المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرد على أدلة صاحب الرسالة التي رد وأنكر بها الحديث: - مع المشككين في السنة

[عبد الرحمن الخميسي]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة مختصرة للمؤلف

- ‌أولاً: الاسم والمولد ومحل الإقامة والأولاد:

- ‌ثانيًا: النشأة العلمية:

- ‌ثالثًاً: العلماء الذين درس على أيديهم:

- ‌رابعًا: المؤهلات الأكاديمية:

- ‌خامسًا: الإجازات العلمية:

- ‌سادسًا: الوظائف التي يشغلها:

- ‌سابعًا: الإنتاج العلمي "البحوث والمؤلفات

- ‌ أولًا: المؤلفات المطبوعة:

- ‌ ثانيًا: المؤلفات المخطوطة "غير المطبوعة

- ‌ ثالثًا: مؤلفات الدكتور المنشورة على صفحته في الفيس بوك، ولم تطبع بعد:

- ‌ رابعًا: المشاركات العلمية للدكتور

- ‌المقدمة

- ‌سؤال لكل من يشكك في السنة النبوية:

- ‌سبب تأليف الكتاب

- ‌الفصل الأولخصائص السنة المطهرة

- ‌مقدمة

- ‌أولاًالخصائص المشتركة بين السنة والقرآن

- ‌المبحث الأولكون السنة وحيًا من الله تعالى

- ‌المبحث الثانيتسمية السنة بـ «الكتاب»

- ‌المبحث الثالثنقل السنة بالإسناد المتصل

- ‌المبحث الرابعوجوب العمل بالسنة

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: الأدلة من السنة النبوية:

- ‌ثالثًا: الدليل من الإجماع:

- ‌المبحث الخامسكون منكر السنة كافرًا

- ‌المبحث السادسحفظ السنة في الجملة

- ‌طُرق حفظ السنة النبوية:

- ‌أولاً: الكتابة:

- ‌ثانيًا: الحفظ:

- ‌ أولاً: أشهر حفاظ الحديث من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌ ثانيًا: أشهر حفاظ الحديث من التابعين ومن بعدهم:

- ‌ثالثًا: التدوين:

- ‌رابعًا: التصنيف:

- ‌ أولًا: أشهر العلماء المصنفين في الحديث على الأبواب:

- ‌ ثانيًا: أشهر العلماء المصنفين في الحديث على الأسماء:

- ‌خامسًا: جرح وتعديل الرواة:

- ‌سادسًا: نقد متن الحديث:

- ‌المبحث السابعخطر التهاون بالسنة

- ‌أولاً: أمر الله - جل وعلا - باتباع السنة وتحذيره من التهاون بها:

- ‌ثانيًا: تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من التهاون بالسنة:

- ‌ثانيًاخصائص السنة التي انفردت بها

- ‌المبحث الأولانفراد السنة بالتشريع

- ‌المبحث الثانيانفراد السنة ببيان القرآن الكريم

- ‌من أقوال السلف في كون السنة مبينة ومفسرة للقرآن الكريم:

- ‌أنواع بيان السنة للقرآن الكريم:

- ‌1 - تفصيلها لمجمل القرآن:

- ‌2 - تخصيصها لعامه:

- ‌3 - تقييدها لمطلقه:

- ‌4 - توضيحها لمبهمه ومشكله:

- ‌المبحث الثالثقواعد وشروط قبول السنة

- ‌1 - اتصال السند:

- ‌2 - عدالة الرواة:

- ‌3 - ضبط الرواة:

- ‌4 - عدم الشذوذ في الإسناد أو في المتن:

- ‌5 - عدم وجود علة في الإسناد أو المتن:

- ‌المبحث الرابعتسمية السنة بـ «الحكمة»

- ‌المبحث الخامسكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من المشتغل بالسنة

- ‌المبحث السادسدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن يتعلم السنة بالنضارة

- ‌الفصل الثانيالرد على شبهات منشور«صور من الضياع الفقهي للفقهاء»

- ‌مقدمة

- ‌توطئةسمات المنكرين للسنة النبوية

- ‌أولاًمن أصول المشككين بالسنة والرد عليها

- ‌الأصل الأولترك السنة القولية والأخذ بالسنة العملية فقط

- ‌الأصل الثانيتعارض السنة القولية مع القرآن الكريم

- ‌ثانيًاالرد على الشبهات الواردة في منشور«صور من الضياع الفقهي للفقهاء»

- ‌الشبهة الأولى

- ‌الشبهة الثانية

- ‌الشبهة الثالثة

- ‌الشبهة الرابعة

- ‌الشبهة الخامسة

- ‌الشبهة السادسة

- ‌الشبهة السابعة

- ‌الشبهة الثامنة

- ‌الشبهة التاسعة

- ‌الشبهة العاشرة

- ‌الشبهة الحادية عشرة

- ‌الشبهة الثانية عشرة

- ‌الشبهة الثالثة عشرة

- ‌الشبهة الرابعة عشرة

- ‌الشبهة الخامسة عشرة

- ‌الشبهة السادسة عشرة

- ‌الشبهة السابعة عشرة

- ‌الشبهة الثامنة عشرة

- ‌الشبهة التاسعة عشرة

- ‌الشبهة العشرون

- ‌الشبهة الحادية والعشرون

- ‌الشبهة الثانية والعشرون

- ‌الشبهة الثالثة والعشرون

- ‌الشبهة الرابعة والعشرون

- ‌الشبهة الخامسة والعشرون

- ‌الشبهة السادسة والعشرون

- ‌الشبهة السابعة والعشرون

- ‌الشبهة الثامنة والعشرون

- ‌الشبهة التاسعة والعشرون

- ‌الشبهة الثلاثون

- ‌الشبهة الحادية والثلاثون

- ‌الشبهة الثانية والثلاثون

- ‌الشبهة الثالثة والثلاثون

- ‌الشبهة الرابعة والثلاثون

- ‌الشبهة الخامسة والثلاثون

- ‌الشبهة السادسة والثلاثون

- ‌الشبهة السابعة والثلاثون

- ‌الشبهة الثامنة والثلاثون

- ‌الشبهة التاسعة والثلاثون

- ‌الشبهة الأربعون

- ‌الفصل الثالثدحض مطاعن الأغبياءفي سنة سيد الأنبياء

- ‌مقدمة

- ‌منهج النقد عند العلماء الذين نقدوا بعض أحاديث الصحيحين:

- ‌أهم المؤاخذات على رسالة "تنزيه سيد الأنبياء عن أقوال الأغبياء" في نقد أحاديث الصحيحين:

- ‌أولاًحقائق مهمة متعلقة بالصحيحينواعتقاد أهل السنة في الصحابة رضي الله عنهم وآل البيت

- ‌مكانة صحيحي البخاري ومسلم في التاريخ العلمي الإسلامي

- ‌ثناء العلماء على الصحيحين وإجماعهم على صحتهما:

- ‌عقيدة أهل السُّنَّة في الصحابة وآل البيت

- ‌المسألة الأولىعقيدة أهل السنة في الصحابة رضي الله عنهم

- ‌كلام "رسالة تنزيه سيد الأنبياء عن أقوال الأغبياء" في معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

- ‌المسألة الثانيةعقيدة أهل السنة في آل البيت

- ‌كلام "رسالة تنزيه سيد الأنبياء عن أقوال الأغبياء" في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًاالرد على شبهات«رسالة تنزيه سيد الأنبياء عن أقوال الأغبياء»

- ‌مقدمة

- ‌توطئةعصمة الأنبياء عليهم السلام

- ‌المراجع التي اعتمدتها "رسالة تنزيه سيد الأنبياء عن أقوال الأغبياء" لاتهام أهل السنة بالقول بعدم عصمة الأنبياء عليهم السلام

- ‌كلام الجُنيد فيما يُنزَّه عنه الأنبياء عليهم السلام

- ‌بيان جهل صاحب«رسالة تنزيه سيد الأنبياء عن أقوال الأغبياء» في رسالته

- ‌الرد على الشبهات الواردة في«رسالة تنزيه سيد الأنبياء عن أقوال الأغبياء»

- ‌الشبهة الأولىأحاديث بول النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا منافية لعصمته

- ‌الرد على أدلة صاحب الرسالة التي رد وأنكر بها الحديث:

- ‌الشبهة الثانيةاتهام الصحابة باللغط لما هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب لهم كتابًا في مرض موته

- ‌الشبهة الثالثةحديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم منافٍ لعصمته

- ‌الشبهة الرابعةإثبات الصوت لله عز وجل يقتضي التجسيم

- ‌الشبهة الخامسةأحاديث طواف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه وغيرهاتصوِّره شغوفًا بالنساء ومشغولاً بالشهوات

- ‌الشبهة السادسةحديث وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر عائشة ينافي أحاديث موته في حجر علي

- ‌أدلة صاحب الرسالة على رد وإنكار الحديث:

- ‌الرد على مطاعن صاحب الرسالة في الحديث وإنكاره:

- ‌الرد على كلام صاحب الرسالة في الشعبي وعائشة رضي الله عنها

- ‌الخاتمة

- ‌المراجع

الفصل: ‌الرد على أدلة صاحب الرسالة التي رد وأنكر بها الحديث:

وهذا النوع -كما سبق- هو الذي تلقته الأمة بالقبول، كما نقله عنهم ابن الصلاح والنووي وابن تيمية، وغيرهم.

ثانيًا: إضافة إلى ما سبق: أن هذا الحديث بعينه لم يرد ضمن الأحاديث المنتقدة على الشيخين، لا من قِبَل الأئمة السابقين ولا اللاحقين، فهو حديث في نهاية الصحة، ولا غبار عليه لا في سنده ولا متنه، فرواته جميعًا من الأئمة الحفاظ المتقنين. وهذا يُعرَف بالرجوع إلى تراجمهم في كتب الرجال التي أجمعت على وصفهم بذلك، وكلُّ من له أدنى اهتمام بعلم الحديث ورجاله يعرف هذا.

وكذلك ليس في إسناده ولا متنه أيُّ علة تقدح فيه.

فقول صاحب الرسالة فيه إذًا: "إنه شاذ ومختلق" ليس له تفسير عندي إلَّا الجهل أو التعصُّب.

ومما يدلُّ على ذلك: أنه لم يعتمد في ردِّه لهذا الحديث ولغيره من الأحاديث على القواعد العلمية المعروفة عند المحدِّثين، والتي وُضعت لتمييز الحديث المقبول من غيره، وإنما اعتمد على العقل، ثم على بعض الأحاديث التي لا تقاوم حديث حذيفة رضي الله عنه، إمَّا لضعفها وإمَّا لعدم معارضتها له.

ص: 236

‌الرد على أدلة صاحب الرسالة التي رد وأنكر بها الحديث:

ها أنا أورد استدلالاته الواهية، ثم أكرُّ عليها بالردِّ الشافي والوافي إن شاء الله تعالى في هذه النقاط التي أُفند فيها شبهته هذه، كالتالي:

أولًا: استدل صاحب الرسالة على نفيه لبول النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا بأدلة عقلية. وسأذكر أدلته العقلية هذه التي أوردها وأرد عليها بعون الله، كالتالي:

1 -

قال: «هذا الحديث مردود لا يقبله العقل السليم، وهو مخالف للآداب السامية الرفيعة والأخلاق النبيلة المليحة» ، إلخ.

فيقال له: إنك بقولك هذا قد اتهمت بطريق غير مباشر جميع الأمة بما فيها أئمة الهدى ومصابيح الدُّجى من أمثال الأئمة الأربعة وأصحاب الكتب الستة وغيرهم بأن عقولهم غير سليمة؛ لكونهم تلقوا هذا الحديث بالقبول وأخرجوه في كتبهم.

أفلا يحق للمرء بعد هذا أن يمدَّ رجليه كما مدَّهما أبو حنيفة؟!

ثم يقال له:

- متى كان العقل ميزانًا صحيحًا لقبول الشرع، فما وافقه قبله وما لم يوافقه لم يقبله؟

- وما هي مواصفات العقل السليم عندك؟ ومن الذي وضعها؟ وعلى أيِّ أساس وُضعت؟ وأين نجدها؟

- وهل عقول علماء الكفار هي الأخرى سليمة أو لا؟ وإذا كانت سليمة فقد يقال بأن ردّهم للشرع وعدم قبولهم له هو عين الصواب؛ لأن عقولهم هي التي أرشدتهم إلى ذلك، وإذا قيل بأنها ليست سليمة فيقال: فكيف استطاعوا إذًا أن يهتدوا إلى هذه الاختراعات العجيبة التي ملأت الدنيا بعقول ضعيفة وتفكير هزيل؟

أفلستم معي بعد هذا أن سلامة العقل ليست ميزانًا صحيحًا للشرع؟

وعلى قاعدة "العقل السليم" التي خرج بها علينا صاحب الرسالة يمكن أيضًا أن نرد قضايا كثيرة في الشرع؛ لأن العقل بمفرده لا يدركها ولا يقبلها، مثل:

- أمور الغيب التي أخبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بها.

- قصة الإسراء والمعراج في ليلة واحدة.

- قطع يد السارق في ربع دينار، مع أن فيها نصف الدِّية لو أنها قطعت بغير حق.

- رجم الزاني المحصن بالحجارة حتى الموت.

ص: 236

وغير ذلك.

فإن هذه القضايا وغيرها لم يقبلها المسلم بمجرد عرضها على العقل فقط، وإنما قبلها لكونه مؤمنًا، ومن صفة المؤمن: التسليم والانقياد لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو خالف ذلك عقله وهواه، وعلى ذلك دلت الكثير من آيات القرآن الكريم، ومنها:

أ- قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء:65].

ب- قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)} [النور:51].

2 -

قال: «وحاشاه صلى الله عليه وآله وسلم أن يصدر منه هذا الفعل المستهجن عمله عند العرف العام» ، يعني: البول من قيام.

وقال: «فلا شك أن الله سبحانه وتعالى يطالبنا بتنزيهه وتقديسه، وعدم قبول المطاعن فيه، ولذلك نحن وكل المسلمين مطالبون بطرح كل ما يتعارض مع عصمته أو ما يمسّ شخصه الكريم من قريب أو بعيد» .

فيقال له: إن القول: "إن البول قائمًا يخالف الآداب السامية والأخلاق النبيلة، وأنه من الأفعال المستهجنة عرفًا، وأنه يتعارض مع عصمته صلى الله عليه وسلم " ليس بصحيح، وكيف يكون صحيحًا وهو أمر مألوف عند العرب في الجاهلية والإسلام؟ ويدلُّ عليه:

أ- قول حذيفة رضي الله عنه في حديثه السابق: (فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ)

(1)

.

ب- عن عبد الرحمن ابن حسنة رضي الله عنه قال: (خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي يَدِهِ كَهَيْئَةِ الدَّرَقَةِ

(2)

، فَوَضَعَهَا ثُمَّ جَلَسَ خَلْفَهَا فَبَالَ إِلَيْهَا، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: انْظُرُوا يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ)

(3)

، الحديث.

(1)

صحيح البخاري وصحيح مسلم. وقد تقدم.

(2)

قال السيوطي: «الدَّرَقَةِ -بفتح الدال والراء المهملتين والقاف-: الْحَجَفَةُ، والمراد بها: الترس إذا كان من جلود وليس فيه من خشب ولا عصب، وهو القصب الذي تعمل منه الأوتار. وذكر القزاز: أنها من جلود دواب تكون في بلاد الحبشة» . حاشية السيوطي على سنن النسائي "مطبوع مع: سنن النسائي"(1/ 27).

(3)

مسند أحمد (29/ 293)، رقم (17758)، وسنن ابن ماجة، كتاب الطهارة وسننها، باب التشديد في البول (1/ 124)، رقم (346)، وسنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الاستبراء من البول (1/ 6)، رقم (22)، وسنن النسائي، كتاب الطهارة، البول إلى السترة يستتر بها (1/ 26)، رقم (30). وقال الألباني:«صحيح» . صحيح ابن ماجة للألباني (1/ 125)، رقم (281).

ص: 237

فدلَّ هذا على: أن الرجال كانوا يبولون قيامًا، وإلا لما أنكروا على النبي صلى الله عليه وسلم جلوسه.

ج- حكى الإمام ابن ماجة عن شيخه أحمد بن عبد الرحمن المخزومي أنه قال: «وَكَانَ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ الْبَوْلُ قَائِمًا، أَلَا تَرَاهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ يَقُولُ: (قَعَدَ يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ)»

(1)

؟

3 -

لكون البول من قيام كان مألوفًا عند العرب فقد ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم بالوا قيامًا

(2)

، منهم:

أ- عمر بن الخطاب رضي الله عنه

(3)

.

ب- علي بن أبي طالب رضي الله عنه

(4)

.

ج- زيد بن ثابت رضي الله عنه

(5)

.

د- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

(6)

.

(1)

سنن ابن ماجة (1/ 112)، تحت رقم (309).

(2)

قال ابن المنذر: «ثبت عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم بالوا قيامًا» . الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لابن المنذر (1/ 333).

وقال الإمام الطحاوي: «وقد رُوي عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بال قائمًا» . شرح معاني الآثار للطحاوي (4/ 268).

وقال أيضًا: «فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانوا يبولون قيامًا» . نفس المصدر السابق.

(3)

عن زيد بن وهب قال: (رَأَيْتُ عُمَرَ بَالَ قَائِمًا). مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الطهارات، من رخص في البول قائمًا (1/ 115)، رقم (1310)، وشرح معاني الآثار للطحاوي، كتاب الكراهة، باب البول قائمًا (4/ 268)، رقم (6812). وقال الألباني عن سنده:«الإسناد صحيح» . سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة للألباني "المشهور بـ: السلسلة الضعيفة"(2/ 339)، تحت رقم (934).

(4)

عن أبي ظبيان قال: (رَأَيْتُ عَلِيًّا بَالَ قَائِمًا). مصنف عبد الرزاق، كتاب الطهارة، باب المسح على النعلين (1/ 201)، رقم (783)، ومصنف ابن أبي شيبة، كتاب الطهارات، من رخص في البول قائمًا (1/ 115)، رقم (1311)، وشرح معاني الآثار للطحاوي، كتاب الكراهة، باب البول قائمًا (4/ 268)، رقم (6813)، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب الطهارة، أبواب المسح على الخفين، باب ما ورد في المسح على النعلين (1/ 431)، رقم (1366). وقال الألباني عن سند الطحاوي والبيهقي:«إسنادهما صحيح على شرط الشيخين» . تمام المنة في التعليق على فقه السنة للألباني (ص:115).

(5)

عن قبيصة بن ذؤيب: (أَنَّهُ رَأَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَبُولُ قَائِمًا). مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الطهارات، من رخص في البول قائمًا (1/ 115)، رقم (1312)، وشرح معاني الآثار للطحاوي، كتاب الكراهة، باب البول قائمًا (4/ 268)، رقم (6816). وقال في "ما صح من آثار الصحابة في الفقه" -لزكريا بن غلام قادر الباكستاني-:«صحيح» . ما صح من آثار الصحابة في الفقه لزكريا بن غلام قادر الباكستاني (1/ 45).

(6)

عن عبد الله الرومي قال: (رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَبُولُ قَائِمًا). مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الطهارات، من رخص في البول قائمًا (1/ 115)، رقم (1313).

وعن عبد الله بن دينار أنه قال: (رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَبُولُ قَائِمًا). موطأ مالك، وقوت الصلاة، باب ما جاء في البول قائمًا وغيره (2/ 88)، رقم (210)، وشرح معاني الآثار للطحاوي، كتاب الكراهة، باب البول قائمًا (4/ 268)، رقم (6817)، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب الطهارة، أبواب الاستطابة، باب البول قاعدًا (1/ 165)، رقم (494). وقال في "ما صح من آثار الصحابة في الفقه" -لزكريا بن غلام قادر الباكستاني-:«صحيح» . ما صح من آثار الصحابة في الفقه لزكريا بن غلام قادر الباكستاني (1/ 44).

ص: 238

ه- سهل بن سعد رضي الله عنه

(1)

.

و- أنس بن مالك رضي الله عنه

(2)

.

ز- أبو هريرة رضي الله عنه

(3)

.

ح- سعد بن عبادة رضي الله عنه

(4)

.

(1)

عن أبي حازم قال: (رَأَيْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَالَ وَهُوَ قَائِمٌ بَوْلَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ يَكَادُ يَسْبِقُهُ). مسند ابن أبي شيبة (1/ 95)، رقم (112). صحيح ابن خزيمة، كتاب الوضوء، باب الرخصة في البول قائمًا (1/ 36)، رقم (62)، والمعجم الكبير للطبراني (6/ 152)، رقم (5817). وقال ابن حجر:«إسناده صحيح» . المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني (2/ 176)، رقم (44).

وقال أبو حازم عن سبب مسابقة سهل بن سعد رضي الله عنه للبول بالقيام: أنه (َقَدْ كَانَ كَبُرَ، حَتَّى لَا يَكَادُ يَمْلِكُ ذَلِكَ مِنْهُ). المعجم الكبير للطبراني (6/ 153)، رقم (5822).

(2)

عن سعد الأنصاري: (أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى الْمِهْرَاسَ فَبَالَ قَائِمًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى الْمَسْجِدِ أَوِ الصَّلاةِ، فَقُلْتُ: لَقَدْ فَعَلْتَ شَيْئًا يُكْرَهُ، بُلْتَ قَائِمًا ثُمَّ تَوَضَّأْتَ وَمَسَحْتَ عَلَى خُفَّيْكَ ثُمَّ تَوَجَّهْتَ إِلَى الْمَسْجِدِ أَوِ الصَّلاةِ، فَقَالَ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تِسْعَ سِنِينَ يَفْعَلُ ذَلِكَ). الأحاديث المختارة للضياء المقدسي (6/ 144)، رقم (2139). وقال الضياء المقدسي:«إسناده حسن» .

(3)

عن عمران بن حدير قال: حدثني رجل من بني سعد من أخوال المحرر بن أبي هريرة قال: (رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ بَالَ قَائِمًا). مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الطهارات، من رخص في البول قائمًا (1/ 115)، رقم (1314). وقال البوصيري عن سنده:«إسناد ضعيف؛ لجهالة تابعيه» . إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري (1/ 277)، رقم (441).

(4)

عن ابن سيرين: (أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بَالَ قَائِمًا). مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الطهارات، من رخص في البول قائمًا (1/ 116)، رقم (1322)، والمعجم الكبير للطبراني (6/ 16)، (5359). واللفظ لابن أبي شيبة، ولفظ الطبراني:(بَيْنَا سَعْدٌ يَبُولُ قَائِمًا إِذِ اتَّكَأَ فَمَاتَ). وقال الهيثمي: «ابن سيرين لم يدرك سعد بن عبادة» . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي (1/ 206)، (1017).

ص: 239

فهل هؤلاء الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم كانوا يفعلون ما يخالف الآداب السامية والأخلاق النبيلة؟ حاشاهم وكلا.

ثانيًا: استدل صاحب الرسالة على إبطال حديث حذيفة رضي الله عنه وردِّه بأدلة سمعية، وأورد ستة أحاديث قال عنها:"إنها جاءت ناسفة له"، يعني: لحديث حذيفة رضي الله عنه في بول النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا.

وأنا بعون الله أوردها حديثًا حديثًا، وأبيِّن ما فيها؛ ليتضح الحق لطالبه ويستنير الطريق لسالكه:

1 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا)

(1)

.

وهذا الحديث -كما بينت في تخريجه- أخرجه: ابن ماجة والترمذي والنسائي، كلهم من طريق المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها.

وهذا الحديث مختلف في صحته، فقد ضعَّفه الترمذي كما هو واضح من عبارته: هو «أحسن شيء في الباب وأصح» . وضعَّفه كذلك العراقي والسيوطي وغير واحد من المتأخرين، كما نقله عنهم الألباني

(2)

؛ لأن في بعض طرقه شريك بن عبد الله القاضي، وهو سيء الحفظ عند أهل العلم، لكن تابعه سفيان الثوري عند أبي عوانة وغيره. ويكون الحديث بهذه الطريق صحيحًا، وهو ما جزم به النووي والذهبي وابن حجر، ورجحه الألباني أخيرًا

(3)

.

فحديثٌ بهذه الصورة ليس له إلا طريق واحد -هو طريق المقدام بن شريح- إضافة إلى وجود الاختلاف فيه -كما سبق- يقول عنه صاحب الرسالة: "إنه متواتر"! فهل المتواتر عند أهل العلم هو الذي يرويه شخص واحد أم إنه الذي يرويه عدد كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن مثلهم من أول السند إلى منتهاه؟ هذه إحدى طامَّاته.

وطامة أخرى أشد منها تمس صحابيًا كبيرًا استأثره النبي صلى الله عليه وسلم بمعرفة المنافقين، وأعلمه بما كان وما يكون إلى يوم القيامة، كما في "صحيح مسلم"

(4)

، وهو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عنه ما يلي:«ومن حدَّث أنه بال قائمًا فقد جرَّحَتُهُ -أي: عائشة رضي الله عنها، ولا يمكن للسيدة عائشة رضي الله عنها أن ترمي غيرها بالكذب بأمرٍ لم تعلمه، فهي زوج الرسول وتعرف ما تقول» .

(1)

سنن ابن ماجة، كتاب الطهارة وسننها، باب في البول قاعدًا (1/ 112)، رقم (307)، وسنن الترمذي، أبواب الطهارة، باب النهي عن البول قائمًا (1/ 17)، رقم (12)، وسنن النسائي، كتاب الطهارة، البول في البيت جالسًا (1/ 26)، رقم (29). وقال الترمذي:«حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح» . وقال الألباني: «صحيح» . صحيح سنن ابن ماجة للألباني (1/ 115)، رقم (252).

(2)

السلسلة الصحيحة للألباني (1/ 392).

(3)

المصدر السابق (1/ 391 - 393).

(4)

رواه مسلم في الفتن، باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة، رقم (7191).

ص: 240

وحاصل عبارته هذه: أن حذيفة رضي الله عنه الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بال قائمًا مجروح؛ لكونه كذب في روايته لهذا الحديث. أفليس هذا هو الرفض بعينه يا قوم؟

ثم نقول له ولمن التبس عليه فهم الحديثين -أعني: حديث حذيفة وحديث عائشة رضي الله عنهما هذا-: إن الفقهاء والعلماء الذين هم ورثة الأنبياء عيهم السلام لم يلتبس عليهم فهمهما، وخلصوا بعد النظر إليهما بعين البصيرة والإنصاف إلى مسلكين:

المسلك الأول: القول بنسخ حديث حذيفة رضي الله عنه من غير ردٍّ له ولا تكذيب، كما فعل صاحب الرسالة، وليته سلك هذا المسلك فأراح واستراح-. وقد مال إلى هذا أبو عوانة في مستخرجه وابن شاهين.

المسلك الثاني: مسلك التوفيق بين الحديثين. وهو الذي عليه الجمهور. قال ابن حجر: «والصواب: أنه غير منسوخ. والجواب عن حديث عائشة: أنه مستند إلى علمها، فيحمل على ما وقع منه في البيوت، وأما في غير البيوت فلم تطّلع هي عليه، وقد حفظه حذيفة، وهو من كبار الصحابة. وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة. فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن»

(1)

.

2 -

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبُولُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا عُمَرُ! لَا تَبُلْ قَائِمًا. فَمَا بُلْتُ قَائِمًا بَعْدُ)

(2)

.

وهذا الحديث -كما بينت في تخريجه- أخرجه: ابن ماجة والترمذي، وكذلك أخرجه البيهقي

(3)

.

وفي هذا الحديث راوٍ متفق على ضعفه، وهو: عبد الكريم بن أبي المخارق

(4)

. ومع ذلك قال صاحب الرسالة عن هذا الحديث: "إنه حديث متواتر"! فيا للعجب!

وإن تعجبوا فاعجبوا من حال دعيّ العلم هذا؛ فإنه يضعِّف ويصحِّح الأحاديث وفق هواه، لا على وفق قواعد المحدِّثين! فتراه يصحِّح الحديث الضعيف إذا كان متمشيًا مع منهجه وإن ضعَّفه أهل العلم جميعًا، ويضعِّف الحديث الصحيح وإن أطبق أهل العلم جميعًا على صحته! وفيما سبق من الأمثلة دلالة واضحة على ذلك. ومثل هذا الصنف من البشر يستحيل أن تصل معه إلى قناعة أو نقطة محددة؛ لأنه لا يحكمه منهج أصلًا، ولا يرضى أن يحتكم معك إلى منهج لا يوافق أصوله ومعتقده وهواه.

(1)

فتح الباري لابن حجر (1/ 394).

(2)

سنن ابن ماجة، كتاب الطهارة وسننها، باب في البول قاعدًا (1/ 112)، رقم (308)، وسنن الترمذي، أبواب الطهارة، باب النهي عن البول قائمًا (1/ 17)، تحت رقم (12). وقال الترمذي:«وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعَّفه أيوب السختياني وتكلَّم فيه» . وقال الألباني: «ضعيف» . ضعيف سنن ابن ماجة للألباني (ص:29)، رقم (60).

(3)

السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الطهارة، أبواب الاستطابة، باب البول قاعدًا (1/ 165)، رقم (493).

(4)

قال عنه الترمذي: «هو ضعيف عند أهل الحديث» . سنن الترمذي (1/ 17). وقال ابن عبد البر: «وعبد الكريم هذا ضعيف، لا يختلف أهل العلم بالحديث في ضعفه» . التمهيد لابن عبد البر (20/ 65).

ص: 242

3 -

عن بريدة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (ثَلاثٌ مِنَ الْجَفَاءِ: أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا، أَوْ يَمْسَحَ جَبْهَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ صَلاتِهِ، أَوْ يَنْفُخَ فِي سُجُودِهِ)

(1)

.

وهذا الحديث -كما بينت في تخريجه- أخرجه: البزار والطبراني.

وهذا الحديث قال عنه الترمذي: «غير محفوظ»

(2)

.

وقال عنه البخاري: «هذا حديث منكر، يضطربون فيه»

(3)

.

وسبب الاضطراب فيه -كما ذكر الألباني-: أن اثنين من رواته -وهما: قتادة والجريري- روياه عن ابن بريدة عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا، وخالفهما سعيد بن عبيد الله الثقفي، فرواه عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه مرفوعًا. والثقفي هذا فيه بعض الضعف، قال عنه الدارقطني:"ليس بالقوي، يحدِّث بأحاديث يسندها وغيره يوقفها". وأورده الذهبي في "الميزان"

(4)

، وقال الحافظ فيه:«صدوق ربما وهم»

(5)

. فمثله لا يُحتمل ما خالف فيه غيره ممن هو أوثق منه وأكثر

(6)

.

ومع كل هذا فقد قال عنه صاحب الرسالة عن هذا الحديث: "إنه حديث متواتر"! فاللهم سلِّم.

4 -

قال صاحب الرسالة: «وفي "الشفا": (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبُولَ

(7)

قَائِمًا)»

(8)

. اهـ.

(1)

مسند البزار (10/ 305)، رقم (4424)، والمعجم الأوسط للطبراني (6/ 129)، رقم (5998). وقال الهيثمي:«رجال البزار رجال الصحيح» . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي (2/ 83)، رقم (2454). وقال الألباني:«ضعيف» . ضعيف الجامع الصغير وزيادته للألباني (ص:373)، رقم (2535).

(2)

سنن الترمذي (1/ 18)، تحت رقم (12).

(3)

السنن الكبرى للبيهقي (2/ 405). وهو في السنن الكبرى للبيهقي موقوفًا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ولفظه فيها:«عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: (أَرْبَعٌ مِنَ الْجَفَاءِ: أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا)» ، الحديث. السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الصلاة، أبواب الخشوع في الصلاة والإقبال عليها، باب لا يمسح وجهه من التراب في الصلاة حتى يسلم (2/ 405)، رقم (3552). وأخرجه في: سنن الترمذي تعليقًا، أبواب الطهارة، باب النهي عن البول قائمًا (1/ 18)، تحت رقم (12). وقال الألباني عن حديث البيهقي:«صحيح موقوفًا» . إرواء الغليل للألباني (1/ 97)، تحت رقم (59).

(4)

انظر: ميزان الاعتدال للذهبي (2/ 150)، ترجمة: سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية الثقفي، رقم الترجمة (3234).

(5)

تقريب التهذيب لابن حجر (ص:239).

(6)

إرواء الغليل للألباني (1/ 98).

(7)

زاد في الرسالة: "الرجل".

(8)

سنن ابن ماجة، كتاب الطهارة وسننها، باب في البول قاعدًا (1/ 112)، رقم (309). وقال الألباني:«ضعيف جدًا» . ضعيف سنن ابن ماجة للألباني (ص:29)، رقم (61). عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

ص: 241

وأقول: هذا الحديث ضعيف جدًا، أخرجه ابن ماجة في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفي سنده: عدي بن الفضل التيمي، وهو متروك

(1)

.

5 -

قال صاحب الرسالة: «وقد أورد الشوكاني في كتابه "نيل الأوطار" حديثًا ما

(2)

نصّه: "وقد رُوي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (مِنْ الْجَفَاءِ أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا)

(3)

"».

وأقول:

أ- إن هذا الأثرٌ موقوفٌ على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقد صحَّ عنه، كما ذكرت في تخريجه.

ب- إنه ليس فيه حجة وإن كان صحيحًا؛ لكونه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، والحجة إنما هي في كتاب الله وفي سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه.

6 -

عن عبد الرحمن بن حسنة رضي الله عنه قال: (خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي يَدِهِ كَهَيْئَةِ الدَّرَقَةِ، فَوَضَعَهَا ثُمَّ جَلَسَ خَلْفَهَا فَبَالَ إِلَيْهَا، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: انْظُرُوا يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: وَيْحَكَ! أَمَا عَلِمْتَ مَا أَصَابَ صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَوْلُ قَرَضُوهُ بِالْمَقَارِيضِ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَعُذِّبَ فِي قَبْرِهِ)

(4)

.

وهذا الحديث قال عنه ابن حجر: «وهو حديث صحيح، صححه الدارقطني وغيره»

(5)

.

وأقول:

أ- ليس في الحديث دلالة على النهي عن البول قائمًا.

ب- إنه لا ينفي حديث حذيفة رضي الله عنه في البول قائمًا، كما يدَّعي صاحب الرسالة. وإنما غاية ما فيه: حكاية فعله صلى الله عليه وسلم في ذلك. والفعل لا يدلُّ على الوجوب ولا على تحريم ما سواه، كما يقول الأصوليون.

وليس ثمَّة قول أبلغ من قول ابن حجر في هذا الباب: «ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء -أي: عن البول قائمًا-»

(6)

. وقد قطعت جهيزة قول كل خطيب.

(1)

تقريب التهذيب لابن حجر (ص:388)، ونيل الأوطار للشوكاني (1/ 117).

(2)

كذا في الرسالة، ولعل الصواب حذفها.

(3)

نيل الأوطار للشوكاني (1/ 116).

والأثر أخرجه في: سنن الترمذي تعليقًا والسنن الكبرى للبيهقي، وصحح الألباني حديث البيهقي. وقد تقدم.

(4)

مسند أحمد وسنن ابن ماجة وسنن أبي داود وسنن النسائي، وصححه الألباني. وقد تقدم.

(5)

فتح الباري لابن حجر (1/ 328).

(6)

المصدر السابق (1/ 395).

وقال النووي: «وقد رُوي في النهي عن البول قائما أحاديث لا تثبت» . شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 166).

ص: 242

ومما تقدم يتضح لنا: أن البول قائمًا ليس عملًا منكرًا ولا مستهجنًا، ولا مخالفًا للآداب والأخلاق النبيلة، بل هو أمر مألوف للعرب في جاهليتهم وإسلامهم.

ثالثًا: لما كان غالب أحوال النبي صلى الله عليه وسلم البول قاعدًا

(1)

مع إضافة حديث عائشة رضي الله عنها السابق: (مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا)

(2)

إلى ذلك فقد حاول بعض الأئمة الأعلام تفسير بوله صلى الله عليه وسلم قائمًا، والأسباب التي دعته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فذكروا أمورًا معقولة لا تنافي توقيره ومحبته وعصمته صلى الله عليه وسلم، وليست مختلقة، كما يدَّعي صاحب الرسالة، وهي كذلك متوافقة مع بشريته عليه الصلاة والسلام، ومما ذكروه في ذلك:

1 -

ما روي عن الإمامين الشافعي وأحمد: أن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بالبول قائمًا. فلعله صلى الله عليه وسلم كان به هذا الوجع.

2 -

أنه كان به صلى الله عليه وسلم علة في مأبضه -أي: باطن ركبته-، فلم يتمكن صلى الله عليه وسلم لأجله من القعود. ورُوي في ذلك حديث لم يصح

(3)

.

3 -

ما ذكره الحافظ ابن حبان: "من أنه لم يجد مكانًا يصلح للقعود، فقام؛ لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليًا، فأمن أن يرتد إليه شيء من بوله"

(4)

.

4 -

أنه صلى الله عليه وسلم إنما بال قائمًا لأن السباطة رخوة يتخللها البول، فلا يرتد إلى البائل منه شيء.

5 -

ومنها -وهو الأظهر والأصح-: أنه صلى الله عليه وسلم بال قائمًا لبيان الجواز، وكان أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم البول عن قعود

(5)

.

رابعًا: بقي أن أقول: إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم إلى حدٍّ يخرجه عن بشريته هو من الغلوّ المحرَّم والإطراء

(1)

قال الخطابي: «والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعتاد من فعله البول قاعدًا» . أعلام الحديث "شرح صحيح البخاري" للخطابي (1/ 280).

(2)

سنن ابن ماجة وسنن الترمذي وسنن النسائي، وصححه الألباني. وقد تقدم.

(3)

وهو: عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَالَ قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبِضِهِ). المستدرك للحاكم، كتاب الطهارة (1/ 290)، رقم (645)، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب الطهارة، أبواب الاستطابة، باب البول قائمًا (1/ 164)، رقم (489). وقال الألباني:«ضعيف» . إرواء الغليل للألباني (1/ 96)، رقم (58).

(4)

قال ابن حبان: «عدم السبب في هذا الفعل هو: عدم الإمكان، وذاك: أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أتى السباطة -وهي المزبلة-، فأراد أن يبول فلم يتهيأ له الإمكان؛ لأن المرء إذا قعد يبول على شيء مرتفع عنه ربما تفشى البول فرجع إليه، فمن أجل عدم إمكانه من القعود لحاجة بال صلى الله عليه وسلم قائمًا» . صحيح ابن حبان (4/ 274).

وقال الخطابي: «السبب في بوله قائمًا: أنه قد أعجله البول ولم يجد للقعود موضعًا؛ إذ كان ما يليه من طرف السباطة مرتفعا عاليًا» . أعلام الحديث "شرح صحيح البخاري" للخطابي (1/ 278).

(5)

شرح صحيح مسلم للنووي (2/ 165 - 166)، وفتح الباري لابن حجر (1/ 330).

ص: 243

المنهي عنه، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ)

(1)

.

وما شنّع به صاحب الرسالة على من يقول: إنه صلى الله عليه وسلم «بال قائمًا لأنها حالة يُؤمن معها خروج الريح بصوت، ففعل ذلك لكونه قريبًا من الديار» هو من هذا القبيل؛ إذ كيف يُجيز عليه صلى الله عليه وسلم البول والغائط وهما أشد ولا يجيز عليه خروج الريح؟! أليس هذا غلوًا؟

ولا يعني جواز ذلك عليه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله بحضرة الناس، فإن هذا مما عصمه الله منه، وهو غير لائق بأدنى البشر، فكيف به صلى الله عليه وسلم وهو خير البشر؟ ولأجل هذا كان إذا أراد الحاجة انطلق حتى لا يراه أحد

(2)

.

وليتأمل هؤلاء الغالون في معنى قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف:110]. ليعلموا بأنه عليه الصلاة والسلام لم يخرج عن صفة البشرية التي فطر الله عليها الخلق، غير أن الله تعالى ميزه عنهم بالوحي، ثم عصمه بسبب ذلك من الوقوع في الإثم وسائر ما يُزري بمنصب النبوة.

على أن هذه العصمة هي أمر خارجي، وليست من الصفات البشرية؛ لأن البشر جميعًا جُبِلُوا على الخير والشر، فمن نفى عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة من هذه الصفات الجبلّية التي لم يعصمه الله منها فقد أخرجه عن بشريته، وجاوز حدَّ الإطراء فيه.

بصَّر الله الجميع بالحق، وهدانا إلى سواء السبيل.

(1)

صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم:16](4/ 167).

(2)

روى ذلك عنه صلى الله عليه وسلم عدة صحابة رضي الله عنهم في عدة أحاديث، ومنهم:

1 -

عن عبد الرحمن بن أبي قُرَاد رضي الله عنه قال: (خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْخَلَاءِ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ). مسند أحمد (24/ 428)، رقم (15660)، وسنن ابن ماجة، كتاب الطهارة وسننها، باب التباعد للبراز في الفضاء (1/ 121)، رقم (334)، وسنن النسائي، كتاب الطهارة، الإبعاد عند إرادة الحاجة (1/ 17)، رقم (16). وقال الألباني:«صحيح» . صحيح سنن ابن ماجة للألباني (1/ 122)، رقم (271).

2 -

عن جابر رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْتِي الْبَرَازَ حَتَّى يَتَغَيَّبَ فَلَا يُرَى). سنن الدارمي، المقدمة، باب ما أكرم الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم من إيمان الشجر به والبهائم والجن (1/ 167)، رقم (17)، وسنن ابن ماجة، كتاب الطهارة وسننها، باب التباعد للبراز في الفضاء (1/ 121)، رقم (335)، وسنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب التخلي عند قضاء الحاجة (1/ 1)، رقم (2). وقال الألباني:«صحيح» . صحيح سنن ابن ماجة للألباني (1/ 122)، رقم (272).

ص: 244