الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(جَعْفَر المتَوَكل)
ابْن المعتصم مُحَمَّد بن الرشيد هَارُون بن الْمهْدي مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور [بن] مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس. الْهَاشِمِي، العباسي، الْبَغْدَادِيّ، أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَبُو الْفضل.
بُويِعَ بالخلافة بعد موت أَخِيه الواثق فِي ذِي الْحجَّة سنة إثنتين وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ.
مولده فِي سنة خمس وَمِائَتَيْنِ، وَقيل: سنة سبع.
وَأمه أم ولد، تركية تسمى: شُجَاع.
وَكَانَ المتَوَكل أسمر، مليح الْعَينَيْنِ، نحيف الْجِسْم، خَفِيف العارضين، إِلَى الْقصر أقرب.
وَلما اسْتخْلف أظهر السّنة وَتكلم بهَا فِي مَجْلِسه، وَكتب إِلَى الْآفَاق بِرَفْع المحنة وَإِظْهَار السّنة وَنصر أَهلهَا.
وَقَالَ عَليّ بن الجهم: كَانَت للمتوكل جمة إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ كأبيه وَعَمه.
وَكَانَ المتَوَكل فِيهِ كل الْخِصَال الْحَسَنَة، إِلَّا أَنه كَانَ ناصبيا يكره عليا رضي الله عنه وَكَانَ لكراهيته [لعَلي]رضي الله عنه سَببا ذَكرْنَاهُ فِي تاريخنا ((النُّجُوم الزاهرة فِي مُلُوك مصر والقاهرة)) .
وَكَانَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ قَاضِي الْبَصْرَة يَقُول: الْخُلَفَاء ثَلَاثَة: أَبُو بكر الصّديق يَوْم الرِّدَّة، وَعمر بن عبد الْعَزِيز فِي رد مظالم بني أُميَّة، والمتوكل فِي محو الْبدع - يَعْنِي القَوْل بِخلق الْقُرْآن -.
وَقَالَ يزِيد بن مُحَمَّد المهلبي: قَالَ لي المتَوَكل: يَا مهلبي، الْخُلَفَاء كَانَت تتصعب على النَّاس ليطيعوهم، وَأَنا أَلين لَهُم ليحبوني ويطيعوني.
وَكَانَ المتَوَكل كَرِيمًا، جوادا، حَتَّى قيل: إِنَّه مَا أعْطى خَليفَة [شَاعِرًا] مَا أعْطى المتَوَكل.
وَفِيه يَقُول مَرْوَان بن أبي الْجنُوب:
(فَأمْسك ندى كفيك عني وَلَا تزد
…
فقد خفت أَن أطغى وَأَن أتجبرا)
فَقَالَ: لَا أمسك حَتَّى يغرقك جودي.
وَيُقَال: إِن المتَوَكل سلم عَلَيْهِ بالخلافة ثَمَانِيَة، كل وَاحِد مِنْهُم أَبوهُ خَليفَة: مَنْصُور بن الْمهْدي - عَم أَبِيه - وَالْعَبَّاس بن الْهَادِي - بن عَم أَبِيه - وَأَبُو أَحْمد بن الرشيد -[عَمه]- وَعبد الله بن الْأمين - ابْن عَمه - ومُوسَى بن الْمَأْمُون - ابْن عَمه أَيْضا - وَأحمد بن المعتصم - أَخُوهُ - وَمُحَمّد بن الواثق - ابْن أَخِيه - وَابْنه الْمُنْتَصر مُحَمَّد بن المتَوَكل هَذَا. وَهَذَا شَيْء لم يَقع لخليفة قبله.
وَكَانَ المتَوَكل بَايع [بِولَايَة الْعَهْد] وَلَده الْمُنْتَصر مُحَمَّدًا. ثمَّ إِنَّه أَرَادَ أَن يعزله ويولي وَلَده المعتز لمحبته لأمه قبيحة؛ فَسَأَلَ المتَوَكل وَلَده الْمُنْتَصر أَن ينزل عَن الْعَهْد لِأَخِيهِ المعتز؛ فَأبى [الْمُنْتَصر] ؛ فَغَضب المتَوَكل عَلَيْهِ، وَصَارَ يحضرهُ الْمجَالِس الْعَامَّة ويحط مَنْزِلَته، ويتهدده ويشتمه، ويتوعده.
ثمَّ أتفق أَن التّرْك انحرفوا عَن المتَوَكل؛ لكَونه صادر وصيف التركي وبغا، فاتفق الأتراك حِينَئِذٍ مَعَ الْمُنْتَصر على قتل أَبِيه المتَوَكل، ودخلوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مجْلِس أنسه، وَعِنْده وزيره الْفَتْح بن خاقَان، بعد أَن مضى من اللَّيْل ثَلَاث سَاعَات، وهجم باغر وَمَعَهُ عشرَة، وَقصد السرير؛ فصاح الْفَتْح: وَيْلكُمْ مولاكم، وتهارب الغلمان والندماء على وُجُوههم.
وَبَقِي الْفَتْح وَحده، والمتوكل قد غرق فِي السكر وَالنَّوْم.
وَبَقِي الْفَتْح يمانعهم عَنهُ، فَضرب باغر المتَوَكل بِالسَّيْفِ على عَاتِقه؛ فَقده إِلَى خاصرته؛ فصاح المتَوَكل. ثمَّ بعج الْفَتْح آخر بِالسَّيْفِ؛ فَأخْرجهُ من ظَهره وَهُوَ صابر، ثمَّ طرح الْفَتْح نَفسه على المتَوَكل فماتا، ولفا فِي بِسَاط.
وَكَانَت قتلة المتَوَكل فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث شَوَّال سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، فِي الْقصر الْجَعْفَرِي الَّذِي بناه المتَوَكل، وَدفن بِهِ هُوَ ووزيره الْفَتْح بن خاقَان.
وَكَانَت خِلَافَته أَربع عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وَتِسْعَة أَيَّام. وَمَات وعمره إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سنة.
وتخلف بعده ابْنه الْمُنْتَصر مُحَمَّد؛ فَلم (يتهن بالخلافة كَمَا سَيَأْتِي ذكره) .