الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْمَأْمُون)
ابْن عبد الله بن الرشيد هَارُون بن الْمهْدي مُحَمَّد بن [أبي] جَعْفَر الْمَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بن عبد الْمطلب، أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَبُو الْعَبَّاس، الْهَاشِمِي، العباسي.
ولد سنة سبعين وَمِائَة، عِنْدَمَا اسْتخْلف أَبوهُ.
وَأمه ولد تسمى: مراجل. مَاتَت أَيَّام نفَاسهَا بِهِ.
وَسمع الحَدِيث فِي صغره، وبرع فِي الْفِقْه، والعربية، وَأَيَّام النَّاس، وَالْأَدب. وَلما كبر عني بالفلسفة وعلوم الْأَوَائِل حَتَّى مهر فيهمَا؛ فجره ذَلِك إِلَى القَوْل بِخلق [الْقُرْآن] وامتحان الْعلمَاء؛ وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ أعظم بني العباسي؛ لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من الحزم، والعزم، وَالْعقل، والحلم، وَالْعلم، والشجاعة، والسؤدد، والسماحة.
قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا: كَانَ أَبيض، ربعَة، حسن الْوَجْه، يعلوه صفرَة، قد وخطه الشيب، أعين، طَوِيل اللِّحْيَة رقيقها، ضيق الجبين، على خَدّه خَال.
وَقَالَ الجاحظ: كَانَ أَبيض، فِيهِ صفرَة، وَكَانَ ساقاه دون [سَائِر] جسده صفراوين كَأَنَّهُمَا طليتا بالزعفران.
وَقَالَ أَبُو معشر المنجم: كَانَ أمارا بِالْعَدْلِ، مَحْمُود السِّيرَة، فَقِيه النَّفس، يعد من كبار الْعلمَاء.
وَعَن الرشيد قَالَ: إِنِّي لأعرف فِي عبد الله حزم الْمَنْصُور، ونسك الْمهْدي، وَعزة الْهَادِي، وَلَو أَشَاء أَن أنسبه إِلَى الرَّابِع - يَعْنِي نَفسه - نسبته، وَقد قدمت مُحَمَّدًا عَلَيْهِ، وَإِنِّي لأعْلم أَنه منقاد إِلَى هَوَاهُ، مبذر لما حوته يَدَاهُ، يُشَارك فِي رَأْيه الْإِمَاء وَالنِّسَاء، وَلَوْلَا أم جَعْفَر - يَعْنِي زبيدة - وميل بني هَاشم إِلَيْهِ؛ لقدمت [عبد الله] عَلَيْهِ - يَعْنِي فِي ولَايَة الْعَهْد بالخلافة - إنتهى.
وَمن حلم الْمَأْمُون: يحْكى أَن ملاحا مر على الْمَأْمُون فَقَالَ: أتظنون أَن هَذَا ينبل فِي عَيْني وَقد قتل أَخَاهُ الْأمين: فَسَمعَهَا الْمَأْمُون؛ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: مَا الْحِيلَة حَتَّى أنبل فِي عين هَذَا السَّيِّد الْجَلِيل.
ويحكى عَن الْمَأْمُون قَالَ: لَو عرف النَّاس حبي للعفو؛ لتقربوا إِلَيّ بالجرائم، وأخاف [أَن] أوجر عَلَيْهِ - يَعْنِي لكَونه طبعا لَهُ -.
وَعَن يحيى بن أَكْثَم قَالَ: كَانَ الْمَأْمُون يجلس للمناظرة فِي الْفِقْه يَوْم الثُّلَاثَاء؛ فجَاء رجل عَلَيْهِ ثِيَاب قد شمرها وَنَعله فِي يَده؛ فَوقف على طرف الْبسَاط وَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم؛ فَرد عَلَيْهِ الْمَأْمُون؛ فَقَالَ: أتأذن لي فِي الدنو؟ قَالَ: أدن وَتكلم. قَالَ: أَخْبرنِي عَن هَذَا الْمجْلس الَّذِي أَنْت فِيهِ، جلسته
باجتماع الْأمة، أم بالمغالبة والقهر؟ ! قَالَ: لَا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا، بل كَانَ يتَوَلَّى أَمر الْمُسلمين من عقد لي ولأخي، فَلَمَّا صَار الْأَمر إِلَيّ علمت أَنِّي مُحْتَاج إِلَى اجْتِمَاع كلمة الْمُسلمين فِي الشرق والغرب على الرضاء بِي؛ فَرَأَيْت أَنِّي مَتى خليت الْأَمر اضْطربَ حَبل السَّلَام، وَخرج عَهدهم وَتَنَازَعُوا، وَبَطل الْجِهَاد وَالْحج، وانقطعت السبل؛ فَقُمْت حياطة للْمُسلمين، إِلَى أَن يجمعوا على رجل يرضون بِهِ؛ فَأسلم لَهُ الْأَمر؛ فَمَتَى اتَّفقُوا على رجل خرجت لَهُ من الْأَمر.
فَقَالَ الرجل: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله [وَبَرَكَاته] . وَذهب.
فَوجه الْمَأْمُون من يكْشف خَبره؛ فَرجع وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مضى إِلَى مَسْجِد فِيهِ خَمْسَة عشر رجلا فِي مثل هَيئته؛ فَقَالُوا لَهُ: ألقيت الرجل؟ قَالَ: نعم، وَأخْبرهمْ بِمَا جرى. قَالُوا: مَا نرى بِمَا قَالَ بَأْسا، وافترقوا؛ فَقَالَ الْمَأْمُون: كفينا مُؤنَة هَؤُلَاءِ بأيسر الْخطب.
وَعَن إِسْحَاق الْموصِلِي قَالَ: كَانَ الْمَأْمُون قد سخط على الْحُسَيْن الخليع الشَّاعِر؛ لكَونه هجاه عِنْدَمَا قتل الْأمين: فَبينا أَنا ذَات يَوْم عِنْد الْمَأْمُون إِذْ دخل الْحَاجِب برقعة؛ فَاسْتَأْذن فِي إنشادها؛ فَأذن لَهُ: فَقَالَ [أبياتا مِنْهَا] :
(رأى الله عبد الله خير عباده
…
فملكه وَالله أعلم بِالْعَبدِ)
(أَلا إِنَّمَا الْمَأْمُون للنَّاس عصمَة
…
مُمَيزَة بَين الضَّلَالَة والرشد)
فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: أَحْسَنت؛ فَقَالَ: أحسن قَائِلهَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ.
قَالَ: وَمن هُوَ؟ قَالَ عبيدك الْحُسَيْن بن الضَّحَّاك؛ فَقَالَ: لَا حَيَّاهُ الله {
أَلَيْسَ هُوَ الْقَائِل:
(فَلَا تمت الْأَشْيَاء بعد مُحَمَّد
(وَلَا زَالَ شَمل الْملك فِيهَا مبددا)
(وَلَا فَرح الْمَأْمُون بِالْملكِ بعده
…
وَلَا زَالَ فِي الدُّنْيَا طريدا مشردا)
هَذِه بِتِلْكَ، وَلَا شَيْء لَهُ عندنَا.
قَالَ الْحَاجِب: فَأَيْنَ عَادَة [عَفْو] أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ . قَالَ: أما هَذِه فَنعم، إئذنوا لَهُ؛ فَدخل فَقَالَ لَهُ: هَل عرفت يَوْم قتل أخي [أَن] هاشمية هتكت؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَمَا معنى قَوْلك:
(وَمِمَّا شجى قلبِي وكفكف عبرتي
…
محارم من آل الرَّسُول استحلت)
(ومتوكة بالخلد عَنْهَا سجوفها
…
كعاب كقرن الشَّمْس حِين تبدت)
(فَلَا بَات ليل الشامتين بغبطة
…
وَلَا بلغت آمالهم مَا تمنت)
فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ} لوعة غلبتني وروعة فاجأتني ونعمة استلبتها بعد أَن غمرتني؛ فَإِن عَاقَبت فحقك، وَإِن عَفَوْت فبفضلك؛ فَدَمَعَتْ عينا الْمَأْمُون، وَأمر لَهُ بجائزة.
وَمِمَّا ينْسب لِلْمَأْمُونِ من الشّعْر قَوْله:
(لساني كتوم لأسراركم
…
ودمعي نموم لسرى مذيع)
(فلولا دموعي كتمت الْهوى
…
وَلَوْلَا الْهوى لم يكن لي دموع)
[وَكَانَت وَفَاة الْمَأْمُون فِي يَوْم ثَانِي عشر شهر رَجَب سنة ثَمَانِيَة عشر وَمِائَتَيْنِ. وَكَانَ خِلَافَته إِحْدَى وَعشْرين سنة إِلَّا سِتَّة أشهر] . وتخلف بعده أَخُوهُ [المعتصم مُحَمَّد] .