الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْحَاكِم بِأَمْر الله)
أَبُو عَليّ، مَنْصُور بن الْعَزِيز بِاللَّه نزار بن الْمعز لدين الله، أَبُو تَمِيم، معد بن الْمَنْصُور إِسْمَاعِيل بن الْقَائِم مُحَمَّد بن الْمهْدي عبيد الله. العبيدي، الفاطمي، المغربي الأَصْل، الْمصْرِيّ المولد والمنشأ وَالدَّار والوفاة، الثَّالِث من خلفاء مصر من بني عبيد.
بُويِعَ بالخلافة بعد موت أَبِيه الْعَزِيز فِي يَوْم الثُّلَاثَاء لليلتين بَقِيَتَا من شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وثلثمائة.
ومولده بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشْرين جُمَادَى الأول سنة خمس وَسبعين وثلثمائة.
وَالْحَاكِم هَذَا هُوَ الَّذِي بنى الْجَامِع دَاخل بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة.
وَكَانَ الْحَاكِم فِي أول أمره خيرا عادلا؛ أَمر أَن تلبس النَّصَارَى الْأَزْرَق وَالْيَهُود الْأَصْفَر، وَأَن لَا يركبُوا خيولا وَلَا بغالا. وَجعل لَهُم حمامات على حدتهم وَعمل عَلَيْهَا صلبانا. ثمَّ بنى على رَأس كل كَنِيسَة مَسْجِدا يُؤذن فِيهِ على رُءُوسهم.
ثمَّ لما كبر تغير عَن ذَلِك كُله، وَعبد الْكَوَاكِب، وَصَارَ يَأْمر بالشَّيْء الَّذِي يضْحك النَّاس مِنْهُ.
من ذَلِك: أَنه اجتاز يَوْمًا بحمام الذَّهَب؛ فَسمع فِيهَا ضجيج النِّسَاء؛ فَأمر أَن تسد عَلَيْهِنَّ؛ [فسدوها عَلَيْهِنَّ] حَتَّى متن جَمِيعًا.
ثمَّ أَمر بهدم كَنِيسَة قمامة وَنهب جَمِيع مَا فِيهَا؛ فهدمت ونهبت، ثمَّ أَمر بإعادتها كَمَا كَانَت.
ثمَّ أَمر بِأَن لَا يَبِيع أحد زبيبا، ثمَّ أَمر أَن [لَا] يَأْكُلهُ أحد، ثمَّ أَمر بحرقه فِي جَمِيع الْبِلَاد، ثمَّ أَمر بإحراق الْعِنَب، ثمَّ أَمر بِقطع الكروم كلهَا؛ فَقطعت جَمِيع الكروم بِمصْر وَالشَّام.
ثمَّ أَمر بقتل الْكلاب؛ فَقتل بالديار المصرية ثَلَاثُونَ ألف كلب.
ثمَّ أَمر بإهراق الْعَسَل النَّحْل؛ فبدد النَّاس إثني عشر ألف جابية عسل.
ثمَّ منع النَّاس من طبخ الملوخيا، ثمَّ أَمر أَن لَا تزرع فِي الأَرْض كلهَا وكل من وجدت عِنْده شنق.
ثمَّ منع [النَّاس][من] بيع: الترمس، والسمك الأملس، وكبب اللَّحْم، والفقاع، وَأمر بشنق من يعملهم، وشنق على ذَلِك جمَاعَة كَثِيرَة.
وَكَانَ يلبس الصُّوف، ويركب حمارا وَيَطوف فِي الْأَسْوَاق وَحده بِغَيْر غُلَام.
وَكَانَ لما تخلف صَغِيرا تولى تَدْبِير ملكه خَادِم لِأَبِيهِ يُسمى أرجوان - وَقيل برجوان - حَتَّى كبر الْحَاكِم.
فَلَمَّا كبر [الْحَاكِم] قتل أرجوان [الْمَذْكُور] ؛ فَوجدَ لَهُ من الْأَمْوَال مَالا يُحْصى كَثْرَة. من جملَة مَا وجد لَهُ: ألف قَمِيص، وَألف سروال، وَألف تكة حَرِير فِي كل تكة نافحة مسك ونافحة عنبر [كبارًا] .
وَوجد لَهُ من الْجَوَاهِر والأواني مَا قِيمَته خَمْسمِائَة ألف دِينَار.
وَوجد لَهُ من الدَّوَابّ أَرْبَعَة آلَاف فرس وَأَرْبَعَة آلَاف بغل.
وَوجد لَهُ من الذَّهَب [الْعين][ألفي] ألف ألف دِينَار.
وَلما استبد الْحَاكِم بِالْأَمر وَحده طَغى وتجبر، وَسَاءَتْ سيرته فِي الرّعية، وفسدت عقيدته فِي الدّين.
وَكَانَت أُخْته سِتّ الْملك عَاقِلَة، وَعلمت بِزَوَال الْملك عَنْهُم؛ فَعمِلت على قَتله، إِلَى أَن قتل بحلوان خَارج الْقَاهِرَة - حَسْبَمَا ذَكرْنَاهُ مفصلا فِي الأَصْل -؟ . وَكَانَ قَتله فِي ثامن عشْرين شَوَّال سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة.
وَتَوَلَّى بعده ابْنه الظَّاهِر لإعزاز دين الله.
وَكَانَ أَمر الْحَاكِم هَذَا متضادد: مَا بَين شجاعة [واقدام] ، وَجبن وإحجام، ومحبة للْعلم وانتقام من الْعلمَاء، وميل إِلَى الصّلاح وَقتل الصلحاء.
وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ السخاء، وَرُبمَا بخل بِمَا لم يبخل بِهِ غَيره.
وَكَانَت خِلَافَته خمْسا وَعشْرين سنة وشهرا وَاحِدًا.