الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شفعاء ويتقرّبون بعبادتهم إليه كما قال تعالى:
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (يونس/ 18)«1» .
وقال أيضا: الدّاخلون في الإسلام إذا لم يحقّقوا التّوحيد واتّباع الرّسول، بل دعوا الشّيوخ الغائبين واستغاثوا بهم، فلهم من الأحوال الشّيطانيّة نصيب بحسب ما فيهم ممّا يرضي الشّيطان. ومن هؤلاء قوم فيهم عبادة ودين مع نوع جهل.
ودين الإسلام مبنيّ على أصلين: على أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيء، وعلى أن يعبد الله بما شرعه على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم. وهذان هما حقيقة قولنا:
(أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله) . فالإله هو الّذي تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبّة وتعظيما وخوفا ورجاء وإجلالا وإكراما. والله- عز وجل له حقّ لا يشركه فيه غيره، فلا يعبد إلّا الله، ولا يدعى إلّا الله، ولا يخاف إلّا الله، ولا يطاع إلّا الله» «2» .
وقال عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ: وقوله أي محمّد بن عبد الوهّاب- «أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» أي: يوحّدوه بالعبادة، فلابدّ من التّجرّد من الشّرك في العبادة، ومن لم يتجرّد من الشّرك في هذه العبادة لم يكن آتيا بعبادة الله وحده، بل هو مشرك قد جعل لله ندّا.. وفيه أيضا: أنّ العبادة هي التّوحيد؛ لأنّ الخصومة فيه. وفي بعض الآثار الإلهيّة: (إنّي والجنّ والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر سواي، خيري إلى عبادي نازل، وشرّهم إليّ صاعد، أتحبّب إليهم بالنّعم، ويتبغّضون إليّ بالمعاصي
…
) «3» .
معنى كلمة التوحيد (لا إله إلّا الله) :
قال شارح العقيدة الطّحاويّة: «هذه كلمة التّوحيد الّتي دعت إليها الرّسل كلّهم، وإثبات التّوحيد بهذه الكلمة باعتبار النّفي والإثبات المقتضي للحصر، فإنّ الإثبات المجرّد قد يتطرّق إليه الاحتمال.
ولهذا- والله أعلم- لمّا قال تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ (البقرة/ 163)، قال بعده: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (البقرة/ 163) . فإنّه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطانيّ: هب أنّ إلهنا واحد، فلغيرنا إله غيره، فقال تعالى: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ.
وقد اعترض صاحب «المنتخب» على النّحويّين في تقدير الخبر في «لا إله إلّا هو» فقالوا: تقديره: لا إله في الوجود إلّا الله، فقال: يكون ذلك نفيا لوجود الإله. ومعلوم أنّ نفي الماهيّة أقوى في التّوحيد
(1) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، ابن تيمية (16، 17) باختصار.
(2)
المرجع السابق (179، 180) بإيجاز.
(3)
فتح المجيد- شرح كتاب التوحيد (28) .
الصّرف من نفي الوجود، فكان إجراء الكلام على ظاهره والإعراض عن هذا الإضمار أولى. وقد أجاب أبو عبد الله المرسيّ في «ريّ الظّمان» فقال: هذا كلام من لا يعرف لسان العرب، فإنّ (إله) في موضع المبتدأ على قول سيبويه، وعند غيره اسم (لا) ، وعلى التّقديرين فلابدّ من خبر المبتدأ، وإلّا فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد» «1» .
وقد علّق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على ذلك فقال: ما قاله صاحب المنتخب ليس بجيّد، وهكذا ما قاله النّحاة وأيّده الشّيخ أبو عبد الله المرسيّ من تقدير الخبر بكلمة (في الوجود) ليس بصحيح؛ لأنّ الآلهة المعبودة من دون الله كثيرة وموجودة، وتقدير الخبر بلفظ «في الوجود لا يحصل به المقصود من بيان أحقّيّة الوهيّة الله سبحانه، وبطلان ما سواها» ؛ لأنّ لقائل أن يقول: كيف تقولون: «لا إله في الوجود إلّا الله» ؟ وقد أخبر الله سبحانه عن وجود آلهة كثيرة للمشركين، كما في قوله سبحانه: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، وقوله سبحانه فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً الآية.
فلا سبيل إلى التّخلّص من هذا الاعتراض وبيان عظمة هذه الكلمة وأنّها كلمة التّوحيد المبطلة لآلهة المشركين وعبادتهم من دون الله، إلّا بتقدير الخبر بغير ما ذكره النّحاة، وهو كلمة «حقّ» ؛ لأنّها هي الّتي توضّح بطلان جميع الآلهة وتبيّن أنّ الإله الحقّ والمعبود بالحقّ هو الله وحده، كما نبّه على ذلك جمع من أهل العلم منهم أبو العبّاس ابن تيميّة وتلميذه العلّامة ابن القيّم وآخرون- رحمهم الله.
ومن أدلّة ذلك قوله سبحانه: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ فأوضح سبحانه في هذه الآية أنّه هو الحقّ، وأنّ ما دعاه النّاس من دونه هو الباطل، فشمل ذلك جميع الآلهة المعبودة من دون الله من البشر والملائكة والجنّ وسائر المخلوقات، واتّضح بذلك أنّه المعبود بالحقّ وحده، ولهذا أنكر المشركون هذه الكلمة وامتنعوا من الإقرار بها لعلمهم بأنّها تبطل آلهتهم؛ لأنّهم فهموا أنّ المراد بها نفي الألوهيّة بحقّ عن غير الله- سبحانه-، ولهذا قالوا جوابا لنبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم لمّا قال لهم:«قولوا لا إله إلّا الله» أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ، وقالوا أيضا:
أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ وما في معنى ذلك من الآيات. وبهذا التّقدير يزول جميع الإشكال ويتّضح الحقّ المطلوب» «2» .
وقال الشّيخ عبد الله بن جبرين: معنى لا إله إلّا الله، هو عبادة الله وترك عبادة ما سواه، وهو الكفر
(1) شرح العقيدة الطحاوية (109- 111) .
(2)
تعليق الشيخ عبدة العزيز بن باز في هامش (ص 109- 110) شرح العقيدة الطحاوية.