الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سُلَيْمَان بن عبد الْملك)
ابْن مَرْوَان بن الحكم، الْقرشِي الْأمَوِي، أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَبُو أَيُّوب.
كَانَ من خِيَار [مُلُوك] بني أُميَّة.
بُويِعَ بالخلافة بعد موت أَخِيه الْوَلِيد بِعَهْد من أَبِيه عبد الْملك فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَتِسْعين.
وَكَانَت دَاره بِدِمَشْق مَوضِع سِقَايَة جيرون. وَله دَار أُخْرَى بناها [بدرابن] مُحرز؛ فَجَعلهَا دَار الْخلَافَة، وَجعل لَهَا قبَّة صفراء كالقبة الخضراء الَّتِي بدار الْخلَافَة.
وَكَانَ شَابًّا فصيحا مفوها، مؤثرا للعدل، محبا للغزو.
ومولده فِي سنة سِتِّينَ.
وَكَانَ مليح الْوَجْه، مقرون الحاجبين، يضْرب شعره مَنْكِبَيْه.
وَلما تخلف [سُلَيْمَان] قَالَ لإبن عَمه عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان: ((يَا أَبَا حَفْص {إِنَّا ولينا مَا قد ترى وَلم يكن لنا بتدبيره علم، فَمَا رَأَيْت فِيهِ مصلحَة الْعَامَّة فَمر بِهِ)) . فَكَانَ من ذَلِك عزل عُمَّال الْحجَّاج، وَإِخْرَاج من كَانَ [فِي سجن] الْعرَاق. ثمَّ فعل أمورا كَثِيرَة حَسَنَة كَانَ يسمع من عمر فِيهَا.
قيل: إِن سُلَيْمَان حج مرّة؛ فَرَأى النَّاس بِالْمَوْسِمِ؛ فَقَالَ لعمر بن عبد الْعَزِيز: أما ترى هَذَا الْخلق الَّذِي لَا يحصي عَددهمْ إِلَّا الله، وَلَا يسع رزقهم غَيره} قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ {هَؤُلَاءِ الْيَوْم رعيتك وهم غَدا أخصامك؛ فَبكى سُلَيْمَان بكاء شَدِيدا، ثمَّ قَالَ: بِاللَّه أستعين.
قلت: وَكَانَ سُلَيْمَان شَدِيد الْغيرَة؛ وَهُوَ الَّذِي خصى المخنثين بِالْمَدِينَةِ.
وَكَانَ كثير الْأكل؛ حج مرّة فَنزل بِالطَّائِف فَأكل سبعين رمانة، ثمَّ جَاءُوهُ بخروف مشوي وست دجاجات فأكلهم، ثمَّ جَاءُوهُ بزبيب فَأكل مِنْهُ شَيْئا كثيرا، ثمَّ نعس وانتبه فِي الْحَال؛ فَأَتَاهُ الطباخ؛ فَأخْبرهُ بِأَن الطَّعَام قد اسْتَوَى؛ فَقَالَ: أعرضه عَليّ قدرا قدرا، فَصَارَ سُلَيْمَان يَأْكُل من كل قدر اللُّقْمَة واللقمتين واللحمة واللحمتين - وَكَانَت ثَمَانُون قدرا - ثمَّ مد السماط؛ فَأكل [على] عَادَته، كَأَنَّهُ لم يَأْكُل شَيْئا} {} .
قلت: أَفَادَ بعض الْحُكَمَاء أَن الرجل لَا يَأْكُل أَكثر من سِتِّينَ لقْمَة من جوعه إِلَى شبعه؛ فَمَا يكون شَأْن هَذَا الرجل وَأَمْثَاله من الْأكلَة {} . انْتهى.
وَقيل: إِن سُلَيْمَان جلس يَوْمًا فِي نبت أَخْضَر على وطاء أَخْضَر، عَلَيْهِ ثِيَاب خضر. ثمَّ نظر فِي الْمرْآة؛ فأعجبه شبابه - وَكَانَ من أجمل النَّاس - فَقَالَ: كَانَ مُحَمَّد -[صلى الله عليه وسلم]- نَبيا، وَكَانَ أَبُو بكر صديقا، وَكَانَ عمر فاروقا، وَكَانَ عُثْمَان حييا، وَكَانَ مُعَاوِيَة حَلِيمًا، وَكَانَ يزِيد صبورا، وَكَانَ عبد الْملك سيوسا، وَكَانَ الْوَلِيد جبارا، وَأَنا الْملك الشَّاب؛ فَمَاتَ من جمعته، فِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر صفر سنة تسع وَتِسْعين.
وَيُقَال: إِنَّه لبس يَوْمًا أَفْخَر مَا عِنْده، وتطيب بأفخر الطّيب، وتزين بِأَحْسَن الزِّينَة؛ فَأَعْجَبتهُ نَفسه، والتفت، فَرَأى جَارِيَة من جواريه واقفة؛ فَقَالَ لَهَا: كَيفَ تَرين؟ ؛ فَقَالَت:
(أَنْت نعم الْمَتَاع لَو كنت تبقى
…
غير أَن لَا بَقَاء للْإنْسَان)
(أَنْت خلو من الْعُيُوب وَمِمَّا
…
[يكره النَّاس] غير أَنَّك فان)
فطردها، ثمَّ أحضرها؛ فَقَالَ لَهَا: مَا قلت! ؟ فَقَالَت: وَالله مَا قلت شَيْئا وَلَا رَأَيْتُك الْيَوْم؛ فتعجب النَّاس من ذَلِك.
وَمَات سُلَيْمَان من جمعته رحمه الله.
قلت: وَفِي الْجُمْلَة؛ فَهُوَ [من] خِيَار [مُلُوك] بني أُميَّة؛ قرب ابْن عَمه عمر بن عبد الْعَزِيز، وَجعله ولي عَهده [بالخلافة] وَلَيْسَ لَهُ عهد فِي الْخلَافَة؛ وَإِنَّمَا الْعَهْد لِأَخِيهِ يزِيد وَهِشَام، فَأدْخل بعمر قبلهمَا.
وَبَايع النَّاس على الْعَهْد وَهُوَ مَكْتُوب؛ فَقَالُوا: نُبَايِع على أَن يكون فِيهِ بني عبد الْملك؛ فَقَالَ: نعم، فَبَايعُوا على الْمَكْتُوب، وَفِيه: عمر بن عبد الْعَزِيز، ثمَّ يزِيد وَهِشَام؛ فَصحت الْبيعَة.
قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: رحم الله سُلَيْمَان، افْتتح خِلَافَته بِإِقَامَة الصَّلَاة لمواقيتها، وختمها باستخلافه عمر بن عبد الْعَزِيز.
وَكَانَ يرفق بالرعية -[رحمه الله]-.