الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة التاسعة والثلاثون
القول بمخالفة حديث هَمِّ النبي صلى الله عليه وسلم بإحراق بيوت المتخلفين
عن صلاة الجماعة لرحمته
يقول المشكك:
«بينما عندهم بـ"سنن أبي داود" -كتاب الصلاة- وبـ"سنن ابن ماجة" -كتاب المساجد والجماعات- تحت: "باب التغليظ في التخلف عن صلاة الجماعة
(1)
" بـ"مسند أحمد" -مسند ابن مسعود- حديثًا يبيح حرق الذين لا يصلون في جماعة في بيوتهم، أي: حرق البيت بمن فيه، حيث ذكر أبو داود:
…
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّار)
(2)
.
فهل هذه هي الرحمة التي يطنطنون بها، والحكمة التي يرفعون عقيرتهم بها؟ أليس هذا أيضًا مخالفًا لقوله تعالى عن رسوله: إنه بالمؤمنين رءوف رحيم»؟
والجواب:
أولًا: هذا الحديث ليس في السنن والمسند فقط كما خرّجه هذا المشكك، بل هو أيضًا في الصحيحين. ولربما لو كان يعلم بذلك لشنع عليهما أعظم تشنيع، ولرماهما بكل عظيمة. وأنا لم أقف إلى الآن على من يحقد أو يطعن فيهما من بني جلدتنا مثله أو قريبًا منه.
ثانيًا: لا يوجد حديث أبدًا يبيح حرق المتخلفين عن صلاة الجماعة.
ولكن المصيبة كل المصيبة والرزية كل الرزية أن يتكلم شخص في أمر لا يحسنه ولا يفهمه، ولا يفرق فيه بين الحقيقة والمجاز، ولا بين أسلوب التهديد وأسلوب الفعل. وهذا أكبر علامة على جهل هذا الإنسان.
(1)
عنوان الباب في سنن ابن ماجة: «باب التغليظ في التخلف عن الجماعة» ، وعنوانه في سنن أبي داود:«باب في التشديد في ترك الجماعة» .
(2)
والحديث في الصحيحين. صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة (1/ 131)، رقم (644)، وصحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها (1/ 451)، رقم (651). عن أبي هريرة رضي الله عنه -
ويزداد الأمر قبحًا وسوءًا إذا كان دافعه إلى ذلك هو الانحراف الفكري والعقدي. عافانا الله وإياكم من ذلك.
ثالثًا: إن تبويب هؤلاء الأئمة على هذا الحديث يدل على أنه سيق للتهديد والتشديد في ترك الجماعة، ولبيان حكمها، وهو الوجوب عند من يرى ذلك، وأن ظاهره غير مراد قطعًا بغير خلاف بين العلماء:
1 -
فالبخاري أورده في باب وجوب صلاة الجماعة
(1)
.
2 -
ومسلم في باب فضل صلاة الجماعة
(2)
.
3 -
وابن ماجة في: باب التغليظ في التخلف عن الجماعة
(3)
.
4 -
وأبو داود في: باب في التشديد في ترك الجماعة
(4)
.
5 -
والترمذي في: باب ما جاء فيمن سمع النداء فلا يجيب
(5)
.
6 -
والنسائي في: التشديد في التخلف عن الجماعة
(6)
.
رابعًا: مما يدل على أن ظاهر هذا الحديث غير مراد وأنه سيق للتغليظ والتهديد: قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (لقد هممت). والهم هو خاطر، وليس فعلًا، أي: أنه خطر على قلبه أن يفعل ذلك، ولم يفعله صلى الله عليه وسلم.
ومنعه من ذلك:
1 -
كونه صلى الله عليه وسلم رحيمًا بأمته، وليس فظًا ولا غليظًا عليهم، ولا جافٍ لهم.
2 -
أنه صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يعذب أحد بالنار، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ)
(7)
، أي: بالنار.
ولكون الهم ليس فعلًا فإن الله تعالى لا يؤاخذ عليه، ففي الحديث القدسي في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قَالَ اللهُ عز وجل
…
وَإِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ أَكْتُبْهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبْتُهَا سَيِّئَةً وَاحِدَةً)
(8)
.
والله أعلم.
(1)
صحيح البخاري (1/ 131).
(2)
صحيح مسلم (1/ 451).
(3)
سنن ابن ماجة (1/ 259).
(4)
سنن أبي داود (1/ 150).
(5)
سنن الترمذي (1/ 423).
(6)
سنن النسائي (2/ 107).
(7)
صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله (4/ 61)، رقم (3017).
(8)
صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو بسيئة (8/ 103)، رقم (6491)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب (1/ 117)، رقم (128). وهو في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما.