الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية
المؤلف/ المشرف:
محمد عبدالعزيز عمرو
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
مؤسسة الرسالة - بيروت ̈الأولى
سنة الطبع:
1403هـ
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
لباس وزينة - أعمال شاملة
الخاتمة
بعد عون الله وتوفيقه، أرجو أن أكون قد استكملت في هذه الرسالة، بيان أحكام اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية. وفي ختام هذا البحث لا بد من إبراز أهم المبادئ والأسس التي تقوم عليها فكرة اللباس والزينة في الإسلام، لأهميتها العظمى في واقعنا الإنساني الذي نعيشه ونحياه.
وهذه المبادئ هي:
1 -
إن اللباس من النعم الكبرى التي امتن الله به على عباده، شرعه لهم ليستر ما انكشف من عوراتهم، وليكون لهم – بهذا الستر – زينة وجمالاً بدلاً من قبح العري وشناعته.
2 -
إن ستر الجسد من الحياء، وهو فطرة خلقها الله في الإنسان، فكل ذي فطرة سليمة يحرص على ستر عورته، وينفر من انكشافها وتعريها، إذن فستر الجسد ليس مجرد اصطلاح وعرف بيئي كما تزعم الأبواق المسلطة على حياء الناس وعفتهم، لتدمير إنسانيتهم وفق الخطة الصهيونية البشعة التي تتضمنها مقررات حكماء صهيون.
ومن هنا يمكن الربط بين الحملة الضخمة الموجهة إلى حياء الناس وأخلاقهم، وبين الدعوة السافرة إلى العري الجسدي، باسم الزينة والحضارة، "والموضة"، وبين الخطة الصهيونية لتدمير إنسانية الإنسان والتعجيل بانحرافه، ليسهل استعباده والسيطرة عليه، فيصبح ألعوبة في أيديهم يسخرونه لخدمة مصالحهم الخاصة.
3 -
إن قضية اللباس والزينة ليست منفصلة عن شرع الله ومنهجه للحياة، بل إنها ترتبط بالعقيدة والشريعة بأسباب شتى:
أ- إنها تتعلق قبل كل شيء بالربوبية، وتحديد الجهة التي تشرع للناس في هذه الأمور ذات التأثير العميق في الأخلاق والاقتصاد، وشتى جوانب الحياة.
ب- كذلك تتعلق بإبراز خصائص الإنسان في الجنس البشري، وتغليب الطابع الإنساني في هذا الجنس على الطابع الحيواني، الذي هو سمة بارزة للجاهلية التي تمسخ التصورات والأذواق والقيم والأخلاق، وتجعل العري الحيواني تقدماً ورقياً والستر الإنساني تأخراً ورجعية، وليس بعد ذلك مسخ لفطرة الإنسان وخصائصه.
4 -
إن الزينة الإنسانية هي زينة الستر، وأما الزينة الحيوانية فهي زينة العري، وهذه الحقيقة ثابتة، لا يغيرها ولا ينقص من قدرها انقلاب الموازين في شتى الأماكن والعصور.
5 -
إن اللباس ليس بأداة خارجية لستر بعض أعضاء الجسد، ووسيلة لحفظه من تقلبات الجو فقط، بل جذور متأصلة في نفسية كل أمة وحضارتها ومدنيتها، وتقاليدها وسائر شؤونها الاجتماعية، فهو في واقع الأمر مظهر لتلك الروح التي تعمل عملها في جسد تلك الأمة.
6 -
الإسلام دين الفطرة فهو – لذلك – لا يسلك في كل شأن من شؤون الحياة إلا طريقاً يتفق مع العقل العام، ويتجاوب مع الفطرة السليمة فهو لم يقرر للإنسان نوعاً خاصاً من اللباس أو أسلوباً خاصاً للمعيشة، ما دام قد تطور وترقى بأسلوب فطري سليم، إلا أنه وضع مجموعة من المبادئ والقواعد الأساسية من الوجهة الخلقية والاجتماعية الخاصة، وهو يريد من كل أمة أن تتولى الإصلاح في لباسها وفي طريقها للمعيشة حسب هذه المبادئ والقواعد الأساسية لا غير.
ومن قواعده في اللباس ما يلي:
أ- ما يختص بملابس الرجال:
1 -
أن تكون ساترة للعورة، وأن تكون نظيفة ومرتبة.
2 -
أن يراعى فيها حد الاعتدال، فلا إسراف ولا تضييق، بحيث تتناسب ومقدار إنعام الله على عبده.
3 -
أن لا تكون مما نهي الرجال عن لبسه كالحرير والذهب.
4 -
أن لا يقصد بها الفخر والشهرة والكبر.
5 -
أن لا تشبه ملابس النساء.
ب- ما يختص بملابس النساء:
- إن لملابس النساء من الأهمية ما يجعل الأمر بالنسبة لها أكثر دقة وأعمق تفصيلاً من ملابس الرجال.
- لقد كرم الإسلام المرأة وارتفع بها عن مستوى المهانة والازدراء، فهو يريدها أن تكون أداة تشييد وبناء في المجتمع الذي تعيش فيه، لا أداة تخريب وهدم، ولذلك ابتعد بها عن كل ما يثير غرائز الرجل ويهبط به إلى دركات البهيمية، ومن أجل هذا فقد اشترط في لباسها ما يلي:
1 -
أن تكون ثيابها واسعة فضفاضة بحيث تستوعب جميع أجزاء البدن، وأن لا تبرز شيئاً منه أو تجسمه، وخاصة مواضع الفتنة منها.
2 -
أن تكون سميكة صفيقة بحيث لا تشف، فيظهر ما تحتها من الأعضاء.
3 -
أن لا تكون الملابس زينة في نفسها، كأن تكون ذات ألوان مثيرة تلفت إليها الأنظار، بل عليها أن تختار الألوان الهادئة التي تخلو من الإثارة والإغراء.
4 -
أن لا تشبه ملابس الرجال لمنافاة ذلك لأنوثة المرأة ووظيفتها.
5 -
إن الإسلام قد راعى في المرأة أنوثتها وحبها للزينة والجمال، فأباح لها ما يناسب هذه الأنوثة كالحرير والذهب، كما لم يحرم عليها اللباس الفاخر إذا كانت ممن أنعم الله عليها، بشرط عدم الإثارة والإغراء كما تقدم، وكذلك عدم تضييع أو تعطيل حق من الحقوق الشرعية.
6 -
لقد حرص الإسلام على المرأة حرصاً شديداً فصانها، وحافظ عليها، ولم يسمح لأحد أن ينظر إلى أي جزء من جسمها، أو يكشف عنه إلا لضرورة أو حاجة اقتضتها مصلحتها الخاصة، أو المصلحة العامة للأمة، كمداواة أو خطبة، أو شهادة مثلاً.
7 -
أن لا يكون لباسها لباس شهرة، وأن يخلو من الطيب عند الخروج من البيت، والخروج من البيت شرط في جميع ما تقدم.
8 -
ترك الإسلام للمرأة حرية اللباس والزينة داخل البيت للزوج، حيث الفتنة نائمة، فلها أن تختار ما تشاء من أنواع الثياب وألوانها، وأن تتزين وتتجمل لزوجها كيفما تشاء، وبهذا تحافظ على زوجها مع بقائها بعيدة عن كل ما يعرضها ويعرض المجتمع معها إلى الانحراف.
وبعد بيان مبادئ الإسلام في اللباس والزينة، لابد من كلمة نبين فيها مدى الخطر الناجم من الانحراف عن هذه المبادئ، لما نشاهده من الفساد الذي استشرى في جميع نواحي الحياة في هذا المجتمع، وذلك لابتعاد الناس عن منهج الله للحياة، وأتباعهم مناهج الشيطان، ولكي يعود لهذا المجتمع بهاؤه ورونقه، وبشره وسعادته، لابد من أن نضع أصبعنا على موطن الداء. وأن نحدد على من تقع المسؤولية في معالجة هذا الداء، وكيفية استعمال الدواء، ليتم الشفاء من جميع هذه الأمراض الخلقية الذميمة.
تحديد الداء:
إن الداء الأصيل هو البعد عن منهج الله للحياة في جميع نواحيها، وأما فيما يختص باللباس والزينة فهو ناتج عما يلي:
1 -
عدم التزام المرأة بالمبادئ والأسس العامة التي وضعتها الشريعة الإسلامية للباسها وزينتها.
2 -
خروج المرأة عن مجال وظيفتها الأساسية، وفشلها في هذا المجال مع إنكارها لذلك، وعدم رغبتها في العودة إلى الطريق السليم.
3 -
تأثير وسائل الإعلام على المرأة، والتغرير بها، اتخاذها أداة إغراء وإغواء، مما دفعها للإنحدار إلى عالم الجنس، وهذا كان له أثر سيئ على الواقع الإنساني.
4 -
أثر مستحضرات التجميل على أنوثة المرأة، فهي تفجر فيها طاقة أنثوية، وتشعل فيها نار الرغبة، بحيث تستدرجها إلى طريق الشيطان، وتخرج بها عن مجال أنوثتها الحقة.
5 -
سيطرة الغرائز على سلوك المرأة، ودفعها إلى المبالغة في عمليات التزين والتجمل، مما كان له بالغ الأثر في انحلال المجتمع، وتدهوره نحو الدمار.
6 -
تلاعب دكاكين الأزياء بعقل المرأة، مما جعلها حقلاً للتجارب وسوقا رائجة تدر أرباحاً طائلة.
طريق النجاة:
إن طريق النجاة من الأوضاع المتردية التي وصلت إليها أخلاق الأمة نتيجة لما تقدم من أسباب، يكمن كما قلت في الرجوع إلى الله، والتزام منهجه الذي ارتضاه لنا دستوراً للحياة، فيلتزم كل فرد في المجتمع القيام بمسؤوليته، فيقوم بواجبه نحو الله أولاً ثم يؤدي واجبه كاملاً نحو أمته ووطنه، فالكل مسؤول عن رعيته، فالحاكم راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيتها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
مسؤولية الأفراد:
فمسئولية كل فرد تنبع من شعوره بتقوى الله ومراقبته والشعور بأنه مسؤول أمامه. وكذلك من شعوره بأهمية التعاون مع الآخرين والحرص على المصلحة العامة للأمة، والبعد عن الأنانية، ومراعاة النفع الخاص.
ومن هنا فمسؤولية الرجل، سواء كان أباً أو زوجاً، أو أخاً مسؤولاً، أن يبين لنساء بيته الأحكام التي تخصهن في أمور الزينة واللباس، بأسلوب لطيف لين بعيد عن القسوة والغلظة عملاً بقوله تعالى:{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} وقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} . فإن هذا الأسلوب أقرب للقبول والامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى، لأن الطاعة عن طواعية وحب أضمن من دوام الاستمرار من أن تكون عن طريق الإكراه والعنف.
والمرأة مسؤولة في هذا المجال، فيجب عليها أن تدرك بأن التزين وسيلة وليس غاية في ذاته، ولهذا فعليها أن تلتزم بشرع الله، ولا تبالغ في عمليات التزين حتى تكون قدوة صالحة لبناتها، وبنات جنسها من معارفها، بفضل التزامها بآداب الإسلام في كل شيء، وخاصة في مجال الزينة واللباس. ولتعلم أن رسالتها في هذه الحياة أكبر من أن تكون متعة للرجل يتلهى بها ثم يتركها، وأكبر من أن تكون أداة إغواء وسحر وجاذبية. إنها خلقت لتكون شريكة الرجل لا أن تكون لعبته. رفيقة دربه لا أداة تسليته، ولن يكون الطريق إلى ذلك إلا باحترامها لنفسها واتباعها آداب الإسلام في الملابس والتزين.
مسؤولية العلماء:
إن للعلماء في هذا المجال وكل مجال مسؤولية خطيرة، فهم ورثة الأنبياء كما أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتقدم عليه واجب، فأول واجباتهم أن يتقوا الله فيطبقوا شرع الله على أنفسهم وفي بيوتهم، وذلك بأن تلتزم زوجاتهم وبناتهم بتعاليم الإسلام في اللباس والزينة حتى يكون قدوة لغيرهن من النساء، لأن الناس ينظرون إليهن نظرة الاقتداء والاتباع. فإذا ما التزم العلماء بتعاليم الإسلام في أنفسهم وفي بيوتهم، كانت كلمتهم مسموعة ومؤثرة في من يقومون بوعظهم ونصحهم.
ومن واجب العلماء أن يبصروا الحكام بمهام مسؤولياتهم، وأن يقدموا لهم النصح والإرشاد، ويوضحوا لهم عظم التبعة الملقاة على عاتقهم، وإن عذابهم يوم القيامة أليم شديد إذا ما قصروا فيما أسند إليهم من مسؤوليات وتهاونوا في تطبيق شرع الله في مجتمعهم الذي أسندت إليهم مقاليد الحكم فيه.
ومن المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقهم في هذا المجال حسن التوجيه لوسائل الإعلام حتى تؤدي واجبها نحو الأمة على أحسن وجه يحقق لها الخير والفلاح. فمهمة الإعلام خطيرة. لأن للصورة المرئية، وللكلمة المسموعة أو المكتوبة أثراً سحرياً عجيباً، يسيطر على العقول والقلوب بسرعة البرق. وهذا يبين لنا ما لأجهزة الإعلام من كبير أثر على واقع المجتمعات البشرية.
ولذا فالاهتمام بها، وتوجيهها التوجيه الجاد من أهم الواجبات الملقاة على عاتق الحكام، نريدها وسائل تبني ولا تهدم، وتنقذ ولا تغرر. ولكن للأسف، فوسائل الإعلام في بلادنا قد لعبت دوراً كبيراً جداً في صنع هذا الواقع الفاسد، بانتهاجها غير طريق الإسلام في برامجها المتنوعة، ووسائلها المختلفة في الإثارة والإغراء، حتى أصبح المسلم الغيور يشعر بالغربة عند قراءة أو سماع أو رؤية شيء صادر عن هذه الوسائل. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:"بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبي للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس".
إذن فواجب الإصلاح الأول يقع على عاتق العلماء، ببيان أحكام الإسلام من حلال وحرام، وبنصيحة الحكام ودعوتهم لتطبيق شريعة الله، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمعات التي غربت عنها شمس الإيمان، وفقدت فيها التقوى ومراقبة الله، يحتاج فوق قوة الحجة، والكلمة المؤثرة، إلى قوة مادية يستند إليها، كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه:"إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
فإذا تعاونت هاتان الفئتان، فبذل العلماء النصح، وقبل الحكام النصيحة، فقاموا بواجبهم بإصلاح ما فسد، وتقويم ما اعوج، صلح أمر الأمة، واستقامت مسيرتها، ووصلت إلى السعادة التي تنشدها، وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فئتان إذا صلحتا صلح الناس، وإذا فسدتا فسد الناس، العلماء والأمراء".
فباستطاعة هؤلاء إذا أخلصوا النية لله، أن يعيدوا للمجتمع المسلم صبغته الصافية، وصورته الناصعة التي أرادها الله له، وأن يحافظوا على جوهر الحياة الإسلامية وشكلها وهيئاتها، والله المستعان.
وفي الختام، فهذا جهدي الذي استطعت أن أقدمه، فإن أحسنت فمن الله وإن أسأت فمن نفسي ومن الشيطان، وأرجو الله أن يغفر لي ويهديني سواء السبيل. ويجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.