الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنّ ستر المرأة وجهها عمل بالقرآن كما قالته عائشة- رضي الله عنها «1» .
قال ابن تيمية: وقوله: أَوْ نِسائِهِنَّ قالوا:
احتراز عن النّساء المشركات، فلا تكون المشركة قابلة للمسلمة ولا تدخل المشركة معهنّ الحمّام. وليس للذّمّيّات أن يطّلعن على الزّينة الباطنة، ويكون الظّهور والبطون بحسب ما يجوز لها إظهاره. ولهذا كان أقاربها تبدي لهنّ الباطنة، وللزّوج خاصّة ما ليس للأقارب «2» .
وقد نصّ شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله على وجوب احتجاب المرأة عن الرّجال الأجانب فقال في الفتاوى المطبوعة أخيرا (ص 110 ج 2 من الفقه و22 من المجموع) : «وحقيقة الأمر أنّ الله جعل الزّينة زينتين: زينة ظاهرة، وزينة غير ظاهرة، ويجوز لها إبداء زينتها الظّاهرة لغير الزّوج وذوي المحارم وكانوا قبل أن تنزّل آية الحجاب كان النّساء يخرجن بلا جلباب يرى الرّجل وجهها ويديها، وكانت إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفّين وكان حينئذ يجوز النّظر إليها؛ لأنّه يجوز لها إظهاره ثمّ لمّا أنزل الله آية الحجاب بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ (الأحزاب/ 59) حجب النّساء عن الرّجال ثمّ قال:
والجلباب هو الملاءة وهو الّذي يسمّيه ابن مسعود وغيره الرّداء وتسمّيه العامّة الإزار، وهو الإزار الكبير الّذي يغطّي رأسها وسائر بدنها ثمّ قال فإذا كنّ مأمورات بالجلباب؛ لئلّا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنّقاب كان الوجه واليدان من الزّينة الّتي أمرت أن لا تظهرها للأجانب، فما بقي يحلّ للأجانب النّظر أي إلى الثّياب الظّاهرة «3» .
أدلة وجوب الحجاب:
وقد ساق الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ أدلّة وجوب الحجاب من الكتاب والسّنّة على النّحو التّالي:
1-
قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ:
أنّهنّ يسترن بها جميع وجوههنّ، ولا يظهر منهنّ شيء إلّا عين واحدة تبصر بها، وممّن قال به ابن مسعود، وابن عبّاس، وعبيدة السّلمانيّ وغيرهم.
2-
قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها، من أنّ استقراء القرآن يدلّ على أنّ معنى إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها الملاءة فوق الثّياب، وأنّه لا يصحّ تفسير إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها بالوجه والكّفين.
وأنّ عامّة المفسّرين من الصّحابة فمن بعدهم فسّروا الآية مع بيانهم سبب نزولها، بأنّ نساء أهل المدينة كنّ يخرجن باللّيل لقضاء حاجتهنّ خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفسّاق يتعرّضون
(1) أضواء البيان (6/ 200) .
(2)
مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (119) .
(3)
مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (98- 99) .
للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زيّ ليس متميّزا عن زيّ الإماء، فيتعرّض لهنّ أولئك الفسّاق بالأذى ظنّا منهم أنّهنّ إماء. فأمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيّهنّ عن زيّ الإماء وذلك بأن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ، فإذا فعلن ذلك ورآهنّ الفسّاق، علموا أنّهنّ حرائر، ومعرفتهم بأنّهنّ حرائر لا إماء هو معنى قوله- عز وجل: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فهي معرفة بالصّفة لا بالشّخص.
وهذا التّفسير منسجم مع ظاهر القرآن- كما ترى-.
وفي الجملة: فلا إشكال في أمر الحرائر بمخالفة زيّ الإماء ليهابهنّ الفسّاق، ودفع ضرر الفسّاق عن الإماء لازم، وله أسباب أخر ليس منها إدناء الجلابيب «1» .
وقال أيضا: وإذا علمت أنّ حكم آية الحجاب عامّ، وأنّ ما ذكرنا معها من الآيات فيه الدّلالة على احتجاب جميع بدن المرأة عن الرّجال الأجانب، علمت أنّ القرآن دلّ على الحجاب، ولو فرضنا أنّ آية الحجاب خاصّة بأزواجه صلى الله عليه وسلم فلا شكّ أنّهنّ خير أسوة لنساء المسلمين في الآداب الكريمة المقتضية للطّهارة التّامّة وعدم التّدنّس بأنجاس الرّيبة، فمن يحاول منع نساء المسلمين- كالدّعاة للسّفور والتبرّج والاختلاط اليوم- من الاقتداء بهنّ في هذا الأدب السّماويّ الكريم المتضمّن سلامة العرض والطّهارة من دنس الرّيبة غاشّ لأمّة محمّد صلى الله عليه وسلم مريض القلب- كما ترى- واعلم أنّه مع دلالة القرآن على وجوب احتجاب المرأة عن الرّجال الأجانب، قد دلّت على ذلك أيضا أحاديث نبويّة.
3-
فمن ذلك ما أخرجه الشّيخان في صحيحيهما وغيرهما من حديث عقبة بن عامر الجهنيّ- رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إيّاكم والدّخول على النّساء» . فقال رجل من الأنصار:
يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال:«الحمو الموت» أخرج البخاريّ هذا الحديث في كتاب النّكاح في باب: لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا ذو محرم
…
إلخ.
ومسلم في كتاب السّلام في باب: تحريم الخلوة بالأجنبيّة والدّخول عليها، فهذا الحديث الصّحيح صرّح فيه النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالتّحذير الشّديد من الدّخول على النّساء، فهو دليل واضح على منع الدّخول عليهنّ، وسؤالهنّ متاعا إلّا من وراء حجاب؛ لأنّ من سألها متاعا لا من وراء حجاب، فقد دخل عليها، والنّبيّ صلى الله عليه وسلم حذّره من الدّخول عليها، ولمّا سأله الأنصاريّ عن الحمو الّذي هو قريب الزّوج الّذي ليس محرما لزوجته كأخيه وابن أخيه وعمّه وابن عمّه ونحو ذلك. قال له صلى الله عليه وسلم: الحمو الموت، فسمّى صلّى الله
عليه وسلّم دخول قريب الرّجل على امرأته وهو غير محرم لها باسم الموت، ولا شكّ أنّ تلك العبارة هي أبلغ عبارات التّحذير؛ لأنّ الموت هو أفظع حادث يأتي
(1) أضواء البيان (6/ 586- 588) .
على الإنسان في الدّنيا.
فتحذيره صلى الله عليه وسلم هذا التّحذير البالغ من دخول الرّجال على النّساء، وتعبيره عن دخول القريب على زوجة قريبه باسم الموت، دليل صحيح نبويّ على أنّ قوله تعالى: فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ عامّ في جميع النّساء- كما ترى-. إذ لو كان حكمه خاصّا بأزواجه صلى الله عليه وسلم، لما حذّر الرّجال هذا التّحذير البالغ العامّ من الدّخول على النّساء، وظاهر الحديث التّحذير من الدّخول عليهنّ ولو لم تحصل الخلوة بينهما، وهو كذلك، فالدّخول عليهنّ، والخلوة بهنّ كلاهما محرّم تحريما شديدا بانفراده، كما قدّمنا أنّ مسلما رحمه الله أخرج هذا الحديث في باب تحريم الخلوة بالأجنبيّة والدّخول عليها فدلّ على أنّ كليهما حرام.
وقال ابن حجر في فتح الباري في شرح الحديث المذكور: إيّاكم والدّخول، بالنّصب على التّحذير، وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرّز عنه- كما قيل:
إيّاك والأسد.
وتقدير الكلام اتّقوا أنفسكم أن تدخلوا على النّساء، وتضمّن منع الدّخول منع الخلوة بها بطريق الأولى.
4-
* وعن عائشة- رضي الله عنها قالت: (يرحم الله نساء المهاجرات الأوّل، لمّا أنزل الله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ شققن مروطهنّ فاختمرن بها)«1» . وعن صفيّة بنت شيبة: (أنّ عائشة- رضي الله عنها كانت تقول:
لمّا نزلت هذه الآية وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ أخذن أزرهنّ فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها. انتهى من صحيح البخاريّ «2» . قال ابن حجر في الفتح في شرح هذا الحديث: قوله: فاختمرن: أي غطّين وجوههنّ، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التّقنّع.
قال الفرّاء: كانوا في الجاهليّة تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدّامها فأمرن بالاستتار «3» .
انتهى محلّ الغرض من فتح الباري. وهذا الحديث الصّحيح صريح في أنّ النّساء الصّحابيّات المذكورات فيه فهمن أنّ معنى قوله تعالى:
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ يقتضي ستر وجوههنّ، وأنّهنّ شققن أزرهنّ، فاختمرن أي سترن وجوههنّ بها امتثالا لأمر الله في قوله تعالى:
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ المقتضي ستر وجوههنّ، وبهذا يتحقّق المنصف: أنّ احتجاب المرأة عن الرّجال وسترها وجهها عنهم ثابت في السّنّة الصّحيحة المفسّرة لكتاب الله تعالى، وقد أثنت عائشة- رضي الله عنها على تلك النّساء بمسارعتهنّ لامتثال أوامر الله في كتابه. ومعلوم
(1) البخاري- الفتح 8 (4758- 4759) . والمروط: جمع مرط، وهو الإزار.
(2)
البخاري- الفتح 8 (4759) .
(3)
معاني القرآن للفراء (2/ 249) باختلاف في لفظه، وينظر فتح الباري (8/ 347) .
أنّهنّ ما فهمن ستر الوجوه من قوله: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ إلّا من النّبيّ؛ لأنّه موجود وهنّ يسألنه عن كلّ ما أشكل عليهنّ في دينهنّ، والله- جلّ وعلا- يقول: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (النحل/ 44) . فلا يمكن أن يفسّرنها من تلقاء أنفسهنّ. وقال ابن حجر في فتح الباري: ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن صفيّة ما يوضّح ذلك، ولفظه: ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهنّ فقالت: إنّ لنساء قريش فضلا، ولكن والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشدّ تصديقا بكتاب الله، ولا إيمانا بالتّنزيل، لقد أنزلت سورة النّور وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ فانقلب رجالهنّ إليهنّ يتلون عليهنّ ما أنزل فيها، ما منهنّ امرأة إلّا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلّين الصّبح معتجرات كأنّ على رءوسهنّ الغربان. انتهى محلّ الغرض من فتح الباري، ومعنى معتجرات:
مختمرات كما جاء موضّحا في رواية البخاريّ المذكورة آنفا. فترى عائشة- رضي الله عنها مع علمها، وفهمها وتقاها أثنت عليهنّ هذا الثّناء العظيم، وصرّحت بأنّها ما رأت أشدّ منهنّ تصديقا بكتاب الله، ولا إيمانا بالتّنزيل. وهو دليل واضح على أنّ فهمهنّ لزوم ستر الوجوه من قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ من تصديقهنّ بكتاب الله وإيمانهنّ بتنزيله، وهو صريح في أنّ احتجاب النّساء عن الرّجال وسترهنّ وجوههنّ تصديق بكتاب الله وإيمان بتنزيله كما ترى، فالعجب كلّ العجب ممّن يدّعي من المنتسبين للعلم أنّه لم يرد في الكتاب ولا في السّنّة، ما يدلّ على ستر المرأة وجهها عن الأجانب، مع أنّ الصّحابيّات فعلن ذلك ممتثلات أمر الله في كتابه إيمانا بتنزيله، ومعنى هذا ثابت في الصّحيح كما تقدّم عن البخاريّ، وهذا أعظم الأدلّة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين كما ترى «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- غض البصر- الحياء- العفة- حسن السمت- حفظ الفرج- الستر- الغيرة- المروءة- التقوى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التبرج- إطلاق البصر- اتباع الهوى- الزنا- الفتنة- انتهاك الحرمات- التفريط والإفراط- العصيان] .
(1) أضواء البيان (6/ 592- 595) .