الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة في حكم تقديم السعي على الطواف
المؤلف/ المشرف:
إبراهيم بن عبدالله الجريسي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
بدون ̈الأولى
سنة الطبع:
1431هـ
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
حج وعمرة - سعي
الخاتمة:
الحمد لله أولاً وآخراً على ما يسره لي ربي من إتمام هذه الرسالة، فلك الحمد يا ربي حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا ..
وقد عرضت في هذه الرسالة (حكم تقديم السعي على الطواف) أقوال أهل العلم، وبلغت خمسة أقوال كما تقدم، وهي على النحو التالي:
القول الأول: عدم صحة تقديم السعي على الطواف مطلقاً.
القول الثاني: صحة تقديم السعي على الطواف مطلقاً.
القول الثالث: صحة تقديم السعي على الطواف في الحج والعمرة في حق الجاهل والناسي؛ دون العامد.
القول الرابع: صحة تقديم السعي على الطواف في الحج والعمرة؛ مع وجوب الدم.
القول الخامس: صحة تقديم السعي على الطواف في الحج، وجواز ذلك مقيداً بتقديمه على طواف الإفاضة يوم النحر وما بعده؛ فلا يصح تقديمه على طواف القدوم، أما العمرة فلا يصح تقديم السعي على طوافها مطلقاً.
وقد قمت بجمع هذه الأقوال من مواطنها المتفرقة، وذلك من خلال عدد كبير من المراجع حتى يتمكن القارئ من معرفتها والاطلاع عليها، ثم قمت باستعراض أدلة الأقوال، وجعلت أدلة كل قول على حدة؛ مع مناقشتها وذكر الاعتراضات والأجوبة والردود – إن وجدت – عليها، كما قمت بحصر صور تقديم السعي على الطواف، وقد بلغت عشرين صورة، أهمها سبع عشرة صورة، وممن انفرد بالإفتاء بها - إما نصاً أو بقياس الأولى أو على سبيل العموم - سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وقد رجحت القول الثاني منها؛ نظراً لقوة ما استدلوا به، ولإجابتهم عما استدل به أصحاب الأقوال الأخرى، وذكرت أسباب الترجيح على شكل نقاط كما تقدم.
ولا شك أن معرفة سبب الخلاف يعين على تصور المسألة، ومن أسباب الخلاف المهمة: هو فعله صلى الله عليه وسلم، فهل مجرد فعله صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة وغيرهما من العبادات يدل على الوجوب أم على الاستحباب؟! فمن قال بالأول منع تقديم السعي على الطواف، ومن قال بالثاني لم يمنع ذلك.
وأما حديث أسامة بن شريك أن رجلاً قال: يا رسول الله، سعيت قبل أن أطوف؟ قال:(لا حرج)، فلا يدخل تصحيحه وتضعيفه في سبب الخلاف عند الجمهور؛ حيث إن أكثر أهل العلم قد صححوه، وقد سبق ذكر من صححه من أهل العلم، كما أن الحنفية الشافعية قد صححوه؛ ولكنهم تأولوه، فأما الحنفية: فقد أوَّلوه بأن هذا الترخيص كان في أول الإسلام؛ حيث لم تستقر شرائع الحج، أما اليوم فلا، وتقدم الجواب عن هذا التأويل. والشافعية أوَّلوه بأن مقصود السائل: سعيت عقب طواف القدوم وقبل أن أطوف للإفاضة. وقد ظهر ضعف هذا التأويل كما تقدم، كما أن بعض من أعله بالتفرد منهم لم يجزم بتضعيفه؛ حيث قال بعد ذكره لتفرد جرير عن الشيباني: فإن كان محفوظاً فمراده
…
وذكر التأويل السابق.
وأما المالكية؛ فلم يرد عن مالك في هذا الحديث شيء، ولم أجد له ذكراً فيما وقفت عليه من كتبهم؛ باستثناء الإمام ابن عبد البر؛ فقد ساقه بسنده من طريق أبي داود كما في التمهيد، والقاضي عياض في إكمال المعلم، ولم يذكرا شيئاً في تصحيحه أو تضعيفه، كما نقله الزرقاني في شرحه للموطأ، وقد نقله من كلام الحافظ في الفتح.
وأما الحنابلة؛ فلم يرد عن أحمد في هذا الحديث شيء أيضاً؛ بل لم أجد له ذكراً فيما وقفت عليه من كتب مسائل الإمام أحمد وكتب المذهب؛ باستثناء الإمام ابن القيم؛ فقد ذكره في زاد المعاد وحكم عليه بالضعف، كما تقدم، وباستثناء علمائنا المعاصرين – أيضاً –؛ كسماحة مشايخنا: الباز والعثيمين والجبرين.
وفي الحقيقة إن حديث أسامة بن شريك كان ينبغي أن يكون دليلاً على الجواز لمن يرى صحته؛ لأنه نص صريح في مسألة جواز تقديم السعي على الطواف، ولم يكن كذلك عند الأحناف والشافعية؛ لأنهم تأوَّلوه.
وأما من قال: إن حديث أسامة بن شريك مقيد بجوازه في حال الجهل أو النسيان دون العمد - كما في القول الثالث في المسألة - فقد أجيب عنه بأجوبة، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن حال السائل، ولم يقل له: هل أنت عامد أو ناسٍ أو جاهل؟ فلمَّا لم يستفصل عليه الصلاة والسلام دل على جواز ذلك مطلقاً، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُسقط الحرج إلا وقد أجزأ الفعل؛ إذ لو لم يجزئ لأمره بالإعادة؛ لأن الجهل والنسيان لا يضعان عن المرء الحكم الذي يلزمه في الحج، كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسياً؛ لكن يجب عليه الإعادة.
وأما من قال: إن حديث أسامة بن شريك مقيد في الحج دون العمرة، وجوازه في الحج مقيد بما بعد الوقوف وما بعده، وليس قبل الوقوف. كما هو القول الخامس، وقال به فضيلة الشيخ العثيمين، أما دليل منعه من العمرة: أن السؤال ورد في الحج دون العمرة، فأجبنا عنه بما تقدم.
وأجبنا عنه من كلام الشيخ العثيمين رحمه الله؛ وأن ذلك معارَض بقول فضيلته: بأن كل ما يُفعل في الحج يُفعل في العمرة، وأن الأصل مشاركة العمرةِ الحج َّفي الأفعال والأحكام إلا ما استُثني، فإن قيل- كما تقدم -: يلزم من ذلك وجوب طواف الوداع في العمر، كما هو واجب في الحج وأنتم لا تقولون بذلك؟ فالجواب عنه بقول فضيلته أيضاً: فإن الأصل مشاركة العمرة الحج في الأفعال والأحكام إلا ما استُثني، وطواف الوداع مما استُثني بعدم وجوبه في العمرة؛ لوجود القرائن الدالة على ذلك والتي سبق بيانها، وأما قول فضيلته بأن الجواز مقيد بيوم العيد وليس قبل ذلك؛ لأن السؤال وقع يوم النحر ولم يسأل قبل ذلك، فأجبنا عنه أيضاً بقول فضيلته بما تقدم، ومن ذلك قول فضيلته: وإذا كان الحديث عامّاً فإنه لا فرق بين أن يأتي ذلك يوم العيد أو فيما بعده، كما أجبنا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن حال نسك السائل أو وقت أدائه مع علمه صلى الله عليه وسلم بكل ذلك، وبيّنا أثر ما تقدم من التعارض، وأنه يضعف هذا القول؛ لأن عدم الاستمرار على طريقة واحدة من الاستدلال – بحيث يستعمل في مكان ما لا يستعمل في غيره – يحصل فيه انقلاب النظر.
وأما خلاف العلماء في تقديم بعض الأمور على بعض في يوم النحر فلا يدخل أيضاً في سبب الخلاف في تقديم السعي على الطواف؛ لأن خلافهم - كما نصوا على ذلك - في غير تقديم السعي على الطواف كما تقدم.
وأما القول بأن السعي تبع للطواف على سبيل الفرض؛ فقد أجيب عن ذلك بعدة أجوبة، كان من أهمها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رخّص في تقديم السعي على الطواف علمنا أن ذلك جائز، وأن تقديم الطواف هو الأفضل والأبر، فإن لم يسلَّم بذلك؛ فيقال: كيف يصح أن يكون السعي ركناً في الحج – كما هو قول الجمهور – مع أنه تبع للطواف؟! وكيف يصح – أيضاً – أن يقدم طواف القدوم عليه؛ مع أنه سنة عند الجمهور؟! وكيف يكون التابع أعلى من المتبوع؟!
وأما العذر في ذلك - كما هو عند الأحناف - وهو أن الشرع أجاز له أداء السعي عقيب طواف هو سنة للتيسير؛ لأن الطواف الذي هو ركن لا يجوز قبل يوم النحر، وفي يوم النحر أعمال كثيرة، ولو وجب عليه السعي في هذا اليوم للحقته المشقة، فأجبنا عنه بأن ما ذكروه كلام لفظي لا يغير من حقيقة الأمر، وهو أن التابع تقدم على المتبوع، والله أعلم.
وبقي أن أذكر في هذه الخاتمة الكلام على حديث عائشة رضي الله عنها لما حاضت وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (افعلي ما يفعل الحاج؛ غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)؛ فقد استدل به كلٌّ من أصحاب القول الأول والقول الثاني.
أما أصحاب القول الأول - وبالأخص منهم أصحاب الشافعي - فقد استدلوا به على المنع بقولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت، ولم تسعَ كما لم تطُف، فلو لم يكن السعي متوقفاً على تقدم الطواف عليه ما أخرته، واعتُرض عليه بأن السنة جاءت برفع الحرج عمن قدم السعي على الطواف، فإن لم يُسلَّم بذلك؛ فيمكن أن يقال كما تقدم: إن عائشة رضي الله عنها لم تفعل السعي كما فعلت غيره من المناسك – والله أعلم – لا لأجل أن تقديم الطواف عليه شرط؛ بل لأن الإتيان بالسعي بعد الطواف كمالٌ واتباع للسنة، وأن ما أباحه الله ورسوله ولم يُرَ فيه حرج فهو مشروع، ولكنه ترك الأفضل، كما أن فعلها رضي الله عنها لا يدل بنفسه على الوجوب ولا يخصص العموم، ومما أيَّد عدم ارتباط حكم المسألة بفعل عائشة رضي الله عنها ما ورد من الأحاديث الأخرى في ذلك؛ كحديث:(الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت)، وغيره من الأحاديث التي تقدم الكلام عليها، ثم ختمتُ مناقشة هذا الدليل بإلزام من استدل بهذا الحديث على المنع أن يقوم باشتراط الطهارة للسعي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت، ولم تسعَ رضي الله عنها على غير طهارة كما لم تطُف، فلو لم يكن السعي متوقفاً على الطهارة لما أخرته؛ وهم لا يشترطون ذلك، ومعلوم أن جماهير الأمة – إلا من شذ – لا يشترطون الطهارة للسعي؛ أخذاً بعموم حديث عائشة:(افعلي ما يفعل الحاج) ويدخل فيه السعي، وهم بذلك قد استعملوا شيئاً في مكان وتركوه في آخر، كما فرقوا بين الفعل وأوصافه، والفعل لا ينفك عن أوصافه، فإذا جاء فعل عم أوصافه المقترنة به، فإذا جاز الاستدلال بحديث عائشة رضي الله عنها على عدم اشتراط الطهارة للسعي؛ كان فعل السعي نظيره، وإلا كان مخير أحدهما – إذا منع الآخر – متحكماً، والتحكم لا يعجز عنه أحد. ثم لا يتصور أن يُستدل بالحديث على جواز وصف الفعل دون أصله، فما لا يجوز أصله كيف يجوز وصفه؟ فكيف يستدل بالحديث على جواز السعي على غير طهارة ولا يستدل على جواز أصل السعي؟ والله أعلم.
ولذلك حاول البعض أن يكون قوله مطَّرداً في ذلك؛ فمنع الاستدلال بحديث عائشة رضي الله عنها على عدم اشتراط الطهارة للسعي؛ لأنه يلزم منه تقديم السعي على الطواف. وأما توجيه الحافظ العراقي وابن رجب وأبي الوليد الباحي وغيرهم بأن السعي لم يدخل في عموم الحديث؛ لأنه تابع للطواف ولا يفعل إلا بعده، فأجبنا عنه بأن ما ذكروا مصادرة على المطلوب؛ لأن كون السعي لا يكون إلا بعد الطواف، وهو محل النزاع، والله أعلم.
وأما أصحاب القول الثاني: فقد استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم على الجواز؛ مع ذكري لأحاديث أخرى في هذا الباب في معنى حديث عائشة رضي الله عنها، واجتهدت في ذكر وجوه الدلالة من هذه الأحاديث، وذكرت خمسة أوجه، ولم أجد ما يمكن أن يعترض به عليها؛ سوى ما تقدم من عدم التسليم بدخول السعي في عموم حديث:(افعلي ما يفعل الحاج)؛ لأنه تابع للطواف فلا يفعل إلا بعده. وتقدم الجواب عنه –أيضاً- وأنه استدلال في محل النزاع كما نبهت على رواية: (ولا بين الصفا والمروة)، وذكرت كلام أهل العلم في شذوذها وعدم الأخذ بها. وأنبِّه أيضاً إلى أنني لم أجد من استدل بحديث عائشة - المتقدم على الجواز - سوى الإمام ابن حزم، وهو ظاهر قول عكرمة كما تقدم، وظاهر النص موافق لما ذكروه، والله أعلم.