الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
كون منكر السنة كافرًا
لم يختلف العلماء فيما بينهم أن من أنكر السنة وردها جملة وتفصيلًا وجحد ورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية أنه كافر زنديق؛ وذلك لأنه:
1 -
مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
2 -
منكر لأمر قطعي معلوم من الدين بالضرورة.
3 -
مؤمن ببعض الكتاب وكافر ببعض.
4 -
مستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم.
5 -
متبع لغير سبيل المؤمنين.
وتفصيل ذلك كالتالي:
1 -
أما كونه مكذبًا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فلأن الله تعالى أخبر: أن السنة وحي من عنده، وأنها مبينة للقرآن ومستقلة عنه في التشريع، وأنه يجب الانقياد لذلك والأخذ به، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله وفعله. فقال المنكر للسنة: إن الأمر ليس كذلك.
2 -
وأما كونه منكرًا لأمر قطعي فلأنه لا خلاف في ذلك بين جمهور المسلمين حتى أصبح ذلك معلومًا لكل أحد، ومثل هذا هو الذي يسميه العلماء:"المعلوم من الدين بالضرورة" الذي يحكم على منكره بالكفر.
3 -
وأما كونه مؤمنًا ببعض الكتاب وكافرًا ببعض فلأنه فرق بين القرآن والسنة في الإيمان والعمل، وهما عند المسلمين في هذا شيء واحد بالإجماع، قال تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)} [البقرة:85].
4 -
وأما كونه مستهزئًا بالنبي صلى الله عليه وسلم فظاهر من عدم إيمانه بالسنة وعدم قبوله لها، وتركه للعمل بها استخفافًا. وهذا كفر، كما قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66].
5 -
وأما كونه متبعًا لغير سبيل المؤمنين فلأن المؤمنين صدرًا بعد صدر وجيلًا بعد جيل على الإيمان بالسنة والعمل بها، فمن أنكرها لم يكن منهم، ولا هو متبع لسبيهم، قال تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء:115].
وقد نقل الإجماع على كفر منكر السنة غير واحد من أهل العلم، منهم:
1 -
(1)
.
(2)
.
وقال أيضًا: «وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)} [الشورى:10]. فوجدنا الله تعالى يردنا إلى كلام نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قدمنا آنفًا. فلم يسمع
(3)
مسلمًا يقر بالتوحيد أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن والخبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يأبى عما وجد فيهما، فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق.
وأما من فعله مستحلًا للخروج عن أمرهما وموجبًا لطاعة أحد دونهما فهو كافر شك
(4)
عندنا في ذلك. وقد ذكرنا
(5)
محمد بن نصر المروزي: أن إسحاق بن راهويه كان يقول: "من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر".
ولم نحتج في هذا بإسحاق، وإنما أوردناه لئلا يظن جاهل أننا منفردون بهذا القول. وإنما احتججنا في تكفيرنا من استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى مخاطبًا لنبيه صلى الله عليه وسلم:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء:65].
قال علي
(6)
: هذه كافية لمن عقل وحذر وآمن بالله واليوم الآخر وأيقن أن هذا العهد عهد ربه تعالى إليه ووصيته عز وجل الواردة عليه.
(1)
المحلى لابن حزم (1/ 32).
(2)
الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (2/ 79 - 80).
(3)
كذا في الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، ولعل الصواب: يسع.
(4)
كذا في الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، ولعل الصواب: لا شك.
(5)
كذا في الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، ولعل الصواب: وقد ذكرنا عن.
(6)
يقصد: ابن حزم نفسه.
فليفتش الإنسان نفسه، فإن وجد في نفسه مما قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل خبر يصححه مما قد بلغه أو وجد نفسه غير مسلمة لما جاءه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد نفسه مائلة إلى قول فلان وفلان أو قياسه واستحسانه وأوجد
(1)
نفسه تُحَكّم فيما نازعت فيه أحدًا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم متى صاحت فمن دونه -فليعلم أن الله تعالى قد أقسم -وقوله الحق-: إنه ليس مؤمنًا. وصدق الله تعالى. وإذا لم يكن مؤمنًا فهو كافر، ولا سبيل إلى قسم ثالث»
(2)
.
2 -
الإمام جلال الدين السيوطي، حيث قال:«فاعلموا رحمكم الله أن من أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولًا كان أو فعلًا بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحُشرَ مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكَفَرَة»
(3)
.
3 -
ابن حجر العسقلاني، فقد ذكر ذلك عند بيانه لضابط البدعة المكفرة التي ترد بها رواية قائلها، فقال: «فالمعتمد أن الذي ترد روايته: من أنكر أمرًا متواترًا من الشرع معلومًا من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه.
فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله»
(4)
.
قلت: وعلى هذا فمنكر السنة كافر؛ لأنها متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في العموم معلومة من الدين بالضرورة، وقال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وقد سأله إنسان
(5)
عن الصلاة في السفر: (رَكْعَتَانِ، مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ)
(6)
.
(1)
كذا في الأصل، ولعل الصواب: ووجد.
(2)
الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (1/ 98 - 99).
(3)
مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة لجلال الدين السيوطي (ص:5).
(4)
نزهة النظر بشرح نخبة الفكر لابن حجر العسقلاني (ص:123).
(5)
الذي سأله: صفوان بن محرز. وقد جاء مصرحًا باسمه في أغلب الروايات.
(6)
السنن الكبرى للبيهقي، أبواب صلاة المسافر والجمع في السفر، باب كراهية ترك التقصير والمسح على الخفين وما يكون رخصة رغبة عن السنة (3/ 201)، رقم (5417)، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، باب فضل السنة ومباينتها لسائر أقوال علماء الأمة (2/ 1207)، رقم (2372).