الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مَرْوَان بن مُحَمَّد)
ابْن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس، أَبُو عبد الْملك، الْأمَوِي [الدِّمَشْقِي] الْقرشِي، أَمِير الْمُؤمنِينَ.
ولقبه: الْقَائِم بِحَق الله.
أمه أم ولد كردية.
بُويِعَ بالخلافة بعد ابْن عَمه إِبْرَاهِيم بِحكم خلعه.
كَانَ مَرْوَان هَذَا يعرف [بِمَرْوَان الْحمار] وبالجعدي أَيْضا.
ونسبته بالجعدي لمؤدبه جعد بن دِرْهَم، وبالحمار لشجاعته - يُقَال: فلَان أَصْبِر من حمَار فِي الحروب؛ وَلِهَذَا لقب [بالحمار] ؛ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يفتر عَن محاربة الخارجين عَلَيْهِ -.
وَكَانَ أَشْجَع بني أُميَّة، كَانَ يصل السرى بالسير، ويصبر على مكاره الحروب.
وَقيل: سمي بالحمار لِأَن الْعَرَب تسمى كل مائَة سنة حمارا؛ فَلَمَّا قَارب ملك بني أُميَّة مائَة سنة لقبوا مَرْوَان هَذَا بالحمار، وَأخذُوا ذَلِك من قَوْله تَعَالَى فِي موت حمَار الْعَزِيز:{وَانْظُر إِلَى حِمَارك} الْآيَة.
[و] كَانَ مولد مَرْوَان هَذَا بالجزيرة وَأَبوهُ متوليها من قبل ابْن عَمه عبد الْملك بن مَرْوَان فِي سنة إثنتين وَسبعين [وَمِائَة] .
وَقد ولي مَرْوَان الْمَذْكُور ولايات جليلة قبل أَن يَلِي الْخلَافَة، وافتتح فتوحات كَثِيرَة.
وَكَانَ مَشْهُورا بالشجاعة والفروسية؛ فَلم ينْتج أمره مَعَ بني الْعَبَّاس، وَانْهَزَمَ من عبد الله بن عَليّ أقبح هزيمَة بعد خطوب وحروب تداولت بَينهم أشهرا، بل سِنِين لما ظهر أَبُو مُسلم الْخُرَاسَانِي بدعوة بني الْعَبَّاس.
وَقَالَ مَنْصُور بن أبي مُزَاحم: سَمِعت الْوَزير أَبَا عبد الله يَقُول: سَأَلَني الْمَنْصُور: مَا كَانَ أشياخك الشاميون يَقُولُونَ؟ .
قلت: أدركتهم يَقُولُونَ: إِن الْخَلِيفَة إِذا اسْتخْلف غفر لَهُ مَا مضى من ذنُوبه. قَالَ: إِي وَالله، وَمَا تَأَخّر، أَتَدْرِي مَا الْخَلِيفَة؟ : بِهِ تُقَام الصَّلَاة، وَبِه يحجّ الْبَيْت، ويجاهد الْعَدو.
قَالَ: فعدد الْمَنْصُور من مَنَاقِب الْخَلِيفَة مَا لم أسمع أحدا ذكر مثله، وَقَالَ: وَالله لَو عرفت من حق الْخلَافَة فِي دهر بني أُميَّة مَا أعرف الْيَوْم؛ لأتيت الرجل مِنْهُم حَتَّى أُبَايِعهُ.
أَقُول: مرني مَا شِئْت، فَقَالَ لَهُ ابْنه الْمهْدي:[أ] فَكَانَ الْوَلِيد مِنْهُم؟ {فَقَالَ: قبح الله الْوَلِيد وَمن أقعده خَليفَة. قَالَ: أَفَكَانَ مَرْوَان بن مُحَمَّد مِنْهُم؟} . فَقَالَ الْمَنْصُور: لله در مَرْوَان مَا كَانَ أحزمه وأسوسه، وأعفه بِمن ألفى. قَالَ: فَلم قَتَلْتُمُوهُ؟ ! .
قَالَ: لِلْأَمْرِ الَّذِي سبق فِي علم الله [تَعَالَى] .
وَقَالَ خَليفَة بن خياط: وَسَار مَرْوَان لِحَرْب بني الْعَبَّاس -[يَعْنِي] لما بلغه [ظُهُور دعوتهم]-؛ فَكَانَ فِي مائَة ألف [وَخمسين ألفا] ؛ فَسَار حَتَّى نزل الزابين - دون الْموصل - فَالتقى هُوَ وَعبد الله بن عَليّ العباسي - عَم الْمَنْصُور - فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة إثنتين وَثَلَاثِينَ وَمِائَة؛ فانكسر مَرْوَان، وَقطع الجسور إِلَى الجزيرة [وَأخذ بيُوت الْأَمْوَال والكنوز؛ فَقدم الشَّام فاستولى عبد الله على الجزيرة] وَطلب الشَّام؛ وفر مِنْهُ [مَرْوَان] ، ونازل عبد الله دمشق.
فَلَمَّا بلغ مَرْوَان أَخذ دمشق - وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِأَرْض فلسطين - دخل إِلَى مصر، وَعبر النّيل، وَطلب الصَّعِيد؛ فَوجه عبد الله [بن] عَليّ أَخَاهُ صَالح بن عَليّ فِي طلب مَرْوَان - وعَلى طلائعه عَمْرو بن إِسْمَاعِيل -؛ فساق عَمْرو فِي إِثْر [مَرْوَان] ؛ فَلحقه بقرية أَبُو صير، فبيته؛ فَقتله.
وَقَالَ أَبُو معشر السندي: قتل مَرْوَان وَهُوَ إِبْنِ إثنتين وَسِتِّينَ سنة.
قلت: وَكَانَ قَتله فِي ذِي الْحجَّة من سنة إثنتين وَثَلَاثِينَ وَمِائَة.
ويروى أَن مَرْوَان مر فِي هربه على رَاهِب فَقَالَ: يَا رَاهِب {هَل تبلغ الدُّنْيَا من الْإِنْسَان أَن تَجْعَلهُ مَمْلُوكا؟} قَالَ: نعم {قَالَ: كَيفَ؟ قَالَ: يُحِبهَا. قَالَ: فَمَا السَّبِيل إِلَى الْعتْق؟ . قَالَ: ببغضها والتخلي عَنْهَا. قَالَ: هَذَا مَا لَا يكون} . قَالَ: بل سَيكون؛ فبادر بالهرب مِنْهَا قبل أَن تبادرك. قَالَ: هَل تعرفنِي؟ . قَالَ: نعم أَنْت مَرْوَان ملك الْعَرَب، تقتل فِي السودَان وتدفن بِلَا أكفان، وَلَوْلَا أَن الْمَوْت فِي طَلَبك لدللتك على مَوضِع هربك.
وَقَالَ هِشَام بن عمار: حَدثنَا عبد الْمُؤمن بن مهلهل عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ لي مَرْوَان لما أَن عظم أَمر أَصْحَاب الرَّايَات السود: لَوْلَا وحشتي لَك وأنسي بك لأحببت أَن تكون وَدِيعَة فِيمَا بيني وَبَين هَؤُلَاءِ؛ فتأخذ لي وَلَك الْأمان.
قلت: وَبَلغت هَذَا الْحَال؟ ! . قَالَ: أَي وَالله. قلت: فأدلك على أحسن مِمَّا أردْت. قَالَ: [قل] . قلت: إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد فِي يدك، تخرجه من الْحَبْس وتزوجه ببنتك وتشركه فِي أَمرك؛ فَإِن كَانَ الْأَمر كَمَا تَقول انتفعت بذلك عِنْده، وَإِن لم يكن كَذَلِك كنت قد وضعت بنتك فِي كفاة. قَالَ: أَشرت وَالله بِالرَّأْيِ، وَلَكِن وَالله السَّيْف أَهْون من هَذَا. إنتهى.
قلت: وأخبار مَرْوَان طَوِيلَة، وَوَقَائعه كَثِيرَة من أَوَائِل أمره إِلَى آخِره.
وَهُوَ آخر خلفاء بني أُميَّة بِدِمَشْق وبلاد الشرق. وبموته انقرضت دولة بني أُميَّة إِلَى يَوْمنَا هَذَا، سوى عبد الرَّحْمَن الدَّاخِل من بني أُميَّة الَّذِي قَامَ بالغرب، وتخلف هُوَ وَجَمَاعَة من ذُريَّته، ذكرنَا من أَمرهم نبذة فِي تاريخنا ((النُّجُوم الزاهرة فِي مُلُوك مصر والقاهرة)) ؛ فَلْينْظر هُنَاكَ.