الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإحرام
يستحب الاغتسال له، وذكر ابن المنذر الإجماع على أنه غير واجب، لأنه لم يأمر به إلا حائضاً أو نفساء ولو وجب لأمر به غيرهما. ويستحب للمرأة كالرجل ولو كانت حائضاً أو نفساء، لـ"أمره أسماء بنت عميس بذلك".
ويستحب التنظف بإزلة الشعر وقطع الرائحة، لأنه أمر يسن له الاغتسال، فسن له هذا كالجمعة. ويستحب له التطيب في بدنه خاصة، سواء بقي عليه كالمسك أو أثره كالعود. وكان عطاء يكرهه، وهو قول مالك، واستدل بحديث صاحب الجبة. ولنا: حديث عائشة، وحديث صاحب الجبة في بعض ألفاظه:"عليه جبة بها أثر الخلوق". رواه مسلم، وفي بعضها:"ردع من زعفران"، وهو منهي عنه للرجال في غير الإحرام ففيه أولى، ولأنه في سنة ثمان، وحديثنا في سنة عشر. قال ابن عبد البر: لا خلاف أن قصة صاحب الجبة كانت في عام حنين بالجعرانة، وحديث عائشة سنة عشر. فإن طيب ثوبه فله استدامة لبسه ما لم ينزعه، فإن نزعه فلا يلبسه. فأما إن عرق بالطيب وذاب بالشمس فسال إلى موضع آخر، فلا شيء عليه، لقول عائشة:"كنا نضمّد جباهنا بالمسك عند الإحرام، فإذا عرقت أجفاننا سال على وجوهنا، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا". رواه أبو داود.
ويستحب أن يلبس ثوبين أبيضين نظيفين: إزاراً ورداءً، لقوله صلى الله عليه وسلم:"وليحرمْ أحدكم في إزار ورداء ونعلين"، 1 ولقوله: "خيار
1 أحمد (2/34) .
ثيابكم البياض". 1 ويتجرد عن المخيط إن كان رجلاً. ويصلي ركعتين ويحرم عقيبهما، وعنه: أنه عقيب الصلاة. وإذا استوت به راحلته، وإذا بدأ بالسير سواء، لأن الجميع مروي من طرق صحيحة، والأول أولى، لحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس، وفيه زيادة علم وبيان.
وينوي الإحرام بنسك معيّن، وقال الشافعي في أحد قوليه: الإطلاق أولى، لقول طاووس:"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمي حجاً ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء بين الصفا والمروة". ولنا: أنه أمر أصحابه بالإحرام بنسك معيّن، وأحرم بمعيّن، والذين معه في صحبته أعلم من طاووس.
ولا ينعقد إلا بالنية وتكفي، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد بها حتى يضيف إليها التلبية أو سوق الهدي، لقوله صلى الله عليه وسلم:" جاءني جبريل فقال: مُرْ أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية". 2 ولنا: أنها عبادة ليس في آخرها نطق واجب يكن في أولها كالصيام، والمراد بالخبر الاستحباب، فإن منطوقه رفع الصوت، ولا خلاف في عدم وجوبه؛ فعلى هذا، لو نطق بغير ما نواه، مثل أن ينوي العمرة فيسبق لسانه إلى الحج أو بالعكس، انعقد ما نواه، ذكره ابن المنذر إجماعاً.
والاشتراط مستحبٌّ، ويفيد شيئين:
أحدهما: إذا عاقه عذر أو عدو أو مرض أو ذهاب نفقة ونحوه، فله التحلل.
الثاني: أنه متى حل بذلك فلا شيء عليه، و"أنكر ابن عمر الاشتراط"، وبه قال مالك. ولنا: قوله: "حجي واشترطي"، 3 ولا قول لأحد معه صلى الله عليه وسلم. وإن نواه لم يتلفظ، احتمل أن لا يصح، لقوله في حديث ابن عباس:"قولي: محلّي من الأرض حيث تحبسني". 4
1 الترمذي: الجنائز (994)، وأبو داود: اللباس (4061)، وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (1472) ، وأحمد (1/247، 1/274، 1/328، 1/355، 1/363) .
2 الترمذي: الحج (829)، والنسائي: مناسك الحج (2753)، وأبو داود: المناسك (1814)، ومالك: الحج (744)، والدارمي: المناسك (1809) .
3 البخاري: النكاح (5089)، ومسلم: الحج (1207)، والنسائي: مناسك الحج (2768) ، وأحمد (6/164، 6/202) .
4 مسلم: الحج (1208)، والترمذي: الحج (941)، والنسائي: مناسك الحج (2766، 2767)، وأبو داود: المناسك (1776)، وابن ماجة: المناسك (2938) ، وأحمد (1/337، 1/352)، والدارمي: المناسك (1811) .
ولا خلاف في جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء، وقد دلَّ عليه قول عائشة:"فمنا من أهلَّ بعمرة ومنا من أهلَّ بحج ومنا من أهلَّ بهما". وأفضلها: "التمتع"، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما. وعنه:"إن ساق الهدي فالقِران أفضل، لفعله صلى الله عليه وسلم". وذهب الثوري إلى اختيار القِران، لقول أنس:"أهلَّ بهما جميعاً". و"ذهب مالك إلى الإفراد"، روي عن عمر وعثمان، لما "صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أفرد الحج". ولنا:"أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما طافوا أن يحلّوا ويجعلوها عمرة"، 1 فنقلهم من الإفراد والقِران إلى المتعة، ولم يختلف عنه:"أنه لما قدم مكة أمرهم أن يحلّوا، إلا من ساق هدياً وثبت على إحرامه، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة"، 2 ولأن التمتع في القران دون سائر الأنساك. وأما حجتهم بفعله صلى الله عليه وسلم، فعنها أجوبة: أحدها: منع أن يكون محرماً بغير التمتع، لأن رواة حديثهم رووا أنه تمتع، ومرة اختلفوا؛ والقضية واحدة. وأحاديثهم في القران أصحها: حديث أنس، و"قد أنكره ابن عمر". وأكثر الروايات أنه كان متمتعاً، وإنما منعه من الحل الهدي. وقول أبي ذر إنها خاصة بالصحابة يخالف الكتاب والسّنة والإجماع. قال أحمد لما ذكر له: أفيقول بهذا أحد؟ المتعة في كتاب الله.
فإن قيل: "نهى عنها عمر وعثمان ومعاوية"، قلنا: قد أنكر عليهم علماء الصحابة وخالفوهم، قال سعد:"فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر بالعُرُش"، والعرش بيوت مكة. وقال عمر:"والله إني لأنهاكم عنها، وإنها لفي كتاب الله، وقد صنعها رسول الله"، ولا خلاف أن من خالف الكتاب والسنة حقيق بأن لا يقبل نهيه. قيل لابن عباس: إن فلاناً
1 البخاري: الحج (1651)، وأبو داود: المناسك (1789) .
2 أبو داود: المناسك (1784) .
نهى عن المتعة، فقال:"انظروا في كتاب الله، فإن وجدتموها فقد كذب على الله ورسوله، وإن لم تجدوها فيه فقد صدق".
وصفة التمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ويحرم بالحج من مكة أو قريباً منها في عامه.
والإفراد: أن يحرم بالحج مفرداً. والقِران أن يحرم بهما جميعا، ً أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج. وإذا أدخل الحج على العمرة قبل طوافها من غير خوف الفوات جاز، وكان قارناً بغير خلاف، وأما بعد الطواف فلا يصير قارناً. وقال مالك: يصير قارناً. ولنا: أنه قد شرع في التحلل منها، فلم يجز كما بعد السعي، إلا أن يكون معه الهدي فله ذلك، لأنه لا يتحلل حتى ينحر، لقوله تعالى:{وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} ، 1 فلا يتحلل بطوافه. ويتعين إدخال الحج على العمرة لئلا يفوته الحج، فأما إدخال العمرة على الحج فلا يجوز، فإن فعل لم يصر قارناً. وقال أبو حنيفة: يصح ويصير قارناً. ولنا: أنه قول علي، رواه الأثرم، ولأن إدخالها لا يفيده إلا ما أفاده العقد الأول فلم يصح. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من أهلَّ بعمرة من أهل الآفاق في أشهر الحج من الميقات، وقدم مكة ففرغ منها وأقام بها، فحج من عامه، أنه متمتع وعليه الهدي إن وجد، وإلا فالصيام.
والدم الواجب: شاة أو سُبُع بدنة أو بقرة؛ فإن نحر بدنة أو ذبح بقرة فقد زاد خيراً. وقال: لا يجزئ إلا بدنة، "لأنه صلى الله عليه وسلم لما تمتع ساق بدنة"، وهذا ترك لظاهر القرآن وإطراح للآثار الثابتة ولا حجة فيها، لأن
1 سورة البقرة آية: 196.
إهداء البدنة لا يمنع إجزاء ما دونها، فـ"إنه صلى الله عليه وسلم ساق مائة بدنة"، ولا خلاف أنه ليس بواجب. وهم يقولون إنه كان مفرداً، فكيف يكون سوق البدنة دليلاً لهم في التمتع.
ولا نعلم خلافاً أن من اعتمر في غير أشهر الحج وفرغ منها قبل أشهره، أنه لا يكون متمتعاً، إلا قولين شاذّين: أحدهما عن طاووس: إذا اعتمرت في غير أشهر الحج ثم أقمت حتى تحج، فأنت متمتع. والآخر عن الحسن أنه قال:"من اعتمر بعد النحر فهي متعة". قال ابن المنذر: لا نعلم أحداً قال بواحد من هذين. فـ"أما إن أحرم بها في غير أشهره ثم حل منها في أشهره، فإنه لا يكون متمتعاً"؛ نقل ذلك عن جابر، وبه قال إسحاق. وقال طاووس: عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم. وقال الثوري: عمرته في الشهر الذي يطوف فيه. وقال مالك: عمرته في الشهر الذي يحل فيه.
وإن اعتمر في أشهره ثم لم يحج ذلك العام، فليس بمتمتع، لا نعلم فيه خلافاً، إلا قولاً شاذاً عن الحسن: من اعتمر في أشهر الحج فهو متمتع، حج أو لم يحج. والجمهور على خلاف هذا، لقوله:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} ، 1 وهذا يقتضي الموالاة بينهما.
وإن سافر بين الحج والعمرة سفراً يقصر فيه الصلاة، فليس بمتمتع، وقال الشافعي: إن رجع إلى الميقات فلا دم عليه. وقال مالك: إن رجع إلى مصره أو أبعد منه، بطلت متعته، وإلا فلا. وقال الحسن: هو متمتع وإن رجع إلى بلده، واختاره ابن المنذر، لعموم قوله:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} 2. ولنا: ما روي عن عمر أنه قال: "إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام، فهو متمتع. فإن خرج ورجع، فليس بمتمتع"، ولأنه إذا رجع إلى الميقات أو ما دونه لزم الإحرام منه،
1 سورة البقرة آية: 196.
2 سورة البقرة آية: 196.
فإذا كان بعيدا فقد أنشأ سفراً بعيداً لحجه فلم يترفه بترك أحد السفرين، فلم يلزمه دم. والآية تناولت المتمتع، وهذا ليس بمتمتع بدليل قول عمر.
فإن لم يحل من إحرام العمرة حتى أدخل عليها الحج، فإنه يصير قارناً ولا يلزمه دم المتعة، لكن عليه دم القِران. فأما قول عروة:"لم يكن في ذلك هدي"، فإنه يحتمل أنه أراد هدي المتعة، "لأنه صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه بقرة"؛ ولا خلاف أن دم المتعة لا يجب على حاضري الحرم، لقوله تعالى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، 1 والمعنى أن ميقاتهم مكة، فلا يحصل لهم الترفه بترك أحد السفرين، ولأنه أحرم من ميقات أشبه المفرد، وهم أهل الحرم ومن بينه وبينه مسافة القصر، وبه قال الشافعي. وقال مالك: هم أهل مكة. وقال مجاهد: هم أهل الحرم.
فإن دخل الآفاقي مكة متمتعاً ناوياً الإقامة بها بعد تمتعه، فعليه دم المتعة. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم. ومتعة المكي صحيحة، إلا أنه لا دم عليه، وعنه: ليس على أهل مكة، متعة ومعناه: ليس عليهم دم المتعة.
وإن أحرم الآفاقي بعمرة في غير أشهر الحج، ثم أقام بمكة واعتمر من التنعيم في أشهر الحج، وحج من عامه، فهو متمتع، نص عليه. وذكره القاضي شرطاً سادساً لوجوب الدم، وهو: أن ينوي في ابتداء العمرة أو أثناءها المتعة؛ والإجماع الذي سبق عن ابن المنذر مخالف لهذا، لأنه قد حصل له الترفه بأحد السفرين.
ويجب الهدي إذا أحرم بالحج، وهو قول الشافعي لقوله:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} ، 2 ولأنه جعل غاية فوجد أوله لقوله:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} . 3 وعنه: إذا وقف بعرفة، وهو قول
1 سورة البقرة آية: 196.
2 سورة البقرة آية: 196.
3 سورة البقرة آية: 187.
مالك، لأن التمتع لا يحصل إلا به، لقوله صلى الله عليه وسلم:"الحج عرفة". 1 وأما وقت ذبحه: فيوم النحر، وبه قال مالك، وعنه: إن دخل مكة قبل العشر نحره، لا يضيع أو يموت أو يرق، كذا قال عطاء. ومن قدم في العشر لا ينحر إلا بمنى، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كذا فعلوا.
ويجب الدم على القارن، لا نعلم فيه خلافاً، إلا عن داود. ولنا:"أن علياً لما سمع عثمان ينهى عن المتعة، أهل بهما ليعلم الناس أنه ليس بمنهي عنه". وقال ابن عمر: "إنما القِران لأهل الآفاق" وتلا الآية، ولأنه ترفه بسقوط أحد السفرين، إلا أن يكون من حاضري المسجد الحرام في قول الجمهور. وقال ابن الماجشون: عليه دم لأنه ليس بمتمتع.
ومن كان مفرداً أو قارناً أحببنا له الفسخ إلى العمرة، إلا أن يكون معه هدي، فليس له أن يحل بغير خلاف. و"كان ابن عباس يرى أن من طاف وسعى فقد حل، وإن لم ينو ذلك". وبهذا الذي ذكرناه قال الحسن ومجاهد وداود، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يجوز. ولو ساق المتمتع الهدي لم يكن له أن يحل، للآية، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان معه هدي فلا يحل
…
إلخ" 2. وقال مالك: له التحلل.
وينحر هديه عند المروة. وعنه: إن قدم قبل العشر نحر، وهو يدل على أنه إذا قدم قبل العشر حلَّ وإن كان معه هدي. وقال:"من لبد أو ضفر فهو بمنزلة من ساق الهدي"، لحديث حفصة؛ والرواية الأولى أولى، لما ذكرنا من الحديث الصحيح، وهو أولى بالاتباع.
فأما المعتمر غير المتمتع، فإنه يحل في أشهر الحج وغيرها، معه هدي أو لا، "لأنه صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثاً فكان يحل". فإن كان معه هدي نحره عند المروة، وحيث نحره من الحرم جاز، لقوله:"كل فجاج مكة طريق ومنحر". 3 رواه أبو داود وابن ماجة.
1 الترمذي: الحج (889)، والنسائي: مناسك الحج (3044)، وأبو داود: المناسك (1949)، وابن ماجة: المناسك (3015) ، وأحمد (4/309، 4/335)، والدارمي: المناسك (1887) .
2 مسلم: الحج (1236)، والنسائي: مناسك الحج (2992)، وابن ماجة: المناسك (2983) ، وأحمد (6/350، 6/351) .
3 أبو داود: المناسك (1937)، وابن ماجة: المناسك (3048)، والدارمي: المناسك (1879) .
والمرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت وخشيت فوات الحج، أحرمت به وصارت قارنة. وقال أبو حنيفة: قد رفضت العمرة وصار حجاً، وما قال هذا أحدٌ غيره؛ وحجته قول عروة في حديث عائشة:"أهلّي بالحج ودَعي العمرة "، 1 وهذا اللفظ انفرد به عروة، وخالف فيه كل من روى عن عائشة. وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لها:"قد حللت من حجك وعمرتك". 2
ومن أحرم مطلقاً يصرفه إلى ما شاء، والأولى صرفه إلى العمرة، "لأنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا موسى حين أحرم بما أهلَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم". وإن أحرم بمثل ما أحرم به فلان، انعقد إحرامه بمثله.
وإذا استوى على راحلته لبى تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك ". 3 ولا يستحب الزيادة عليها ولا يكره، "لأنه صلى الله عليه وسلم لزم تلبيته ولم ينكر الزيادة عليها".
ويستحب رفع الصوت بها، والإكثار منها. وعن الثوري: أن التلبية من شرط الإحرام، ولا يصح إلا بها كالتكبير للصلاة، لأن ابن عباس قال في قوله:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} : 4 "الإهلال". وعن عطاء وطاووس: هو التلبية.
ويستحب ذكر ما أحرم به في تلبيته، وقيل:"لا يستحب"، وبه قال الشافعي، ويروى عن ابن عمر، "لأن في حديث جابر ما سمّى في تلبيته حجة ولا عمرة". ولنا: حديث أنس، وحديث ابن عباس:"قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يلبّون بالحج". 5 متفق عليه.
و"متى لبّى بهما بدأ بذكر العمرة"، لحديث أنس، قال أحمد: إذا حج عن رجل يقول أول ما يلبي: عن فلان، ثم لا يبالي أن لا يقول بعد ذلك، لقوله صلى الله
1 البخاري: الحيض (317، 319) والحج (1556، 1786) والمغازي (4395)، ومسلم: الحج (1211)، والنسائي: الطهارة (242)، وأبو داود: المناسك (1781)، ومالك: الحج (940) .
2 مسلم: الحج (1213)، والنسائي: مناسك الحج (2763)، وأبو داود: المناسك (1785) .
3 البخاري: الحج (1549)، ومسلم: الحج (1184) .
4 سورة البقرة آية: 197.
5 البخاري: الجمعة (1085)، ومسلم: الحج (1240)، والنسائي: مناسك الحج (2870، 2871) .
عليه وسلم للذي سمعه يلبِّي عن شبرمة: "لبِّ عن نفسك، ثم لبِّ عن شبرمة". وهي مستحبة في جميع الأوقات، ويتأكد استحبابها إذا علا نشزاً وهبط وادياً، وفي دبر المكتوبة، وإقبال الليل والنهار، وإذا التقت الرفاق، وإذا فعل محظوراً ناسياً، وإذا سمع ملبياً. وبه قال الشافعي. وقد كان يقول مالك: لا يلبي عند اضطرام الرفاق، والحديث يدل عليه. وكذلك قول النخعي: كانوا يستحبونها دبر المكتوبة، وإذا هبط وادياً، وإذا علا نشزاً، وإذا لقي راكباً، وإذا استوت به راحلته. قيل لأحمد: العامة يلبون دبر كل صلاة ثلاثاً، فتبسم وقال: ما أدري من أين جاؤوا به. قيل: أليس يجزئه مرة؟ قال: بلى. وكذلك لأن المروي التلبية مطلقاً وكذلك يحصل بمرة. و"لا بأس بالتلبية في طواف القدوم"، به قال ابن عباس والشافعي. وقال ابن عيينة: ما رأينا أحداً يقتدى به يلبي حول البيت إلا عطاء بن السائب، وهو قول الشافعي، لأنه يشتغل بذكر يخصه، فكان أولى. ولنا: أنه زمن تلبية، ويمكن الجمع بينها وبين الذكر.
ولا بأس أن يلبي الحلال، وكرهه مالك. قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها، وإنما عليها أن تسمع نفسها.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
الإحرام نية النسك، وقيل: مع التلبية أو سوق الهدي، اختاره الشيخ. ويصلي ركعتين. واختار الشيخ أنه يستحب أن يحرم عقيب فرض إن كان وقته، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه. واستحب الاشتراط للخائف فقط. وعنه: إن ساق الهدي فالقِران أفضل، ثم التمتع، اختاره الشيخ. واختار وجوب فسخ الحج على من اعتقد عدم مساغه. وقال: لا يلبي بوقوفه بعرفة ومزدلفة، لعدم نقله. قال في الفروع: كذا قال.