا دعي أحدكم فليجب. فإن
1 البخاري: النكاح (5177)، ومسلم: النكاح (1432)، وأبو داود: الأطعمة (3742)، وابن ماجة: النكاح (1913) ، وأحمد (2/240، 2/267، 2/405، 2/494)، ومالك: النكاح (1160)، والدارمي: الأطعمة (2066) .
شاء أكل، وإن شاء ترك". 1 حديث صحيح.
فإن دعاه اثنان فلأولهما، فإن استويا أجاب أقربهما منه باباً، لقوله:"أجب أقربهما باباً، فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً. فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق". 2 رواه أبو داود. فإن علم أن فيها منكراً وأمكنه الإنكار، حضر وأنكر، وإلا لم يحضر. وقال مالك: أما اللهو الخفيف كالدف والكَبَر، فلا يرجع.
وسئل أحمد عمن يدعى إلى الختان أو العرس وعنده المخنثون، فيدعوه بعد ذلك بيوم أو ساعة وليس عنده أولئك، فقال: أرجو أن لا يأثم إن لم بجب، وإن أجاب فأرجو أن لا يكون آثماً. وقال: إنما تجب الإجابة إذا كان المكسب طيباً ولم ير منكراً. وإن كانت صور الحيوان على الحيطان وما لا يوطأ وأمكنه حطها فعل وجلس، وإلا انصرف، وعلى هذا أكثر أهل العلم. قال ابن عبد البر: هذا أعدل المذاهب. و"كان أبو هريرة يكره التصاوير ما نصب منها وما بسط". وكذلك مالك إلا أنه يكرهه تنزهاً، والنهي محمول على ما كان معلقاً، والمباح ما كان مبسوطاً، بدليل حديث عائشة:"فإن قطع رأس الصورة ذهبت الكراهة"، قاله ابن عباس. وصفة التصاوير محرمة على فاعلها والآمر بفعلها. وأما دخول منزل فيه صورة فلا يحرم، وقيل: إذا كانت غير موطوءة لم يجز الدخول. ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ورأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل"، وفي "شروط عمر على أهل الذمة أن يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم ليدخلها المسلمون". فإن سترت الحيطان بستور للصور فيها أو فيها صور غير الحيوان، فهل يباح؟ على روايتين: إحداهما: يكره.
قال سالم: "أعرست في عهد أبي، فدعا أبا أيوب فأقبل فرأى
1 مسلم: النكاح (1430)، وأبو داود: الأطعمة (3740)، وابن ماجة: الصيام (1751) ، وأحمد (3/392) .
2 أبو داود: الأطعمة (3756) ، وأحمد (5/408) .
البيت مستوراً، فقال: يا عبد الله، لم تسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيا: غلبتنا النساء، يا أبا أيوب. فقال: من حسبت أن يغلبنه لم أحسب أن يغلبنك. ثم قال: لا أطعم لكم طعاماً ولا أدخل لكم بيتاً. ثم خرج". رواه الأثرم.
ويحتمل كلام أحمد الكراهة من غير تحريم، "لأن ابن عمر أقر على فعله"، ويحتمل التحريم ولم يثبت في تحريمه حديث.
وسئل أحمد عن: الستور فيها القرآن؟ فقال: لا ينبغي أن يكون شيء معلقاً فيه القرآن يستهان به. قيل: يقلع؟ فكره قلع القرآن، وقال: إذا كان ستر فيه ذكر الله، فلا بأس. وكره أن يشتري الثوب فيه ذكر الله يجلس عليه، قيل له: يكتري الرجل البيت فيه تصاوير، ترى أن يحكها؟ قال: نعم. وقال: لا بأس باللعب ما لم تكن صورة.
والنثار والتقاطه مكروه. وعنه: لا، فإن قسم على الحاضرين ما ينثر مثل اللوز والسكر، فلا خلاف غير أنه مكروه. وكذلك إن وضعه وأذن في أخذه على وجه لا يقع تناهب.
ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف حتى يشتهر، لقوله عليه السلام:" فصل ما بين الحلال والحرام: الصوت والدف في النكاح". 1 رواه النسائي. وإنما يستحب الضرب بالدف للنساء، وقال أحمد: لا بأس بالغزَل في العرس.
ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعاً، وإن أكل بعضهم أكثر من بعض، وقال المروذي: رأيت أحمد يغسل يديه قبل الطعام وبعده. وروى البخاري: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يحتزُّ من كتف شاة في يده، فدعي إلى الصلاة، فألقاها من يده، وقام فصلى، ولم يتوضأ"2.
1 الترمذي: النكاح (1088)، والنسائي: النكاح (3369)، وابن ماجة: النكاح (1896) .
2 البخاري: الأطعمة (5408)، ومسلم: الحيض (355)، والترمذي: الأطعمة (1836)، والدارمي: الطهارة (727) .
ولا بأس بتقطيع اللحم بالسكين، لهذا الحديث؛ احتج به أحمد. وسئل عن: حديث النهي عنه؟ فقال: ليس بصحيح.
واستحب التسمية عند الأكل، وأن يأكل بيمينه مما يليه، وأن يأكل بالأصابع الثلاث، ولا يمسح يده حتى يلعقها. ويكره الأكل متكئاً، ويحمد إذا فرغ. ويستحب الدعاء لصاحب الطعام. ولا بأس بالجمع بين طعامين. ويكره عيب الطعام. وإذا صادف قوما يأكلون الطعام فدعوه، لم يكره له الأكل. وفي المتفق عليه:"لا يتنفس أحدكم في الإناء". 1 قيل لأحمد: الإناء يؤكل فيه، ثم تغسل فيه اليد؟ قال: لا بأس به. قيل فغسل اليد بالنخالة؟ قال: لا بأس به، واستدل الخطابي بقوله للمرأة:"اجعلي مع الماء ملحاً" في غسل الحقيبة.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
استحب الوليمة بالعقد، قال الشيخ: بالدخول. والإجابة إليها واجبة، واختار الشيخ أنها مستحبة. وكره أحمد الخبز الكبارَ، وقال: ليس فيه بركة. ويغسل يديه قبله وبعده، وعنه: يكره قبله. قال الشيخ: لو زاد: "الرحمن الرحيم" عند الأكل لكان حسناً، بخلاف الذبح فقد قيل لا يناسب ذلك. ويأكل مما يليه، قال ابن حامد: إن كان مع غيره، وظاهر كلامهم أن الفاكهة كغيرها، وكلام القاضي يحتمل الفرق، ويؤيده حديث عكراش، لكن فيه مقالة. ويكره الأكل من أعلى القصعة. ولا يكره الشرب قائماً، وعنه: يكره، اختاره الشيخ. قال ابن عقيل: كنت أقول: لا يقدم بعضهم لبعض، ولا السنور، حتى وجدت في البخاري حديث أنس في الدباء. ولا يباح الأكل بلا إذن، ولو من بيت قريب أو صديق لم يحرزه عنه، وأجازه الشيخ. وكره أحمد الطبل لغير حرب.
1 البخاري: الأشربة (5630)، ومسلم: الطهارة (267)، والترمذي: الأشربة (1889)، والنسائي: الطهارة (47) ، وأحمد (4/383، 5/295، 5/300، 5/310) .