الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة السادسة عشرة
اتهام المحدثين بمخالفة القرآن
في أمره باتباعه
يقول المشكك:
«يقول تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)} [الأنعام:155].
فيقولوا: بل نتبع كتب الحديث».
والجواب:
أولًا: لم يقل أهل الحديث: إنه يُتّبع كتب الحديث، ويترك اتباع كتاب الله تعالى.
فقول هذا المشكك هو من التخرص والكذب عليهم، وليأت ببرهان على ذلك إن كان من الصادقين.
وإنما قالوا: يُتّبع كتاب الله تعالى، ويُتّبع النبي صلى الله عليه وسلم، ويطاع ويعمل بسنته، كما أمر الله بذلك في عدة آيات من كتابه الكريم، ومنها:
1 -
قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31].
2 -
3 -
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59].
ثانيًا: ليس في قوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} نفي لاتباع غيره إن كان يعرف اللغة. وغاية ما في هذه الآية: وجوب اتباع القرآن الكريم والعمل به، ولا خلاف في ذلك.
لكن جاء في آية أخرى -لم يذكرها- ما يفهم من ظاهرها تحريم اتباع غير ما أنزل الله، وهي قوله جل شأنه:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)} [الأعراف:3].
والمراد بها: تحريم اتباع الأهواء والآراء الفاسدة والضالة، والاقتصار على ما أنزل الله في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن لفظ:{مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} عام، يشمل ما أنزله الله تعالى في كتابه وما أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته.
قال الإمام القرطبي في تفسيره: «{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)} [الأعراف:3] فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} ، يعني: الكتاب والسنة. قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7].
وقالت فرقة: هذا أمر يعم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته. والظاهر: أنه أمر لجميع الناس دونه، أي: اتبعوا ملة الإسلام والقرآن، وأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه. ودلت الآية على ترك اتباع الآراء مع وجود النص.
الثانية: قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} {مِنْ دُونِهِ} : من غيره. والهاء تعود على الرب سبحانه، والمعنى: لا تعبدوا معه غيره، ولا تتخذوا من عَدَلَ عن دين الله وليًا»
(1)
.
والله أعلم.
(1)
تفسير القرطبي (7/ 161 - 162).