الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظروف المشددة المحققة في عقوبة التعزير في الفقه الإسلامي
المؤلف/ المشرف:
ناصر علي ناصر الخليفي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
مطبعة المدني - مصر ̈الأولى
سنة الطبع:
1412هـ
تصنيف رئيس:
فقه
تصنيف فرعي:
تعزير - أعمال شاملة ومنوعة
الخاتمة:
يمكن أن نحمل أهم نتائج هذا البحث فيما يلي:
1 -
العقوبة علاج ضروري للجريمة، وليس الهدف منها مجرد الانتقام من المجرم، ولكن الهدف منها هو: حماية المجتمع من عدوان المعتدين، وتهذيب المعتدين أنفسهم، والحيلولة دون استمرار العدوان، فالعقوبة رحمة بالإنسان مطيعاً كان أو عاصيا، وهي من مقتضيات العدالة الإلهية، وهي من موانع الجريمة قبل وقوعها، ومن الزواجر عن تكرارها بعد وقوعها، أي إن لها دورا وقائياً ودورا علاجيا في وقت واحد.
والإيمان بهذا الهدف الذي ترمي إليه العقوبة يجعلنا نسلم بما قضت به الشريعة من عقوبات على مختلف الجرائم، لأن الجرائم وزنت فيها بميزان قسط، فكان التشديد في محله، وكان التخفيف في محله، ولا مجال بعد ذلك لادعاء القسوة في العقوبات بالنسبة لبعض الجرائم، فالعقوبات مهما بلغت قسوتها ليست إلا رحمة في نهاية الأمر.
2 -
بالنسبة لوسائل لتعزيز رجحنا أن عقوبة الجلد والنفي والحبس تعزيرا ليس لها حد مقدر لا تتعداه، بل هي تختلف تشديدا وتخفيفا باختلاف الظروف، وللقاضي سلطة واسعة في شأنها.
وفي مسألة القتل تعزيرا رجحنا جواز العقوبة بالقتل في بعض الجرائم الخطيرة التي لا يحسمها إلا القتل، ولكننا لا نرى التوسع في إباحة هذه العقوبة الخطيرة.
وفي العقوبات المالية توصلنا إلى وجوب التمييز بين التعزير بإتلاف المال، والتعزير بمصادرة المال الذي وقعت المعصية به أو فيه، وبين التعزير بأخذ المال (الغرامة)، فالأول والثاني جائزان عند كثير من الفقهاء، والثالث ممنوع عند جمهورهم، وقد رأينا جوازه في حدود ضيقة جدا، مع وجوب توفر شرطين لذلك:
أحدهما: أن لا تمكن معاقبة الجاني بوسيلة أخرى غير الغرامة.
وثانيهما: أن لا تكون الغرامة ذريعة لمصادرة أموال الناس، فأموال الناس محترمة، كدمائهم وأعراضهم، فلا تستباح إلا بمبيح قوي مأخوذ من الشرع.
3 -
هناك علاقة قوية بين الظروف المشددة والمخففة وبين ما يسمى في الفقه الإسلامي بالسياسة الشرعية، وقد أثبتنا هذه العلاقة من خلال دراسة النصوص الفقهية الواردة في ذلك.
4 -
أسباب تشديد العقوبة وتخفيفها متعددة.
منها: ما يتعلق بالمجرم من حيث خطورته، وكونه قدوة في الإجرام والفساد، وكونه داعية مروجا للجريمة، وكونه مجاهرا بها أو مستديما لاقترافها.
ومنها: ما يتعلق بالجريمة نفسها من حيث كثرتها وقلتها، وكبرها وصغرها، ومن حيث زمان ومكان وقوعها، ومن حيث أثرها.
ومنها: ما يتعلق بمن ارتكبت الجريمة في حقه، وعلى القاضي أن يدرس هذه الأسباب بشكل منسق متكامل، فيقابل سببا من أسباب التشديد بوجه من أوجه التشديد، وسببا من أسباب التخفيف بوجه من أوجه التخفيف، ثم يصدر العقوبة التي تناسبها تشديدا أو تخفيفا، وبذلك يكون حكمه صائبا متفقا مع روح الشرع وقواعده.
5 -
للقاضي في الفقه الإسلامي سلطة تقديرية واسعة في العقوبات التعزيرية، ولكن هذه السلطة ليست مطلقة من كل قيد، وليست تحكمية موكولة إلى ميول القاضي، بل لابد أن يخضع القاضي في ممارستها لضوابط، وإلا كان حكمه معيبا واجبا نقضه، وأهم هذه الضوابط.
أ- الملاءمة بين العقوبة وبين الجرم.
ب- الملاءمة بين الجريمة والعقوبة.
ج- عدم المخالفة لنصوص الشريعة وقواعدها العامة.
د- مراعاة المصلحة العامة ونظام الجماعة العام المؤسس على الشرع.
هـ- التدرج في العقوبة.
6 -
المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي في شأن ظروف التشديد والتخفيف يجب أن تتم بحذر كبير، بل كل مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي يجب أن تتم بهذا الحذر، فكثير من المقارنات في هذا المجال غير دقيقة، وكثيرا ما تؤدي إلى استنتاجات وأحكام غير سليمة، وكثيرا ما تؤدي هذه المقارنات إلى سوء فهم للفقه الإسلامي، وإلى رميه أحيانا بالعجز ولو عن غير قصد، وسبب ذلك: إخضاعه لمصطلحات قانونية محدثة متغيرة، ولذلك فليس من الإنصاف أن نحاول صبغ الفقة الإسلامي بصبغة القانون الوضعي وإلباسه مصطلحاته، وليس من الإنصاف أن نضع أمامنا المصطلحات القانونية ثم نحاول البحث والتنقيب عن هذه المصطلحات نفسها في الفقه الإسلامي.
7 -
القانون الوضعي لا يفرق بين الحدود والقصاص وبين التعزير، بل لا يعرف هذا التقسيم للجرائم، ولذلك فجميع الجرائم عنده تدخل فيها ظروف التشديد والتخفيف، خلاف للفقه الإسلامي الذي يفرق بين الحدود والقصاص وبين التعزير.
فالمجال الواسع لظروف التشديد والتخفيف في الفقه الإسلامي هو مجال العقوبات التعزيرية، لأنه هو المجال الذي يستطيع القاضي بما له من سلطة تقديرية أن يشدد العقوبة فيه أو يخففها، أما الحدود والقصاص فإن التخفيف والتشديد فيهما موكول إلى الشارع وسلطة القاضي فيها محصورة في عرض الجريمة على النصوص وفي تطبيقها عليها.
8 -
القصد الجنائي في الفقه الإسلامي قصد واحد، أما القانون فيجعل القصد قصدين: قصدا بسيطا، وقصدا موصوفا بأنه المقترن بسبق الإصرار أو الترصد، وهذا التنويع تنتج عنه مخالفات واضحة للفقه الإسلامي، ولذلك اعتبرناه تنويعا باطلا من وجهة نظر الفقه الإسلامي، رغم أن بعض الباحثين، حاولوا تأييد وجوده في الفقه الإسلامي، وهذه المحاولة ما هي إلا إخضاع للفقه الإسلامي لمصطلحات القانون الوضعي، وهو الأمر الذي حذرنا منه.
وهذه هي أهم نتائج هذا البحث، وأرجو أن يكون خطوة أولى على درب البحث العلمي الدقيق الذي آمل أن أسير فيه موقفاً محفوظا من الزلل والهوى.
والله أسأل أن يتقبل منا هذا العمل، وأن يوفقنا لمزيد من الأعمال الصالحة، وأن يرزقنا الإخلاص في كل ذلك لوجهه الكريم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.