الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثامنة
اتهام المحدثين بمخالفة القرآن
في تكفيرهم من لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ممن لم تبلغهم الدعوة
يقول المشكك:
«ويقول تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} [الإسراء:15].
فيخترعوا
(1)
لنا: خرافة كفر من لا يؤمن برسولنا دون أي دعوة متكاملة صحيحة منا»
(2)
.
والجواب:
أولًا: أهل السنة وأهل الحديث لم يخترعوا كفر كل من لم تبلغه رسالة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا المشكك يتقول عليهم ما لم يقولوه. قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية: «قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} [الإسراء:15] إخبار عن عدله تعالى، وأنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه، كما قال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)} [الملك:8 - 9]. وكذا قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)} [الزمر:71]. وقال تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)} [فاطر:37]. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى لا يدخل أحدًا النار إلا بعد إرسال الرسول إليه»
(3)
.
ثانيًا: قول المشكك: "دون أي دعوة متكاملة وصحيحة منا" إذا كان يقصد دعوة كل فرد على حدةٍ فهذا أمرٌ مستحيل عرفًا وعقلًا وشرعًا. ويرده في الواقع: أن جهل الناس بالقوانين التي تقننها الدول لا تعفيهم من المحاسبة والمساءلة والعقوبات. ومثل هذا يأباه الشرع حتى يحصل العلم، ولذلك جعله هو المناط في إقامة الحجة على المكلفين.
(1)
كذا في المنشور، وقد تكررت في المنشور أكثر من مرة "فيخترعوا".
(2)
يشير إلى: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ). صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته (1/ 134)، رقم (153).
(3)
تفسير ابن كثير (5/ 52 - 53).
فمن علم ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة لجميع الخلق عربهم وعجمهم ودون استثناء أي ملة أو طائفة منهم ولم يؤمن به صلى الله عليه وسلم حتى مات فهو كافر بالإجماع.
وهذا هو المراد من الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه، والذي ينفيه هذا المشكك؛ لأنه على فهمه الفاسد لم تتوفر فيه الدعوة الكاملة الصحيحة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)
(1)
.
ومعنى: (يَسْمَعُ بِي) أي: يعلم برسالتي. قال ابن القيم: «حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسول وإنزال الكتاب وبلوغ ذلك إليه وتمكنه من العلم به سواء علم أو جهل. فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه فقصّر عنه ولم يعرفه فقد قامت عليه الحجة»
(2)
.
والله أعلم.
(1)
صحيح مسلم. وقد تقدم.
(2)
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم (1/ 232).