الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور)
عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، أَمِير الْمُؤمنِينَ، الْهَاشِمِي، الْقرشِي، ثَانِي خلفاء بني الْعَبَّاس.
بُويِعَ بالخلافة بعد موت أَخِيه عبد الله السفاح.
أَتَتْهُ الْبيعَة بالخلافة [وَهُوَ] بِمَكَّة بِعَهْد السفاح؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي حج فِي تِلْكَ السّنة.
وَحج فِيهَا أَيْضا أَبُو مُسلم الْخُرَاسَانِي، وَوَقع مِنْهُ أُمُور فِي حق الْمَنْصُور هَذَا؛ فنقمها عَلَيْهِ، وَقَتله لما تخلف.
وَكَانَ [الْمَنْصُور] فِي صغره يلقب بمدرك التُّرَاب، وَبِعَبْد الله الطَّوِيل، ثمَّ لقب فِي خِلَافَته بِأبي الدوانيق لبخله.
وَكَانَ الْمَنْصُور فَحل بني الْعَبَّاس هَيْبَة وشجاعة وحزما، ورأيا وجبروتا.
وَكَانَ جماعا لِلْمَالِ، تَارِكًا للهو والطرب، كَامِل الْعقل، جيد الْمُشَاركَة فِي الْعلم وَالْأَدب، فَقِيه النَّفس.
وَكَانَ يرجع إِلَى عدل وديانة، وَله حَظّ من صَلَاة وَتَدين.
وَكَانَ فصيحا، بليغا، مفوها، خليقا للإمارة؛ إِلَّا أَنه قتل خلقا حَتَّى استقام ملكه.
وَكَانَ مولده فِي سنة خمس وَتِسْعين.
وَهُوَ أسن من أَخِيه السفاح - كَمَا تقدم ذكره -.
وَأمه سَلامَة البربرية.
وَكَانَ الْمَنْصُور قبل الدعْوَة ضرب فِي الْآفَاق إِلَى الجزيرة وَالْعراق وأصبهان وَفَارِس.
وَولي بعض كور فَارس فِي شبيبته لعاملها سُلَيْمَان بن حبيب بن الْمُهلب الْأَزْدِيّ، ثمَّ عَزله سُلَيْمَان [الْمَذْكُور] وضربه ضربا مبرحا؛ لكَونه احتجز المَال لنَفسِهِ، ثمَّ غرمه المَال.
فَلَمَّا ولي الْمَنْصُور الْخلَافَة ضرب عُنُقه.
وَكَانَ الْمَنْصُور بَخِيلًا، وسمى بالدوانيق لتدنيقه ومحاسبته الْعمَّال و [أهل] الضّيَاع على الدوانيق والحبات. [وَكَانَ مَعَ هَذَا رُبمَا] يُعْطي الْعَطاء الْعَظِيم.
قَالَ أَبُو إِسْحَق الثعالبي: وعَلى شهرة الْمَنْصُور بالبخل ذكر مُحَمَّد بن سَلام أَنه لم يُعْط خَليفَة قبل الْمَنْصُور عشرَة آلَاف ألف دارت بهَا الصكاك وَثبتت فِي الدَّوَاوِين؛ فَإِنَّهُ أعْطى فِي يَوْم وَاحِد [كل وَاحِد] من عمومته عشرَة آلَاف ألف دِرْهَم.
قلت: وَمَعَ هَذَا الْعَطاء خلف يَوْم مَاتَ فِي بيُوت الْأَمْوَال من النَّقْد تِسْعمائَة ألف ألف دِرْهَم وَخمسين ألف ألف دِرْهَم، وَمن الأقمشة والديباج فشئ كثير إِلَى الْغَايَة.
وَقَالَ الزبير: حَدثنِي مبارك الطَّبَرِيّ: سَمِعت أَبَا عبيد الله الْوَزير سمع الْمَنْصُور يَقُول: الْخَلِيفَة لَا يصلحه إِلَّا التَّقْوَى، وَالسُّلْطَان لَا يصلحه إِلَى الطَّاعَة، والرعية لَا يصلحها إِلَّا الْعدْل، وَأولى النَّاس بِالْعَفو أقدرهم بالعقوبة، وأنقص النَّاس عقلا من ظلم من هُوَ دونه.
وَقَالَ أَبُو العيناء: حَدثنَا الْأَصْمَعِي: أَن الْمَنْصُور صعد الْمِنْبَر؛ فشرع فِي الْخطْبَة؛ فَقَامَ رجل فَقَالَ: ((يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أذكر من أَنْت فِي ذكره؛ فَقَالَ لَهُ: مرْحَبًا، لقد ذكرت جَلِيلًا، وخوفت عَظِيما، وَأَعُوذ بِاللَّه أَن أَن أكون مِمَّن إِذا قيل [لَهُ] : اتَّقِ الله أَخَذته الْعِزَّة بالإثم، وَالْمَوْعِظَة منا بَدَت وَمن عندنَا خرجت، [وَأَنت يَا] قَائِلهَا فأحلف بِاللَّه مَا الله أردْت، إِنَّمَا أردْت أَن يُقَال: قَامَ فَقَالَ فَعُوقِبَ فَصَبر؛ فأهون بهَا من قَائِلهَا، وابتهلها [من] الله، وَيلك! وَإِيَّاكُم معشر النَّاس وأمثالها)) .
ثمَّ عَاد إِلَى خطبَته؛ فَكَأَنَّمَا يقْرَأ من كتاب. إنتهى.
قلت: والمنصور هَذَا هُوَ الَّذِي بنى مَدِينَة بَغْدَاد، و [هُوَ الَّذِي] قتل أَبَا مُسلم الْخُرَاسَانِي - واسْمه عبد الرَّحْمَن -، وَهُوَ وَالِد جَمِيع الْخُلَفَاء العباسية.
وروى عمر بن [أبي] شيبَة عَن الْمَدَائِنِي وَغَيره أَن الْمَنْصُور لما احْتضرَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قد ارتكبت الْأُمُور الْعِظَام جرْأَة مني عَلَيْك، وَقد أطعتك فِي أحب الْأَشْيَاء إِلَيْك: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، منا مِنْك لَا منا عَلَيْك، وَمَات.
وَقد كَانَ الْمَنْصُور رأى مناما يدل على قرب أَجله؛ فتهيأ وَسَار لِلْحَجِّ.
قَالَ هِشَام بن عمار: حَدثنَا الْهَيْثَم بن عمرَان أَن الْمَنْصُور مَاتَ بالبطن بِمَكَّة.
وَقَالَ خَليفَة والهيثم وَغَيرهمَا: عَاشَ أَرْبعا وَسِتِّينَ سنة.
وَقَالَ الصولي: دفن بَين الْحجُون وبئر مَيْمُون فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَة.
قلت: وَكَانَت خِلَافَته إثنتين وَعشْرين سنة وَثَلَاثَة أشهر.
وَكَانَ الْمَنْصُور أسمرا، نحيفا، طَويلا، مهيبا، خَفِيف العارضين، معرق الْوَجْه، رحب الْجَبْهَة، يخضب بِالسَّوَادِ، كَأَن عَيْنَيْهِ لسانان ناطقان، تخالطه أبهة الْملك بزِي النساك، تقبله الْقُلُوب، وتتبعه الْعُيُون. إنتهى.
وتخلف بعده إبنه [مُحَمَّد الْمهْدي] .