الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(هَارُون الواثق)
بن المعتصم مُحَمَّد بن الرشيد هَارُون بن الْمهْدي مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور عبد الله بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، الْهَاشِمِي، العباسي، الْبَغْدَادِيّ، أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَبُو جَعْفَر.
بُويِعَ بالخلافة لما مَاتَ أَبوهُ المعتصم بِعَهْد مِنْهُ إِلَيْهِ.
وَأمه أم ولد، رُومِية تسمى: قَرَاطِيس.
ومولده لعشر بَقينَ من شعْبَان سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة.
قَالَ [أَبُو بكر] الْخَطِيب: كَانَ أَحْمد بن أبي دَاوُد قد استولى على الواثق وَحمله على [تَشْدِيد المحنة] ، ودعا النَّاس إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن.
قلت: وَالْمَشْهُور أَن الواثق رَجَعَ عَن ذَلِك قبل مَوته وَتَابَ مِنْهُ وَأظْهر السّنة.
وَمن جملَة أَسبَاب رُجُوعه: مَا نَقله عبيد الله بن يحيى قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أَسْبَاط بن السكن قَالَ: حمل رجل - يَعْنِي عَن الإِمَام أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل - فِيمَن حمل مكبل بالحديد من بِلَاده؛ فَأدْخل؛ فَقَالَ ابْن أبي دَاوُد: تَقول
أَو أَقُول؟ قَالَ: هَذَا أول جوركم، أخرجتم النَّاس من بِلَادهمْ ودعوتموهم إِلَى شَيْء مَا قَالَه أحد {. لَا، بل أَقُول: قَالَ: قل - والواثق جَالس - فَقَالَ: أَخْبرنِي عَن هَذَا الرَّأْي الَّذِي دعوتم النَّاس إِلَيْهِ، أعلمهُ رَسُول الله -[صلى الله عليه وسلم]- فَلم يدع النَّاس إِلَيْهِ، أم شَيْء لم يُعلمهُ؟} قَالَ: علمه، قَالَ: فَكَانَ يَسعهُ [أَن] لَا يَدْعُو النَّاس إِلَيْهِ، وَأَنْتُم لَا يَسَعكُمْ. قَالَ: فَبُهِتُوا. قَالَ: فَضَحِك الواثق، وَقَامَ قَابِضا على كمه، وَدخل بَيْتا وَمد رجلَيْهِ وَهُوَ يَقُول: شَيْء وسع النَّبِي -[صلى الله عليه وسلم]- أَن يسكت عَنهُ وَلَا يسعنا {} ؛ فَأمر أَن يعْطى [الرجل] ثلثمِائة دِينَار، وَأَن يرد إِلَى بَلَده. إنتهى.
قلت: وَأمر المحنة يطول الشَّرْح فِي ذكره، أضربنا عَنهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصر خوف الإطالة.
وَكَانَ الواثق وافر الْأَدَب فصيحا. قيل: إِن جَارِيَة من جواريه غنته بِشعر العرجي:
(أظلوم إِن مصابكم رجلا
…
أهْدى السَّلَام تَحِيَّة ظلم)
فَمن الْحَاضِرين من صوب نصب ((رجلا)) وَمِنْهُم من قَالَ: صَوَابه: ((رجل)) .
فَقَالَت [الْجَارِيَة] : هَكَذَا لَقَّنَنِي الْمَازِني؛ فَطلب الْمَازِني.
فَلَمَّا مثل بَين [يَدي الواثق] قَالَ: مِمَّن الرجل {؟ ، قَالَ: من بني مَازِن. قَالَ: أَي الموازن؟ أمازن تَمِيم، أم مَازِن قيس، أم مَازِن ربيعَة؟}
قَالَ: مَازِن ربيعَة.
قَالَ الْمَازِني: فكلمني حِينَئِذٍ بلغَة قومِي فَقَالَ: بِاسْمِك؟ - لأَنهم يقلبون الْمِيم بَاء وَالْبَاء ميما - فَكرِهت أَن أواجهه بمكر، فَقلت: بكر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ فَفطن لَهَا وأعجبته. وَقَالَ: مَا تَقول فِي هَذَا الْبَيْت؟ ، قلت: الْوَجْه النصب؛ لِأَن مصابكم مصدر بِمَعْنى: إصابتك؛ فَأخذ اليزيدي يعارضني.
قلت: هُوَ بِمَنْزِلَة: ((إِن ضربك زيدا ظلم)) ؛ فالرجل مفعول مصابكم. وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن الْكَلَام مُعَلّق إِلَى أَن تَقول: ظلم؛ فَيتم.
فأعجب الواثق وَأَعْطَانِي ألف دِينَار. إنتهى.
وَحج الواثق مرّة؛ فَفرق بالحرمين أَمْوَالًا عَظِيمَة، حَتَّى لم يبْق بالحرمين فَقير.
وَقيل: لما احْتضرَ الواثق جعل يردد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ:
(الْمَوْت فِيهِ جَمِيع الْخلق مُشْتَرك
…
لاسوقة مِنْهُم تبقى وَلَا ملك)
(مَا ضرّ أهل قَلِيل فِي تفاقرهم
…
وَلَيْسَ يُغني عَن الإملاك مَا ملكوا)
ثمَّ أَمر بالبسط فطويت، وألصق خَدّه بِالْأَرْضِ وَجعل يَقُول: يَا من لَا يَزُول ملكه أرْحم من قد زَالَ ملكه.
وَكَانَت وَفَاته بِمَدِينَة سر من رأى فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لست بَقينَ من ذِي الْحجَّة من سنة إثنتين وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. وتخلف بعده أَخُوهُ [جَعْفَر المتَوَكل] .