الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الحادية عشرة
مخالفة المحدثين للقرآن
في قولهم بتقييد القرآن بالسنة
يقول المشكك:
«بل وقالوا
(1)
بأن السنة النبوية ومدوناتها تنسخ أحكام القرآن، وتقوم بتقييد أحكامه».
والجواب:
أولًا: اختلف العلماء في نسخ السنة للقرآن، فمنهم من أثبته، ومنهم من نفاه، ومنهم من فصل في ذلك كالإمام الشافعي وغيره. والمسألة محل نظر واجتهاد، ولكلٍ وجهته.
ثانيًا: إنكار هذا المشكك على أهل الحديث قولهم بتقييد السنة لأحكام القرآن جهل عظيم. ولسائل أن يسأله هذه الأسئلة:
السؤال الأول: في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38]:
1 -
هل القطع لليدين كليهما أم لواحدة منهما؟
2 -
أيهما التي تقطع، اليمين أم الشمال؟
3 -
من أين تقطع؟
ولن يجد الجواب على ذلك إلا في السنة المطهرة التي بينت أيهما التي تقطع، وهي اليد اليمنى
(2)
، وموضع القطع: أنها تقطع من مفصل الكوع.
فإن أجاب بهذا فقد قال بتقييد السنة للقرآن شاء أم أبى، وإن لم يقل به فقد خالف ما عليه المسلمون في القطع منذ الصدر الأول وإلى اليوم، وتلك قاصمة له.
السؤال الثاني: هل تجيز -أنت أيها المشكك- الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها؟
(1)
يعني: أهل الحديث.
(2)
قال الألباني: «ليس عندنا هناك حديث صحيح -كما جاء في تحديد السرقة التي يستحق السارق أن تُقْطَع يده من أجلها، ليس عندنا حديث- يحدد لنا مكان القطع من بيانه القولي، وإنما عندنا بيان فعلي تطبيقي عملي، من أين نعرف هذا التطبيق؟ من سلفنا الصالح أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هذا هو القسم الثاني وهو البيان الفعلي» . موسوعة الألباني في العقيدة (1/ 224).
وقد تقدمت الأحاديث الواردة في ذلك.
فإن قال: نعم فقد خالف الإجماع على تحريم ذلك، إلا من شذ من الخوارج. قال القرطبي في تفسيره: «وهذا الحديث - (لَا يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ المَرْأَةِ وَخَالَتِهَا)
(1)
- مجمع على العمل به في تحريم الجمع بين من ذكر فيه بالنكاح، وأجاز الخوارج الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها وخالتها. ولا يعتد بخلافهم؛ لأنهم مرقوا من الدين وخرجوا منه، ولأنهم مخالفون للسنة الثابتة»
(2)
.
وإن قال: إنه لا يجوز الجمع بينهما فقد قال لزامًا بتقييد السنة للقرآن.
ثالثًا: ومع كون السنة تقيد مطلق القرآن فإنها كذلك: تفصل مجمله، وتخصص عامه، كما يلي:
1 -
تفصيل السنة لمجمل القرآن.
ومن ذلك: الصلوات الخمس، فقد فصلت: عددها، وهيئاتها، وأوقاتها، وأركانها، وأذكارها، والقراءة فيها. وكل ذلك منصوص عليه في السنة، وليس في القرآن.
ولعل هذا المشكك أن يقول: هذه سنة عملية، وأنا أقول بها، فحينئذ يقال له: لا فرق بين السنة العملية والقولية، ومن يفرق بينهما لا دليل عنده إلا الهوى، وذلك من علامات أهل البدع والضلال.
2 -
تخصيص السنة للعام في القرآن.
ومن ذلك: تخصيصها لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11]. فقد خصصته السنة بعدة مخصصات، وهي:
أ- خصت السنة المورث بغير الأنبياء عليهم السلام، فعن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ)
(3)
. متفق عليه.
ب- خصت الوارث بغير الكافر، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلَا الكَافِرُ المُسْلِمَ)
(4)
.
وهذا إجماع عند العلماء إذا كان المورث مسلمًا
(5)
، وأما إن كان المورث كافرًا والوارث مسلمًا فلا
(1)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها (7/ 12)، رقم (5109)، وصحيح مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح (2/ 1028)، رقم (1408). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
تفسير القرطبي (5/ 125). وقال المحشي: إن ما ذكره القرطبي عن الخوارج لا يصح عنهم.
(3)
صحيح البخاري وصحيح مسلم. وقد تقدم.
(4)
صحيح البخاري، كتاب الفرائض، باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (8/ 156)، رقم (6764)، وصحيح مسلم، كتاب الفرائض، ولم يذكر له بابًا (3/ 1233)، رقم (1614).
(5)
الكافر لا يرث المسلم بالإجماع، وممن حكى الإجماع على ذلك:
1 -
ابن قدامة، حيث قال:«أجمع أهل العلم على: أن الكافر لا يرث المسلم» . المغني لابن قدامة (6/ 367).
2 -
النووي، حيث قال:«وأجمعوا أن الكافر لا يرث المسلم» . شرح صحيح مسلم للنووي (9/ 121).
وقال النووي أيضًا: «أجمع المسلمون على: أن الكافر لا يرث المسلم» . المصدر السابق (11/ 52).
يرث منه عند أكثر العلماء
(1)
.
ج- خصت الوارث كذلك بغير القاتل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ)
(2)
.
وهذا كذلك إجماع بين العلماء
(3)
.
(1)
عدم توريث المسلم من الكافر هو مذهب أكثر العلماء، وممن حكى ذلك:
1 -
ابن قدامة، حيث قال: «قال جمهور الصحابة والفقهاء: لا يرث المسلم الكافر
…
وعامة، الفقهاء. وعليه العمل». المغني لابن قدامة (6/ 367).
2 -
النووي، حيث قال:«المسلم لا يرث الكافر. وهذا مذهب العلماء كافة، إلا ما روي عن إسحاق بن راهويه وبعض السلف» . شرح صحيح مسلم للنووي (9/ 121).
وقال النووي أيضًا: «وأما المسلم فلا يرث الكافر أيضًا عند جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم» . المصدر السابق (11/ 52).
(2)
سنن ابن ماجة وسنن الترمذي، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة. وقد تقدم.
(3)
وممن حكى الإجماع على ذلك:
1 -
ابن عبد البر، حيث قال:«وأجمع العلماء على: أن القاتل عمدًا لا يرث شيئًا من مال المقتول ولا من ديته، روي عن عمر وعلي: (أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا خَطًا لَا يَرِثُ مِنَ الْمَالِ وَلَا مِنَ الدِّيَةِ شَيْئًا). ولا مخالف لهما من الصحابة» . التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر (23/ 443).
2 -
البغوي، حيث قال عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ): «والعمل عليه عند عامة أهل العلم أن من قتل مورثه لا يرث عمدًا كان القتل أو خطًا، من صبي أو مجنون أو بالغ عاقل» . شرح السنة للبغوي (8/ 367).
وأثر عمر رضي الله عنه الذي نسبه له ابن عبد البر: عن الشعبي قال: قال عمر رضي الله عنه: (لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ خَطًا وَلَا عَمْدًا). مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الفرائض، في القاتل لا يرث شيئًا (6/ 280)، رقم (31396)، وسنن الدارمي، كتاب الفرائض، باب ميراث القاتل (4/ 1989)، رقم (3127)، وسنن الدارقطني، كتاب السير، بقية الفرائض (5/ 211)، رقم (4212)، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب الفرائض، باب لا يرث القاتل (6/ 361)، رقم (12244). وقال محقق سنن الدارمي -حسين سليم أسد الداراني-:«رجاله ثقات، غير أنه منقطع، لم يدرك الشعبي عمر بن الخطاب» . سنن الدارمي (4/ 1989).
وفي لفظ: عن الشعبي أيضًا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ مِنَ الْمَقْتُولِ شَيْئًا، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ قَتَلَهُ خَطًا). مصنف عبد الرزاق، كتاب العقول، باب ليس لقاتل ميراث (9/ 404)، رقم (17789).
وأما أثر علي رضي الله عنه الذي نسبه له ابن عبد البر: عن علي رضي الله عنه قال: (الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ وَلَا يَحْجُبُ). سنن الدارمي، كتاب الفرائض، باب ميراث القاتل (4/ 1988)، رقم (3125). وقال محقق سنن الدارمي -حسين سليم أسد الداراني-:«إسناده ضعيف؛ لضعف محمد بن سالم -أحد رجال سنده-» . سنن الدارمي (4/ 1988).
وفي رواية: عن علي رضي الله عنه قال: (لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ). مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الفرائض، في القاتل لا يرث شيئًا (6/ 280)، رقم (31399)، وسنن الدارمي، كتاب الفرائض، باب ميراث القاتل (4/ 1989)، رقم (3126). وقال محقق سنن الدارمي -حسين سليم أسد الداراني-:«إسناده ضعيف؛ لضعف ليث، وهو ابن أبي سليم -أحد رجال سنده-» . سنن الدارمي (4/ 1989).
والله أعلم.