الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْمهْدي)
أَبُو عبد الله [مُحَمَّد] ابْن الْخَلِيفَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن عبد الله بن عَبَّاس العباسي (الْهَاشِمِي، أَمِير الْمُؤمنِينَ. الثَّالِث من خلفاء بني الْعَبَّاس) .
بُويِعَ بالخلافة بعد موت أَبِيه [الْمَنْصُور] بِعَهْد مِنْهُ إِلَيْهِ.
ومولده بإيذج فِي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة.
قَالَ الخطبي: ولد سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة [فِي جُمَادَى الْآخِرَة] .
وَأمه أم مُوسَى بنت مَنْصُور الحميرية.
وَكَانَ الْمهْدي جوادا، ممدحا، مليح الشكل، محببا للرعية، شجاعا،
خصاما للزنادقة. وَكَانَ يَقُول: أدخلُوا عَليّ الْقُضَاة؛ فَلَو لم يكن ردي للمظالم إِلَّا حَيَاء مِنْهُم [لكفى] .
وَكَانَ الْمهْدي لما شب ولاه أَبوهُ [على] طبرستان وَمَا يَليهَا، وعَلى الرى.
وتأدب الْمهْدي وجالس الْعلمَاء وتميز.
قيل: إِن أَبَاهُ الْمَنْصُور غرم أَمْوَالًا عَظِيمَة، وتحيل حَتَّى استنزل ولي الْعَهْد - ولى أَخِيه - عِيسَى بن مُوسَى عَن المنصب، وولاه للمهدي هَذَا.
فَلَمَّا مَاتَ الْمَنْصُور بِظَاهِر مَكَّة - قبل الْحَج - قَامَ يَأْخُذ الْبيعَة [لَهُ] الرّبيع بن يُونُس الْحَاجِب، وأسرع بالْخبر للمهدي مَعَ مَوْلَاهُ مَنَارَة الْبَرْبَرِي وَهُوَ بِبَغْدَاد؛ فكتم الْمهْدي الْأَمر يَوْمَيْنِ، ثمَّ خطب النَّاس ونعى إِلَيْهِم الْمَنْصُور.
وَأول من هَنأ الْمهْدي بالخلافة وَعَزاهُ أَبُو دلامة، وأجاد [فَقَالَ] :
(عَيْنَايَ وَاحِدَة ترى مسرورة
…
بأميرها جذلا وَأُخْرَى تذرف)
(تبْكي وتضحك تَارَة ويسوءها
…
مَا أنْكرت ويسرها مَا تعرف)
(فيسوءها موت الْخَلِيفَة محرما
…
ويسرها أَن قَامَ هَذَا الأرأف)
(مَا إِن رَأَيْت كَمَا رَأَيْت وَلَا أرى
…
شعرًا أسرحه وَآخر ينتف)
(هلك الْخَلِيفَة يَا لدين مُحَمَّد
…
وأتاكم من بعده من يخلف)
(أهْدى لهَذَا الله فضل خلَافَة
…
ولذاك جنَّات النَّعيم تزخرف)
وَكَانَ من خطْبَة الْمهْدي لما بلغه موت الْمَنْصُور قَالَ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد دعِي فَأجَاب، وَأمر فأطاع وأعز. ثمَّ ذرفت عَيناهُ؛ فَقَالَ: قد بَكَى رَسُول الله -[صلى الله عليه وسلم]- عِنْد فِرَاق الْأَحِبَّة، وَلَقَد فَارَقت عَظِيما، وقلدت جسيما؛ فَعِنْدَ الله أحتسب أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَبِه أستعين على خلَافَة الْمُسلمين.
قيل: دخل رجل على الْمهْدي فَقبل يَده وَقَالَ: يدك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
[أَحَق بالتقبيل] لعلوها بالمكارم وطهارتها من المآثم، وَإنَّك ليوسفي الْعَفو، إسماعيلي الصدْق، شعيبي الرِّفْق، فَمن أرادك بِسوء جعله الله طريد خوفك حصيد سَيْفك.
ثمَّ أثنى عَلَيْهِ بالشجاعة؛ فَقَالَ الْمهْدي: وَمَا لي لَا أكون شجاعا وَمَا خفت أحدا إِلَّا الله [تَعَالَى] .
وَقَالَ دَاوُد بن رشيد: سَمِعت سَالم الْحَاجِب يَقُول: هَاجَتْ ريح سَوْدَاء؛ فخفنا أَن تكون السَّاعَة؛ فطلبت الْمهْدي [فِي الإيوان] فَلم أَجِدهُ، ثمَّ سَمِعت حَرَكَة [فِي] الْبَيْت، فَإِذا هُوَ ساجد على التُّرَاب يَقُول:(اللَّهُمَّ لَا تشمت بِنَا الْأَعْدَاء من الْأُمَم، وَلَا تفجع بِنَا نَبينَا) ، اللَّهُمَّ وَإِن [كنت] أخذت الْعَامَّة بذنبي فَهَذِهِ ناصيتي بِيَدِك؛ فَمَا أتم كَلَامه حَتَّى انجلت.
وَقَالَ الْمَدَائِنِي: دخل رجل على الْمهْدي فَقَالَ: إِن الْمَنْصُور شَتَمَنِي وَقذف أُمِّي؛ فإمَّا أَمرتنِي أَن أحلله وَإِمَّا عوضتني؛ فاستغفرت لَهُ.
قَالَ: وَلم شتمك؟ ! قَالَ: شتمت عدوه بِحَضْرَتِهِ؛ فَغَضب لَهُ.
قَالَ: وَمن عدوه؟ قَالَ: إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن حسن.
قَالَ: إِن إِبْرَاهِيم أمس بِهِ رحما وَأوجب عَلَيْهِ حَقًا؛ فَإِن كَانَ شتمك كَمَا زعمت فَعَن رَحمَه ذب وَعَن عرضه دفع، وَمَا أَسَاءَ من انتصر لإبن عَمه.
قَالَ: إِنَّه كَانَ عدوا لَهُ. قَالَ: لم ينتصر للعداوة بل للرحم؛ فأسكت الرجل.
فَلَمَّا [ذهب] ليولي قَالَ [لَهُ] الْمهْدي: لَعَلَّك أردْت أمرا؛ فَجعلت هَذَا ذَرِيعَة. قَالَ: نعم؛ فَتَبَسَّمَ الْمهْدي وَأمر لَهُ بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم.
وَقَالَ الزبير: أَخْبرنِي يُونُس الْخياط قَالَ: دخل ابْن الْخياط الْمَكِّيّ الشَّاعِر على الْمهْدي - وَقد مدحه بقصيدة - فَأمر بِهِ بِخَمْسِينَ [ألف دِرْهَم] ؛ [فَلَمَّا قبضهَا] فرقها على النَّاس وَقَالَ:
(لمست بكفي كَفه أَبْتَغِي الْغنى
…
وَلم أدر أَن الْجُود من كَفه يعدي)
(فَلَا أَنا مِنْهُ مَا أَفَادَ ذَوُو الْغنى
…
أفدت وأعداني فبددت مَا عِنْدِي)
فنمى الْخَبَر إِلَى الْمهْدي؛ فَأعْطَاهُ بِكُل دِرْهَم دِينَارا.
وَقيل: إِن مَرْوَان بن أبي حَفْصَة الشَّاعِر لما أنْشدهُ قصيدته السائرة الَّتِي أَولهَا:
(صَحا بعد جهل واستراحت عواذله
…
) .
قَالَ الْمهْدي: وَيلك كم هِيَ بَيْتا؟ قَالَ: سَبْعُونَ بَيْتا. قَالَ: لَك بهَا سَبْعُونَ ألفا.
وَمِنْهَا من جملَة أبياتها:
(كفاكم بعباس أبي الْفضل والدا
…
فَمَا من أَب إِلَّا أَبُو الْفضل فاضله)
(كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ مُحَمَّدًا
…
أَبُو جَعْفَر فِي كل أَمر يحاوله)
(إِلَيْك قَصرنَا النّصْف من صلواتنا
…
مسيرَة شهر بعد شهر نواصله)
(فَلَا نَحن نخشى أَن يخيب مسيرنا
…
إِلَيْك وَلَكِن أهنأ الْبر عاجله)
فَتَبَسَّمَ الْمهْدي وَقَالَ: عجلوها لَهُ.
قلت: وَفِي أَيَّام الْمهْدي ظهر رجل يُقَال لَهُ الْمقنع، وَادّعى النُّبُوَّة.
وَكَانَ يطلع للنَّاس قمرا يرونه من مسيرَة شَهْرَيْن، وَكَانَ يري النَّاس أَعَاجِيب كَثِيرَة من أَنْوَاع السحر، وَعمل على وَجهه وَجها من ذهب. وَاتبعهُ جمَاعَة من الْجُهَّال حَتَّى أرسل إِلَيْهِ جَيْشًا؛ فحاربوه وقتلوه. وَقيل: إِنَّه لما علم بِأَخْذِهِ قتل نَفسه.
وَقَالَ الفلاس: ملك الْمهْدي إِحْدَى عشرَة سنة وشهرا وَنصف [شهر] ، وَمَات لثمان بَقينَ من الْمحرم سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وعاش ثَلَاثًا وَأَرْبَعين سنة، وَعقد بِالْأَمر من بعده لإبنه مُوسَى الْهَادِي والرشيد.