الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول النسفي في هذا الشأن: «أما أحق نوعي الحقيقة فما استبيح مع قيام المحرم وقيام حكمه» (1).
النوع الثاني: ما استبيح مع قيام الموجب للحكم إلا أن الحكم متراخ عن السبب وهذا النوع أدنى من حيث كمال الرخصة، ذلك أن السبب الموجب للحكم قائم إلا أن الحكم متراخ عنه، ومثال ذلك الإفطار بالنسبة للمسافر، فالسبب الموجب للصوم وهو شهود الشهر قائم لقوله تعالى:
{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (2).
إلا أن الحكم وهو حرمة الإفطار تراخى بسبب عذر السفر لقوله تعالى: {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ} (3).
ولما تراخى الحكم إلى عدة من أيام أخر، كانت العزيمة أدنى حالا من الحالة الأولى وهو الإيمان بالله تعالى ووحدانيته، لذلك كانت الرخصة هنا أيضا أدنى لأن كمال العزيمة من كمال الرخصة.
يقول شمس الأئمة السرخسي: «والنوع الثاني ما استبيح مع قيام السبب المحرم موجبا لحكمه إلا أن الحكم متراخ عن السبب وكان هذا النوع دون الأول فإن كمال الرخصة يبتنى على كمال العزيمة» (4).
ثانيا-الرخصة المجازية، وهي نوعان أيضا:
النوع الأول: وهو أتم نوعي المجاز، ما وضع عنا من الإصر والأغلال.
وهذا النوع أتم من الثاني لأنه من حيث إنه سقط عنا كان حقيقة إذ أننا لم نكلف به، أما من حيث مقابلة أنفسنا بالآخرين كان توسعة فسمى رخصة مجازا لا حقيقة، وهذا يتمثل فيما وضعه الله عنا من التكاليف الشاقة التي كلف بها الأقوام السابقة فهي حمل ثقيل وأعمال مغلظة، ومن رحمة
(1) كشف الأسرار 1/ 462.
(2)
البقرة:185.
(3)
البقرة:185.
(4)
أصول السرخسي 1/ 131،132.
الله سبحانه وتعالى بأمة محمد أن حطّ عنا تلك الإصر والأغلال التي كلف بها من قبلنا من الأمم والأقوام، وقد أطلق عليها العلماء الرخصة المجازية لأنها لا ينطبق عليها حدّ الرخصة ولم نكلف بها في الأصل قال تعالى:
{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ} (1).
وقال سبحانه: {رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا} (2).
النوع الثاني: الحكم الثابت على خلاف العموم، وهو دون الأول من حيث إنه ساقط عنا كان مجازا، أما من حيث مشروعيته في الجملة كان شبيها بالرخصة الحقيقية، فإذا جاء الحكم شاملا جميع أفراده ثم استثنى أحد هذه الأفراد بحكم خاص مخالف للحكم العام سمى ذلك رخصة مجازا، ومثال ذلك البيع فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان وهذا النهي عام يشمل جميع أنواع البيع، قال صلى الله عليه وسلم:«لا تبع ما ليس عندك» (4)، إلا أنه صلى الله عليه وسلم رخص في السلم لقوله صلى الله عليه وسلم:«من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» (5).
(1) الأعراف:157.
(2)
البقرة:286.
(3)
كشف الأسرار 1/ 467.
(4)
رواه ابن ماجه كتاب التجارات باب النهي عن بيع ما ليس عندك رقم الحديث (1780)،2/ 13. رواه أحمد رقم الحديث (15311)،1/ 226. رواه الترمذي كتاب البيوع باب كراهية بيع ما ليس عندك رقم الحديث (1232)،3/ 534، وقال عنه حديث حسن واللفظ لابن ماجه.
(5)
أخرجه البخاري كتاب السلم باب السلم في وزن معلوم الحديث رقم (4)،3/ 44. ورواه النسائي في سننه كتاب الإجارة باب في السلف رقم الحديث (3463)، 2/ 296. وأخرجه الدارمي كتاب البيوع باب في السلف رقم الحديث (2583)، 2/ 337. رواه أحمد في مسنده رقم الحديث (2548)،1/ 605.
وهذا استثناء لهذا النوع من البيع وإخراج له من الحكم العام حيث جعل له حكما خاصا لذلك سماه العلماء رخصة مجازا.
يقول النسفي: «النوع الرابع ما سقط عن العباد مع كونه مشروعا في الجملة كقصر الصلاة في السفر» (1).
أما الجمهور فإن لهم تقسيما آخر للرخصة وهي إما أن تكون وجوبا أو ندبا أو إباحة أو خلاف الأولى، وذكر الفتوحي الأقسام الثلاثة الأولى حيث قال: «ومنها، أي من الرخصة، واجب كأكل الميتة للمضطر. . .
ومنها مندوب كقصر المسافر للصلاة إذا اجتمعت الشروط وانتفت الموانع، ومنها مباح كالجمع بين الصلاتين في غير عرفة ومزدلفة» (2).
والرابع: هو خلاف الأولى (3) كالإفطار في رمضان للمسافر.
وذكر الأسنوي قسما خامسا: وهو الرخصة المكروهة كالقصر في أقل من ثلاث مراحل (4).
…
(1) كشف الأسرار للنسفي 1/ 467.
(2)
شرح الكوكب المنير للفتوحي 1/ 479،480.
(3)
المحصول للرازي 1/ 122 الهامش.
(4)
التمهيد للأسنوي 73.