الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْوَلِيد بن عبد الْملك)
ابْن مَرْوَان بن الحكم، الْأمَوِي الْقرشِي، أَبُو الْعَبَّاس.
أمه ولادَة بنت الْعَبَّاس، وَهِي أم أَخِيه سُلَيْمَان أَيْضا.
بُويِعَ بالخلافة بِعَهْد من أَبِيه [عبد الْملك] لَهُ بعد مَوته، ولقب بالمنتقم بِاللَّه.
وَتمّ أمره فِي الْخلَافَة، وطالت أَيَّامه. وَهُوَ الَّذِي بنى جَامع دمشق، وَأنْفق عَلَيْهِ أَمْوَالًا عَظِيمَة؛ يُقَال: إِنَّهَا كَانَت أَرْبَعمِائَة صندوق، فِي كل صندوق أَرْبَعَة عشر ألف دِينَار.
أَقُول: تِلْكَ الدَّنَانِير غير دَنَانِير يَوْمنَا هَذَا. إنتهى.
وَقيل: إِنَّه اجْتمع بالجامع الْمَذْكُور إثنا عشر ألف مرخم. وَهدم الْوَلِيد [هَذَا أَيْضا][الْبيُوت] الَّتِي بجوار قبر النَّبِي -[صلى الله عليه وسلم]- وأدخلها فِي الْمَسْجِد حَتَّى صَار طوله مِائَتي ذِرَاع وَعرضه مِائَتي ذِرَاع.
وَفِي أَيَّامه فتحت جَزِيرَة الأندلس، وبلاد التّرْك كلهَا، وَأكْثر بِلَاد الْهِنْد.
وَكَانَ الْوَلِيد لحانا.
قَالَ الذَّهَبِيّ: روى يحيى بن يحيى الغساني أَن روح بن زنباع دخل على عبد الْملك بن مَرْوَان - وَكَانَ وزيره -؛ فَوَجَدَهُ مهموما؛ فَقَالَ: مَا بَال أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ !
قَالَ: فَكرت فِيمَن أولي الْخلَافَة بعدِي - وَكَانَ الْوَلِيد حَاضرا -؛ فَقَالَ روح: أَيْن أَنْت عَن رَيْحَانَة قُرَيْش وسيدها [الْوَلِيد. قَالَ] : الْوَلِيد لَا يتَكَلَّم بِكَلَام الْعَرَب؛ فَسمع ذَلِك الْوَلِيد؛ فَقَامَ من وقته وَجمع أَصْحَاب النَّحْو، وطين عَلَيْهِ الْبَاب سِتَّة أشهر، ثمَّ خرج أَجْهَل مِمَّا دخل. إنتهى.
قلت: كَانَ أَبَوَاهُ يرفهانه؛ فَنَشَأَ بِلَا أدب. وَكَانَ إِذا مَشى يتبختر فِي مشيته.
وَعَن أبي الزِّنَاد قَالَ: سَمِعت الْوَلِيد وَهُوَ على مِنْبَر النَّبِي -[صلى الله عليه وسلم]- يَقُول: يَا أهل الْمَدِينَة - بِالضَّمِّ -.
قلت: وَكَانَ الْوَلِيد جبارا متعاظما، إِلَّا أَنه كَانَ [فِيهِ محَاسِن، مِنْهَا] : الْكَرم، وَالنَّهْي عَن محارم الله [تَعَالَى] .
وَرُوِيَ أَنه قَالَ: لَوْلَا أَن الله تَعَالَى ذكر آل لوط فِي الْقُرْآن مَا ظَنَنْت أَن أحدا يفعل هَذَا.
قلت: كَانَ مشغوفا بحب النِّسَاء، وحكايته مَعَ زَوجته ابْنة عَمه أم الْبَنِينَ مَشْهُورَة ذكرهَا ابْن خلكان. إنتهى.
وَقَالَ عمر بن عبد الْوَاحِد الدِّمَشْقِي عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر عَن أَبِيه، قَالَ: خرج الْوَلِيد بن عبد الْملك من الْبَاب الْأَصْغَر؛ فَوجدَ رجلا عِنْد الْحَائِط، عِنْد المئذنة الشرقية يَأْكُل وَحده؛ فجَاء؛ فَوقف على رَأسه، فَإِذا هُوَ يَأْكُل خبْزًا وترابا؛ فَقَالَ: مَا شَأْنك انْفَرَدت من النَّاس؟ {قَالَ: أَحْبَبْت الْوحدَة. قَالَ: فَمَا حملك على أكل التُّرَاب} أما فِي بَيت مَال الْمُسلمين مَا يجْرِي عَلَيْك؟ ! قَالَ: بلَى، وَلَكِن رَأَيْت القنوع. قَالَ: فَرد الْوَلِيد إِلَى مَجْلِسه، ثمَّ أحضرهُ؛ فَقَالَ: إِن لَك خَبرا؛ لتخبرني بِهِ، وَإِلَّا ضربت مَا فِيهِ عَيْنَاك. قَالَ: نعم كنت جمالا وَمَعِي ثَلَاثَة أجمال موقرة طَعَاما حَتَّى أتيت مرج الصفر؛ فَقَعَدت فِي خربة أبول؛ فَرَأَيْت الْبَوْل ينصب فِي شقّ؛ فَأَتْبَعته حَتَّى كشفته؛ فَإِذا غطاء على حفيرة؛ فَنزلت فَإِذا مَال؛ فأنخت رواحلي وأفرغت أعكامي، ثمَّ أوقرتها ذَهَبا وغطيت الْموضع. فَلَمَّا سرت غير يسير وجدت معي مخلاة فِيهَا طَعَام؛ فَقلت: أَنا أترك الكسرة وآخذ الذَّهَب؛ ففرغتها وَرجعت لأملأها؛ فخفي عني الْموضع، وأتعبني الطّلب؛ فَرَجَعت إِلَى الْجمال؛ فَلم أَجدهَا وَلم أجد الطَّعَام؛ فآليت على نَفسِي أَن لَا آكل شيئ إِلَّا الْخبز بِالتُّرَابِ. فَقَالَ الْوَلِيد: كم لَك من الْعِيَال؟ فَذكر عيالا. قَالَ: يجْرِي عَلَيْك من بَيت المَال وَلَا تسْتَعْمل فِي شَيْئا؛ فَإِن هَذَا هُوَ المحروم.
قَالَ ابْن جَابر: فَذكر لنا أَن الْإِبِل جَاءَت إِلَى بَيت [مَال الْمُسلمين] ؛ [فأناخت عِنْده؛ فَأَخذهَا أَمِين الْوَلِيد، فطرحها فِي بَيت المَال] .
قَالَ الذَّهَبِيّ: هَذِه الْحِكَايَة رِوَايَة ثقاة، قَالَه الْكِنَانِي. إنتهى.
وَكَانَت وَفَاة الْوَلِيد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَتِسْعين من الْهِجْرَة. وَكَانَت خِلَافَته تسع سِنِين وَثَمَانِية أشهر.
وتخلف بعده أَخُوهُ سُلَيْمَان [بن عبد الْملك] بِعَهْد من أَبِيه.
وَكَانَ الْوَلِيد اجْتهد فِي خلع سُلَيْمَان [هَذَا] من ولَايَة الْعَهْد وتولية وَلَده الْعَزِيز؛ فَامْتنعَ سُلَيْمَان [من ذَلِك] حَتَّى [مَاتَ الْوَلِيد] .