الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التغريب الثقافي في الإعلان التجاري
المؤلف/ المشرف:
محمد بن علي السويد
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - السعودية ̈الأولى
سنة الطبع:
1429هـ
تصنيف رئيس:
فكر إسلامي أو عربي
تصنيف فرعي:
أثر وسائل الإعلام ونماذج للأخطاء الإعلامية
خاتمة الدراسة التحليلية وتوصياتها:
أولاً: الخاتمة:
يضع الباحث رؤاه العامة المسختلصة من دراسة التغريب الثقافي في الإعلان التجاري، وفي سياق بعدين مهمين: الأول: يتعلق بالتعبيرات الثقافية والاجتماعية في المحتوى الإعلاني، والثاني: يخص المخاطر التغريبية المستوحاة من تلك التعبيرات، ومدلولاتها المباشرة أو الضمنية.
أ) التعبيرات الثقافية: كشفت نتائج الدراسة عن كثافة التعبير الثقافي والاجتماعي في إعلانات العينة، وتكتمل الصورة بمراعاة نوع الوسيلة ومجالها، فقد ظهرت إعلانات القنوات التلفازية بصورة تعبيرية، تميزت عن إعلانات الإصدارات المطبوعة، وبالمثل فإن إعلانات الوسائل الفضائية والدولية جاءت بتنوع تعبيري أوضح من إعلانات الوسائل المحلية على ضوء المحددات التنظيمية الحاكمة لها.
وبالتركيز على أهم التعبيرات الثقافية والاجتماعية في المحتوى الإعلاني فإن الحديث سيقتصر على أربع منها، هي: الرموز الثقافية، والنماذج الشخصية، والعادات والسلوكيات، وقيم أساليب الحياة. ويدرك الباحث أن الفصل بين هذه التعبيرات هو من قبيل الفصل الإجرائي، وإلا فإن التداخل بين مكوناتها أمر في غاية الوضوح، ويحقق تكامل التعبير الإعلاني المستهدف.
كما أن غاية الباحث في هذه الخاتمة: النص على ما يشير إلى تعبير غربي بالدرجة الأولى، فالدراسة معنية بالتغريب الثقافي في الإعلان التجاري، وما إيراد الانتماءات المحلية المتعددة في الفئات التحليلية إلا بغرض المقارنة بينما هو محلي وأجنبي في المكون الثقافي الواحد. ولهذا الاستدراك دلالة خاصة في تفسير كثير من نتائج الدراسة، فالإشارة إلى وجود تعبير محلي لا يغير من دلالة التوجه التغريبي، فرؤية الباحث أن معالم التغريب الثقافي في المحتوى الإعلاني لا تقاس بأغلبيتها الساحقة فقط، وإنما يمكن تَلَمس حضورها، كذلك في القياسات النسبية الأقل في حدود الواضح منها.
وعلى ضوء هذا التصور التقويمي لمعالم التغريب الثقافي في إعلانات الوسائل الثلاث، فإن النزعة التغريبية فيها ليست بمستوى نسبي واحد، وذلك على ضوء درجة وضوح أداء التعبيرات الإعلانية في نوع الوسيلة ومجالها المحلي أو الدولي، وبهذا يخلص الباحث إلى القول إن المعامل التغريبية عبر عنها بصورة أوضح في إعلانات التلفاز، وفي الإعلانات الفضائية على وجه الخصوص، كما أن الإعلانات المطبوعة التي شهدت تحجيماً للعديد من المعالم المرصودة في الإعلانات التلفازية اختلفت نزعتها التغريبية أيضاً فيما بينها حسب نشرها في إصدارات محلية أو دولية.
1 -
الرموز الثقافية: تجسدت المعالم الغربية في رموز إعلامية عدة يستطيع الباحث أن يحصر أهمها في خمسة عناصر أولها: السلع الأجنبية: حيث وَضُح مدى ارتباط إعلانات العينة بالسلع الأجنبية، وشمل ذلك الوسائل المحلية أيضاً التي لم يتضح لديها المصدر الإنتاجي المحلي إلا بين إعلانات الإصدار الأسبوعي، وتنبع الدلالة الرمزية للسلعة الأجنبية من اكتسائها بعداً إيحائياً خاصاً عندما يبدو في إعلاناتها ما يشير إلى ارتباطها الغربي المباشر، سواء من حيث السبق الصناعي أو الإنتاجي أو الطباع الحياتي أو الاستهلاكي، وإذا كان استقاء الارتباط الأول بادياً من دلالة جهة مصدر الإنتاج، فإن إيحاءات الارتباط الآخر تتجاوز تلك المباشرة بالتصاق السلعة بطابع الحياة الغربية وتعبيرها عن قِيَمِهَا الخاصة، وأقرب مثال عليها سلع المشروبات الغازية بإعلاناتها الدولية التي لم تتأثر دلالاتها الثقافية الغربية بانتقال مواقع إنتاجها إلى داخل المحيط المحلي.
وثاني العناصر الرمزية الغربية: اللغة الأجنبية، فمع أن اللغة العربية هي اللغة الإعلانية الأولى في إعلانات الوسائل الثلاث إلا أن اللغة الأجنبية جاءت بحضور لا يُبْخس، ويخص البحث هنا ظهور الرمز اللغوي الغربي في إعلانات الوسائل الدولية والفضائية التي عبرت عن اللغة الأجنبية بإعلانات خاصة أو مختلطة مع اللغة العربية، ورغم تفاوت هذا التعبير اللغوي بين الوسيلة المرئية والأخرى المقروءة فإن ما يهم الباحث هنا التأكيد على نقل بعض الإعلانات التجارية وخاصة الدولية -أحد أهم الرموز الصوتية- للثقافة الغربية، ولا يرى الباحث في الحضور المحدود لإعلانات الخاصة – دون مشاركة – تقليلاً من مدلول اتجاه إعلانات من العينة لعرض محتواها كاملاً بلغة إعلانية غربية، إضافة للكلمات الوارد منها في الإعلانات المختلطة لغوياً.
وثالث رموز الثقافة العربية: أنواع الزي، فقد وصف الباحث استخدام اللبس الرجالي الغربي بالمستوى المرتفع بظهوره في أكثر من نصف إعلانات الشخصيات الرجالية في القنوات التلفازية، وقربه من هذا المعدل في إعلانات الوسيلتين المطبوعتين، ووجوده في المواقع المختلفة منافساً للزي المحلي، كما أن الوسائل الدولية أكدت ارتباطها بأنواع زي هي من خصائص المرأة الغربية ذات الطابع الإغرائي والمثير، وأتمت ملابس الأطفال حقيقة اتجاه أزياء الشخصيات الإعلانية إلى النمط الغربي من خلال تفوق حضور هذا الزي على النوع المحلي في إعلانات القنوات والصحف اليومية.
ولم يجد الباحث صعوبة في إثبات النزعة الغربية للعنصر الرمزي الرابع المعني به الموسيقى المصاحبة للإعلانات التلفازية، سواء ما كان غربياً بالأصالة والمقصود بها الموسيقى الأجنبية، أو تابعاً لها وهي الموسيقى العربية المعاصرة، وقد شكل هذا الرمز الصوتي طابعاً لغالب إعلانات القنوات الثلاث بما فيها المحلية، ونظر الباحث إلى حصيلة التوجه الموسيقي السريع بنوعيه الغربي والعربي
…
كدلالة على تفعيل بعض الإعلانات لمكوناتها الثقافية والفنية المختلفة، ومن بينها الموسيقى، لدعم بعض مظاهر الحياة الغربية وأجوائها المعروضة بإيقاعات راقصة أو سريعة جاذبةً السعادة والمرح والمتعة المقترنة بها.
ووصولاً إلى الرمز الثقافي الخامس: فقد مثلت البيئات الإعلانية أهم الرموز الجغرافية الغربية في الإعلانات التجارية، فتفوق الانتماء البيئي الأجنبي في الإعلانات التلفازية، وظهر بنسب جيدة في الإعلانات الصحفية، وتأخرت البيئة المحلية إلى الترتيب الثالث بعد البيئتين الأجنبية والعربية، وقد عبرت السمات البيئية الغربية عن أحد أشكال عرض الواقع الغربي في الوسائل الإعلانية بما يشمله من شخصيات، وملابس، وموسيقى، وسلع غربية تعرض في رسائل دولية أصلية أو معدلة، ويعتقد الباحث أن البيئات الإعلانية المذكورة قد جسدت بالفعل أحد أهم العناصر المهمة لعكس المعالم التغريبية، سواء الرمزي منها أو الحضاري أو الإنساني، أو ما يقدم في سياقها من قيم، وعادات، وتقاليد محسوبة على المجتمعات الغربية.
ويختم الباحث رؤيته حول استخدام الرموز الإعلانية بالتأكيد على وضوح الترميز الثقافي في محتوى إعلانات العينة، من خلال العناصر الخمس السابقة وغيرها التي شكلت – مع تفاوت حضورها – ارتباطاً ملحوظاً ببعض معطيات الثقافة الغربية، وخصائصها المادية أو المعنوية.
2 -
النماذج الشخصية: برهنت دراسة الشخصيات الإعلانية عن العلاقة الوثيقة بين المعالم التغريبية في المحتوى الإعلاني، والاستعانة بالشخصيات الغربية الظاهرة في الترتيب الثاني تلفازياً بعد الشخصيات العربية، والأولى في عينة الصحف والمجلات.
ويرى الباحث أن الارتباط الإعلاني بالشخصية غير المحلية يؤكد على قصدية التعبير الثقافي المعتمد على وهج حضورها في الرسالة، من خلال بسط جاذبيات أذواقها، ومظاهرها، وعلاقاتها، وقد انعكس الاعتماد على الشخصية الغربية في عدة نقاط تخص ظهور المرأة تحديداً، ومنها:
تعزيز استخدام المرأة مفردة أو مختلطة حيث تفوقت حالات ظهورها منفردة في إعلانات التلفاز على الرجل، كما أن إعلاناتها المختلطة جاءت في الترتيب الثالث، وعلاقتها ببعض الأدوار والسمات الإغرائية المرتبطة بظهورها في الوسائل الدولية بالذات، كمواقف العلاقة المباشرة بين الجنسين، أو المشتملة على مشاعر عاطفية بينهما، أو ما قد تبديه المرأة من حركات التمايل والتراقص والظهور غير اللائق، إضافة إلى ارتباط ظهور الشخصية النائية الغربية بكيفيات التكشف المتجاوزة حدد الوجه إلى أجزاء أخرى من الجسم.
وفي هذا المقام لا يفرق الباحث كثيراً بين استخدام الشخصيات الغربية والعربية؛ حيث إن نقاط التلاقي بينهما متعددة الجوانب بما لايجعل هناك فارقاً (ثقافيا) دالاً بين بعض خصائص الانتماءين وسولكياتهما في استخدامات الرسائل الإعلانية، وأوضح مثال على ذلك اقتفاء الشخصيات العربية الأخرى الغربية في الرتداء ملابس الأخيرة للرجال والأطفال وبعض الملابس النوعية للمرأة، واتفاقها معها ببعض كيفيات الظهور النسائي السافر.
والخلاصة التي يخرج الباحث بها من استخدام الشخصيات الغربية أو العربية في إعلانات العينة، هي ضعف الاعتماد على الشخصية المحلية؛ وبالتالي محدودية السمات والملامح المرتبطة بها، والتي تجعل لوجودها انعاكساً مظهرياً وذوقياً في المحتوى الإعلاني، وهو ما يلي يلحظه الباحث في الإعلانات التلفازية على وجه التحديد.
3 -
العادات والسلوكيات: وجد الباحث في أداء الشخصيات ما ينم عن سلوكيات مخالفة تشيعها بعض الإعلانات التلفازية، والدولية منها بخاصة، كالأدوار المختلطة بين الجنسين، والأخرى المتضمنة للمواقف العاطفية بينهما، والتي لم تكتف باجتماع الطرفين في مشاهدة مشتركة، وإنما تعبيرها عن مدلول العلاقة القائمة بينهما في إطار غير رسمي واضح، وهي نوعية من الأدوار تلغي الفوارق بين الجنسين، إضافة إلى ما رصده الباحث من احتواء عينة من الإعلانات الفضائية على بعض الإيماءات والحركات التي تسيء إلى مكانة المرأة وقيمتها المكفولة لها في المجتمع المسلم اعتماداً على تأثير مفاتن جسدها وعرض مواصفاته، وانصراف التركيز الإعلاني عن بعض المواقف الممكنة لظهور المرأة في أشكال متزنة أو محتشمة لا تستغل جاذبياتها الجمالية من قريب أو بعيد، كما أن دراسة كيفيات ظهور المرأة كشفت عن أن الإعلانات الفضائية تنمط كيفيات ظهور متكشفة، ويعتقد الباحث أن مثل هذه الكيفيات تدعم بعض السلوكيات المخالفة للتعليمات الشرعية والقيم الأخلاقية المحلية، وخاصة عندما يكون عرضها في إطار بعض المشاهد الإعلانية المختلطة بين الجنسين، كما يرى الباحث أن المواقف المرتبطة بظهور المرأة تشكل مدخلاً تغريبياً مؤثراً حين تتخلى فيها عن قيم احتشامها المعهود لها في المجتمع المحافظ، ويتم عرضها بكيفيات سافرة وأدوار مخلة، أبانتها الإعلانات الفضائية، ونجحت القناة السعودية في تجنبها بفضل ما توفر لها من ضوابط موضوعة التزمت بها إعلاناتها إلى حد بعيد.
ويلحق الباحث بالعادات السلبية التي يحث عليها المضمون الإعلاني ما دخل منها ضمن الجاذبيات الإعلانية التي تشكل تصوراً من جانبها للحياة، كما تلح عليها الأوتار الإعلانية، فبالإضافة إلى جانبي الاختلاط، وتعزيز قيمة الجسد، والإغراء بمقوماته، لوحظ تضمن بعض الإعلانات لاهتمامات دخيلة على المجتمع وقيمه وعاداته، ومثلها السلوكيات المرتبطة بالمبالغة في التعبير عن المشاعر في حالة الفرح، أو الفوز، أو تحقيق الهدف بما يتجاوز الحد الانفعالي الطبيعي. وأخيراً الإصرار المقصود على جعل الاهتمامات الترفيهية أحد النشاطات الإنسانية الرفيعة على ضوء كثافة توظيفها في إعلانات الوسائل الثلاث والتلفازية منها بالذات إلى درجة أنها قاربت أن تظهر في نصف إعلاناتها المنطبقة.
4 -
قيم أساليب الحياة: يصف الباحث اهتمامات الجاذبيات الإعلانية بالسعي إلى تعزيز قيم غير ذات أولية على حساب قيم أصيلة كان يمكن أن تكون هي أوتار الإعلانات التجارية، ومحل عناية استمالاتها، ودليل الباحث على إمكانية تحقق ذلك أن الإعلانات الصحفية استعانت بجاذبية إعلانية ذات بعد إيجابي تعكس الالتزام الأخلاقي في الرسالة الصحفية، في حين أن الإعلانات التلفازية انصرفت إلى القيم العاطفية، والفردية والاجتماعية والمادية التي لم يلحظ الباحث فيها ما يشير إلى توجه تشكيل حياة، تأخذ في اعتبارها مصلحة الجماعة وصلاح المجتمع، فمن بين الاهتمامات العاطفية برزت قيمة الإغراء الجنسي، ومالت الاهتمامات الاجتماعية إلى إبراز سلوكيات الاختلاط والألعاب الرياضية (الوافدة)، والحث على اعتبارات المكانة، كما نزعت الاهتمامات الفردية إلى تضخيم مشاعر الإحساس بالراحة والمتعة واللذة، وتعميق التولع بجماليات الجسد، والتعبير المبالغ عن المشاعر
…
، وكلها قِيَمٌ تخاطب الفرد في إشباع ذاتيته، كما أن الاهتمامات المادية للسلع لم تبرز قيماً ملحوظة ذات ناتج سلوكي ترشيدي، وإنما توجهت إلى ما يحث على الشراء، وتوفير سبله كالبيع بالأقساط أو التخفيضات، إضافة إلى اهتمامها بقيم الأناقة الشكلية. كما يضيف الباحث إلى القيم السابقة ما يمكن استنتاجه من بعض الفئات التحليلية ذات المنحى السلوكي، من قيم تصب في تأكيد النزعات الفردية والمادية والجنسية، ومثال ذلك بعض كيفيات الظهور النسائي، وبعض الأدوار والسمات الإغرائية، واستخدام عارضات بقصد الجذب والإثارة، وكلها تؤكد للباحث أن قيم الإعلانات المدروسة لم تختلف عما رصد مثلها في بعض الدراسات الإعلانية حين أكدت نتائجها على كثافة استخدام المرأة، واستغلال المثيرات، وتأكيد قيم الذات، وتضخيم أهمية المظهر الشكلي للشخصيات، وهو ما يعني لدى الباحث تطلعاً لحياة غربية بمواصفاتها المتمحورة حول النزعة الاستهلاكية بما فيها من اهتمامات مادية أو فردية أو تسليع لجسد المرأة واستغلال جاذبيات ظهوره.
وأخيراً فإن الباحث لا يجد غضاضة في الإشارة إلى تكامل بعض التعبيرات الثقافية في الارتباط بما يتصل بالحياة الغربية من مظاهر رمزية، أو نماذج شخصية، أو قيم معاشية
…
، وبالتالي تحول الرسالة الإعلانية إلى قناة ناقلة لكثير من التعبيرات الثقافية السائدة في المجتمعات الغربية، وسلوكيات أبنائها، وهو ما ينقل الحديث إلى المخاطر التغريبية المتوقعة، على ضوء كثافة التعبير الثقافي الغربي في معطياته وتشكيلاته الإعلانية المختلفة.
(ب) المخاطر التغريبية: على ضوء ما خرج به الباحث من رؤى تتعلق بمستويات التعبير الإعلاني المحددة في الفقرة السابقة يمكن تلخيص أهم المخاطر التغريبية المستنتجة من تفحص إعلانات العينة في ثلاثة محاور رئيسة، وهي: المخاطر الفكرية، والمخاطر الثقافية، والمخاطر الاجتماعية، وتستوعب هذه التقسيمات كثيراً من الآثار التغريبية المحتملة في المحتويات الإعلانية حسب درجة ارتباطها ببعض رموز الثقافة الغربية، وسمات شخصياتها وقيم حياتها المعبرة في مجملها عن المكنون الثقافي والاجتماعي في رسائل العينة، كما يلي:
1 -
المخاطر الفكرية: يخشى الباحث أن يقود اتجاه الإعلانات التجارية إلى إبراز النماذج الشخصية الغربية ومن في حكمها من شخصيات عربية مقتفية آثارها، وهيئاتها المختلفة
…
إلى التشبه بها، ومحاكاتها في نمط زيها الظاهر وأذواقها الخاصة بما يعبر عن حالة من الانبهار بالغربيين، ومكتسباتهم وإفرازات ثقافتهم، والنظر إلى هذه الشخصيات الإعلانية على أنها النموذج والمثال باعتبارها تمثل واقع الحياة الغربية، وما يسود فيها من اتجاهات شكلية يتلقفها بعض أبناء المسلمين بشيء من الترحاب والقبول. ولهذا الناتج الإعلاني انعكاس سلوكي على المتلقي الآخر بحيث يمكن أن تتحول الرسالة الإعلانية إلى أداة تعليم وتوجيه وترغيب يتم من خلالها ترتيب أولوليات مظهرية، وذوقية تتبع من عمق الواقع الغربي، ومتطلبات ثقافته، وخصوصيات أفراده.
ويتأتى الخطر الفكري هنا تحديداً من تقليد المسلم لخصوصيات غيره من المظهر والسلوك، كما يتبادر في إعلانات اليوم بحالة الزي الغربي للشخصيات الإعلانية على سبيل المثال، وللتشبه بغير المسلمين أصول في العقيدة الإسلامية تنطلق من قاعدة (تأثر المقلد بالمقلد)، خلاصتها: أن المشاركة في الهدى الظاهر – الشامل للزي – تورث تناسباً (ودياً) بين المتشابهين
…
، سواء ظل في نطاق اللاشعور، أو تطور إلى تشاكل ظاهري كما تعكسه سلوكيات التقليد والمحاكاة.
والأثر الذي قد تحدثه المظاهر الغربية المعروضة في الرسائل الإعلانية قد يكون مرده الإعجاب بنماذجها البشرية، وأساليب حياتها، وقيمها الذوقية، ويتيح تضمن الإعلانات التجارية لبعض المظاهر التغريبية فرصاً مواتية للتأثير على خواص شخصية المسلم المميزة وتفرده في المظهر والجوهر. وبالتالي فإن إبراز الشخصيات الغربية في رسائل إعلانية تصدر من داخل المحيط المسلم أو تصل إليه، وتمرير خصوصياتها في ثناياها
…
يمكن أن يجعل من هذه النماذج قوة تحتذى ومثالاً متاحاً للتقليد، وهذا يعني وشوك الوقوع في مخالفة أصل ديني أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بشيء من التفصيل، ويراه الباحث ماثلاً في عينة من إعلانات اليوم؛ في تطلعها للارتباط بكل ما هو غربي، وتكريس الإيحاء بتفوق رموزه وتميز شخصياته.
2 -
المخاطر الثقافية: وجامعها دَوُر الرسائل الإعلانية في تحقيق التجانس الثقافي بين مجتمعات اليوم على النمط السائد في المجتمع الغربي، ويمكن استخلاص مثل هذا الاستنتاج بمؤشرات شيوع ملامح النماذج الغربية المؤدية، وتقليد غيرها لها في هيئاتها، والتركيز على السلع الأجنبية، وعرضها في رسائل متشابهة السمات، وتقارب قيم أساليب الحياة في جاذبيات الرسائل الإعلانية
…
، وتتسع محددات التجانس لتشمل استخدامات أنماط الموسيقى الأجنبية المصاحبة ولقطات الإطار البيئي الغربي الظاهر
…
، وكلها مظاهر ثقافية يسهم الإعلان التجاري من خلالها في ترسيخ عالمية الثقافة الغربية.، وقد أكدت نتائج الدراسة على مؤشرات سابقة في هذا الجانب بينت أن بين الرسائل الإعلانية المحلية والدولية اتفاق على تضمن بعض المكونات الثقافية؛ مما يعني وجود تجانس ثقافي نوعي في عرض المحتوى الإعلاني في الرسالتين.
وتزداد خطورة التجانس الثقافية في الرسائل الإعلانية عندما تحاكي الرسائل المصممة في مراكز الإنتاج العربي تلك الاتجاهات التصميمية، والعناصر الأساسية الموسومة بها الرسائل الدولية، وهنا تتحول الرسائل العربية والمحليةِ السمات إلى رديف للرسائل الدولية باستقطاب بعض من ملامحها الثقافية، وقيمها الحياتية المعبرة عن واقع المجتمعات الغربية، ونظرتها إلى الحياة، وماهية متطلباتها ودوافع اشباعاتها. كما أن من شأن هذا التجانس أن يقلل من فرص التنوع الثقافي العالمي، بما شكل حداً أدنى من الخصوصية الثقافية للمجتمعات المسلمة لتقف سداً منيعاً ضد تيارات عولمة الثقافة الغربية، وما يعبر عنها من رمز أو قيمة بين أبناء المجتمع المسلم.
3 -
المخاطر الاجتماعية: ويلخصها الباحث بما يقع ضمن دائرة الأخلاقيات والسلوكيات المخالفة للقيم الإسلامية، والتقاليد الاجتماعية المحلية يجملها الباحث في تبعات استخدام المرأة في الرسالة الإعلانية، فقد انتهى الباحث إلى وجود قدر من المُوحِيَات الإباحية في الرسائل الإعلانية الفضائية في ظل غياب الضوابط الإعلانية الحازمة التي تحد من انحراف الرسالة عن الظهور النسائي المقبول، كما وضح ذلك في بعض الكيفيات السافرة، والتعريض بجماليات المرأة ومفاتن قوامها.
ويخشى الباحث من أن تسهم مثل هذه المُوحِيَات غير الأخلاقية بسلوكياتها المتفسخة، ومثيراتها الإغرائية في تعميق ما يسمى بتحرير المرأة المسلمة، وذلك بحفزها على التحلل من كثير من قيم الاحتشام والالتزام، ومظاهر العفة والوقار بتأثير عامل التكرار الإعلاني المنسجم مع بعض اتجاهات المادة الإعلامية المرئية خصوصاً، وتعويد المجتمع المتلقي على التعامل معها وعدم استنكارها؛ مما يجعل لمثل تلك التوجهات الاستخدامية خطورة حقيقية على قناعات المرأة المسلمة، والتزامها الأخلاقي على المدى البعيد.
وقد لاحظ الباحث أن هناك تكثيفاً إعلانياً في استخدام شخصية المرأة، وتجاوزاً للاستخدام المتكشف في الإعلانات الدولية والفضائية، فإن مجرد الاعتماد على المرأة في حد ذاته يعد خروجاً على المألوف الاجتماعي المحلي، ومخالفة للإطار الأخلاقي الذي يحكم التعامل معها أو يحدد كيفيات ظهورها، ويرتبط بهذا الجانب أن المواصفات الجمالية للمرأة الظاهرة في الرسائل الإعلانية يمكن أن تسهم في تشكيل مقاييس الذوق الجمالي النسائي، وتتدخل في رسم ملامح المظهر الأنيق من خلال أداء العارضات، وما ينجم عن أذواقهن المعروضة من (موضات) تتسرب بين نساء المجتمع المتلقي.
ولذا نظر الباحث إلى المخالفات السلوكية والانحرافات الأخلاقية المستخلصة من السياق الإعلاني المرئي تحديداً بتقدير دورها في تغريب الحياة الاجتماعية، وتأثيرها على القيم البناءة والأخلاقيات الحميدة والسلوكيات المتزنة بين أفراد المجتمع المسلم كباراً وصغاراً، ذكوراً وأناثاً.
ويبقى أن يشير الباحث إلى وضوح النزعة الاستهلاكية في الرسائل بتعميق مشاعر اللذة والمتعة، وتكثيف المشاهد الإغرائية، وتقديم القيم الفردية، وإعلاء العزة الذاتية
…
بما يتسق مع الاتجاه الاستهلاكي للفرد الغربي في بيئته الخاصة، وتعامله مع أفراد مجتمعه المحيط، في حين أن مثل هذه الاتجاهات تتعارض مع كثير من سلوكيات المسلم المعتادة، وضوابط المتع المحللة، ومراعاة مصلحة العموم.
ثانياً: التوصيات:
يوزع الباحث توصيات الدراسة على ثلاثة اهتمامات هي: التوصيات المهنية، والتوصيات التنظيمية، والتوصيات العلمية، وذلك على النحو التالي:
أ) التوصيات المهنية:
- بينت النتائج ارتفاع مستوى بث أو نشر الرسائل الدولية بنوعيها في وسائل العينة، وعلاقة مكوناتها وعناصرها بمظاهر التغريب بما يناسب مجتمعاتها الأصلية، التي صدرت عنها، ويرى الباحث ضرورة اهتمام الوسائل الإعلامية، والوكالات الإعلانية العربية، بإعداد الرسائل المحلية السمات، وتقليل الاعتماد على الرسائل الدولية لتلافي الكثير من الملحوظات التغريبية المرصودة في مضامينها الإعلانية.
- توصلت الدراسة إلى ضآلة التمثيل البيئي المحلي مقابل ارتباط أوفر لإعلانات العينة بالبيئات الأجنبية، ولأن تلك البيئات أوعية حقيقية لتضمن رموز التغريب في الرسائل الإعلانية، يحث الباحث المصمم والمسؤول الإعلاني العربي على تقليص مستوى الجرعة البيئية الغربية في الرسائل الإعلانية، وإفساح مجال أوسع لعرض البيئات العربية والمحلية وما يعبر عنها أو يرمز إليها من معالم.
- أكدت الدراسة وضوح استخدام الشخصيات الغربية في الرسائل الإعلانية على حساب ظهور الشخصيات المحلية، ولأهمية الشخصيات في عكس الشفرات الإعلانية، ونقل بعض المظاهر الثقافية، وتجسي بعض القيم الاجتماعية
…
يوصي الباحث بأهمية تقديم الشخصيات المحلية المنضبطة في أدائها وسلوكياتها وتحركاتها، وعدم إخلاء الساحة الإعلانية للشخصيات الغربية أو من سار على نهجها من شخصيات عربية.
- يعتقد الباحث أن مستوى تمثيل المرأة في الإعلانات التجارية عالمياً، مع تركزه على المرأة جميلة السمات، والظاهرة أحياناً بكيفيات مسيئة لمكانتها الاجتماعية وقيمتها الإنسانية، ويطالب الباحث – من حيث المبدأ – بتقليل مستوى الظهور النسائي، وتقنين حدود كيفياته بما لا تشكل فيه مداخل إثارة أو وسائل إغراء، والاتجاه إلى التعامل مع وجودها – عند الضرورة – كشخصية إعلانية غير رئيسة، وضمان احتشامها، وتصويرها من بعد.
- ينبه الباحث إلى ضرورة الحيطة والحذر من بوادر النزعة الجنسية في بعض إعلانات العينة، وخاصة الدولية، ويرى أن على الرقيب الإعلاني مسؤولية مباشرة في منع مواقف الإثارة ونوازع الإغراء، ووضع الحلول اللازمة لتجنيب المجتمعات المسلمة من شيوع قيم الجنس بين أبنائها، وتعريض جسد المرأة للابتذال والتفسخ والاستهواء .. في رسائل مقصودة.
- يوصى الباحث بالانتباه إلى تقدير اعتبارات العناصر الفنية في الرسائل الإعلانية من نمط زي، أو موسيقى، أو لغة مستخدمة بحيث لا تشكل رموزها ثقلاً غربياً كما في مدلولي العنصرين الأولين، وتحافظ على قيمة اللغة العربية، ومستواها الفصيح، كما في استخدامات العنصر اللغوي.
ب) التوصيات التنظيمية:
- يرى الباحث ضرورة أن يكون للوسائل الدولية ضوابط تنظيمية (داخلية) محدودة تحد من كثير من التجاوزات والمخالفات الأخلاقية والسلوكية في رسائلها الإعلانية، كما يأمل الباحث أن يوسع التلفاز السعودي من نطاق قواعده الإعلانية، بحيث تشمل استحضار الاعتبارات الثقافية المحلية في تصميم الرسائل المبثوثة، ويطالب في الوقت نفسه إقرار ضوابط تنظيمية خاصة للإعلان الصحفي، وفصلها عن عموميات تعليمات المادة الصحفية التي يشوبها نوع من الغموض فيما يصح نشره وما يمنع – بدليل صورة المرأة – والالتزام بها في كل الحالات والأوقات.
- يقترح الباحث إيجاد مرجعية عامة لمتابعة شؤون القطاع الإعلاني المحلي، ويرى أن الوقت قد حان لتكوين إدارة مركزية إعلانية في وزارة الإعلام السعودية لرعاية النشاط الإعلاني في الوسائل المختلفة، وتفعيل دور لجان الإعلان في الغرف التجارية والصناعية.
- يوصي الباحث بتشجيع الصناعة الإعلانية المحلية، وذلك بإقرار مواد تنظيمية تشكل منطلقاً للبدء في توطين هذه الصناعة، وحمايتها من المنافسة الأجنبية، ومن ثم وضع الحوافز التشجيعية اللازمة لحث الهيئات والمؤسسات المهتمة على الإقدام والاستثمار في هذا المجال، والوصول في نهاية الأمر إلى صياغة إعلانية محلية، متميزة في سمات رسائلها واستخداماتها وأهدافها
…
تتفق وخصوصية الإعلام السعودي ونهجه العام.
ج) التوصيات العلمية:
- تدفع مؤشرات الدراسة بوضوح بعض المعالم التغريبية في إعلانات العينة إلى جدوى تلمس انعكاس هذه المعالم على المتلقي، وفحص آثار تعرضه للمحتوى الإعلاني المحلي والدولي، وهذا يتطلب استقصاء درجة وضوح المعالم التغريبية في الرسائل الإعلانية، ومدلولاتها بين المشاهدين والقراء بإجراء دراسة ميدانية.
- اعتماد نتائج معالم التغريب الثقافي في الدراسة على إعلانات وسائل محلية، وعربية دولية أو فضائية، ويمكن أن تكون هذه الدراسة منطلقاً لدراسات تحليلية أوسع مجتمعاً، بحيث تشمل –أيضاً- وسائل دولية غربية، ويوفر هذا التعدد النوعي فحص مكونات رسائل الوسائل المختلفة، وقياس الفروق الثقافية والتغريبية بينها على ضوء محددات نوع الوسيلة ومجالها وانتمائها.
- أسهمت الدراسة بمجهود محدود في دراسة التنظيمات الإعلانية في الوسائل المحلية، كما أخضعت المضمون المحلي المبحوث لما تهيأ له من ضوابط موضوعة، ويعتقد الباحث أن الجانب التنظيمي للنشاط الإعلاني مجال بحثي يستحق الاهتمام، ويحتاج إلى مجهودات خاصة للتعرف على الطابع الثقافي والاجتماعي والأخلاقي لهذه التنظيمات في مواقع عدة من العالم، ومقارنة اهتماماتها المختلفة، ومدى علاقاتها بالواقع الإعلاني الممارس، وتطبيقاتها الفعلية.
- يقر الباحث أن دراسة المعالم التغريبية في الإعلانات التجارية لا ينبغي أن تكتفي من المضمون الإعلاني بالجوانب الموضوعية فقط، وقد لاحظ الباحث أثناء إجراء دراسته أن هناك ارتباطاً بين موضوع الدراسة والأساليب الفنية والعمليات التقنية الداخلة في تصميم الرسائل الإعلانية وإخراجها، ويمكن أن يشكل ذلك مدار اهتمام موضوع بحث مستقل يرصد إسهام المؤثرات الفنية في إبراز معالم التغريب الثقافي وجعلها محل اهتمام المتلقي، ومدى وضوحها في ذهن المصمم والمنتج الإعلاني، وتبدو هذه التوصية أقرب إلى طبيعة الدراسات التلفازية.
- بالنظر إلى حجم الرسائل الإعلانية العربية في القنوات التلفازية، وتبادلها المراتب الثلاث الأولى بينها، يرى الباحث أهمية الوقوف على طبيعة أداء الوكالات والمراكز الإنتاجية العربية، ومدى احتكامها إلى الاعتبارات الثقافية المحيطة بها، خاصة بعد أن أثبتت الدراسة أن هناك تشاكلاً بين الرسالتين العربية والدولية في عدد من الاستخدامات والمكونات والعناصر الإعلانية الألصق بمظاهر الثقافة الغربية ورموزها.
- أثبتت الدراسة وجود مؤشرات فارقة بين مستوى وضوح المعالم التغربية من وسيلة إلى أخرى، ويعتقد الباحث أن التعمق في دراسة علاقة تلك المعالم بنوع الوسيلة، وتأثير الأخيرة على طبيعة التعبير عن المدلول التغريبي موضوع يستحق الدرس على ضوء اختلاف إمكانات الوسائل، وكيفيات تعاملاتها مع المكونات الثقافية في رسائلها الإعلانية.
- دلت المقارنة بين الرسالتين المحلية والدولية على وجود درجة من التوافق في بعض مكوناتهما وأساليب تقديمهما، ويرى الباحث أن هذا المؤشر المبدئي دافع لتخصيص جهد علمي مستقل لدراسة ملامح التشابه بين الرسالتين، ومدى تأثير صناعة الإعلان الدولي على تشكيلات الرسائل المحلية، وسمات محتوياتها.