الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الشريعة الإسلامية في عقود التأمين
المؤلف/ المشرف:
حسين حامد حسان
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار الاعتصام ̈بدون
سنة الطبع:
بدون
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
تأمين
خاتمة: "نتائج البحث": وفي نهاية هذا البحث نعرض النتائج التي انتهينا إليها فيه على الوجه التالي:
أولا: أن التأمين باعتباره نظرية ونظاما غير منظور فيه إلى الوسائل العلمية لتحقيق النظرية وتطبيق النظام، أمر يتفق مع مقاصد الشريعة العامة وتدعو إليه أدلتها الجزئية. ذلك أن نظرية التأمين كما يقول أحد شراح القانون "ليست إلا تعاونا منظما تنظيما دقيقا بين عدد كبير من الناس معرضين جميعا لخطر واحد، حتى إذا تحقق هذا الخطر بالنسبة إلى بعضهم، تعاون الجميع على مواجهته، بتضحية قليلة يبذلها كل منهم، يتلافون بها أضرار جسيمة تحيق بمن نزل به الخطر منهم، لولا هذا التعاون".
ونحن لا نظن أنه قد ثار خلاف في جواز التأمين بهذا المعنى أعني التعاون والتضامن على تفتيت آثار المخاطر وتوزيعها على عدد من الناس، وإنما ثار الخلاف في بعض الوسائل العلمية التي ظهرت في العمل لتحقيق النظرية وتطبيق النظام، وأعني بذلك العقود التي تبرمها شركات التأمين التجارية.
ثانيا: أن مشروعية الغاية والمقصد لا يلزم منها حتما جواز كل وسيلة تؤدي إلى هذه الغاية أو تحقق ذلك المقصد. فمن الأصول المسلمة في الشريعة الإسلامية أن الغايات والمقاصد الشرعية يجب الوصول إليها وتحقيقها بالوسائل الشرعية دون المحرمة، لأن الوسيلة المحرمة إذا حققت مقصدا شرعياً فوتت مقصدا شرعياً آخر، والشارع الحكيم قاصد بشرعه تحقيق جميع مقاصده كما قلنا. ولقد سن سبحانه من الأحكام وشرع من المعاملات ما يكفي لتحقيق جميع مقاصده، وإذا سدت الشريعة طريقا أو منعت وسيلة تؤدي لمقصد شرعي، فإنها تشرع وسائل وتفتح طرقا أخرى لتحقيق هذا المقصد دون تفويت لغيره. فجمع المدخرات واستثمارها مقصد شرعي ولكن يجب تحقيقه بوسائل مشروعة لا تقوم على نظرية الفائدة الربوية، وتبادل الأموال مقصد شرعي، ويجب تحقيقه بوسائل لا تنطوي على غرر أو قمار أو ربا.
فالتعاون والتضامن على ترميم آثار الأخطار وجبر ما تجره على الناس من أضرار أمر يتفق مع مقاصد الشريعة، ولكن هذا الترميم وذلك الجبر يجب أن يكون بالوسائل المشروعة التي لا تنطوي على غرر وقمار وربا.
ثالثا: أن الصيغة العملية التي شرعها الإسلام للتعاون والتضامن وبذل التضحيات هي عقود التبرع حيث لا يقصد المتعاون والمضحي فيها ربحا من تعاونه وتضامنه ولا يطلب عوضاً مالياً مقابلا لما بذل، ومن ثم جازت هذه العقود مع الجهالة والغرر، ولم يدخلها القمار والمراهنة والربا. ذلك أن محل التبرع إذا فات على من أحسن إليه به، بسبب هذه الأمور، لم يلحقه بفواته ضرر، لأنه لم يبذل في مقابل هذا الإحسان عوضا، بخلاف عقود المعاوضات، فإن محل المعاوضة إذا فات على من بذل فيه العوض، لحقه الضرر بضياع المال المبذول في مقابلته، وما قبل بشأن الجهالة والغدر والقمار والمراهنة يقال مثله في الربا، فالمرابي يعطي القليل ويأخذ الكثير بعد الأجل، والمتبرع يعطي ولا يأخذ، فلا يتحقق الربا في التبرع.
رابعا: أن كلا من التأمين التعاوني والتأمين الاجتماعي يحقق الصيغة العملية التي شرعها الإسلام للتعاون والتضامن وبذل التضحيات، فهذان النوعان من التأمين يقومان على قصد التعاون والتضامن والتبرع، دون الرغبة في استثمار الأموال، وطلب الربح، فيعدان تطبيقا سليما لنظرية التأمين في رأينا، لأنهما "ليسا إلا تعاونا منظما تنظيما دقيقاً بين عدد كبير من الناس معرضين جميعا لخطر واحد، حتى إذا تحقق الخطر بالنسبة إلى بعضهم، تعاون الجميع على مواجهته، بتضحية قليلة يبذلها كل منهم، يتلافون بها أضرارا جسيمة تحيق بمن نزل به الخطر منهم، لولا هذا التعاون".
خامسا: أن التأمين بقسط ثابت، وهو الذي تقوم به شركات التأمين، لا يحقق الصيغة العملية التي شرعها الإسلام للتعاون والتضامن وبذل التضحيات، لأن العقود التي تبرمها هذه الشركات معاوضات مالية دخلها الغرر والقمار والربا وعقود المعاوضات إذا دخلتها هذه الأمور بطلت. ولقد بذلت محاولات كثيرة من بعض الباحثين لنفي هذه الحقيقة، تارة بإدخال التأمين في عقود التبرع، واعتباره تعاونا بين المستأمنين الذين يتعاملون مع شركة تأمين معينة، بدعوى أن هذا العقد ينشئ علاقة بين طائفة المستأمنين أساسها التعاون والتضامن ويكون دور شركة التأمين في هذا التعاون دور النائب والوسيط الذي ينظم تعاونهم، وتارة أخرى ينفي الغرر في جانب شركة التأمين بدعوى أن عقد التأمين ينشئ علاقة بين شركة التأمين ومجموع المؤمن لهم، وأن هذه الشركة تستطيع بواسطة حساب الاحتمالات وقانون الكثرة وقواعد الإحصاء، أن تحدد على وجه يقرب من الدقة مقدار ما تعطي لمجموع المؤمن لهم وما تأخذ منهم، وتارة ثالثة بدعوى انتفاء الغرر والقمار في جانب المستأمن، على أساس أن المعاوضة في عقد التأمين أنما هي بين الأقساط التي يدفعهما المستأمن والأمان الذي يحصل عليه. وأن المستأمن يحصل على هذا الأمان من وقت العقد دون توقف على وقوع الخطر، فلا يكون هناك غرر في جانبه لأنه يستوي لديه في هذه الحالة وقوع الخطر وعدم وقوعه، فهو إذا وقع حصل على الأمان بقيام مبلغ التأمين بإحياء ما هلك من أمواله وحقوقه ومصالحه، وإذا لم يقع فإنه يحصل على الأمان ببقاء أمواله وحقوقه ومصالحه سليمة.
وهذه المحاولات جميعا لم تؤد الهدف المنشود، لأنها تقوم على مجرد الفرض والتقدير ولا تعتمد على واقع هذه العقود كما فصلنا.
سادسا: أن التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية يحقق التعاون والتضامن والتكافل على أساس محكم لم يسبق له نظير، وأن توسع الدولة الإسلامية في التأمينات الاجتماعية حتى تشمل جميع طبقات الشعب التي تعجز مواردها عن مواجهة الأخطار أمر لازم لا بد منه، فإن الدولة الإسلامية، في نظر الإسلام، تلتزم بتأمين فرصة عمل لكل قادر على العمل، وبتأمين العاجز عن العمل بإعطائه ما يكفيه مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا كما يقول بعض الفقهاء، ولها في موارد الزكاة ما يقوم بذلك، وإلا كان لها أن تفرض من الضرائب على الأغنياء ما يسد حاجة الفقراء.
سابعا: أن الصيغة المشروعة المتاحة للأفراد حتى الآن لتحقيق أهداف التأمين ومقاصده من التعاون والتضامن على توقي آثار المخاطر هي التأمين التبادلي الذي تقوم به الجمعيات التعاونية، إذا قامت دراسات جادة للتوسع في هذا النوع من التأمين واستخدام الوسائل العلمية لتنظيمه على الوجه الذي يحقق به هذه الغايات والمقاصد.
وهناك تجارب مفيدة في هذا المجال قامت بها بعض الدول الإسلامية يمكن الاستفادة منها.