الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعتصم مُحَمَّد
ابْن الرشيد هَارُون بن الْمهْدي مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن [عبد الله] بن عَبَّاس. أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَبُو إِسْحَاق، الْهَاشِمِي، العباسي.
بُويِعَ بالخلافة بعد موت الْمَأْمُون بِعَهْد مِنْهُ إِلَيْهِ فِي رَابِع عشر شهر رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ.
وَأمه أم ولد اسْمهَا: ماردة.
وَكَانَ أَبيض، أصهب الْحَيَّة طويلها، ربع الْقَامَة، مشرب اللَّوْن، ذَا شجاعة وَقُوَّة وهمة عالية؛ إِلَّا أَن كَانَ عَارِيا من الْعلم، أُمِّيا.
روى الصولي عَن مُحَمَّد بن سعيد عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْهَاشِمِي قَالَ: كَانَ مَعَ المعتصم غُلَام فِي الْكتاب يتَعَلَّم مَعَه فَمَاتَ الْغُلَام؛ فَقَالَ لَهُ الرشيد - أَبوهُ -: مَاتَ غلامك يَا مُحَمَّد، قَالَ: نعم يَا سَيِّدي، واستراح من الْكتاب. فَقَالَ: وَإِن الْكتاب ليبلغ مِنْك هَذَا؟ ! دَعوه لَا تعلموه. فَكَانَ يكْتب وَيقْرَأ قِرَاءَة ضَعِيفَة.
وَمَعَ هَذَا حكى أَبُو الْفضل الرياشي قَالَ: كتب ملك الرّوم -[لَعنه الله]- إِلَى المعتصم يتهدده؛ فَأمر بجوابه؛ فَلَمَّا قرئَ عَلَيْهِ الْكتاب لم يرضه - المعتصم - وَقَالَ: أكتب: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. أما بعد؛ فقد قَرَأت كتابك وَسمعت خطابك، وَالْجَوَاب مَا ترى لَا مَا تسمع {وَسَيعْلَمُ الْكفَّار لمن عُقبى الدَّار} .
وَكَانَ المعتصم من أهيب الْخُلَفَاء وأعظمهم، لَوْلَا مَا شان سؤدده بامتحان الْعلمَاء بِخلق الْقُرْآن.
قلت: أَرَادَ بذلك إِظْهَار مَذْهَب أَخِيه الْمَأْمُون والإقتفاء بطريقة لَا غير.
وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم [الْموصِلِي] : دخلت على المعتصم وَعِنْده قينة تغنى؛ فَقَالَ: كَيفَ ترَاهَا؟ قلت: تبدأ الْغناء بِرِفْق وتصرفه بِرِفْق، وَتخرج من شَيْء إِلَى أحسن مِنْهُ، وَفِي صَوتهَا شجا، وشذور، أحسن من [نظم] در) على النحور.
فَقَالَ: صِفَتك لَهَا أحسن مِنْهَا وَمن غنائها، خُذْهَا لَك؛ فامتنعت [من ذَلِك] ؛ لعلمي بمحبته لَهَا؛ فوصلني بِمِقْدَار قيمتهَا.
ويحكى أَن المعتصم لما تجهز لغزو عمورية حكم المنجمون أَن ذَلِك الْوَقْت طالع نحس، وَأَنه يكسر؛ فَكَانَ من ظفره وَنَصره مَا هُوَ أشهر من أَن يُقَال.
وَفِي هَذَا الْمَعْنى يَقُول أَبُو تَمام الطَّائِي قصيدته البديعة:
(السَّيْف أصدق إنباء من الْكتب
…
فِي حَده الْحَد بَين الْجد واللعب)
(وَالْعلم فِي شهب الأرماح لامعة
…
بَين الْخمسين لَا فِي السَّبْعَة الشهب)
(أَيْن الرِّوَايَة أم أَيْن النُّجُوم وَمَا
…
صاغوه من زخرف فِيهَا وَمن كذب)
وَكَانَ المعتصم يلقب بالثماني؛ فَإِنَّهُ ثامن خلفاء بني الْعَبَّاس، وَملك ثَمَانِي سِنِين وَثَمَانِية أشهر - وَزَاد بَعضهم: وَثَمَانِية أَيَّام -، وافتتح ثَمَانِيَة حصون.
وَقيل: إِنَّه ولد فِي شعْبَان، وَهُوَ الثَّامِن من شهور السّنة، وَكَانَ نقش خَاتمه: الْحَمد لله، وَهِي ثَمَان حُرُوف، وبويع بالخلافة سنة ثَمَانِيَة عشر، ومولده سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة، وقهر ثَمَانِيَة أَعدَاء، ووقف بِبَابِهِ ثَمَانِيَة مُلُوك، وَخلف من الذَّهَب ثَمَانِيَة آلَاف ألف دِينَار، وَمن الدَّرَاهِم مثلهَا، وَخلف من الْجمال وَالْبِغَال ثَمَانِيَة آلَاف [رَأس] ، وَمن الْخَيل [أَيْضا] ثَمَانِيَة آلَاف رَأس، وَمن المماليك ثَمَانِيَة آلَاف مَمْلُوك، [وَمن الْجَوَارِي كَذَلِك] ، وَبنى ثَمَانِيَة قُصُور.
وَكَانَ ذَا قُوَّة مفرطة، وَكَانَ إِذا غضب لَا يُبَالِي بِمن كثر أَو أقل.
وَركب يَوْمًا؛ فَانْفَرد عَن جَيْشه - وَكَانَ يَوْم مطر شَدِيد -؛ فَرَأى شَيخا وَمَعَهُ حمَار وَعَلِيهِ حمل شوك، وَقد توحل الْحمار وَوَقع الْحمل؛ فَنزل المعتصم وخلص الْحمار من الوحل، وَوضع الْحمل على ظَهره، ثمَّ أدْركهُ الْجَيْش؛ فَأمر للرجل بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم.
وَفِي أَيَّامه أمْطرت أهل تيماء بردا، كل بردة وزن رَطْل؛ فقتلت خلقا كثيرا؛ وَسمع قَائِل يَقُول: ارْحَمْ عِبَادك، ارْحَمْ عِبَادك، وَرَأَوا أثر قدم طوله ذِرَاع وَنصف فِي عرض شبرين - غير الْأَصَابِع - وَبَين كل خطْوَة وخطوة سَبْعَة أَذْرع؛ [فتتبعوه] ؛ فَجعلُوا يسمعونه وَلَا يرَوْنَ شخصه.
وَكَانَت وَفَاة المعتصم فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر شهر ربيع الأول سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
وَكَانَت خِلَافَته ثَمَان سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَثَمَانِية أَيَّام - كَمَا تقدم ذكره -.
وَمَات وعمره سبع وَأَرْبَعُونَ سنة وَسَبْعَة أشهر. وتخلف بعده [إبنه][هَارُون الواثق] .