الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاستحق أن يخص باسم يميزه عن الواجب، خاصة وأنهم يرون في معنى الواجب الاضطراب إلى جانب كونه يستعمل بمعنى السقوط ولهذا الفرق في اللغة لزم التفرقة بينهما في الاصطلاح.
قال أبو زيد الدبوسي: «الفرض عبارة عن التقدير. . . وأما الوجوب:
فهو عبارة عن السقوط. . . إذا ثبت هذا فنحن خصصنا اسم الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع، لأنه هو الذي يعلم من حاله أن الله تعالى قدره علينا» (1). ويقول فخر الإسلام البزدودي:«الفرائض في الشرع مقدرة لا تحتمل زيادة ولا نقصانا أي مقطوعة ثبتت بدليل لا شبهة فيه. . . وسميت مكتوبة، وهذا الاسم يشير إلى ضرب من التخفيف ففي التقدير والتناهي يسر يشير إلى شدة المحافظة والرعاية، وأما الواجب فإنما أخذ من الوجوب وهو السقوط. . .، ويحتمل أن يؤخذ من الوجبة، وهو الاضطراب سمى به لاضطرابه، وهو في الشرع اسم لما لزمنا بدليل فيه شبهة» (2).
2 - الطريق الذي ثبت به كل منهما:
وهذا مبرر آخر للحنفية كدليل للتفرقة، بين الفرض والواجب وهو الدليل الذي ثبت به كل منهما، فالفرض ثبت بدليل قطعي، بينما الواجب ثبت بدليل ظني.
ثالثا-مناقشة أدلة الفريقين:
لم تسلم أدلة كل من الفريقين من الاعتراضات ثم الردود عليها ليثبت كل فريق سلامة ما ذهب إليه.
فلم يسلم الحنفية للجمهور بأن الفرض والواجب مترادفان واعترضوا عليهم بما يلي:
(1) المحصول للرازي 1/ 97.
(2)
كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، تأليف الإمام علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري المتوفى سنة 730 هـ، ضبط وتعليق وتخريج محمد المعتصم بالله البغدادي-دار الكتاب العربي 2/ 549 - 551.
1 -
الاعتراض الأول: أن الفرض والواجب مختلفان في المعنى اللغوي، فالفرض معناه القطع والتقدير، والواجب من معانيه السقوط والاضطراب.
فأجاب الجمهور: بأنها نقلا من المعنى اللغوي إلى معنى واحد اصطلاحي كما أن «كثرة استعمال الواجب في الشيء الثابت دون الساقط أو المضطرب» (1)، جعل الواجب والفرض شيئا واحدا، كما أن الواجب بمعنى الثابت هو المراد هنا لأن الواجب بمعنى الساقط مصدره وجبة وبمعنى الاضطراب مصدره وجيب.
2 -
الاعتراض الثاني: أنهما مختلفان من حيث دليل كل منهما فالفرض قد ثبت بدليل قطعي بينما الواجب قد ثبت بدليل ظني.
فأجاب الجمهور: بأن طريق ثبوت الدليل لا يوجب التفريق، لأن هناك من النوافل ما ثبت بطريق القطع، ولم تسم فرائض واعتبروا التفرقة لهذا السبب تحكما لا يلزم اختصاص كل منهما باسم.
3 -
الاعتراض الثالث: أن الجمهور قد فرقوا بين الفرض والواجب في مواطن فلزمهم التفرقة بين الاصطلاحين كحقيقة، ومن هذه المواطن:
1 -
الرجل لو قال لزوجته الطلاق واجب عليّ طلقت بخلاف ما لو قال لها الطلاق فرض عليّ فإن زوجته لا تطلق، يقول الأسنوي:«أنه إذا قال الطلاق لازم لي أو واجب عليّ طلقت زوجته للعرف بخلاف ما إذا قال فرض عليّ لعدم العرف فيه» (2).
وأجاب الجمهور بأن التفرقة هنا ثبتت للعرف.
(1) المحصول للرازي 1/ 99.
(2)
التمهيد في تخريج الفروع على الأصول لجمال الدين أبي محمد عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي، تحقيق الدكتور محمد حسن هيتو، الطبعة الثانية (مؤسسة الرسالة، 1404 هـ/1984 م)، ص 58.
2 -
في الحج فإن الفرض لا بد من الإتيان به وتركه لا يجبر بدم بخلاف ترك الواجب فإنه يجبر بدم، ودليل ذلك ما ذكره الرملي في باب الحج عندما عدد أركان الحج فقال:«أركان الحج خمسة: الإحرام به، والوقوف بعرفة، والطواف، والسعي، والحلق ولا تجبر بدم» (1).
ثم ذكر بعد ذلك واجبات الحج فقال: «وأما واجباته فخمسة أيضا:
الإحرام من الميقات والرمي في يوم النحر وأيام التشريق والمبيت بمزدلفة والمبيت بليالي منى واجتناب محرمات الإحرام. . . فهذه تجبر بدم» (2).
وأجاب الجمهور بأن التفرقة هنا ثبتت بدليلها من السنة.
وأما الجمهور فقد اعترضوا على الحنفية باعتراضات لتفرقتهم بين الفرض والواجب ونذكر أهمها:
1 -
الاعتراض الأول: أن التفرقة بين الفرض والواجب على أساس أن الفرض ثبت بدليل قطعي والواجب ثبت بدليل ظني تحكم بلا دليل خاصة وأن هناك بعض النوافل قد ثبتت بدليل قطعي ولا تسمى فرائض.
الجواب: أن تسمية الفرض بهذا الاصطلاح يجب أن يتوفر فيه شرطان:
الأول: أن يثبت بدليل قطعي، والثاني: أن يكون فيه معنى اللزوم، بينما النوافل التي ثبتت بدليل قطعي ليس فيها معنى اللزوم. ثم إن التفرقة ليست تحكما بلا دليل، بل جاء ذلك من جهة الاستنباط من نقول أهل اللغة، فأهل اللغة فرقوا بين الفرض والواجب؛ فالفرض هو التأثير، بينما الواجب يعني السقوط، والسقوط قد يؤثر وقد لا يؤثر، فتخصيص ما هو أبلغ في التأثير باسم ليكون تمييزا له عما هو دونه في التأثير لا يعد تحكما بل له مستند لغوي وقد نبه الدكتور طه العلواني على أن الواجب في الشرع مشتق من الوجوب والوجوب
(1) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة ابن شهاب الرملي المنوفي المصري الأنصاري الشهير بالشافعي الصغير، (دار الكتب العلمية 1414 هـ/1993 م)،3/ 322.
(2)
نهاية المحتاج للرملي 3/ 322.
إنما هو مصدر وجب بمعنى ثبت، وليس وجب بمعنى سقط، إذ مصدر هذه الوجبة يقال:«وجبت الإبل وجبة إذا سقطت، وليس كذلك وجب بمعنى خفق واضطرب، فيكون معنى الواجب في الشرع هو الثابت وليس المعاني اللغوية الأخرى كالساقط أو المضطرب» (1).
2 -
الاعتراض الثاني: أن الحنفية قد خالفوا اصطلاحهم في بعض المواطن فسموا ما ثبت بدليل ظني فرضا وسموا ما ثبت بدليل قطعي واجبا ومن هذه المواطن:
1 -
القعدة في الصلاة ومسح ربع الرأس، وجميع ذلك ثبت بدليل ظني إلا أن الحنفية يسمونه فرضا.
ففي القعدة قال علاء الدين السمرقندي: «أما الفرائض فاثنتا عشرة، ستة من الشرائط، وستة من نفس الصلاة. . وأما الستة التي من نفس الصلاة-فالقيام-والقراءة-والركوع-والسجود-والانتقال من ركن إلى ركن والقعدة الأخيرة» (2). فعدّ القعدة من الفرائض رغم أنها لم تثبت بدليل قطعي، وأما مسح ربع الرأس فقال الكاساني:«واختلف في المقدار المفروض مسحه، ذكره في الأصل، وقدره بثلاث أصابع اليد، وروي عن أبي حنيفة أنه قدره بالربع، وهو قول زفر» (3).
ومقدار مسح الرأس ظني الدلالة إلا أن الحنفية يسمونه فرضا.
2 -
ومن المواطن التي خالفوا فيها القاعدة قولهم: إن الصلاة واجبة والزكاة واجبة رغم أنهما ثبتتا بدليل قاطع.
ففي الصلاة قال الكاساني عند حديثه عن صلاة المسافر ووقت
(1) المحصول للرازي 1/ 99.
(2)
تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي-الطبعة الثانية (بيروت: لبنان، دار الكتب العلمية،1414 هـ/1993 م)،1/ 95 - 96.
(3)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، تأليف: علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني، (لبنان: بيروت، دار الكتب العلمية)، (1/ 4).