الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الخامسة
اتهام السنة بمخالفة القرآن
في عدم المرور على الصراط يوم القيامة
يقول المشكك:
«ويقول القرآن بأن المؤمنين لا يسمعون حسيس النار، وأنهم عنها مبعدون.
ويقول أهل الحديث بأن المؤمنين والرسل يعبرون ما يسمى بـ"الصراط المستقيم"، وهو جسر على جهنم، له كلاليب، تتخطف الناس لتهوي بهم في النار
(1)
، بينما الرسل ترتعد فرائصها من الخوف والفزع»
(2)
.
(1)
يشير إلى: الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وساق الحديث، وفيه-:(فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ، وَكَلَامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو). صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب فضل السجود (1/ 160 - 161)، رقم (806)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية (1/ 164 - 165)، رقم (182).
وحديث أبي سعد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وساق الحديث، وفيه-:(ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ -تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ-، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا). صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة:22 - 23](9/ 130)، رقم (7439)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية (1/ 169)، رقم (183).
وقد ذكر الكتاني: أن أحاديث الصراط متواترة تواترًا معنويًا. نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني (ص:231).
(2)
كأنه يشير إلى: حديث إتيان الناس يوم القيامة إلى آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام؛ ليشفعوا إلى ربهم لفصل القضاء، وكل واحد منهم يقول:(نَفْسِي نَفْسِي)، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن كل نبي من هؤلاء الأنبياء عليهم السلام يقول: (إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ)، ويذكر بعض ما كان منه، ثم يقول:(نَفْسِي نَفْسِي). صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)} [الإسراء:3] (6/ 84 - 85)، رقم (4712). ورواه قبل ذلك مختصرًا. وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (1/ 184 - 185)، رقم (194)
والجواب:
أولًا: الآية التي أشار إليها هي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)} [الأنبياء:101 - 102].
ثانيًا: أن هذه الشبهة منتقضة بأمرين:
1 -
بمعرفة المقصود بـ {الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} ، وفي ذلك أقوال:
أ- أن المقصود بهم هم: المعبودون من دون الله تعالى بغير رضاهم من الأنبياء كعيسى وعزير عليهما السلام، وكبعض الملائكة عليهم السلام. فهي استثناء من قوله تعالى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:98]. ثم استثنى سبحانه هؤلاء الأنبياء والملائكة عليهم السلام من العذاب، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)} [الأنبياء:101].
فـ {إِنَّ} في الآية بمعنى: "إلا"، أي: إن هؤلاء الذين عُبدوا من دون الله من الأنبياء والملائكة بغير رضا منهم هم مبعدون عن النار، ولا يسمعون حسيسها.
ب- أن المقصود بهم هم: المؤمنون الفائزون، فإنهم لا يسمعون حسيس النار؛ لأنهم يمرون على الصراط مرًا سريعًا، أسرع من لمح البصر والبرق والريح.
ج- أن المقصود بهم هم: أهل الجنة، فإنهم لا يسمعون حس النار، ولا حس أهلها.
2 -
أن إنكار هذا المشكك للصراط بقوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} [الأنبياء:102] جهل مركب بالقرآن الذي يثبت ورود الناس جميعًا على جهنم، قال تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)} [مريم:71]، أي: أن جميع الناس سيردون جهنم، فأما المؤمنون المتقون فينجيهم الله تعالى منها، وأما الكافرون فيبقيهم فيها ولا يخرجهم منها.
وإذا لم يكن معنى الورود هنا هو: "العبور على الصراط" فلا محيص لهذا المشكك من أن يفسره بدخول النار. وهو قاصمة الظهر له، ولكلامه وشبهته؛ لأنهم بدخولهم النار فقد سمعوا حسيسها وذاقوا طعمها وتلظوا بلهبها. وهذا لا يتفق مع وعده تعالى لهم بأنهم {عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)} [الأنبياء:101]، أي: لا يدخلونها أبدًا.
ثالثًا: أن أهل الحديث لم يقولوا قط: إن الكلاليب التي على جسر جهنم تخطف الناس جميعًا، وإنما قالوا: تخطف من أراد الله له العذاب من عصاة الموحدين.
رابعًا: أما استنكار المشكك ارتعاد فرائص الرسل وخوفهم وفزعهم من ربهم - جل وعلا - فجهل مخز وفاضح منه بحقيقة الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، الذين هم أعرف الخلق بالله تعالى وأشدهم خوفًا منه وإخباتًا له، وقد أثنى الله تعالى عليهم بذلك، فقال تعالى عنهم:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء:90].
وقال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)} [الأحزاب:39].
والله أعلم