الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة السادسة
اتهام السنة بمخالفة القرآن
في إثباتها لعذاب القبر
يقول المشكك:
«ولا يذكر القرآن شيئًا اسمه عذاب القبر، ويقول: إن العذاب مؤجل ليوم
(1)
القيامة بعد الحساب.
فيخترع أهل الحديث ما يسمونه: عذاب القبر
(2)
، بل ويلوون معاني عنق آيتين من كتاب الله؛ ليصلوا لمبتغاهم»
(3)
.
والجواب:
أولًا: نعم لم يرد في القرآن الكريم اسم" عذاب القبر" منصوصًا عليه هكذا، كما أنه لم ترد الصلوات الخمس منصوصًا عليها، وجميعهما بينتهما السنة.
(1)
كذا في المنشور.
(2)
لم يخترعه أهل الحديث، بل تواترت الأحاديث بذلك، قال ابن القيم:«فأما أحاديث عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير فكثيرة متواترة عن النبي» . الروح لابن القيم (ص:52).
وقد تواترت الأحاديث في عدة جزئيات متعلقة بعذاب القبر، وهي:
1 -
سؤال الملكين الميت في القبر وهو فتنته. قال السيوطي: «قد تواترت الأحاديث بذلك» . شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور للسيوطي (ص:121).
وقال السفاريني: «فالإيمان بذلك -يعني بالملكين اللذين ينزلان على الميت في قبره يسألانه عن ربه ومعتقده- واجب شرعًا؛ لثبوته عن النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم في عدة أخبار يبلغ مجموعها مبلغ التواتر» . لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية "وهو: شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية في عقيدة أهل الآثار السلفية" للسفاريني (2/ 144).
2 -
عود الروح للبدن وقت السؤال. قال ابن تيمية: «سائر الأحاديث الصحيحة المتواترة تدل على عود الروح إلى البدن» . شرح حديث النزول لابن تيمية (ص:88).
3 -
عذاب القبر ونعيمه. قال ابن أبي العز الحنفي: «وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلًا، وسؤال الملكين» . شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (ص:395).
4 -
الاستعاذة من عذاب القبر. قال ابن رجب: «وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر والتعوذ منه» . تفسير ابن رجب (2/ 356).
وانظر: نظم المتواتر للكتاني (ص:123 - 126). وقد ذكر من قال بتواتر كل منها.
(3)
كذا في المنشور.
وقد وردت آيات كثيرة ظاهرة وواضحة تدل على عذاب القبر، دلالة لا يسع أي مسلم لديه حظ من علم وينطوي قلبه على اعتقاد صحيح أن ينكره أو يؤوله.
ومن هذه الآيات:
1 -
قال تعالى عن فرعون وقومه الذين أغرقهم: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر:45 - 46].
ففي هذه الآية: أنهم يعرضون على النار صباحًا ومساءً، أي: يعذبون فيها في هاتين الفترتين.
وقيل: يعرضون عليها مجرد عرض من غير دخول فيها، وهو عذاب مخفف؛ بدليل قوله:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر:46].
ولو لم يكن هذا عذابًا لهم لم يذكره في سياق العقوبة العظيمة التي حاقت بهم في برزخهم.
2 -
وهذه الآية صريحة في عذاب الكفار في قبورهم؛ حيث إنه يحصل لهم هذا الضرب على وجوهم وأدبارهم، وهذه الإهانة والخزي لهم عند إدبارهم من الدنيا وإقبالهم على الآخرة. ولا يحصل لهم هذا في حال حياتهم؛ بدليل قوله:{الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام:93]، أي: اليوم قبل البعث تجزون هذا العذاب المهين لكم.
3 -
قال تعالى عن قوم نوح عليه السلام: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح:25]، أي: أغرقهم الله تعالى بالطوفان فأدخلهم النار مباشرة؛ لأن الفاء تدل على التعقيب المباشر، وليس على التراخي.
4 -
قال تعالى عن قوم لوط: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)} [الحجر:74]، أي: قلب الله عليهم الأرض التي كانوا عليها حتى صار عاليها سافلها، فقتلهم بذلك، ثم أتبعهم بحجارة من سجيل منضود عذابًا لهم في برزخهم. ولو لم تكن هذه الحجارة عذابًا لهم بعد موتهم لكان ذكرها من باب العبث -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا-.
5 -
قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)} [الأنفال:50].
ومعناها كآية الأنعام: أن هذا الضرب والإهانة هو عند خروجهم من الدنيا وقبل البعث.
وهذا هو نوع من عذاب القبر؛ لأنه لا يحصل لهم مثل هذا في حياتهم.
6 -
قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)} [محمد:27].
ومعناها كالآية السابقة.
ثانيًا: ليس في عذاب القبر شك عند أهل السنة، وهم السواد الأعظم من المسلمين. وقد دل عليه عندهم أحاديث كثيرة صريحة، تبلغ بمجموعها حد التواتر
(1)
، مروية في كتب: الصحاح، والسنن، والمسانيد، وغيرها من كتب الحديث. وقد جمعها بعض الأئمة في مصنفات خاصة، منهم: الإمام البيهقي، وسمى كتابه:"إثبات عذاب القبر وسؤال الملكين"
(2)
.
ثالثًا: يستدل منكرو عذاب القبر على إنكارهم له بقوله تعالى: {قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:52]. وأنهم لو كانوا يعذبون لم يكن القبر على هيئة المرقد لهم.
والجواب عن استدلالهم هذا:
1 -
أن المراد بقولهم: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:52]؟ أي: من بعثنا من قبورنا ومضاجعنا؟ وليس في الآية أنهم لم يكونوا يعذبون فيها.
2 -
أن النفخة في الصور لهولها وعظمها أنستهم ما كانوا فيه من عذاب في قبورهم.
3 -
قيل: إنه بعد النفخة الأولى ينقطع العذاب والنعيم عن أهل القبور فينامون حتى النفخة الثانية، فإذا سمعوها خرجوا من قبورهم وقالوا:{يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:52].
4 -
لا يلزم من إثبات عذاب القبر استمراره إلى يوم القيامة، بل هو عائد إلى مشيئة الله تعالى، فلعل النفخة الثانية تكون في وقت انقطاع العذاب عنهم وفي حال نومهم.
والله أعلم.
(1)
انظر: الحاشية السابقة.
(2)
قال الإمام الآجري بعد أن ذكر الأحاديث المثبتة لعذاب القبر: «ما أسوأ حال من كذب بهذه الأحاديث، لقد ضل ضلالًا بعيدًا وخسر خسرانًا مبينًا» . الشريعة للآجري (3/ 1287).