الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الذكاة
لا يباح المقدور عليه بغير ذكاة، إلا الجراد وشبهه، وما لا يعيش إلا في الماء، وكره الطافي طاووس وغيره. ولنا: قوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم} 1 قال ابن عباس: "طعامه ما مات فيه"، وما رواه أبو داود عن جابر، مرفوعاً:"ما مات فيه وطفا، فلا تأكلوه"، 2 فهو موقوف عليه، قاله أبو داود. وعن أحمد: لا يؤكل الجراد إلا أن يموت بسبب، وسهل أحمد في إلقاء الجراد في النار.
ويشترط للذكاة أربعة شروط:
(أحدها) : أهلية الذابح، وهو أن يكون عاقلاً، مسلماً أو كتابياً. وقال الشافعي: لا يعتبر العقل.
(الثاني) : الآلة، وهو أن يذبح بمحدود، من حديد أو حجر أو قصب أو غيره، إلا السن والظفر؛ فأما العظم غير السن، فمقتضى إطلاق أحمد والشافعي: أنه يجوز، وقال النخعي: لا يذكى بالعظم، لقوله:"أما السن فعظم".
(الثالث) : قطع الحلقوم والمريء، وعنه: والودجين؛ وبه قال مالك، لحديث أبي هريرة:"نهى عن شريطة الشيطان" 3 الحديث، وهو محمول على من لم يقطع المريء. ولا خلاف في استحباب نحر الإبل، وذبح ما سواها،
1 سورة المائدة آية: 96.
2 أبو داود: الأطعمة (3815)، وابن ماجة: الصيد (3247) .
3 أبو داود: الضحايا (2826) ، وأحمد (1/289) .
قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ، 1 وقال:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} ؛ 2 فإن ذبح الإبل ونحر ما سواها أجزأ، في قول الأكثر. وحكي عن داود: لا يباح. وحكي عن مالك: لا يجزئ في الإبل إلا النحر. ولنا: قوله: "أمرر الدم بما شئت". وقال ابن المنذر: أجمعوا على إباحة ذبيحة المرأة والصبي.
فإن عجز عن الذكاة، مثل أن يند البعير، أو يتردى في بئر فلا يقدر على ذبحه، كالصيد إذا جرحه في أي موضع أمكن فقتله حل، إلا أن يموت بغيره، هذا قول الأكثر. وقال مالك: لا يحل إلا أن يذكَّى. قال أحمد: لعل مالكاً لم يسمع حديث رافع، وهو الذي فيه:"ما غلبكم فاصنعوا هكذا". متفق عليه. وإن ذبحها من قفاها وهو مخطئ فأتت السكين على موضع ذبحها وهي في الحياة أكلت، وإن فعله عمداً فعلى وجهين: قيل: لا تؤكل، حكي عن مالك وإسحاق، وعنه: ما يدل على إباحتها مطلقاً، فإنه قال:"لو ضرب رأس بطة بالسيف أو شاة يريد بذلك الذبيحة، كان له أن يأكل". وروي عن علي وعمران بن حصين، وبه قال الثوري.
والمنخنقة والموقوذة ونحوها، وما أصابها مرض فماتت بذلك، فهي حرام، إلا أن تدرك ذكاتها، لقوله تعالى:{إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} ؛ 3 فإن أدركها وفيها حياة مستقرة بحيث يمكن ذبحها، حلت لعموم الآية. قال ابن عباس في ذئب عدا على شاة فوضع قصبها بالأرض، فأدركها فذبحها بحجر، قال: "يلقي
1 سورة الكوثر آية: 2.
2 سورة البقرة آية: 67.
3 سورة المائدة آية: 3.
ما أصاب الأرض منها ويأكل سائرها"، قال أحمد: إذا مصعت بذنبها، وطرفت بعينها، وسال الدم، فأرجو. وعنه: إذا شق الذئب بطنها وخرج قصبها لا يؤكل، وهذا قول أبي يوسف؛ والأول أصح، لعموم الآية، و"لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل في حديث جارية كعب".
(الرابع) : أن يذكر اسم الله عز وجل عند الذبح فيقول: "بسم الله"، لا يقوم غيرها مقامها. وثبت "أنه صلى الله عليه وسلم يقول: بسم الله والله أكبر". ولا خلاف أن التسمية تجزئ. وإن سبح أو هلل أو كبر أو حمد، احتمل الإجزاء وعدمه. والأخرس يومئ برأسه إلى السماء، قال ابن المنذر: أجمعوا على إباحة ذبيحة الأخرس، يدل عليه حديث: "الأعجمية لما قال لها: أين الله؟ أشارت برأسها إلى السماء ". قال ابن المنذر: ولا أعلم أحداً كره ذبيحة الجنب.
فإن ترك التسمية عمدًا لم تبَح، وإن تركها ساهياً أبيحت، وعنه: لا تباح، وعنه: تباح في الحالين. المشهور عن أحمد: "أنها شرط، تسقط بالسهو". روي عن ابن عباس؛ وبه قال مالك وإسحاق والثوري، وعنه: ليست شرطاً في عمد ولا سهو، وبه قال الشافعي. قال أحمد:"إنما قال الله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ} ، 1 يعني: الميتة"، وذكر ذلك عن ابن عباس. وعنه: تجب في العمد والسهو، للآية، وهي محمولة على العمد، لقوله:{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} . 2وإن لم يعلم أسمّى الذابح أم لا، فهي حلال.
وذكاة الجنين ذكاة أمه إذا خرج ميتا أو تحرك حركة المذبوح، وإن
1 سورة الأنعام آية: 121.
2 سورة الأنعام آية: 121.
كان فيه حياة مستقرة لم يبح إلا بذبحه، أشعر أو لا. قال ابن المنذر: كان الناس على إباحته، لا نعلم أحداً خالف ما قالوا، إلى أن جاء النعمان فقال: لا يحل، لأن ذكاة نفس لا تكون ذكاة لنفسين. و"استحب أحمد ذبحه إذا خرج ميتاً ليخرج الدم الذي في جوفه"، وذكر ذلك عن ابن عمر. ويستحب أن يستقبل بها القبلة. و"كره ابن عمر أكل ما ذبح لغير القبلة"، والأكثرون على أنه لا يكره. ويكره الذبح بآلة كالّة، لقوله:"إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة" 1 الحديث. ويكره أن تحد السكين والحيوان يبصره، "ورأى ابن عمر رجلاً وضع رجله على شاة وهو يحد السكين، فضربه". ويكره أن يذبح شاة والأخرى تنظر إليه، وأن يكسر العنق أو يسلخ حتى تبرد. قال عمر:"لا تعجلوا الأنفس حتى تزهق". قال البخاري: قال ابن عمر وابن عباس: "إذا قطع الرأس فلا بأس به، فأما إن قطع شيئاً من الحيوان وفيه حياة مستقرة، فهو ميتة".
قال أحمد: لا تؤكل المصبورة ولا المجثومة التي يجعل فيها الروح غرضاً، والمصبورة مثله، إلا أن المجثومة لا تكون إلا في الطائر والأرنب وشبهها. ومن ذبح حيواناً فوجد في بطنه جراداً لم يحرم، وعنه: يحرم، وقال في موضع آخر:"رخص أبو بكر الصديق في الطافي"، وهذا أشد، يعني: الجراد.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
ذكر الشيخ: لو لم يقصد الأكل، أو قصد حل ميتة، لم يبح، نقل صالح وجماعة اعتبار إرادة التذكية. وقال الشيخ: "كل من تديّن بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده قد دخل في دينهم أو لا، وسواء كان دخوله
1 مسلم: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955)، والترمذي: الديات (1409)، والنسائي: الضحايا (4405، 4411، 4412، 4413، 4414)، وأبو داود: الضحايا (2815)، وابن ماجة: الذبائح (3170) ، وأحمد (4/123، 4/124، 4/125)، والدارمي: الأضاحي (1970) .
بعد النسخ والتبديل أو قبله"، وهو المنصوص عن أحمد، وهو الثابت عن الصحابة بلا نزاع بينهم. وذكر الطحاوي أنه إجماع قديم. وقال ابن القيم بعد ذكر قوله: "ليس السن والظفر": هذا تنبيه على عدم التذكية بالعظام، إما لنجاسة بعينها وإما لتنجيسه على مؤمني الجن. وذكر الشيخ وجهاً: يكفي قطع ثلاثة من الأربعة، وقال: إنه الأقوى. وسئل: عمن قطع الحلقوم والودجين لكن فوق الجوزة؟ فقال: هذه فيها نزاع، والصحيح: أنها تحل.
وقال بعد ذكر كلامهم في شروط تذكية المريضة ونحوها: الأظهر أنه لا يشترط شيء من هذه الأقوال، بل متى ذبح فخرج الدم الأحمر الذي يخرج من المذكى في العادة ليس هو دم الميت، فإنه يحل أكله وإن لم يتحرك. وقال في موضع آخر: يحل إذا ذكّي قبل موته. وقال: الإحسان واجب على كل حال حتى في حال إزهاق النفوس، ناطقها وبهيمها. وقال: تحرم ذبيحة الكتابي إذا ذبحها لغير الله.