الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الزكاة
تجب الزكاة في أربعة أصناف من المال: السائمة من بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والأثمان، والعروض. ولا تجب في غيرها، لأن الأصل عدم الوجوب؛ وهذا قول الأكثر. وقال أبو حنيفة: في الخيل زكاة. ولنا: قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة". 1 متفق عليه، وحديث جابر ضعيف، وعمر أخذ شيئاً تبرعوا به، كذلك رواه أحمد.
ولا تجب إلا بشروط خمسة:
الأول: الإسلام.
والثاني: الحرية.
فلا تجب على الكافر، لحديث معاذ: "إنك تأتي قوماً
…
إلخ"، ولا على عبد في قول الأكثر، ولا على مكاتَب، لا نعلم أحداً خالف فيه، إلا أبا ثور. فإن ملّك السيدُ عبده مالاً، فاختلفت الرواية عن أحمد، فروي عنه: زكاته على سيده، وهو مذهب سفيان وإسحاق. وعنه: "لا زكاة على واحد منهما". قال ابن المنذر: هذا قول ابن عمر وجابر ومالك.
الثالث: ملك نصاب؛ فإن نقص فلا زكاة فيه، إلا أن يكون يسيراً كالحبة والحبتين. وفيما زاد على النصاب بالحساب، إلا في السائمة. وقال ابن المسيب
1 البخاري: الزكاة (1463، 1464)، ومسلم: الزكاة (982)، والترمذي: الزكاة (628)، والنسائي: الزكاة (2467، 2468، 2469، 2470، 2471، 2472)، وأبو داود: الزكاة (1595)، وابن ماجة: الزكاة (1812) ، وأحمد (2/242، 2/249، 2/254، 2/279، 2/407، 2/410، 2/432، 2/469، 2/470، 2/477)، ومالك: الزكاة (612)، والدارمي: الزكاة (1632) .
وعطاء: لا زكاة في زيادة الدراهم حتى تبلغ أربعين، ولا في زيادة الذهب حتى تبلغ أربعة دنانير، لقوله:"في كل أربعين درهماً ". 1 ولنا: أن قولنا روي عن علي وابن عمر، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة.
الرابع: تمام الملك؛ فلا زكاة في دين المكاتب، بغير خلاف علمناه، ولا في السائمة الموقوفة، ولا في حصة المضارب قبل القسمة. ونقل عن مهنا عن أحمد ما يدل على الوجوب، لعموم قوله:"في كل أربعين شاة: شاة". 2 فأما حصة المضارب قبل القسمة، فلا تجب فيها، نص عليه. واختار أبو الخطاب وجوب الزكاة فيها إذا كملت نصاباً، أو قلنا: إن الخلطة تؤثر في غير الماشية. وإذا دفع إلى رجل ألفاً مضاربة على النصف، فحال الحول وقد ربح ألفين، فعلى رب المال زكاة ألفين. وقال الشافعي في أحد قوليه: عليه زكاة الجميع، أو يخرج الزكاة من المال، لأنها من مؤنته وتحسب من الربح.
و"من كان له دَين على مليء من صداق أو غيره، زكاه إذا قبضه لما مضى"، وبه قال علي والثوري. وقال عثمان وابن عمر والشافعي وإسحاق وأبو عبيد:"عليه إخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه". وعن عائشة: "ليس في الدَّين زكاة". وعن ابن المسيب: يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة.
وفي الدين على غير المليء والمؤجل والمجحود والمغصوب والضائع روايتان: إحداهما: لا يجب، وهو قول إسحاق وأهل العراق. والثانية: يزكيه إذا قبضه لما مضى، وهو قول الثوري وأبي عبيد، لقول علي في الدَّين المظنون:"إن كان صادقاً، فليزكه إذا قبضه لما مضى". وعن ابن عباس نحوه، رواهما أبو عبيد. وللشافعي قولان. وعن مالك: يزكيه إذا قبضه لعام واحد.
قال أحمد: إذا وهبت المرأة مهرها لزوجها، وقد مضى عليه عشر سنين، فالزكاة على المرأة. وإذا وهب رجل لرجل مالاً، فحال
1 أبو داود: الزكاة (1574)، وابن ماجة: الزكاة (1790) ، وأحمد (1/132)، والدارمي: الزكاة (1629) .
2 أبو داود: الزكاة (1572) .
الحول ثم ارتجعه الواهب، فالزكاة على الذي كان عنده. وقال في رجل باع شريكه نصيبه من داره ولم يعطه شيئاً، فلما كان بعد سنة قال: ليس عندي دراهم فأقلني، فأقاله. قال: عليه أن يزكي، لأنه قد ملكه حولاً.
والدَّين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة، رواية واحدة، وهي الأثمان والعروض؛ وبه قال عطاء والحسن ومالك والأوزاعي وأصحاب الرأي، لحديث عثمان. وقال الشافعي في الجديد: لا يمنع. فأما الأموال الظاهرة ففيها روايتان: إحداهما: يمنع، وهو قول إسحاق. والثانية: لا يمنع، وهو قول مالك والشافعي. وروي عن أحمد أنه قال: قد اختلف ابن عمر وابن عباس: فقال ابن عمر: "يخرج ما استدان على ثمرته ونفقة أهله ويزكي ما بقي"، وقال الآخر:"يخرج ما استدان على ثمرته ويزكي ما بقي"، وإليه أذهب، لأن المصدق إذا جاء فوجد إبلاً أو غنماً لم يسأل أي شيء على صاحبها من الدين؟ فظاهر هذا، أن هذه رواية ثالثة: أنه لا يمنع من الأموال الظاهرة إلا ما استدان في الإنفاق على الزرع والثمرة.
الخامس: مضيُّ الحول؛ لا نعلم فيه خلافاً، إلا في المستفاد على ما نذكره، وإلا في الخارج من الزرع والثمرة والمعدن.
وأما المستفاد فإن كان من جنس النصاب، كربح التجارة ونتاج السائمة، فهذا يضم إلى أصله في الحول. وإن لم يكن من جنسه، فلا يضم إليه؛ بل إن كان نصاباً استقبل به حولاً، وإلا فلا شيء فيه؛ وهذا قول الجمهور. قال ابن عبد البر: الخلاف فيه شذوذ لم يقل به أحد من أهل الفتوى. فإن كان من جنس نصاب عنده، كمن عنده أربعون من الغنم فمضى عليها بعض الحول، فيشتري أو يتهب أو يرث مائة، فلا تجب فيه حتى يمضي عليه
حول أيضاً؛ وبه قال الشافعي. ولا يبني الوارث على حول الموروث، وهو أحد القولين للشافعي. والثاني: يبني على حول موروثه. وقال أبو حنيفة: يضمهما إلى ما عنده في الحول، فيزكيهما جميعاً عند تمام الحول، إلا أن يكون عوضاً من مال مزكى. وقال به مالك في السائمة، دفعاً للتشقيص في الواجب، وكقولنا في الأثمان.
وإن ملك نصاباً صغاراً انعقد عليه الحول من حين ملكه، وعنه: لا، حتى يبلغ سناً يجزئ مثله في الزكاة؛ والأول أولى، لعموم قوله:"في كل خمس من الإبل: شاة". 1 ومتى نقص النصاب في بعض الحول، أو باعه أو أبدله بغير جنسه، انقطع الحول، إلا أن يقصد الفرار. وقال أبو حنيفة والشافعي: تسقط. ولنا: قوله: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} الآيات 2.
ويجوز التصرف في النصاب الذي وجبت فيه، بالبيع وغيره. وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يصح، لأنها إن تعلقت بالعين فقد باع ما لا يملك، وإن تعلقت بالذمة فقدر الزكاة مرتهن بها، وبيع الرهن لا يجوز. ولنا: النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وهو عام فيما يجب فيه الزكاة وغيرها. فإن عجز بقيت في ذمته، ويحتمل أن يفسخ البيع في قدرها ويرجع المشتري عليه بقدرها، لأن على الفقراء ضرراً، لقوله:"لا ضرر ولا ضرار". 3 وإن أبدله بنصاب من جنسه، بنى على حوله؛ وبه قال مالك، ويتخرج أن ينقطع، وبه قال الشافعي.
وسئل أحمد: عن الرجل يكون عنده غنم سائمة فيبيعها بنصفها من الغنم، أيزكيها كلها؟ قال: نعم، على حديث عمر في السخلة يروح بها الراعي، قيل له: فإن كانت للتجارة؟ قال: يزكيها كلها، على حديث حماس.
1 الترمذي: الزكاة (621)، وأبو داود: الزكاة (1568)، وابن ماجة: الزكاة (1798) ، وأحمد (2/14، 2/15)، والدارمي: الزكاة (1626) .
2 سورة القلم آية: 17.
3 ابن ماجة: الأحكام (2340) .
وتجب بحولان الحول، وإن لم يتمكن من الأداء؛ وهو أحد قولي الشافعي. وفي الآخر، هو شرط، وبه قال مالك حتى لو أتلف الماشية بعد الحول قبل إمكان الأداء، فلا زكاة عليه إذا لم يقصد الفرار. ولنا: قوله: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول". 1 ولا تسقط بتلف المال، وعنه: تسقط إذا لم يفرط.
وإذا مضى حولان على نصاب لم يؤد زكاتهما، فعليه زكاة واحدة إن قلنا: تجب في العين، وزكاتان إن قلنا تجب في الذمة، إلا ما كان زكاته الغنم من الإبل، فإن عليه لكل حول زكاة.
وإذا مات من عليه الزكاة، أُخذت من تركته. فإن كان عليه دين، اقتسموا بالحصص؛ وبه قال مالك والشافعي.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
ومن كان له دين على مليء أو غيره، فعليه زكاته إذا قبضه، قال في الفائق: وعنه: يلزمه في الحال، وهو المختار. وأول حول الصداق من حين العقد، وعنه: من حين القبض. وكذا الحكم خلافاً ومذهباً في اعتبار القبض في كل دَين إذا كان في غير مقابلة مال أو مال زكويّ عند الكل، كموصى به وموروث وثمن مسكن. وعنه: لا حول لأجرة فيزكيه في الحال كمعدن، اختاره الشيخ.
وإن أسقط الدَّين ربه زكاه، وعنه: يزكيه المبرأ من الدَّين، وقيل: لا زكاة عليهما، اختاره الشيخ. واختار الشيخ أن الدين على غير المليء والمؤجل والمجحود والمغصوب والضائع لا زكاة فيه، وعنه: ما لا يؤمل رجوعه كالمسروق والمغصوب لا زكاة فيه، وما يؤمل رجوعه كالدين على المفلس أو الغائب المنقطع خبره فيه الزكاة. قال الشيخ: هذا أقرب. وفي المحرر: الخراج ملحق من دَين الله، وقال الشيخ: هو ملحق بديون الآدميين، والزكاة في عين المال، وعنه: في الذمة. وقيل: تجب في الذمة وتتعلق بالنصاب، اختاره الشيخ. واختار أيضاً أن النصاب إذا تلف بغير تفريط من المالك، لم يضمن الزكاة.
1 ابن ماجة: الزكاة (1792) .