الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْقَائِم بِأَمْر الله)
أَبُو الْبَقَاء، حَمْزَة بن المتَوَكل على الله مُحَمَّد. أَمِير الْمُؤمنِينَ، العباسي، الْهَاشِمِي، رَابِع الْأُخوة من أَوْلَاد المتَوَكل [على الله] .
بُويِعَ بالخلافة بعد موت أَخِيه المستكفي [سُلَيْمَان من غير عهد. وَهُوَ أَنه: لما توفّي المستكفي] أجمع رَأْي السُّلْطَان [الْملك] الظَّاهِر جقمق على تَوْلِيَة حَمْزَة [الْمَذْكُور] ؛ لِأَنَّهُ أسن من بَقِي من إخْوَته وأمثلهم؛ فاستدعاه [فِي] يَوْم الأثنين خَامِس [محرم] سنة خمس وَخمسين [وَثَمَانمِائَة] بِالْقصرِ السلطاني من قلعة الْجَبَل.
وَحضر الْأُمَرَاء والقضاة وأعيان الدولة، وَأَجْمعُوا على بيعَة حَمْزَة الْمَذْكُور.
وافتتح قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين يحيى الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي الْبيعَة بِخطْبَة فِي غير الْمَعْنى، ثمَّ سكت فِي أثْنَاء الْخطْبَة وَأخذ فِي الدُّعَاء، وَفِي ظَنّه أَن الْبيعَة قد استتمت.
فَلَمَّا رأى [قَاضِي الْقُضَاة] كَمَال الدّين [بن] الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ ذَلِك ابْتَدَأَ بِخطْبَة بليغة، حمد الله [تَعَالَى] فِيهَا وَأثْنى
[عَلَيْهِ وعَلى] مُحَمَّد -[صلى الله عليه وسلم]- ثمَّ أثنى على الْخَلِيفَة، ثمَّ على السُّلْطَان بِعِبَارَة طَلْقَة مَعَ فصاحة وَحسن تأدي، إِلَى أَن استتمت الْبيعَة.
وَبَايَعَهُ السُّلْطَان وَمن حضر من الْقُضَاة والأعيان. ثمَّ سَأَلَ القَاضِي كَمَال الدّين الْمَذْكُور الْخَلِيفَة حَمْزَة [هَذَا] بِأَنَّهُ فوض السلطنة للسُّلْطَان الْملك الظَّاهِر جقمق وقلده أُمُور الرّعية، وَجعله يتَصَرَّف فِي الْملك كَيفَ شَاءَ، ثمَّ عدد لَهُ أَشْيَاء من هَذَا النمط؛ فَأَجَابَهُ الْخَلِيفَة إِلَى ذَلِك.
فَلَمَّا استتم كَلَامه استدعى السُّلْطَان التشريف الخليفتين وَألبسهُ حَمْزَة [الْمَذْكُور] . وَبعد لبسه عَاد وَجلسَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَة، ثمَّ سلم على السُّلْطَان.
وَقَامَ وَنزل إِلَى دَاره فِي وُجُوه النَّاس من الْقُضَاة والأعيان، ولقب بالقائم بِأَمْر الله.
وَاسْتمرّ الْقَائِم فِي الْخلَافَة، إِلَى أَن كَانَت الْفِتْنَة بَين الأتابك أينال العلائي وَبَين [الْملك] الْمَنْصُور عُثْمَان؛ فَأرْسل الأتابك أينال خلف الْقَائِم هَذَا [يَطْلُبهُ] من دَاره؛ فَحَضَرَ إِلَيْهِ وَقَامَ مَعَه فِيمَا هُوَ بصدده، إِلَى أَن تمّ لَهُ مَا أَرَادَ.
وتسلطن بعد خلع الْمَنْصُور عُثْمَان؛ فَعرف لَهُ الْملك الْأَشْرَف ذَلِك، وأنعم عَلَيْهِ بأَشْيَاء كَثِيرَة من الْأَمْوَال والإقطاعات وَغَيرهَا.
وَسَار فِي الْخلَافَة بعظمة زَائِدَة وَحُرْمَة وافرة - بِخِلَاف من تقدم من إخْوَته - إِلَى أَن اسْتهلّ [شهر] رَجَب سنة تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة بِيَوْم الثُّلَاثَاء وَقع من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَغَيرهم حَرَكَة كَبِيرَة، وأظهروا فِيهَا الْمُخَالفَة على السُّلْطَان. وَاجْتمعَ مِنْهُم خلائق تَحت القلعة، وهجموا بَيت الْأَمِير قوصون ودخلوه - كَمَا كَانَ فعل الْملك الْأَشْرَف أينال - وأمسكوا من نزل إِلَيْهِم من الْأُمَرَاء ومنعوهم من الْعود إِلَى القلعة. ثمَّ توجه بَعضهم إِلَى الْخَلِيفَة هَذَا وسألوه فِي الْحُضُور؛ فَقَامَ من وقته يَظُنهَا الكرة الأولى، وَحضر إِلَيْهِم فَلم ير مَا كَانَ رَآهُ تِلْكَ الْمرة؛ فندم على مَجِيئه حَيْثُ لَا ينفع النَّدَم.
[وَقد ذكرنَا أَمر هَذِه الْوَقْعَة فِي تاريخنا ((حوادث الدهور فِي مدى الْأَيَّام والشهور)) مُطَوَّلَة؛ فَلْتنْظرْ هُنَاكَ] .
وبينما هُوَ فِي ذَلِك انفض الْجمع بعد قتال هَين، وَتوجه الْقَائِم إِلَى منزله.
وَكَانَ السُّلْطَان لما بلغه الغوغاء من المماليك أرسل إِلَى الْقَائِم [هَذَا] أَنه يغيب من دَاره؛ فَلم يفعل. ثمَّ زَاد [من] أَنه حضر إِلَيْهِم؛ فَلم يبْق لَهُ عذر، وَعرف كل أحد بِمَا قَصده الْخَلِيفَة.
قلت: لله در الْقَائِل:
(أُمُور تضحك السُّفَهَاء مِنْهَا
…
ويخشى من عواقبها اللبيب)
ثمَّ أصبح السُّلْطَان من الْغَد [و] طلب الْقَائِم بِأَمْر الله إِلَى القلعة ووبخه بِكَلَام؛ فَأَرَادَ الْقَائِم أَن يلحن بحجته، وَكَانَ فِي لِسَانه مسكة تَمنعهُ الْكَلَام؛ فَلم يقف السُّلْطَان لجوابه وَأمر بِهِ؛ فَقبض عَلَيْهِ وأجلس بالبحرة من قلعة الْجَبَل.
ثمَّ استدعى [السُّلْطَان] أَخَاهُ يُوسُف من الْغَد فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث الشَّهْر، وأخلع عَلَيْهِ بالخلافة [بعد أَن حكم الْقُضَاة بخلع الْقَائِم] . ودام الْقَائِم محتفظا بِهِ بقلعة الْجَبَل إِلَى يَوْم الأثنين سَابِع شهر رَجَب [الْمَذْكُور] رسم السُّلْطَان بتوجهه إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة؛ فَنزل على فرس من غير أَن يركب خَلفه أحد من الأوجاقية على عَادَة أكَابِر الْأُمَرَاء {} . وَسَار بقماش جُلُوسه وَمَعَهُ حَاجِب الْحجاب ووالي الْقَاهِرَة، إِلَى أَن أوصلاه إِلَى الجزيرة الْوُسْطَى، وأنزلوه إِلَى النّيل من تجاه بولاق التكروري.
وَتوجه إِلَى الأسكندرية؛ فسجن بهَا، إِلَى سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ؛ أفرج عَنهُ من السجْن ورسم لَهُ أَن يسكن بهَا فِي بَيت - كَمَا كَانَ أَخُوهُ الْعَبَّاس -؛ فَفعل [بِهِ ذَلِك وَتمّ] إِلَى يَوْمنَا هَذَا.
[آخر كَلَام الْمُؤلف - رَحمَه الله تَعَالَى -] .