الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشكل لباس الإحرام – دراسة ست مسائل من أحكام لباس الإحرام مع تخريج الأحاديث والتعريف بأسماء الألبسة
المؤلف/ المشرف:
إبراهيم بن محمد الصبيحي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
بدون ̈الأولى
سنة الطبع:
1430هـ
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة
الخاتمة:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأشكره سبحانه وتعالى على ما من به من تحرير هذا البحث الذي تناولت فيه دراسة ستة أنواع من الألبسة المحظور لبسها في الإحرام. وهي: الإزار المخيط، والخفاف غير المقطوعة لمن لم يجد النعال، والخفاف المقطوعة لمن وجد النعال، وتغطية المحرم وجهه، وتشبيك الرداء. وحكم لبس الأقبية والبشوت. كما عقبت ببيان وصف النعال التي يجوز لبسها في الإحرام.
فتناولت حكم لبس هذه الأنواع بالدراسة والتحليل لحجج المخالفين، كما تم الاحتكام فيها إلى القواعد الأصولية، ثم اعتنيت بدلالات الأحاديث التي عليها مدار الاستدلال لما يجوز لبسه، ولما لا يجوز لبسه. كل ذلك بعد تخريجها ودراسة أسانيدها.
ولقد كان لي نصيب من الاحتجاج باللغة العربية التي على ضوئها تميز لنا ما هو من جنس المنهي عنه. مما هو باق على أصل الإباحة كما أوليت العلة التي يدور عليها حكم الألبسة المنهي عن لبسها، والألبسة المأذون بلبسها عناية تامة وقد أجبت عن الاعتراضات التي أحاطت بها حيث بينت مدى تظافر الأدلة جميعها واتفاقها على علة واحدة هي مدار حكم المنهيات وحكم المباحات على الرغم من اختلاف دلالات تلك الأدلة التي منها ما جاء على سبيل النهي، ومنها ما جاء على سبيل الأمر، ومنها ما كان فعلاً ومنها ما كان تقريراً.
وهذه العلة قد حددها علماء الإسلام بأنها كل ما خيط على قدر البدن أو على قدر عضو من أعضاءه. فما كان بمثابة هذا الوصف فهو حرام، وما لم يكن كذلك فهو مباح، بغض النظر عن تغير الأسماء، والأوصاف بعد اكتمال التشريع؛ لأن تسمية المحظور بغير اسمه لا يجعله مباحاً.
وإن من الجدير التنبه له كثرة الكتابات واختلاف الفتيا في عصرنا حتى فشت فيه مسائل الاختلاف أكثر من مسائل الاتفاق. مما أدى بالناشئة إلى النفرة من كتب المذاهب وأراء الفقهاء بحجة طلب الدليل والسلامة من التقليد فزهدوا بما عليه عمل الناس، ورغبوا في كل قول غريب فراراً من التعصب للمذاهب. ولقد رأيت من يأخذ بالمنسوخ بحجه إحياء سنة مهجورة. وما علم أنه بهذا هجر الناسخ من أجل العمل بالمنسوخ.
كما أدى هذا ببعضهم إلى قصور الباع عن الاحتجاج بالقرآن العظيم الذي هو أصل العلم، قاصرين عنايتهم على ما جاء في السنة حيث عدوا مجرد العناية بالأحاديث الصحيحة، وتمييزها عن الأحاديث الضعيفة نهاية الفقه في الدين وأعرضوا عن الوصول إلى أصول التفقه بالدين ظناً منهم أنه مفسد للأذواق لما أشتمل عليه من علم الكلام الذي يجب تجنبه هكذا ظنوا.
وما أدركوا أن واضعي هذا العلم هم أئمة السلف وكبار فقهاء الأمة. وهو العلم الذي بني عليه فقه الكتاب والسنة. فما من عالم مجتهد يعتد بقوله في مسائل الخلاف. إلا وله أصول بنى عليها مذهبه. فلم تكن آراؤهم مبنية على مجرد الميل النفسي والظن الذهني. ولذا فلا يكاد يضعف قول الإمام إلا لخفاء الدليل عليه. أو لمخالفته غيره في طريقة الاستنباط. فعلى من نظر في اجتهادات الأئمة أن يعرف كيف استنبطوا، ولماذا رجحوا حتى ينال الناظر اتباع الذين سبقونا إلى العلم والإيمان.
وحتى يسلم من الشذوذ في فهم الأدلة فلا يخالف الكتاب وهو يريد أتباعه، ومن أدرك نظام ورود الأدلة في الكتاب والسنة كان الصواب حليفه؛ لأن هذه الشريعة جاءت من لدن خبير عليم فلا نظن أننا سندرك المراد منها ما لم نتعلم الطريقة التي بنى عليها علماء الإسلام فقههم وفهمهم. وإن حاجة الفقيهة إليها أشد من حاجة الخطيب إلى علم النحو. والمحاسب إلى علم الحساب.
ولقد رأيت من صغار السن من يتصدى للنظر في مسائل الخلاف والترجيح بين الأقوال، وهو ممن لا يدرك الأصول التي بنى عليها الأئمة مذاهبهم، كما لم تكن له عناية بطرق الترجيح والموازنة بين الأقوال. فجاءت ترجيحاته متناقضة من حيث التقعيد مختلفة من حيث التأصيل.
بينما نجد فقه الأئمة رحمهم الله متميزاً بالانضباط والانسجام في التعامل مع أدلة الأحكام. فالقواعد التي بنوا عليها نظرهم في أدلة العبادات. هي القواعد التي مارسوها في فقه أدلة المعاملات وهكذا في بقية أحاديث الأحكام وآياته فرحمهم الله.
وقد نوه الإمام ابن العربي رحمه الله بفقه الإمام أحمد حينما تعرض للترجيح في مسألة تقييد إطلاق حديث ابن عباس رضي الله عنهما بالقيد الوارد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما من الأمر بقطع الخفاف وكان أحمد رحمه الله لا يقول بهذا هو وعطاء. فشكك ابن العربي رحمه الله في صحة ورود هذا عن الإمام أحمد؛ لأنه يخالف أصله، وهو القول بتقييد المطلق بالمقيد، فقال: أما عطاء فيهم في الفتوى وأما أحمد فعلى صراط مستقيم. عارضة الأحوذي 4/ 55.
ومراده بهذا أن عطاء لم يكن دقيقاً كدقة الإمام أحمد في التعامل مع أصول الفقه، فقد اعتبر أصول الفقه من الموازين التي يوزن بها فقه الرجال.
وإن الهدف من هذا التنبيه طلب الأناة عند النظر في فقه نصوص الكتاب والسنة من أجل السلامة من الخطأ والبعد عن مخالفة أئمة العلم والدين الذين سبقونا بالإيمان والإسلام حيث أردنا متابعتهم.
وقد يلحظ الناظر في بعض الفتاوى الميل إلى الأخذ بالرخص، ودعوة الناس إلى ذلك، أملاً في دفع المشقة عنهم. وفي نظري أن هذا خلاف السنة العملية والفتاوى النبوية؛ لأنها قسمت الأحكام إلى رخص وعزائم، فللرخص أحكامها، وللعزائم مثل ذلك.
ثم إن الأصل في ذلك حمل الناس على العزائم ما لم يكونوا من أصحاب الأعذار؛ لأن هذا الصنف هم الذين شرعت من أجلهم الرخص، دفعاً للمشقة عنهم. ولو أخذ عموم الناس بالرخص دون العزائم أو بالعزائم دون الرخص، لوقعوا في المشقة والحرج، ثم لفاتت عليهم حكمة التنويع في الأحكام، مع ما يشتمل عليه هذا من مخالفة السنة. والخوف عليهم من الوقوع فيما توعد الله به الذين يخالفون أوامره صلى الله عليه وسلم والذي جاء التحذير منه في قوله تعالى:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [سورة النور: 63].
ولنذكر هنا أمثلته من الاجتهاد والتعليلات التي أطلقها أصحابها وفقهم الله لكل خير، والتي قصدوا منها – أثابهم الله على حسن قصدهم -، رفع الحرج عن الناس وإقناعهم بقبول ما عللوا به من أحكام:
أولاً: قالوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم حدد بداية الرمي ولم يحدد نهايته، وفي نظري أن هذا يتعارض مع إذنه صلى الله عليه وسلم للرعاة بأن يرموا ليلاً. فلو لم يكن وقت نهاية الرمي محدداً لم تظهر الحكمة من هذه الرخصة، بل لما احتاج الرعاة إلى طلبها؛ فهذا التعليل لا يتفق مع فقه الصحابة رضي الله عنهم. ولا مع فقه الأئمة الذين فرقوا بين حكم رمي النهار وحكم رمي الليل حيث اعتبروا الأول عزيمة والثاني رخصة.
وقد أدى هذا التعليل ببعض الناس إلى عدم التفريق بين وقت العزيمة للرمي ووقت الرخصة، فسووا بين الرمي بالليل والرمي بالنهار من غير حاجة. وهذا خلاف السنة.
ثانياً: توسع بعض المعاصرين في دلالة الحكم المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا حرج) فجعل هذا قاعدة في أحكام الحج. حتى أفتى بعضهم بصحة طواف من أحدث في أثناء الطواف من شدة الزحام ولو لم يعد الوضوء؛ بحجة رفع الحرج.
وفي نظري أن هذا خلاف ما عليه جماهير الأمة المبني على ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف كما رواه البخاري في الصحيح. فحكايتها للأولية ثم ترتيب الطواف عليها دليل على أن هذا الوضوء مقصود به استباحة الشروع بالطواف المبني على طهارة. فمن خالفه فطوافه خلاف السنة، لحديث:(خذوا عني مناسككم). ثم إن هذه عبادات الواجب فيها الوقوف على ما ورد. ولا يصح حمل الوضوء على الاستحباب لأنه فعل لأداء أمر واجب ولا معارض لهذا الدليل الخاص. وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله في المجموع 8/ 19: طريقة أهل العلم في الاستدلال بهذا الحديث على هذه المسألة. فيحسن مراجعته.
ثالثاً: قال بعض المعاصرين بجواز الخروج من عرفة قبل غروب الشمس، بقصد التسهيل على الناس في أمر الإفاضة، ولو تأمل في انحباس النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة حتى غربت الشمس. وحبسه للناس معه حتى أدى بهم هذا إلى تأخير صلاة المغرب عن وقتها، مع قصده أن يصليها بالمزدلفة؛ وأن في هذا تأولاً لقوله تعالى:{ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص لأحد في ذلك. حيث لم يسهل في أمر الانصراف، وقد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر شفقة منا على أنفسنا. فليتهم وقفوا عند حدود دلالة فعله صلى الله عليه وسلم الذي قصد منه بيان النسك وإتمامه امتثالاً لما أمره الله به بقوله تعالى:{ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} [البقرة: 198] وقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196]. فالذين أجازوا خروج الناس من عرفة قبل غروب الشمس قد خالفوا دلالة الكتاب والسنة الصريحة لحديث قابل للتأويل.
أما احتجاجهم بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه). ففيه نظر؛ لأن هذا الحديث مؤول بإجماع المسلمين. فلم يعمل أحد بهذا الظاهر فيما أعلم حتى من يحتج به على هذه المسألة. لأن الإجماع منعقد على أنه لا يجوز للحجاج الانتهاء من الحج بمجرد الوقوف بعرفة بل لابد من الرمي والحلق، ثم إن المبيت بالمزدلفة ومنى من واجبات الحج فلا فرق بين الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، وهذه الواجبات، لأن دلالة الحديث تشمل هذه الواجبات جميعاً، فمن لم ير الوقوف حتى الغروب من الواجبات فقد فرق بين المتماثلات، حيث إنها ثبتت بالأفعال، وكلها تفعل بعد الوقوف لا قبله فظاهر الحديث يشملها على أنها لا تؤثر على تمام الحج وقضاء التفث. لكن الإجماع منعقد على خلاف هذا. وإن اختلفوا في بعضها فإن الإجماع منعقد على جملتها. فظهر بهذا وجوب تأويل الحديث، وذلك بحمله على أن المراد به إدراك الحج، لأن هذا هو المتفق مع حال السائل حيث سأل عن ذلك. كما أن هذا المعنى هو المتفق مع السنن النبوية الموجبة لكثير من أعمال الحج بعد الإفاضة من عرفة فهو كقوله صلى الله عليه وسلم:(الحج عرفة).
إنني أدعو إخواني إلى أن يمعنوا النظر في مواطن الاستدلال من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، حتى لا يتسع الخلاف بين الناس في أمرٍ الأصل فيه الاجتماع لا الافتراق. تحقيقاً لأمره صلى الله عليه وسلم بأن نأخذ المناسك كما فعلها صلى الله عليه وسلم. والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.