المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الهدي والأضحي - مختصر الإنصاف والشرح الكبير (مطبوع ضمن مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني)

[محمد بن عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب الاستنجاء

- ‌باب السواك وسنية الوضوء

- ‌باب فروض الوضوء وصفته

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌‌‌كتاب الصلاة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب اجتناب النجاسات

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌باب النية

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

-

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة الأثمان

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب أهل الزكاة

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة

- ‌باب ما يكره ويستحب، وحكم القضاء

- ‌باب صوم التطوع

- ‌كتاب الاعتكاف

-

- ‌كتاب المناسك

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الإحرام

- ‌باب محظورات الإحرام

- ‌باب الفدية

- ‌باب جزاء الصيد

- ‌باب صيد الحرم

- ‌باب دخول مكة

- ‌باب صفة الحج

- ‌باب الفوات والإحصار

- ‌باب الهدي والأضحي

-

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب ما يلزم الإمام والجيش

- ‌باب قسمة الغنائم

- ‌باب حكم الأرضين المغصوبة

- ‌باب الفيئ

- ‌باب الأمان

- ‌باب الهدنة

- ‌باب عقد الذمة

- ‌باب أحكام الذمة

- ‌كاب البيع

- ‌باب الضمان

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الصلح

-

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌باب الخيار

- ‌باب الربا والصرف

- ‌باب بيع الأصو ول الأثمان

- ‌باب السلم

- ‌باب القرض

-

- ‌كتاب الحجر

- ‌باب الوكالة

-

- ‌كتاب الشركة

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجارة

- ‌باب السبق

- ‌باب العارية

- ‌باب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب احياء الموت

- ‌باب الجعالة

- ‌باب اللقطة

-

- ‌كتاب الوقف

- ‌باب الهبة والعطية

-

- ‌كتاب الوصايا

- ‌باب الموصى له

- ‌باب الموصى به

- ‌باب الموصى إليه

-

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب أركان النكاح وشروطه

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب الشروط في النكاح

- ‌باب حكم العيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

-

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء

- ‌كتاب الخلع

-

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب سنية الطلاق وبدعيته

- ‌باب صريح الطلاق وكنايته

- ‌باب الرجعة

- ‌كتاب العدد

- ‌كتاب الرضاع

-

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب من أحق بكفالة الطفل

- ‌كتاب الجنايات

-

- ‌كتاب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌باب الحدود

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد المحاربين

- ‌باب قتال أهل البغي

-

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذكاة

- ‌كتاب الصيد

-

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب النذر

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طرق الحكم وصفته

- ‌باب حكم كتاب القاضي إلى القضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعوات والبينات

- ‌باب تعارض البيّنتين

-

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب شروط من تقبل شهاداته

-

- ‌كتاب الإقرار

- ‌باب ما يحصل به الإقرار

- ‌باب الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌باب الهدي والأضحي

‌باب الهدي والأضحي

باب الهدي والأضاحي

الأصل في مشروعية الأضحية: الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب فقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ، 1 قال بعضهم: المراد به: الأضحية بعد صلاة العيد.

ويستحب لمن أتى مكة أن يهدي هدياً، "لأنه صلى الله عليه وسلم أهدى في حجته مائة بدنة"، 2 "وكان يبعث بهديه ويقيم بالمدينة"3.

وأفضل الهدايا والأضاحي: الإبل، ثم البقر، ثم الغنم، ثم شرك في بدنة، ثم شرك في بقرة، وبه قال الشافعي. وقال به مالك في الهدي. وقال في الأضحية: الأفضل: الجذع من الضأن، ثم البقرة، ثم البدنة، "لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين" 4 الحديث متفق عليه، ولا يفعل إلا الأفضل، ولو علم الله سبحانه وتعالى أفضل منه لفدى به إسماعيل. ولنا: قوله: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح، فكأنما قرب بدنة

إلخ"، 5 وأما التضحية بالكبش فلأنه أفضل أنواع الغنم، وكذلك حصول الفداء به، والشاة أفضل من الشرك في بدنة، ولأن إراقة الدم مقصودة. والذكر والأنثى سواء، لقوله تعالى:{عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} ، 6 وقال:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية 7.

1 سورة الكوثر آية: 2.

2 أحمد (1/260) .

3 الدارمي: المناسك (1936) .

4 البخاري: الحج (1712) والأضاحي (5553، 5558، 5564، 5565) والتوحيد (7399)، ومسلم: الأضاحي (1966)، والنسائي: الضحايا (4418)، وأبو داود: الضحايا (2793، 2794)، وابن ماجة: الأضاحي (3120) ، وأحمد (3/115، 3/170، 3/189، 3/211، 3/214، 3/222، 3/255، 3/268، 3/272، 3/279، 3/281)، والدارمي: الأضاحي (1945) .

5 البخاري: الجمعة (881)، ومسلم: الجمعة (850)، والترمذي: الجمعة (499)، والنسائي: الجمعة (1388)، وأبو داود: الطهارة (351) ، وأحمد (2/460)، ومالك: النداء للصلاة (227) .

6 سورة الحج آية: 28.

7 سورة الحج آية: 36.

ص: 347

وممن أجاز ذكران الإبل في الهدي: مالك والشافعي. وعن ابن عمر: "ما رأيت أحداً فاعلاً ذلك". والأول أولى لما ذكرنا، وثبت "أنه صلى الله عليه وسلم أهدى جملاً لأبي جهل، في أنفه برة من فضة". 1 رواه أبو داود.

والضأن أفضل من المعز، لأنه أطيب لحماً، ويحتمل أن الثني من المعز أفضل من الجذع، لقوله:"لا تذبحوا إلا مسنّة، فإن عزّ عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن ". 2 رواه مسلم.

ويسن استسمانها واستعظامها واستحسانها، ولأن ذلك أعظم لأجرها ونفعها.

والأفضل في نوع الغنم: البياض، لما ورد؛ ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن، وهو: ما له ستة أشهر، والثني مما سواه، وبه قال مالك والشافعي. قال ابن عمر:"لا يجزئ الجذع، لأنه لا يجزئ من غيرها. ولنا على إجزائه: حديث مجاشع وأبي هريرة: "الجذع يوفي مما يوفي منه الثني". 3 رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة. وعلى عدم إجزائه من غيره، قوله: "لا تذبحوا إلا مسنّة ". 4 وكان عطاء والأوزاعي يقولان: يجزئ الجذع من كل شيء، لقوله: "إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني". 5 رواه أبو داود، وهو محمول على الضأن، للحديث.

وثني الإبل: ما له خمس سنين، ومن البقر: ما له سنتان، ومن المعز: ما له سنة. وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة، سواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم، والباقون اللحم. وقال أبو حنيفة: تجوز إذا تقربوا كلهم. وعن ابن عمر: "لا يجزئ نفس عن سبعة". قال أحمد: ما علمت أن أحداً لا يرخص فيه، إلا ابن عمر. وعن ابن المسيب:"الجزور عن عشرة"، لحديث رافع في قسمة الغنيمة. ولنا: حديث جابر. وأما حديث رافع، فهو في القيمة. ولا بأس أن يذبح الرجل عن أهل بيته شاة واحدة، لحديث أبي داود وأبي هريرة، وكرهه الثوري.

ولا تجزئ العوراء البيّن عورها، ولا العجفاء الهزيلة التي لا تنقي، ولا العرجاء

1 ابن ماجة: المناسك (3076) .

2 مسلم: الأضاحي (1963)، والنسائي: الضحايا (4378)، وأبو داود: الضحايا (2797)، وابن ماجة: الأضاحي (3141) ، وأحمد (3/312، 3/327) .

3 النسائي: الضحايا (4383) .

4 مسلم: الأضاحي (1963)، والنسائي: الضحايا (4378)، وأبو داود: الضحايا (2797)، وابن ماجة: الأضاحي (3141) ، وأحمد (3/312، 3/327) .

5 النسائي: الضحايا (4383، 4384)، وأبو داود: الضحايا (2799)، وابن ماجة: الأضاحي (3140) .

ص: 348

البيّن ضلعها فلا تقدر على المشي مع الغنم، ولا العضباء وهي: التي ذهبت أكثر أذنها أو قرنها. لا خلاف أن هذه الأربعة تمنع الإجزاء في الهدي والأضحية، لحديث البراء في الأضاحي، والهدي مقيس عليه.

قال شيخنا: والذي في الحديث: "المريضة البيّن مرضها"، 1 وهو الذي بان أثره عليها، فمن فسره بالجرباء التي لا يرجى برؤها، فتخصيص للعموم بلا دليل. وقال الشافعي:"تجزئ مكسورة القرن"، روي نحوه عن عمار. وقال مالك: إن كان قرنها يدمي لم تجزئ، وإلا أجزأت. وقال عطاء: إذا ذهبت الأذن كلها لم تجزئ. ولنا: حديث علي. قال ابن المسيب: العضب النصف فأكثر. ولا تجزئ العمياء، وإن لم يكن بيّناً، لأنه يمنع مشيها مع الغنم. قال ابن عباس:"لا تجوز العجفاء ولا الجداء"، قال أحمد: هي التي يبس ضرعها، ولأنه أبلغ في الإخلال بالمقصود من ذهاب شحمة العين.

و"تكره معيبة الأذن، بخرق أو شق أو قطع الأقل من النصف"، لحديث عليّ. وما كان كامل الخلقة فهو أفضل، "لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن". 2 ويجزئه الخصي، لا نعلم فيه خلافاً.

والسنة: نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، وذبح البقر والغنم. وممن استحبه مالك والشافعي، وقال عطاء: يستحب وهي باركة. وجوز الثوري كلا الأمرين. ولنا: حديث ابن عمر، وقوله:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} 3 دليل على ذلك، وقيل: في قوله: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} 4 أي: قياماً.

ويستحب توجيهها إلى القبلة، ويقول:"بسم الله والله أكبر". قال ابن

1 الترمذي: الأضاحي (1497)، والنسائي: الضحايا (4369)، وأبو داود: الضحايا (2802)، وابن ماجة: الأضاحي (3144) ، وأحمد (4/284، 4/289، 4/300، 4/301)، ومالك: الضحايا (1041)، والدارمي: الأضاحي (1949، 1950) .

2 الترمذي: الأضاحي (1496)، والنسائي: الضحايا (4390)، وأبو داود: الضحايا (2796)، وابن ماجة: الأضاحي (3128) .

3 سورة الحج آية: 36.

4 سورة الحج آية: 36.

ص: 349

المنذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح يقول: "بسم الله والله أكبر". 1 وإن قال مما ورد مما زاد، فحسن. وإن قال:"اللهم تقبل مني ومن فلان"، فحسن. قال أبو حنيفة: يكره أن يذكر غير اسم الله، لقوله {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ِ} 2.

وذبحها بيده أفضل، لفعله صلى الله عليه وسلم، والاستنابة جائزة بلا خلاف.

أول وقت الذبح: إذا دخل وقت صلاة العيد ومضى قدر الصلاة، وهو مذهب الشافعي وابن المنذر. وعنه: لا بد من صلاة الإمام وخطبته، وهو مذهب مالك؛ فإن ذبح بعد الصلاة وقبل الخطبة أجزأ، لتعليقه المنع على فعل الصلاة.

وأما غير أهل القرى، فإن أوله في حقهم: قدر الصلاة والخطبة بعد حل الصلاة، وقال عطاء: إذا طلعت الشمس. فإن لم يصل الإمام في المصر، لم تذبح حتى تزول الشمس، عند من اعتبر نفس الصلاة، لسقوطها حينئذ.

ولا يستحب أن يذبح قبل الإمام، فإن فعل أجزأه، وعن مالك: لا يجزئ، والصحيح: الأول، لما ذكرنا من الأحاديث.

و"آخر الذبح: اليوم الثاني من أيام التشريق"، وهذا قول عمر وعلي، وذهب إليه مالك وأبو حنيفة. وعن عليّ:"آخر أيام التشريق"، وبه قال الشافعي. وقال ابن سيرين: لا تجوز إلا يوم النحر. وعن عطاء بن يسار: إلى هلال المحرم. ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار اللحوم فوق ثلاث"، فلا يجوز الذبح في وقت لا يجوز الادخار فيه، ولأنه قول خمسة من الصحابة، ولا مخالف لهم إلا رواية عن عليّ، وحديثهم:"ومنى كلها منحر"، 3 وليس فيه ذكر الأيام. ولا يجزئ في ليلتها،

1 الترمذي: الأضاحي (1521)، وأبو داود: الضحايا (2810) .

2 سورة المائدة آية: 3.

3 مسلم: الحج (1218)، وأبو داود: المناسك (1907) .

ص: 350

وبه قال مالك، لقوله:{فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} ، 1 وعنه: يجوز، وبه قال الشافعي، لأن الليل دخل في مدة الذبح، فإن فات وقت الذبح، ذبح الواجب قضاء.

وأما التطوع فلا يصح أيضاً، وقال أبو حنيفة: يسلّمها للفقراء، فإن ذبح قبل الوقت لم يجز، وعليه بدلها إن وجبت، لقوله:"من ذبح قبل أن يصلّي، فليعد مكانها أخرى". 2 والشاة المذبوحة شاة لحم، كما وصفها صلى الله عليه وسلم، ومعناه: يصنع بها ما شاء، كشاة ذبحها للحمها. ويحتمل أن يكون حكمها حكم الأضحية، كالهدي إذا عطب لا يخرج عن حكمه، ويكون معناه شاة لحم، يعني: أنها تفارقها في الثواب خاصة.

ويتعين الهدي بقوله: "هذا هدي"، وتقليده وإشعاره مع النية، وبه قال الثوري وإسحاق.

وكذلك الأضحية، بقول:"هذه أضحية"، وبه قال الشافعي. وقال مالك: إذا اشتراها بنية الضحية، وجبت كالهدي بالإشعار. فإن عيّن ما لا يجزئ وجب ذبحه، ولم يجز عن الأضحية. وإن تعيبت لم يجز بيعها، ولا هبتها، إلا أن يبدلها بخير منها فيجوز، وقيل: يجوز بيعها ويشتري خيراً منها، نص عليه؛ وهو قول عطاء وأبي حنيفة، "لأنه صلى الله عليه وسلم أشرك علياً في بدنة"، وهو نوع من الهبة. ولنا: أنه يجوز إبدال المصحف، ولم يجز بيعه. وقصة عليّ يحتمل أنه قبل إيجابها، أو في ثوابها وأجرها. فأما إبدالها بخير منها فيجوز، وهو قول مالك وأبي حنيفة، وقيل: لا. وهو مذهب الشافعي. ولنا: حديث عليّ. ولا يجوز إبدالها بدونها بغير خلاف، ولا يجوز بمثلها أيضاً. فإن مات وعليه دين لم تُبع، وقال الأوزاعي تباع إذا لم يكن لديْنه وفاء إلا منها. وقال مالك: إن تشاجر الورثة باعوها. وله ركوبها عند الحاجة،

1سورة الحج آية رقم 28.

2 البخاري: الأضاحي (5562)، ومسلم: الأضاحي (1960)، والنسائي: الضحايا (4368، 4398) ، وأحمد (4/312) .

ص: 351

ما لم يضرّ بها، وبه قال الشافعي، لقوله صلى الله عليه وسلم:" اركبها"، ومع عدم الحاجة روايتان. وإذا عيّن أضحية فولدت، فحكم ولدها حكمها، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يذبحه، ويدفعه إلى المساكين حياً. ولا يجوز ذبحه قبل أمه، ولا تأخيره عن آخر الوقت.

ولا يشرب من لبنها، إلا ما فضل عن ولدها، إن لم ينقص لحمها ويضر بها، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يحلبها، ويرش على الضرع الماء حتى ينقطع اللبن، فإن حلبها تصدق به. ولنا: قول عليّ: "لا يحلبها إلا ما فضل عن تيسير ولدها". وله جز صوفها إذا كان أنفع لها، ويتصدق به، ولا يعطي الجازر بأجرته شيئاً منها، وبه قال مالك والشافعي. ورخص الحسن في إعطائه الجلد. ولنا: حديث عليّ في البدن.

ولا خلاف في جواز الانتفاع بجلودها وجلالها.

ولا يجوز بيع شيء منها، وبه قال الشافعي. ورخص الحسن في الجلد يبيعه ويشتري به الغربال وآلة البيت. وحكى ابن المنذر عن أحمد وإسحاق: يبيع الجلد ويتصدق بثمنه. ولنا: حديث عليّ في البدن، وما ذكروه في شراء آلة البيت يبطل باللحم.

وإن ذبحها ذابح في وقتها بغير إذنه أجزأت، وقال مالك: هي شاة لحم، لمالكها أرشها، وعليه بدلها، لأن الذبح عبادة.

وإن اشترى أضحية فلم يوجبها حتى علم بها عيباً، فإن شاء ردَّها، وإن شاء أخذ أرشها. ثم إن كان عيبها يمنع الإجزاء، لم يصح التضحية بها، وإن لم يمنع ذلك فله ذلك والأرش له. فإن علم به بعد الإيجاب، فقيل: يردها وقيل: لا يردّها، كالعلم بعيب العبد بعد عتقه، وهذا مذهب الشافعي. وإذا أتلف الأضحية الواجبة، فعليه قيمتها يوم التلف. وإن عطب الهدي في الطريق، نحره وصبغ نعله التي في عنقه من دمه، وضرب بها صفحة سنامه، يعرفه الفقراء فيأخذوه. ولا يأكل منها هو ولا أحد من

ص: 352

أهل رفقته. وروي عن ابن عمر "أنه أكل من هديه الذي عطب". وقال مالك: يباح لرفقته غير صاحبه وسائقه، لحديث ناجية بن كعب:"ثم خلِّ بينه وبين الناس". 1 ولنا: حديث ابن عباس عن ذؤيب: "لا تطعمها أنت، ولا أحد من أهل رفقتك". 2 رواه مسلم.

وإذا عين أضحية سليمة ثم تعيبت، ذبحها وأجزأت، وبه قال مالك والشافعي.

ويباح للفقراء الأخذ من الهدي بالإذن أو دلالة الحال، وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يباح إلا باللفظ. ولنا: قوله: "اصبغ نعلها

إلخ". وسوق الهدي مسنون، لا يجب إلا بالنذر.

و"يستحب أن يقفه بعرفة، ويجمع فيه بين الحل والحرم، ولا يجب"، روي عن ابن عباس، وبه قال الشافعي. و"كان ابن عمر لا يرى الهدي إلا ما عرف به".

ويسن تقليد الإبل والبقر وإشعارها، وهو شق صفحة سنامها الأيمن حتى يدميها، في قول أكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة: هذا مثلة غير جائز، قال مالك: إذا كانت بقرة ذات سنام، فلا بأس بإشعارها، وإلا فلا. ولنا: فعله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه. والسنة في صفحتها اليمنى، وبه قال الشافعي. وقال مالك: اليسرى، لأن ابن عمر فعله. ولنا: حديث ابن عباس، رواه مسلم.

وإذا ساقه قبل الميقات استحب إشعاره وتقليده من الميقات، لحديث ابن عباس. وأما الغنم فلا يسن إشعارها، لأنها ضعيفة، يقلدها نعلاً وآذان القرب أو علاقة إداوة أو عروة. وقال مالك: لا يسن تقليدها لأنه لم ينقل. ولنا: حديث عائشة، رواه البخاري. وإذا نذر هدياً مطلقاً أو معيّناً، وأطلق مكانه، وجب إيصاله إلى فقراء الحرم. وجوّز أبو حنيفة ذبحه كيف شاء. ولنا: قوله:

1 الترمذي: الحج (910)، وأبو داود: المناسك (1762)، وابن ماجة: المناسك (3106) ، وأحمد (4/333، 4/334)، ومالك: الحج (862)، والدارمي: المناسك (1909) .

2 مسلم: الحج (1326)، وابن ماجة: المناسك (3105) ، وأحمد (4/224) .

ص: 353

{ثم مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} . 1 فإن عيّن لنذره موضعاً غير الحرم، لزم ذبحه فيه، لحديث بوانة.

ويستحب أن يأكل من هديه، سواء ما أوجبه بالتعيين أو تطوعاً، وقيل يجب الأكل منها، لظاهر الأمر. ولا يأكل من واجب، إلا دم المتعة والقران، لأن سببها غير محظور. وعنه:"يأكل مما سوى النذر وجزاء الصيد"، وهو قول ابن عمر وإسحاق. وقال الشافعي: لا يأكل من واجب، لأنه هدي وجب بالإحرام، فلم يجز الأكل منه كالكفارة. ولنا:"أن أزواجه صلى الله عليه وسلم أكلن من لحوم البقر التي ذبحت عنهن لما تمتعن".

والأكثر يرون الأضحية سنة مؤكدة، وقال أبو حنيفة: واجبة، وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها. وروي عن بلال:"لأن أضعه في يتيم قد ترب فوه أحب إلي"، وبه قال الشعبي. ولنا:"أنه صلى الله عليه وسلم ضحى والخلفاء من بعده"، ولو علموا أن الصدقة أفضل لعدلوا إليها.

ويستحب أن يأكل ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث، وقال أحمد: نحن نذهب إلى حديث عبد الله. وقيل: ما كثر من الصدقة فهو أفضل. ولنا: حديث ابن عباس في صفة أضحيته صلى الله عليه وسلم، ولأنه قول ابن مسعود وابن عمر، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، ولأن الله قال:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} . 2 والقانع: السائل، والمعتر: الذي يتعرض لك لتعطيه ولا يسأل. وأما قوله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} ، 3 فلم يبيّن

1 سورة الحج آية: 33.

2 سورة الحج آية: 36.

3 سورة الحج آية: 28.

ص: 354

قدر المأكول والمتصدق به. وأما خبر الهدي، فالهدي يكثر ولا يتمكن الإنسان من قسمه وأخذ ثلثه؛ والأمر في هذا واسع، فمتى أكل وأطعم فقد أتى بما أمر. وقال الشافعي: يجوز أكلها كلها. ولنا: الآية، وظاهر الأمر الوجوب.

ويجوز أن يطعم منها كافراً، وكره مالك إعطاء النصراني جلدها، وإن أكلها كلها، ضمن ما يجزئ في الصدقة؛ وقيل: يضمن الثلث.

ويجوز ادخار لحمها فوق ثلاث، في قول عامتهم، و"لم يجزه عليّ وابن عمر، للنهي عنه". ولنا: أنه رخص بعد النهي، قال أحمد: وفيه أسانيد صحاح.

ولا يضحي عما في البطن، ولا نعلم فيه خلافاً.

ومن أراد أن يضحي فدخل العشْر، فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئاً، لحديث أم سلمة في النهي عنه، رواه مسلم، وهو قول ابن المسيب وإسحاق، وقيل: مكروه غير محرم، وبه قال مالك والشافعي، لحديث عائشة، فإن فعل فلا فدية إجماعاً.

(والعقيقة) سنة مؤكدة في قول أئمة الأمصار، وقال أصحاب الرأي: هي من أمر الجاهلية، وقال الحسن وداود: هي واجبة، لحديث:"كل غلام رهينة بعقيقته، تُذبح عنه يوم سابعه، ويسمَّى ويُحلق"، 1 قال أحمد: إسناده جيد. ولنا: قوله: "من أحب أن ينسك عن المولود، فليفعل". 2 رواه مالك في الموطإ، وهي أفضل من الصدقة بقيمتها، قال أحمد: إذا لم يكن عنده ما يعق واستقرض، رجوت أن يخلف الله عليه، أحيا سنة. قال ابن المنذر: صدق أحمد، إحياء السنن واتباعها أفضل.

عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، هذا قول الأكثر. وكان ابن عمر يقول:"شاتان عنهما لفعله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين"، وكان الحسن وقتادة لا يريانها عن الجارية. ولنا:

1 الترمذي: الأضاحي (1522)، والنسائي: العقيقة (4220)، وأبو داود: الضحايا (2837، 2838)، وابن ماجة: الذبائح (3165) ، وأحمد (5/7، 5/12، 5/17، 5/22)، والدارمي: الأضاحي (1969) .

2 النسائي: العقيقة (4212)، وأبو داود: الضحايا (2842) ، وأحمد (2/182، 2/193) .

ص: 355

حديث عائشة وأم كرز. ويستحب أن يكونا متماثلين، لقوله متكافئتان، والحديث في الحسن والحسين يدل على الجواز، والذكَر أفضل، "لفعله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين، وفعله في الأضحية".

وتذبح يوم سابعه، ويحلق رأسه، ويتصدق بوزنه ورقاً؛ ولا نعلم خلافاً في استحبابها يوم السابع بين القائلين بها.

و"يستحب أن يحلق رأسه يوم السابع ويسمّى"، لحديث سمرة، وأن يُتصدق بوزن شعره فضة، "لأمره بذلك فاطمة لما ولدت الحسن"، رواه أحمد. وإن سماه قبل السابع فحسن، لقوله:"ولد لي الليلة ولد، فسميته باسم أبي إبراهيم"، 1 ولحديث عبد الله بن أبي طلحة.

ويستحب تحسين اسمه، للأمر بذلك، رواه أبو داود. "فإن فات السابع، ففي أربعة عشر، فإن فات ففي إحدى وعشرين"؛ وهذا قول إسحاق، لأنه مروي عن عائشة. فإن ذبح قبل ذلك أو بعده أجزأ، وإن كبر ولم يعق عنه، فقال أحمد: ذلك على الوالد، يعني: لا يعق عن نفسه. وقال عطاء: يعق عن نفسه. ويكره أن يلطخ رأس الصبي بدم، وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق. وعن قتادة: يستحب، قال ابن المنذر: ولا أعلم أحداً قاله، إلا الحسن وقتادة. وأنكره سائر أهل العلم وكرهوه، لقوله:"اهرقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى". رواه أبو داود. فأما ما روي فيدمي، فقال أبو داود: وهم همام.

ويستحب أن يفصلها أعضاء، ولا يكسر عظامها، لما روي عن عائشة:"لأنها أول ذبيحة ذبحت عنه، واستحب ذلك تفاؤلاً بالسلامة". كذلك قالت عائشة: "وحكمها حكم الأضحية". وكانت عائشة تقول: "ائتوني به أعيَن أقرن".

وعن ابن سيرين: اصنع بلحمها كيف شئت، حكاه أحمد. وقال أحمد: يباع الجلد والرأس والسقطة، ويتصدق به. ونص في الأضحية على خلاف هذا.

وقال بعضهم: يؤذّن في أذن المولود، لحديث عبد الله بن رافع.

1 مسلم: الفضائل (2315)، وأبو داود: الجنائز (3126) ، وأحمد (3/194) .

ص: 356

ولا تسن الفرعة ولا العتيرة، الفرعة: ذبح أول ولد الناقة، والعتيرة: ذبح رجب؛ هذا قول علماء الأمصار، سوى ابن سيرين، فإنه كان يذبح العتيرة ويروي فيها شيئاً. ولنا: حديث أبي هريرة: "لا فرع ولا عتيرة". 1 متفق عليه، وهو ناسخ، لأن أبا هريرة متأخر الإسلام، ولأن فعلها متقدم. ولو قدر تقدم النهي، لكانت قد نسخت، ثم نسخ ناسخها. والمراد بالخبر نفي كونها سنة، لا يحرم فعلها ولا يكره.

ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":

قوله: أفضلها: الإبل

إلخ، قال أحمد: يعجبني البياض. واختار الشيخ: الأجر على قدر القيمة مطلقاً، ورجح تفضيل البدنة السمينة على السبع، قال ابن رجب: في سنن أبي داود حديث يدل عليه.

وقال في الفروع: يتوجه احتمال: يجوز أعضب الأذن والقرن مطلقاً، لأن في صحة الخبر نظراً كقطع الذنب وأولى، قلت: هذا هو الصواب.

وقال الشيخ: يجزئ الهتماء، وهي: التي سقط بعض أسنانها. قوله: ويقول: "بسم الله والله أكبر". قال الشيخ: ويقول: "وجهت وجهي" - إلى قوله – "وأنا من المسلمين"، ويقول:"اللهم تقبّل مني كما تقبّلت من إبراهيم خليلك".

قوله: إلى آخر يومين

إلخ، واختار الشيخ أن آخره اليوم الثالث.

قوله: ولو نوى حال الشراء لم يتعين، وعنه: بلى، اختاره الشيخ. ونسخ تحريم الادخار، قال الشيخ: إلا في مجاعة.

و"يستحب الحلق بعد الذبح"، قال أحمد: هو على ما فعل ابن عمر تعظيماً لذلك اليوم، وعنه: لا يستحب، اختاره الشيخ، واختار أنه لا تضحية بمكة، وإنما هو الهدي.

قوله: وحكمها

1 البخاري: العقيقة (5473)، ومسلم: الأضاحي (1976)، والترمذي: الأضاحي (1512)، والنسائي: الفرع والعتيرة (4222، 4223)، وأبو داود: الضحايا (2831)، وابن ماجة: الذبائح (3168) ، وأحمد (2/229، 2/239، 2/279، 2/409، 2/490)، والدارمي: الأضاحي (1964) .

ص: 357

حكم الأضحية، قال الشارح: يحتمل الفرق من حيث أن الأضحية شرعت يوم النحر، والعقيقة شرعت عند سرور حادث وتجدد نعمة، كالذبح في الوليمة، ولأنها لم تخرج عن ملكه هنا، فله أن يفعل فيها ما شاء من بيع وغيره.

ولم يعتبر الشيخ التمليك، قيل لأحمد لما ذكر أن طبخها أفضل: يشق عليهم، قال: يتحملون ذلك.

وقال أبو بكر في التنبيه: يستحب أن تعطى القابلة منها فخذاً.

ص: 358