الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم التعاقد عبر أجهزة الاتصال الحديثة في الشريعة الإسلامية
المؤلف/ المشرف:
عبدالرزاق رحيم الهيتي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار البيارق - الأردن ̈الأولى
سنة الطبع:
1421هـ
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
عقود مالية - استعمال وسائل الاتصال الحديثة
خلاصة البحث ونتائجه
قمنا في بداية كتابنا هذا بتقسيم أجهزة الاتصال التي يمكن من خلالها إجراء العقود إلى قسمين:
قسم خاص بنقل الأصوات فقط، ويشمل كلاً من: الهاتف "التلفون"، اللاسلكي، الراديو، التلفزيون، وأشرطة التسجيل الناقلة للأصوات فقط أولها وللصورة معاً. أما القسم الآخر فهو المعني بنقل الحروف فقط، ويشمل كلاً من: البرق "التلغراف"، التلكس، البريد المصور "الفاكس" الحاسب الآلي "الكمبيوتر". وقد توصلنا إلى أن جهاز الهاتف يقوم بنقل الكلام بين المتحدثين بدقة متناهية، وعليه فإن العقد فيه لا يختلف عن العقد بين الحاضرين إلا من حيث البعد المكاني بين المتعاقدين إذا كان ناقلاً للصورة والصوت معا، أو مضاف إليه عدم رؤية كلا المتعاقدين للآخر، إذا كان الجهاز نقلاً للصوت فقط.
وبينا أن عدم تحقق الرؤية بين المتعاقدين لا يترتب عليها شيء في باب العقود لأن القاعدة الشرعية في العقود تقتضي فقط تحقق الرضا بين المتعاقدين بصورة واضحة ومفهومة، وإن المرجع في ذلك كله يعود إلى العرف، كما نص على ذلك جمهور الفقهاء وأما بالنسبة للبعد المكاني بين المتعاقدين من خلال جهاز الهاتف، فقد وجدت مسألة شبيهة بهذه الحالة يذكرها فقهاء الشافعية "وهي مسألة التعاقد بين المتباعدين" اعتمدت عليها في القول بجواز التعاقد من خلال هذا الجهاز وما شبهه.
ونظراً لأن البعد المكاني تترتب عليه بعض المسائل المتعلقة بمجلس العقد؛ فلقد قمت ببحث ثلاث أنواع من الخيارات لها علاقة مباشرة بموضوعنا هذا، هي خيار الإيجاب وخيار القبول، وخيار المجلس بشكل مفصل.
وقد توصلت إلى أنه يحق للموجب الرجوع عن إيجابه ما دام أن الطرف الآخر في العقد الموجه إليه الخطاب لم يغادر مجلس العقد، حتى ولو اقترن به قبول الطرف الثاني في العقد، معتمداً في ذلك على ما ذكره بعض فقهاء الشافعية من القول بامتداد خيار الموجب بطريق الكتابة إلى حين انقضاء مجلس وصول الخطاب "مجلس العقد".
أما إذا كان الهاتف ناقلاً للصورة والصوت معاً، فإنه يحق للموجب الرجوع في إيجابه إضافة إلى ما سبق فيما لو شاهد من خلال هذا الجهاز ما يدل على إعراض الطرف الثاني عن العقد أو انشغاله عنه، أما بالنسبة لخيار القبول: فلقد توصلت إلى القول: بأنه لابد لمن وجه إليه الخطاب من إعلان قبوله مباشرة، وإنه لا يحق له التأخر في ذلك، قياساً على تعاقد الماشيين والراكبين، والتي يذكرها فقهاء الحنفية، رحمهم الله، نظراً لتجدد العقد وعدم استقراره في كلا الحالتين.
وأما ما يتعلق بخيار المجلس: فإني لم أتفق مع ما ذهب إليه بعض الفقهاء والقائلين بخيار المجلس من القول بإسقاط هذا الخيار في حق المتبايعين المتباعدين، بل منحت هذا الحق للمتعاقدين من خلال جهاز الهاتف وألحقته بحكم المتعاقدين الحاضرين بخصوص هذه المسألة، لكنني حددته بفترة المكالمة الهاتفية، باعتبارها هي مجلس العقد بين المتعاقدين من خلال هذا الجهاز، فإذا ما أعلن من وجه إليه الخطاب قبوله مباشرة فقد انعقد العقد، لكنه يبقى لكلا المتعاقدين الحق في الرجوع عما صدر عنهما، ما دام أن مجلس العقد "فترة المكالمة الهاتفية" لا يزال قائماً بينهما، فإذا ما انتهت المكالمة أو قطع الخط، فقد انتهى مجلس العقد ذلك لأن المتعاقدين هما متفرقان من حيث الواقع ولا يربط بينهما سوى هذا الاتصال الهاتفي، فمجلس العقد بينهما قائم حكماً، فإذا ما انقطع الخط الهاتفي فقد انتهى ذلك المجلس في الحقيقة والحكم معاً.
وقد ألحقت جهاز اللاسلكي بجهاز الهاتف في جميع هذه الأحكام، سواء أكان نقله للصوت كما هو مباشرة أو عن طريق الشفرات، ما دام أن الطرف الآخر يفهم مضمونه.
وفي نهاية المبحث الأول تطرقت لمسألتين مهمتين لهما علاقة بالتعاقد من خلال هذه الأجهزة.
الأولى منهما هي: مسألة عقد النكاح من خلال هذه الأجهزة، وقد توصلت إلى القول: بإمكان إبرام هذا العقد من خلال الأجهزة الناقلة للصوت مباشرة، إذا تمكن من وجه إليه الخطاب إحضار شاهدين لمجلس العقد وإسماعهما الإيجاب الصادر من الموجب عبر هذه الأجهزة وقبوله له أمامها، قياساً على إبرام هذا العقد بطريق الكتابة والذي قال بجوازه فقهاء الحنفية، رحمهم الله.
وأما المسألة الثانية فتتعلق بحكم التعاقد من خلال هذه الأجهزة إذا كان المتعاقد عليه مالاً ربوياً لابد من تحقق القبض فيه فوراً ومباشرة.
وقد تمكنت من الوصول إلى حل شرعي لذلك، وفي حالة تمكن المتعاقدين تحقيق التقابض بينهما في مجلس العقد عن طريق وكيلهما في كلا البلدين.
وقد استعرضت في بحثي لهذه المسألة عملية التحويل للأموال النقدية بين البلدان الإسلامية عبر هذه الأجهزة، وقد توصلت إلى القول بجواز ذلك مطلقاً سواء كان بأجر أو بدون أجر شريطة أن يتم التقابض بين المتصارفين "صاحب المبلغ، والناقل للمبلغ" في مجلس العقد مباشرة أو عن طريق وكيلهما أولاً، وشريطة أن يتم تسليم المبلغ المحول إلى صاحبه الشرعي أو من يوكله بنفس سعر الصرف الذي تم الاتفاق عليه بين المتعاقدين أو عن طريق القيام ببيع المبلغ المراد تحويله بشكل مُجزء، كما ألحقت بحكم هذه المسألة مسألة أخرى وهي عملية نقل المبالغ النقدية بين البلدان الإسلامية "الحوالة النقدية" وأعطيتها نفس الحكم، معتمداً في جميع ذلك على عدة آراء فقهية وردت عن أئمة المذاهب الفقهية الأربعة.
وبعد أن انتقلت إلى بحث حكم التعاقد بالأجهزة الناقلة للحروف فقط، ألحقتها هي والأجهزة الناقلة للصوت نقلاً غير مباشر، بحكم التعاقد بطريق الكتابة التي قال بجوازها جمهور فقهاء الأمة.
وقد حددت مجلس العقد المبرم بطريق الكتابة بشتى صورها وأشكالها برقاً كانت أم تلكساً، أم حاسباً آلياً "كمبيوتر" أم بريداً مصوراً "فاكس" بمجلس وصول الخطاب، كما نص على ذلك معظم الفقهاء رحمهم الله.
وعليه فإنه لا يمكن للقابل إعلان قبوله بعد انتهاء هذا المجلس في جميع العقود باستثناء عقد النكاح – لخصوصية فيه – وبهذا الصدد قمت بالرد على رأي من يرى إلحاق بقية العقود بعقد النكاح بالنسبة لهذا.
وأما وقت تمام العقد بالنسبة للمتعاقدين بطريق الكتابة: فقد استعرضت النظريات الأربع المطروحة حول هذه المسألة، ورجحت النظرية القائلة بإعلان القبول، والتي ترى أن العقد يكون تاماً وملزماً لكلا الطرفين بمجرد صدور القبول ممن وجه إليه الخطاب وإعلانه له وذلك لاتفاقها مع ما أجمع عليه فقهاء المذاهب الأربعة.
وأما بالنسبة للخيارات المتعلقة بمجلس العقد المبرم من خلال مجموع الأجهزة الناقلة للحروف، فقد رجحت ما ذهب إليه الشافعية في منح الموجب حق الرجوع عن إيجابه ما دام أن مجلس العقد بين المتعاقدين وهو "مجلس وصول الخطاب" لا يزال قائماً، بحيث أنه لو قبل الطرف الموجه إليه الخطاب في ذلك المجلس دون أن يعلم برجوع الموجب عن إيجابه، لم يعتد بذلك القبول، لأن الأصل في الإيجاب هذا أن لا يكون ملزماً.
وأما خيار القبول: فقد توصلت إلى القول، بأنه لا يجوز للطرف الثاني في العقد إعلان قبوله في أي وقت يرغب فيه إعلان ذلك ما دام أن مجلس وصول الخطاب لا يزال قائماً، معتمداً في ذلك على ما ذهب إليه فقهاء المذاهب الثلاثة: الأحناف، المالكية، الحنابلة. أما فقهاء الشافعية، فقد اشترطوا الفورية في ذلك، ولكنهم أعطوه حق الرجوع في قبوله ما دام أن مجلس العقد لا يزال قائماً.
أما خيار المجلس: فقد توصلت إلى القول بأنه يحق لكلا المتعاقدين الرجوع عما صدر عنه ما دام مجلس العقد لا يزال قائماً بينهما، معتمداً في ذلك على ما ذهب إليه فقهاء الشافعية والحنابلة القائلين بخيار المجلس.
أخيراً: استعرضت رأي فقهاء الحنفية القائلين بجواز إبرام عقد النكاح بطريق الكتابة، وأدلتهم في ذلك والتي اعتمدت عليه في القول بجواز إبرام هذا العقد بطريق أجهزة نقل الصوت المباشر، وبجميع الأجهزة الناقلة للحروف.
في الختام أضرع إلى العلي القدير أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجنبني الزلل فيه، إنه سميع مجيب.
.... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.