الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضوابط العقد في الفقه الإسلامي
المؤلف/ المشرف:
عدنان خالد التركماني
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
مكتبة دار المطبوعات الحديثة ̈الثانية
سنة الطبع:
1413هـ
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
عقود مالية - الشروط والخيارات
الخاتمة
لقد تبين لنا من غضون ما قد بحثناه في ضوابط العقد في الفقه الإسلامي ثراء ذلك الفقه الثراء العجيب الذي لا ينضب فيه معين الخير الذي يقدم للناس الأحكام لما قد يستجد بينهم من أحداث.
ونحن في استعراضنا لأهم القواعد العامة في العقود في الفقه الإسلامي وجدنا سعة أفق هذه الضوابط وسعة الفقه الإسلامي وغناه في بيان أحكام العقود التي قد يحتاج إليها الناس في معاملاتهم وقد وضح لدينا أمر ذو أهمية كبرى في ميزان التشريع أن الفقه الإسلامي بمجموع اجتهاداته يكون لنا ثروة تشريعية هامة هي مصدر اعتزاز لذلك التراث الخالد الذي سكبت فيه أشرف عقول عملت جاهدة لبيان أحكام الله تعالى في معاملات وتصرفات الناس وبرزت في أثناء البحث لدينا نقطة لا تقل أهمية عن سابقتها وهي سبق التشريع الإسلامي لأحدث النظريات القانونية التي طالعتنا هذه الأيام معتزة بنفسها وبغناها وبتفوقها على الفقه الإسلامي حيث شده بها من شده من الذين لم يعرفوا الفقه ولم يدرسوه ولكنهم أناس مفتونون في كل جديد يأتينا من شرق أو غرب ولو كلفوا أنفسهم مشقة البحث في الفقه الإسلامي لوجدوا فيه سبق ذلك الفقه لأحدث النظريات الوضعية التي وفدت إلينا في الآونة الأخيرة حين غفلت الأمة عن إسلامها وأخذت بالقوانين الأجنبية تاركة الخير الأصيل الذي بين أيديها ولا أستطيع أن أضع تمثيلا لهؤلاء الضائعين من أمتنا إلا بأولئك الأطفال الذين يلعبون في مجاهل أفريقيا فيرمي بعضهم بعضا بالحجارة وهم لا يعرفون أن بين هذه الحجارة أحجارا من الماس ولو علموا بها لما زهدوا فيها.
ونقطة أخرى بدت لنا من خلال بحث ضوابط العقد أن الاعتماد على مذهب من المذاهب الفقهية لا يغني ولا يفي بحاجة الأمة المتجددة فما لم نجده في مذهب قد نجده في مذهب آخر لو اقتصرنا على مذهب واحد لضيقنا على أنفسنا الخناق وقد جعل الله تعالى شريعته السمحة فرجا على الناس وليس سبيلا للتضييق أو الإحراج.
وإن الاقتصار على مذهب واحد دون الأخذ من المذاهب الأخرى قد فتح المنفذ لأعداء الإسلام أن يدخلوا منه قوانينهم القائمة على تصوراتهم واعتقاداتهم الفاسدة وأن نظرة سريعة إلى الماضي القريب لنتخذ منه العبرة حتى لا نقع في الضيق مرة أخرى.
وذلك ما حدث في الدولة العثمانية التي أقامت مجلتها المعروفة من الاجتهاد الحنفي فقط.
ونتيجة لتشابك العلائق مع الدول الأخرى وخاصة التجارية منها حدثت أنماط من العقود لم تعرفها المجلة وبالتالي لم يعرفها أو لم يتسع لها الاجتهاد الحنفي مما اضطر حكام المسلمين آنذاك أن يأخذوا بتشريعات الدول الأجنبية.
وكان الأفضل لهم ولأمتهم أن يأخذوا من الاجتهادات الأخرى غير الاجتهاد الحنفي حيث يجدوا الغناء لما يطلبون.
وعلى سبيل المثال نذكر ناحيتين يتجلى لنا الأمر من خلالهما تماما.
المثال الأول: هو الشروط العقدية التي ضيق فيها فقهاء الحنفية على أنفسهم وقد وجدنا سعة الأفق في الاجتهاد الحنبلي.
المثال الثاني:
ضمان العهدتين الذي اتسع له الاجتهاد المالكي دون الاجتهادات الأخرى وإذا علمنا أن هذا النوع من الضمان يعمل به المسلمون فيما بينهم لا على أساس أنه مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى بل على أساس ما اقتبسوه من القوانين الوضعية عن طريق الشركات الأجنبية التي جاءتنا بمثل هذا النوع من الضمان. ولو اتسع الأفق لدينا لوجدنا أن نأخذ عن الإمام مالك قوله خيرا لنا من الأخذ من القوانين الوضعية وعندنا الغناء والخير الكثير.
المثال الثالث:
عقد الاستصناع الذي تفرد باعتباره المذهب الحنفي وعليه العمل في جميع بلاد المسلمين حتى في المناطق التي يسودها غير المذهب الحنفي.
وليس هناك شيء أضر على الإنسان من زهده عما بيده ولو كان ذهبا والتلهف على ما في أيدي الغير ولو كان سكينا تغتال الدين والأنفس على حد سواء.
وقد رأينا خلال عرضنا لضوابط العقد في الفقه الإسلامي سعة هذا الفقه الذي لا يضيق الفقه عن استيعاب أحدث النظريات بل فيه منها ما هو أدق تصورا وأصدق معالجة في إعطاء الحوادث أحكامها.
وما علينا نحن الآن في هذا العصر إلا أن نعقد مجالس تضم كبار الفقهاء في العالم الإسلامي مع مجموعة من أصحاب الاختصاصات الأخرى كالاقتصاد والطب ممن عرفوا بالغيرة الدينية وصلاح السيرة وكمال الأخلاق ليكونوا خبراء في مجالس الفقهاء الذين يستنبطون من مصادر التشريع المختلفة أحكاما للحوادث الجديدة بدلا من المجهودات الفردية التي قد تخطئ وتصيب ويصبح إجماع هؤلاء العلماء ملزما لسائر المسلمين في شتى أقطارهم وبذلك نتخلص من فكرة الاقتباس والأخذ من القوانين الوضعية بحجة أن الفقه الإسلامي لا يوجد فيه حكمها وبذلك نسد الباب على هؤلاء المنهزمين نفسيا أمام بريق الحضارة الغربية ونخلص لأمتنا وديننا وتشريعنا وننال رضى ربنا سبحانه وتعالى بدلا من أن نبوء بغضبه من ترك تشريعنا والأخذ من غيرنا وبذلك نحقق الأصالة لأمتنا وتاريخنا بدلا من الظهور أمام الغير أننا أمة نعيش على فتات موائد الآخرين ونصبح تبعا لغيرنا بعد أن أراد الله لنا أن نكون إماما وقدوة للعالمين.
فيا للعجب من أمة يريد لها ربها الصدارة وتريد لنفسها العيش على الأعتاب والأبواب ذليلة خانعة.
ولقد قدمت في جهدي هذا المتواضع ما قد استطعت أن أفعله وسلكت طريقا لم أتعرض فيه لآراء ونظريات القوانين الوضعية رغبة مني في دفع اتهامات قد وجهت إلى بعض من سبقني حين تعرضوا لذكر الآراء القانونية بقصد مقارنتها وبيان فضل الشريعة السمحة على القوانين الوضعية، وفي مسلكي ومنهجي الذي سرت عليه لم أتعرض لشيء من الآراء القانونية بل اقتصرت في الرجوع على مصادر تراث الأمة الفقهي في مختلف مذاهبه التي أجمعت على قبولها الأمة الإسلامية لأدفع هذا النوع من التوهم عن هذه الدراسة الجديدة للفقه الإسلامي.
وقد حاولت جاهدا أن أذكر آراء الفقهاء الأربعة ولم أقتصر على مذهب واحد إلا في المسائل التي تفرد بها هذا المذهب من المذاهب الأخرى، ولم أذكر كلمة أن هذا قول الفقهاء وأعني به مذهبا واحدا بل حين أذكر هذه الكلمة إنما أريد بها فقهاء الأمة الأربعة – رحمهم الله تعالى -.
وإني لأرجو من الله تعالى في نهاية هذا البحث أن يكون عملي خالصا لوجهه وأن يكون ذخري وفي عداد حسناني يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وإني أعتذر عن أي خطأ صدر مني وأتمثل في ذلك قول الصديق رضي الله تعالى عنه حين قال: إن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.