الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الرشيد)
ابْن الْمهْدي مُحَمَّد بن [أبي] جَعْفَر الْمَنْصُور عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، الْهَاشِمِي، العباسي. الْخَامِس من خلفاء بني الْعَبَّاس، أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَبُو جَعْفَر.
اسْتخْلف بِعَهْد من أَبِيه الْمهْدي بعد موت أَخِيه الْهَادِي [فِي] سنة سبعين وَمِائَة.
وَأمه الخيزران - أم أَخِيه الْهَادِي -.
ومولده بِالريِّ لما كَانَ أَبوهُ أَمِيرا عَلَيْهَا وعَلى خُرَاسَان [فِي] سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة.
وَكَانَ الرشيد مليح الشكل، طَويلا، جميلا، مسمتا، فصيحا، وَله نظر فِي الْعلم وَالْأَدب. وَقد وخطه الشيب قبل مَوته.
وَكَانَ أغزاه أَبوهُ أَرض الرّوم وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة.
وَهُوَ أجل الْخُلَفَاء وَأعظم مُلُوك بني الْعَبَّاس.
وَكَانَ كثير الْحَج والغزو.
وَفِيه يَقُول الشَّاعِر:
(فَمن يطْلب لقاءك أَو يردهُ
…
فبالحرمين أَو أقْصَى الثغور)
وَقيل: إِنَّه كَانَ يحجّ سنة ويغزو سنة.
وَقَالَ نفطويه فِي تَارِيخه: حكى بعض أَصْحَاب الرشيد أَنه كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْم مائَة رَكْعَة، وَلم يَتْرُكهَا إِلَّا لعِلَّة.
وَكَانَ يقتفي آثَار جده أبي جَعْفَر [إِلَّا] فِي الْحِرْص.
وَكَانَ الرشيد يحب الْعلم وَأَهله، ويعظم الْإِسْلَام، وَيبغض المراء [فِي الدّين] وَالْكَلَام فِي معَارض النَّص.
وَكَانَ يبكي على نَفسه وإسرافه وذنوبه، سِيمَا إِذا وعظ.
وَكَانَ يحب المديح ويجيز عَلَيْهِ الْأَمْوَال الجليلة.
وَكَانَ راتبه فِي الصَّدَقَة من صلب مَاله فِي الْيَوْم ألف دِرْهَم.
وَقيل: إِن أَبَا مُعَاوِيَة الضَّرِير دخل على الرشيد وَعِنْده رجل من وُجُوه قُرَيْش؛ فَذكر أَبُو مُعَاوِيَة حَدِيث ((احْتج آدم ومُوسَى)) ؛ فَقَالَ الْقرشِي: فَأَيْنَ لقِيه؟ ! ؛ فَغَضب الرشيد وَقَالَ: النطع وَالسيف، زنديق؛ تطعن فِي حَدِيث النَّبِي -[صلى الله عليه وسلم]-؛ فَمَا زَالَ أَبُو مُعَاوِيَة يسكنهُ وَيَقُول: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَت مِنْهُ بادرة حَتَّى سكن.
وَعَن أبي مُعَاوِيَة قَالَ: أكلت مَعَ الرشيد يَوْمًا، ثمَّ صب على يَدي رجل لَا أعرفهُ، ثمَّ قَالَ الرشيد: تَدْرِي من يصب عَلَيْك؟ قلت: لَا قَالَ: أَنا؛ إجلالا للْعلم.
وَقيل: إِن ابْن السماك الْوَاعِظ دخل على الرشيد مرّة؛ فَبَالغ الرشيد فِي اكرامه واحترامه؛ فَقَالَ لَهُ ابْن السماك: تواضعك فِي شرفك أشرف من شرفك.
وَكَانَ الرشيد يَأْتِي بِنَفسِهِ إِلَى الفضيل بن عِيَاض وَيسمع وعظه؛ فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: يَا حسن الْوَجْه؛ أَنْت الْمَسْئُول عَن هَذِه الْأمة؛ فَبكى الرشيد بكاء عَظِيما.
وَقَالَ مَنْصُور بن عمار: مَا رَأَيْت أغزر دمعا عِنْد الذّكر من ثَلَاثَة: الفضيل ابْن عِيَاض، والرشيد هَارُون، وَآخر.
وَقَالَ عبد الرَّزَّاق بن همام: كنت مَعَ الفضيل بِمَكَّة فَمر الرشيد، فَقَالَ الفضيل: إِن النَّاس يكْرهُونَ هَذَا، وَمَا فِي الأَرْض أعز عَليّ مِنْهُ، لَو مَاتَ لرأيت أمورا عظاما.
وَقَالَ الجاحظ: اجْتمع للرشيد مَا لم يجْتَمع لغيره: وزراؤه البرامكة، وقاضيه أَبُو يُوسُف، وشاعره مَرْوَان بن أبي حَفْصَة، ونديمه الْعَبَّاس بن مُحَمَّد - عَم أَبِيه - وحاجبه الْفضل بن الرّبيع - أتيه النَّاس وأعظمهم - ومغنيه إِبْرَاهِيم الْموصِلِي، وَزَوجته زبيدة. إنتهى.
وَقَالَ غَيره: فتحت فِي أَيَّام الرشيد فتوحات كثير. وَهُوَ الَّذِي فتح (هرقلة) وأحرقها وسبى أَهلهَا.
وَكَانَ الرشيد يحب اللَّهْو والطرب. وَلم يتَكَلَّم فِيهِ - فِيمَا نعلم - سوى ابْن حزم الظَّاهِرِيّ، قَالَ: أرَاهُ لَا يشرب النَّبِيذ الْمُخْتَلف فِيهِ إِلَّا الْخمر الْمُتَّفق على تَحْرِيمهَا، ثمَّ جاهر جهارا قبيحا.
قلت: هَذَا شَأْن ابْن حزم لَا يذكر إِلَّا المساوئ والقبائح، وَكَذَلِكَ الْخَطِيب صَاحب تَارِيخ بَغْدَاد؛ فَهَذَا كَانَ دأبهما.
وَالْعجب أَنَّهُمَا يَقُولَانِ الْأَخْبَار الضعيفة فِي هَذَا الْمَعْنى حَتَّى يَقع لَهما الْقدح والثلب فِي كَائِن من كَانَ. وَلم يسلم مِنْهُمَا عَالم وَلَا شرِيف؛ فَإِن لم يجدا للرجل عَيْبا تكلما فِيهِ بِالْمَعْنَى بِمَا يُقَارب الْقدح، وَإِن عَجزا عَن ذَلِك تكلما فِيهِ برأيهما بِإِسْنَاد ملفق لَا يعبأ الله بِهِ، كَمَا وَقع للخطيب فِي حق بعض الْأَئِمَّة الْأَعْلَام وعلماء الْإِسْلَام، أَنه تكلم فِيهِ بِكَلَام كَانَ الإضراب عَنهُ أليق - إِن لَو كَانَ صَحِيحا لاسيما مُخْتَلفا كذبا -.
وَقد جوزي كل [وَاحِد] مِنْهُمَا بِمَا قيل فيهمَا. فَأَما إِبْنِ حزم فَهُوَ ظاهري الْمَذْهَب سيئ الإعتقاد. وَأما أَبُو بكر الْخَطِيب فيكفيه مَا نَقله عَنهُ
الْحَافِظ الْحجَّة أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي المنتظم من الْقدح فِي الدّين، وَأَيْضًا مَا ذكره عَنهُ الإِمَام النَّاقِد البارع [شمس الدّين] يُوسُف بن قزاغلي فِي تَارِيخه ((مرْآة الزَّمَان)) مَا نَقله عَنهُ من العظائم فِي دينه ودنياه. نسْأَل الله السَّلامَة فِي الدّين وَحسن الخاتمة. إنتهى.
وَقد خرجنَا عَن الْمَقْصُود، ولنعود إِلَى ذكر الرشيد ووفاته.
وَلما كَانَت سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة خرج الرشيد إِلَى الْغَزْو؛ فَأَدْرَكته الْمنية بطوس - من أَعمال خُرَاسَان - فِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة [من] سنة ثَلَاث وَتِسْعين الْمَذْكُورَة، وَصلى عَلَيْهِ ابْنه صَالح.
وَدفن بطوس وَله خمس وَأَرْبَعين سنة. [وتخلف بعده ابْنه الْأمين مُحَمَّد ابْن زبيدة] .
وَكَانَت [خلَافَة الرشيد] ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وشهرين وَخَمْسَة عشر يَوْمًا،