الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لباب النقول في طهارة العطور الممزوجة بالكحول
المؤلف/ المشرف:
عيسى بن عبدالله بن مانع الحميري
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار القلم ̈الأولى
سنة الطبع:
1995م
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
طهارة - نجاسات
الخاتمة
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد
…
فبتوفيق الله ومنته فرغت من هذه الرسالة الصغيرة في مبناها، الكبيرة في فحواها التي استغرقت معي ست سنوات تقريبا أبحث عن مسألة الكحول من حيث الطهارة والنجاسة بين سؤال أهل العلم والاختصاص وبين البحث عن مظان هذه المسألة من مصادرها العلمية، وكان السبب الدافع إلى ذلك كثرة ما شاع بين أوساط طلبة العلم أن (الكولونيا) نجسة، وكنت – وقتها – مقتنعا بذلك تمام الاقتناع حتى تستبين فيه المحجة وتتضح فيه الحجة، ووضعت خطة البحث – كما تقدم – وبدأت أجمع المادة من الكتب الفقهية والعلمية وما يخدم المادة. وبعد أن جمعت المادة نظريا أردت أن أعضد ذلك علميا لكي يكون البحث متماسك العرى في طرح القضية للملأ، فقررت السفر إلى مدينة (كولون) بجمهورية ألمانيا، ومنها لفرنسا وسويسرا ثم إيطاليا. وقد تحصلت على معلومات طبية ومهمة، ووقفت على مراحل عملية التقطير والإنتاج في المصانع وتبين لي أن الحكول مادة خفيفة ودقيقة موجودة بقدرة الله تعالى فطريا وفي كثير من خلقه بنسب متفاوتة، وتدخل في تركيب معظم المواد الكيميائية وصناعة العطور ويتم استخلاصها من مواد البقليات وغيرها عن طريق التحويل والتبخير والتكثيف.
ويمكن أن نلخص الموضوع في النقاط التالية:
1 -
إن الكحول مادة خفيفة ودقيقة، موجودة في أغلب المواد بطبيعتها بنسب متفاوتة، وتدخل في تركيب معظم المواد الكيميائية وصناعة العطور.
2 -
يتم استخلاصها من مواد البقليات وغيرها عن طريق التحويل والتبخير والتكثيف بحيث تستعمل في العملية الكائنات الحية الدقيقة بمساعدة التكنولوجيا الحديثة وبذلك يمكن تجنب التعفن، ثم تتم تنقيته من الرواسب.
3 -
الكحول المستعمل في العطور والكولونيات إنما هو الكحول (الإيثيلي) النقي المستخلص عن طرق كيميائية وليس الكحول المستخرج من الخمر، وهو سائل سريع الاشتعال والتبخر أخف من الماء وليس له طعم ويتفاعل مع المادة المذابة فيه بسرعة، ولا يؤثر على الجلد بل يساعد على إظهار الشذى والروائح العطرة في الجسم.
أما الكحولات الأخرى فمحظور استخدامها في المنتوجات المخصصة للاستعمال الآدمي، وتدخل بصورة رئيسية كمحلول في صناعات البلاستيك والمواد الكيميائية الأخرى.
4 -
إن العجينة التي يستخلص منها الكحول في المصانع لا تقذف بالزبد وليس لها شدة مطربة بل تتحول إلى مادة قلوية حمضية تتطاير منها غازات سامة تمر بأطوار متعددة، بعد ذلك تتم عملية التبخير والتكثيف حتى يخرج الكحول مادة عديمة اللون كماء جوز الهند.
5 -
والأصل في الأعيان الطهارة، فلا يحكم بنجاستها إلا بدليل شرعي يثبت ذلك، وإذا قلنا بنجاستها فقد اقترفنا إثما عظيما من حيث إن الله سبحانه وتعالى خلقها طاهرة، وأنها موجودة في كل حي وتدخل في صناعة معظم الأشياء من ملابس وفرش وأطعمة وأدوية فنكون قد حجرنا متسعا، وكما قيل: الأمر إذا ضاق اتسع، ولا يحل لأي مسلم أن يقول في شيء أحله الله حرام، أو يقول للطاهر نجس إلا بعد التحري والتأكد من الأدلة الصحيحة.
فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، إنه الموفق للصواب.
ولما كانت مادة الكحول تدخل في عديد من الأشياء وبالأخص المسكرات والمفترات وبعض الأطعمة (كالخل) الذي ورد النص في طهارته صراحة لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري ((نعم الإدام الخل)) فتحت لكل ذلك بابا سردت فيه أقوال العلماء وختمته بخلاصة مفيدة.
فبالنسبة لنجاسة الخمر فالنجاسة معنوية لا حسية، والراجح في ورود كلمة (رجس) للخمر هو الرجس المعنوي وذلك للزجر والتغليظ، وليس المراد النجاسة الحسية كما قد يظن، فالآية واضحة المعنى في ذلك، حيث أن الضمير في (فاجتنبوه) يعود على الرجس الجامع للأربعة على الراجح عند الكثيرين، ولا تتصور النجاسة في جميعها ولا يستثنى بعضها بحكم لا يسري على غيرها، فهذا مخالف للقواعد العلمية المعروفة.
ثم إن الإسكار ليس علة في النجاسة حيث لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم صريح ولا ضعيف في ذلك من الكتاب ولا من السنة، ولكن من قال بنجاسة غير الخمر بالقياس على الخمر، ولا وجه للقياس هنا، فلو صرحت الأحاديث بنجاسة غير الخمر من المسكرات لقسنا الخمر عليها ولا عكس، فتنبه لذلك.
وإن قيل: إن الإسكار علة للنجاسة عند من علل القول بنجاسة الخمر، فما أفضى إلى المطلوب فهو مطلوب، فيكون التنجيس مطلوبا، وقد رد ذلك بأن تعليل النجاسة بالإسكار بعيد، ولكن يمكن أن تعلل الخمرية بالإسكار ويعني ذلك ثبوت اسم الخمرية وحكمها إذا كانت علة الإسكار موجودة، أما النجاسة فلا علاقة بينها وبين الإسكار كما وضحناه من قبل.
وقد استدعى ذلك مني أن أفرد فصلا للمادة المسكرة غير الخمر، والتي لم يقل أحد بنجاستها، ألا وهي المخدرات والمفترات، فتناولت مطلبا في هذا الفصل في الطهارة والنجاسة لهذه المخدرات والتي بأنواعها وأشكالها طاهرة عند الجمهور مع اتفاقهم على حرمتها، فالحرمة شيء والنجاسة شيء آخر فلا يلزم من حرمة شيء نجاسته كالسم ولا تلازم بين الحكمين.
هذا وقد بينت أن الكحول يستخلص من وجوده الطبيعي في البطاطس والحمضيات وغيرها بطريقة موضحة في بابها من هذا البحث، فلا دخل للنجاسة فيه من قريب ولا بعيد، وأوضح شيء في ذلك قول عامة الفقهاء: الخمرة نجسة وإن جمدت والحشيشة طاهرة وإن انماعت، فالخل طاهر وقد كان خمرا، وقد ثبت بالأدلة العلمية أن به نسبة يسيرة من الكحول كما أفادتنا به الأوساط العلمية، وحتى من قال بانعدام الكحول فيه فإن قلنا بنجاسة الكحول لا يعني ذلك طهارة الخل لأن النجاسة قد تحللت في مائع، فلا أحد من العلماء يقول بطهارة الشيء المائع إذا وقعت به نجاسة صلبة فضلا عن أنها مائعة. فما علينا إلا أن نقول، التخلل إنما هو نقل الخمر من الحرمة إلى الحل، وليس من النجاسة إلى الطهارة، فتدبر.
وفي الختام أتوجه بالشكر إلى كل من ساهم في إنجاز هذا البحث من أفراد ومؤسسات وشركات، هذا وأسأل الله أن يتوج هذه الرسالة بالقبول إنه سميع قريب، ومن رأى فيها خللا أو إفراطا فالعبد لا يخلو من التقصير، والكمال للعلي القدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.