الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأكد البخاري بهذا تطابق معنى الحديث مع الآية الكريمة.
ثالثًا: ويقال له أيضًا: إن القرآن الكريم كان حاضرًا وموجودًا مع الإمام البخاري حينما قام بكتابة تلك السطور المنيرة والمضيئة من السنة -وليست الآثمة-، فقد روى في صحيحه في مناقب المهاجرين وفضلهم رضي الله عنهم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه:(لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)
(1)
.
فطابق فيه تمامًا لفظ القرآن الكريم.
وهذا الحديث في قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه من مكة مهاجرين إلى المدينة، وهو حديث طويل، وفيه:(ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: بَلَى. فَارْتَحَلْنَا وَالقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)
(2)
.
والله أعلم.
الشبهة الثانية والثلاثون
اتهام الفقهاء بمخالفة القرآن
في قولهم ببر الوالدين بدلاً من الإحسان إليهما
يقول المشكك:
«وبينما يقول الله بأن الإحسان للوالدين هو المطلوب.
فنجد
(3)
الفقهاء يقولون ببر الوالدين.
ويبدو أنهم لم يكونوا ليعلموا الفرق بين الإحسان والبر، هذا فضلًا عن أن البر موكول بالقرآن
(4)
للأبوين. لكن يبدو أن السادة الفقهاء لم يميزوا بين حقوق الوالدين وحقوق الأبوين».
والجواب:
أولًا: أن الإحسان إلى الوالدين والبر بهما بمعنى واحد، ولا فرق بينهما. بل من بر بوالديه فقد أحسن إليهما، والعكس كذلك.
وقد قال هذا المشكك: "إن هناك فرقًا بينهما". ولم يأت بأي دليل يسند كلامه. وهذا يدل على أن قصده هو التشكيك فقط.
في حين أنه لا فرق بينهما في كتب الفقهاء والمفسرين، فمعنى البر هو: الطاعة. وهو اسم جامع لكل خير. ويشمل ذلك: طاعة الوالدين في المعروف، والقيام بخدمتهما اذا احتاجا إلى ذلك، والنفقة عليهما، وعدم عقوقهما ما لم يأمرا بمعصية.
وكذلك معنى الإحسان إليهما مثل معنى البر تمامًا، ولا يقتصر على النفقة عليهما كما يتبادر إلى الذهن من اللفظ.
ولم أجد لا من العلماء السابقين أو اللاحقين من فرق بين معنى قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة:83، والنساء:36، والأنعام:151، والإسراء:23] وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ)
(5)
.
حتى جاء هذا المشكك الحاقد على أهل الحديث فذكر أن الإحسان إلى الوالدين هو غير البر بهما، ولم
(1)
صحيح البخاري، كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب المهاجرين وفضلهم (5/ 4)، رقم (3652)، وصحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب في حديث الهجرة -ويقال له: حديث الرحل "بالحاء"- (4/ 2309)، رقم (2009).
(2)
نفس التخريج السابق.
(3)
كذا في المنشور.
(4)
كذا في المنشور.
(5)
جزء من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وسيأتي في أصل الكتاب بعد عدة أسطر، وتخريجه في الحاشية التالية.
يذكر أي دليل لا من القرآن ولا من اللغة على التفريق بينهما.
ولأن بضاعته في ذلك مزجاة فيُتأكد أن الحامل له على ذلك هو: استعمال الحديث للفظ البر بالوالدين وعدم استعماله لفظ الإحسان إليهما، وهو ينكر السنة ويدعي مناقضتها للقرآن. فهذه هي القضية بعينها.
وهذا الاستعمال النبوي ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في "صحيح البخاري" وغيره، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
(1)
.
ثانيًا: قوله: «إن البر موكول بالقرآن
(2)
للأبوين» أي: أن الأب هو الذي يبر بابنه. ولم أجد في القرآن ذلك حسب علمي، وليأت بالآية الدالة على ذلك إن كان من الصادقين. فإني أكاد أجزم أنه لا توجد آية تدل على ما ذهب إليه. وإنما في القرآن الوصية بالأولاد، قال تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء:11].
ثالثًا: قال: «يبدو أن السادة الفقهاء لم يميزوا بين حقوق الوالدين وحقوق الأبوين» . ولم يذكر الفرق بين حقوقهما؛ لأن مهمته هي التشكيك لا غير، وليس الحق ولا العلم.
ولا شك أن هناك فرقًا بين الوالد والأب، فالوالد يطلق على: من ولدتَ من صلبه، بخلاف الأب، فإنه يطلق على: الوالد وعلى الجد الأدنى فما فوقه إلى أبينا آدم عليه السلام.
وقد يستعمل لفظ الأب على من ولدتَ من صلبه، كقوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء:11].
وكل من الأب والوالد له حق في الإسلام، لكن الأب الذي ولدتَ من صلبه أعظم حقًا ممن هو أعلى منه، وهو المراد بالبر والإحسان إليه في النصوص في المقام الأول.
والله أعلم.
(1)
صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها (1/ 112)، رقم (527)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال (1/ 90)، رقم (85).
(2)
كذا في المنشور.