الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه بعد ساعة. وقد قال حفص بن غياث: «كنت أجلس إلى أبي حنيفة، فأسمعه يُسأل عن مسألة في اليوم الواحد، فيفتي فيها بخمسة أقاويل. فلما رأيتُ ذلك تركتُه، وأقبلتُ على الحديث» . ذكره الأستاذ (ص 123).
وقال زفر صاحب أبي حنيفة: «كنا نختلف إلى أبي حنيفة
…
فقال يومًا أبو حنيفة لأبي يوسف: ويحك يا يعقوب لا تكتُبْ كلَّ ما تسمعه مني، فإني قد أرى الرأي اليومَ فأتركه غدًا، وأرى الرأي غدًا فأتركه بعد غد». ذكره الأستاذ (ص 118).
94 - زكريّا بن يحيى السّاجي:
في «تاريخ بغداد» (13/ 325) عنه: «سمعت محمد بن معاوية الزيادي يقول: سمعت أبا جعفر يقول: كان أبو حنيفة اسمه عتيك بن زَوْطَرة، فسمَّى نفسه النعمان، وسمَّى أباه ثابتًا» .
قال الأستاذ (ص 18): «شيخ المتعصبين، كان وقَّاعًا، ينفرد بمناكير عن مجاهيل، وتجد في «تاريخ بغداد» نماذج من انفراداته عن مجاهيل بأمور منكرة. ونضالُ الذهبي عنه من تجاهل العارف. وقال أبو الحسن ابن القطان: مختلف فيه في الحديث، وثَّقه قوم وضعَّفه آخرون. وقال أبو بكر الرازي بعد أن ساق حديثًا بطريقه: انفرد به السَّاجي ولم يكن مأمونًا. وكفى في معرفة تعصُّب الرجل الاطلاعُ على أوائل كتاب «العلل» له».
أقول: أما التعصُّب، فقد مرَّ حكمُه في القواعد
(1)
، وبيَّنَّا أنه إذا ثبتت ثقةُ الرجل وأمانتُه لم يقدح ما يسمِّيه الأستاذ تعصُّبًا في روايته. ولكن ينبغي
(1)
(ص 87 فما بعدها).
التروِّي فيما يقوله برأيه، لا اتهامًا له بتعمُّدِ الكذب والحكمِ بالباطل، بل لاحتمال أنَّ الحنَقَ حال بينه وبين التثبُّت. وبهذه القاعدة نفسها نعامل ما حكاه الأستاذ عن أبي بكر الرازي ــ إن كان ممن ثبتت ثقته وأمانته ــ فلا نقبلها منه بغير مستند، مع مخالفته لمن هو أثبت منه وأعلم بالحديث ورجاله. ولأمرٍ ما سَتَر الأستاذُ على نفسه وعلى الرازي، فلم يذكر الحديث ولا بيَّن موضعه (*)!
فأما قوله: «كان وقَّاعًا» فمن تصدَّى للجرح والتعديل والتنديد بمن يخالف السنة، احتاج [1/ 256] إلى ما يسمِّيه الأستاذ وقيعة، وإنما المذموم أن يقع الرجل في الناس بما لا يراه حقًّا، أو بما لا يُعذَر في جهلِ أنه باطل.
وأما الانفراد بمناكير عن مجاهيل ــ إن صحَّ ــ فلا يضرُّه، وإنما الحَمْل على أولئك المجاهيل، ولا يترتب على ذلك مفسدة. ومثلُ ذلك ما يرويه عن الضعفاء، كالحديث الذي في ترجمته في «لسان الميزان»
(1)
سمعه من الساجي أبو داود وعَبْدان والبزَّار وغيرهم، رواه الساجي عن عبد الله بن هارون بن أبي علقمة الفَرْوي. وعبد الله هذا يقال له:«أبو علقمة الصغير» له ترجمة في «تهذيب التهذيب» (ج 12 ص 172). وفيها: «قال الحاكم أبو أحمد: منكر الحديث
…
وقال ابن عدي: له مناكير
…
وذكره ابن حبان في «الثقات» ، وقال: يخطئ ويخالف. وقال الدارقطني في «غرائب مالك» : «متروك الحديث» . فإن كان ذاك الحديث منكرًا، فالحملُ فيه على الفَرْوي، كالأحاديث الأخرى التي أُنكِرَت عليه.
(1)
(3/ 522).
وأما كلمة ابن القطان
(1)
، فلم يبيِّن مَنْ هم الذين ضعَّفوه؟ وما هو التضعيف؟ وما وجهه؟ ومثلُ هذا النقل المرسَل على عواهنه لا يُلتفت إليه أمام التوثيق المحقَّق. وأخشى أن يكون اشتبه على ابن القطان
(2)
بغيره ممن يقال له: «زكريا بن يحيى» ، وهم جماعة
(3)
. وابن القطان ربما يأخذ من الصحُف، فيصحِّف. فقد وقع له في موضعٍ تصحيفٌ في ثلاثة أسماء متوالية. راجع «لسان الميزان» (ج 2 ص 201 - 202)
(4)
. قد قال ابن حجر في «اللسان»
(5)
متعقبًا كلمةَ ابن القطان: «ولا يغترَّ أحد بقول ابن القطان، قد جازف بهذه المقالة، وما ضعَّف زكريا الساجي هذا أحدٌ قط
…
وذكره ابن أبي حاتم فقال: كان ثقة يعرف الحديث والفقه، وله مؤلفات حسان في الرجال واختلاف الفقهاء وأحكام القرآن
…
وقال مسلمة بن القاسم: بصري ثقة». والذهبي إنما قال في «الميزان»
(6)
: «أحد الأثبات، ما علمتُ فيه جرحًا أصلًا. قال أبو الحسن بن القطان
…
». فما الذي تجاهله الذهبيُّ؟ أما كلمة ابن القطان، فقد ذكرها.
وأما ما حكاه الأستاذ عن الرازي، فليس الرازي ممن يُذكَر في هذا
(1)
في آخر كتابه «بيان الوهم والإيهام» : (5/ 640).
(2)
(ط): «ابن قطان» !
(3)
يُستبعد هذا الاحتمال؛ لأن ابن القطان أفرده بالترجمة، وذكر نَسَبه وموطنه ووفاته، ونقل من كتابه في «الضعفاء»
…
(4)
(3/ 28).
(5)
(3/ 521).
(6)
(2/ 269).