الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
عقيدة أهل السنة في آل البيت
ليس من المبالغة إذا قلت: إنه لا أحد من النَّاس أشد حبًا ولا إكرامًا ولا إجلالًا ولا موالاة لآل البيت من أهل السنة، ولكن بالطبع من غير إفراط ولا تفريط. وهذا من أصولهم المعلومة المدونة في كتبهم
(1)
.
وذلك مراعاة وحفظًا لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، حيث قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه:(وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي)
(2)
.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي أَهْلِ بَيْتِهِ)
(3)
.
وهم كذلك أبعد النَّاس عن أذيتهم أو التطاول عليهم أو احتقارهم؛ لأن من يؤذيهم لمنزلتهم وقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم فهو إنما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام حينما جاء إليه عمه العباس رضي الله عنه يشكو جفوة من بعض قريش لبني هاشم: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ آذَى عَمِّي فَقَدْ آذَانِي؛ فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ)
(4)
.
غير أن هذه الموالاة والمحبة إنما هي للمؤمنين الصالحين منهم، أمَّا الظلمة والفسقة والفجرة فقد تبرأ منهم صلى الله عليه وسلم قبل غيره، وأعلن أنهم ليسوا له بأولياء، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارًا غير سر يقول: (أَلَا أن آلَ أَبِي -يَعْنِي: فُلَانًا- لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)
(5)
. وبهذا جاء القرآن الكريم، فقال تعالى:{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم:4].
(1)
المصدر السابق (ص:118).
(2)
صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (4/ 1873)، رقم (2408).
(3)
صحيح البخاري، كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم (5/ 21)، رقم (3713).
(4)
مسند أحمد (29/ 57)، رقم (17516)، وسنن الترمذي، أبواب المناقب، باب مناقب أبي الفضل عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه (5/ 652)، رقم (3758). وقال الترمذي:«حديث حسن صحيح» . وقال الألباني: «صحيح» . صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني (2/ 1192)، رقم (7087). عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.
(5)
صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب تبل الرحم ببلالها (8/ 6)، رقم (5990)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم (1/ 197)، رقم (215). وزاد البخاري:(وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلَاهَا)، يعني: أصلها بصلتها.
ومع عِظَم هذه المكانة لآل البيت عند أهل السُّنَّة إلا إنهم لا يعتقدون أنهم خير النَّاس ولا أفضلهم مطلقًا؛ لأن الخيرية عند الله تعالى لا تكون إلا بالتقوى، قال سبحانه:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ)
(1)
.
ويختص الصحابة منهم بفضائل لا تكاد تخفى على أحد.
أمَّا نسبهم فلا يطالهم فيه ذو نسب، ولا يبزّهم فيه أحد، فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ)
(2)
.
وكذلك لا يعتقدون فيهم العصمة؛ لأن العصمة لا تكون إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأمَّا من عداهم فإنهم يُصيبون ويُخطئون، ويُحسنون ويُسيئون؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)
(3)
.
وأيضًا لا يعتقدون أنهم سفن النجاة، كما يقول صاحب الرسالة وغيره؛ إذ أن سفن النجاة في الحقيقة هم الأنبياء عليهم السلام والأعمال الصالحة فقط، أمَّا آل البيت فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات بإذن الله، مثل غيرهم من البشر.
(1)
صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء:125](4/ 140)، رقم (3353)، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف عليه السلام (4/ 1846)، رقم (2378).
(2)
صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة (4/ 1782)، رقم (2276).
(3)
مسند أحمد (20/ 344)، رقم (13049)، وسنن الدارمي، كتاب الرقاق، باب في التوبة (3/ 1793)، رقم (2769)، وسنن ابن ماجة، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة (2/ 1420)، رقم (4251)، وسنن الترمذي، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب -ولم يذكر له عنوانًا- (4/ 659)، رقم (2499). وقال الألباني:«حسن» . صحيح سنن ابن ماجة للألباني (3/ 383)، رقم (3447).