الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة العشرون
اتهام المحدثين بمخالفة القرآن
في قولهم بمباشرة الحائض من فوق الإزار
يقول المشكك:
«يقول تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222].
فيقول أهل الحديث: إن النبي كان يأمر زوجاته بالاتزار، ثم يباشرهن من خلف الإزار».
والجواب:
أولًا: أن اعتزال المرأة الحائض والنفساء المذكور في الآية المراد به هو: النهي عن جماعهما في الفرج بلا خلاف بين العلماء
(1)
. بل إن من فعله مع أهله معتقدًا جوازه فقد خرج من ربقة الإسلام
(2)
.
ثانيًا: تعميم اعتزال المرأة الحائض إلى ما هو أشمل من الجماع كعدم مباشرتها وترك مجالستها ومؤاكلتها هو من عادات اليهود وتقاليدهم الباطلة، فعن أنس رضي الله عنه:(أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ)
(3)
.
ويتضح من هذا الحديث: أن المراد باعتزال المرأة في المحيض في الآية هو: ترك جماعها في أثناء الحيض،
فلا تجامع في الفرج. وهذا هو موضع النهي بلا خلاف. وليس فيه النهي عن المباشرة فيما دونه؛ وذلك لحاجة الرجل إلى ذلك في فترة امتناعه عن الجماع في زمن الحيض، ولو لم يبح له ذلك لارتكب ما نهي عنه، خاصة إذا اشتدت عليه الشهوة أو كان به شبق، قال ابن كثير في تفسيره:«ولهذا ذهب كثير من العلماء أو أكثرهم إلى أنه تجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج»
(4)
.
(1)
وممن نقل الإجماع على ذلك:
1 -
الإمام النووي، حيث قال:«اعلم أن مباشرة الحائض أقسام: أحدها: أن يباشرها بالجماع في الفرج. فهذا حرام بإجماع المسلمين بنص القرآن العزيز والسنة الصحيحة» . شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 204).
2 -
الشوكاني، حيث قال:«ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض، وهو معلوم من ضرورة الدين» . تفسير الشوكاني (1/ 259).
3 -
ابن كثير، حيث قال عن مباشرة الحائض في الفرج:«أجمع العلماء على تحريمه» . تفسير ابن كثير (1/ 587).
(2)
قال الإمام النووي: «قال أصحابنا: ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافرًا مرتدًا» . شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 204).
(3)
صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه (1/ 246)، رقم (302).
(4)
تفسير ابن كثير (1/ 585).
ثالثًا: مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه الحُيَّض من فوق الإزار ثابتة في الصحيحين وغيرهما
(1)
.
وفعل ذلك صلى الله عليه وسلم لعدة أمور:
1 -
للدلالة على جوازه.
2 -
مخالفةً لليهود.
3 -
تعبيرًا عن حبه لامرأته، وبأن ذلك منها لا يدعوه إلى نبذها وكراهتها.
رابعًا: أن مسألة مباشرة الحائض فيما دون الفرج هي مسألة خلافية، ومن يملك إربه وكان قادرًا على منع نفسه من الإيلاج في الفرج والدبر جاز له أن يباشر امرأته ويتلذذ بها فيما عدا ذلك كيف ما شاء.
قال ابن حزم: «وللرجل أن يتلذذ من امرأته الحائض بكل شيء حاشا الإيلاج في الفرج، وله أن يُشَفِّرَ ولا يولج، وأما الدبر فحرام في كل وقت. وفي هذا خلاف -أي: في المباشرة-:
(1)
جاء في ذلك عدة أحاديث، ومما جاء منها في الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا). صحيح البخاري، كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض (1/ 67 - 68)، رقم (302)، وصحيح مسلم، كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض فوق الإزار (1/ 242)، رقم (293).
ومما جاء منها في غير الصحيحين: عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا أَمَرَهَا فَأَلْقَتْ عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا ثُمَّ صَنَعَ مَا أَرَادَ). سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع (1/ 71)، رقم (272)، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب الحيض، باب الرجل يصيب من الحائض ما دون الجماع (1/ 468)، رقم (1506). وقال الألباني:«صحيح» . صحيح سنن أبي داود للألباني (1/ 79)، رقم (272).
فروينا عن ابن عباس: (أَنَّهُ كَانَ يَعْتَزِلُ فِرَاشَ امْرَأَتِهِ إذَا حَاضَتْ)
(1)
. وقال عمر بن الخطاب
(2)
(1)
عن نُدبَةَ -مولاة لميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (أَرْسَلَتْنِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ إِلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ، فَرَأَيْتُ فِرَاشَهَا مُعْتَزِلًا فِرَاشَهُ فَظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ لِهِجْرَانٍ، فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: لَا، وَلَكِنِّي حَائِضٌ، فَإِذَا حِضْتُ لَمْ يَقْرَبْ فِرَاشِي). مسند أحمد (44/ 402)، رقم (26819)، والمعجم الكبير للطبراني (24/ 12)، رقم (17). وقال محققو مسند أحمد -شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد وآخرون-:«صحيح» . مسند أحمد (44/ 403)، حاشية رقم (1).
(2)
عن عاصم بن عمرو البجلي: (أَنَّ رَهْطًا أَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَسَأَلُوهُ، عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ تَطَوُّعًا، وَعَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ حَائِضًا، وَعَنِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ)، فذكر جوابه لهم رضي الله عنه، وفيه:(وَأَمَّا مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلٍ مِنِ امْرَأَتِهِ حَائِضًا: فَلَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ، وَلَا تَطَّلِعُونَ عَلَى مَا تَحْتَهُ حَتَّى تَطْهُرَ). مصنف عبد الرزاق، كتاب الطهارة، باب اغتسال الجنب (1/ 257)، رقم (987)، ومصنف ابن أبي شيبة، كتاب النكاح، في الرجل ما له من امرأته إذا كانت حائضًا (3/ 532)، رقم (16834)، ومسند أحمد (1/ 247)، رقم (86)، وشرح معاني الآثار للطحاوي، كتاب النكاح، باب الحائض وما يحل لزوجها منها (3/ 37)، رقم (4377). وفي رواية أحمد والطحاوي: أن عاصم بن عمرو البجلي لم يسمعه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإنما رواه عن رجل من القوم الذين سألوا عمر بن الخطاب. وقال محققو مسند أحمد -شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد وآخرون-:«إسناده ضعيف؛ لجهالة الرجل الذي روى عنه عاصم بن عمرو» . مسند أحمد (1/ 247)، حاشية رقم (3). وقال الألباني:«ضعيف» . ضعيف الجامع الصغير وزيادته للألباني (ص:179)، رقم (1243).
وفي رواية ابن أبي شيبة: أن عمر بن الخطاب قال لهم: (سَأَلْتُمُونِي عَنْ خِصَالٍ مَا سَأَلَنِي أَحَدٌ بَعْدَ أَنْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَمَّا مَا لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فَلَهُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ). فنسب جوابه لهم بهذا أنه جواب النبي صلى الله عليه وسلم له لما سأله عن ذلك.
وفي رواية: أن هؤلاء الرهط الذين أتوه رضي الله عنه: (نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ).
مصنف عبد الرزاق، كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض (1/ 322)، رقم (1238).
وفي رواية الطحاوي: أنهم كانوا ثلاثة.
وسعيد بن المسيب
(1)
وعطاء
(2)
- إلا أنه لا يصح عن عمر- وأبو حنيفة ومالك والشافعي: (له ما فوق الإزار من السرة فصاعدًا إلى أعلاها، وليس له ما دون ذلك)
(3)
»
(4)
.
وأما من لا يملك إربه ويخشى إن باشر دون الفرج أن يولج فيه أو في الدبر فتحرم عليه المباشرة؛ من باب (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ)
(5)
، ولحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال:(فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ)
(6)
.
والله أعلم.
(1)
عن عبد الرحمن بن حرملة: «أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: أُبَاشِرُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: اجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ مِنْهَا ثَوْبًا ثُمَّ بَاشِرْهَا» . مصنف ابن أبي شيبة، كتاب النكاح، في الرجل ما له من امرأته إذا كانت حائضًا (3/ 531)، رقم (16827).
قلت: في سنده عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، مُختلف فيه، والصحيح انه صدوق حسن الحديث، وهو معروف بالرواية عن ابن المسيب، وقد أذن له بالكتابة فجبرت ضعفه. فالأثر حسن عن سعيد بن المسيب. والله أعلم.
(2)
عن عطاء قال: «يُبَاشِرُ الْحَائِضَ زَوْجُهَا إِذَا كَانَ عَلَى جَزْلَتِهَا السُّفْلَى إِزَارٌ. سَمِعْنَا ذَلِكَ» . قال أبو بكر
-يقصد عبد الرزاق صاحب المصنف: نفسه-: «جَزْلَتُهَا: مِنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ» . مصنف عبد الرزاق، كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض (1/ 323)، رقم (1242).
قلت: وسنده صحيح.
وعن مالك بن مغول قال: «سَأَلَ رَجُلٌ عَطَاءً عَنِ الْحَائِضِ، فَلَمْ يَرَ بِمَا دُونَ الدَّمِ بَأْسًا» . سنن الدارمي، كتاب الطهارة، باب مباشرة الحائض (1/ 695)، رقم (1076). وقال محقق سنن الدارمي -حسين سليم أسد الداراني-:«إسناده منقطع؛ مالك بن مغول لم يسمع من عطاء بن أبي رباح» . سنن الدارمي (1/ 695).
(3)
وجاء ذلك أيضًا عن صحابة آخرين غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكذلك عن بعض التابعين غير سعيد بن المسيب وعطاء بن رباح.
(4)
المحلى لابن حزم (1/ 395).
(5)
عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: (حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ). مسند أحمد (3/ 249)، رقم (1723)، وسنن الدارمي، كتاب البيوع، باب دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (3/ 1649)، رقم (2574)، وسنن الترمذي، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب -ولم يذكر له عنوانًا- (4/ 668)، رقم (2518)، وسنن النسائي، كتاب الأشربة، الحث على ترك الشبهات (8/ 327)، رقم (5711). وقال الألباني:«صحيح» . صحيح سنن الترمذي للألباني (2/ 611)، رقم (2518).
(6)
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول -وأهوى بإصبعيه إلى أذنيه-: (إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ). صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات (3/ 1219)، رقم (1599).