الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرواية عن ابن حمشاذ عنهم في «المستدرك على الصحيحين» . فابن حمشاذ كغالب محدِّثي عصره، يروي عن الثقات وعن الضعفاء الأحاديث النبوية، فما بالك بالحكايات!
السابع قوله: «وإن تجاهله الخطيب لحاجة في النفس، فليس ذلك بضائره» .
الظاهر أنه يعني ابن حمشاذ، ولا أدري من أين أخذ أن الخطيب تجاهل ابن حمشاذ؟ إن كان أراد أن الخطيب تجاهل أن ابن حمشاذ لا يروي إلا عن ثقة، فقد علمتَ ما فيه. وإن كان [1/ 122] أراد أنه لم يورد له ترجمة في «التاريخ» فليس على شرطه، وإنما التزم أن يذكر من الغرباء من دخل بغداد وحدَّث بها، ولا دليل على أن ابن حمشاذ حدَّث ببغداد.
فليتدبر العاقل: هل يسوغ لعالم يصفه أصحابه ــ أو قُل: يصف نفسه ــ بما في عنوان «التأنيب» : «الإمام الفقيه المحدّث والحجة الثقة المحقق العلامة» أن يُقْدِم على تكذيب عبد الله بن أحمد بن حنبل الإمام ابن الإمام في الحق حقًّا، محتجًّا في زعمه بهذه الحكاية؛ ثم يخلِّط هذا التخليط مع التخاليط الأخرى مما ترى الكشف عن بعضه في «الطليعة» ، وفي مواضع أخر في هذا الكتاب؟ أو أن يرمي مثل أبي بكر الخطيب فيما قاله في هذه الحكاية بأنه:«لحاجة في النفس» ، ولا يلتفت إلى ما في نفسه!
23 - أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن العكي
(؟).
في «تاريخ بغداد» (13/ 406 [431]): «
…
الأ بَّار حدثنا أحمد بن عبد الله العكي أبو عبد الرحمن ــ وسمعت منه بمرو ــ قال: حدثنا مصعب بن خارجة بن مصعب سمعت حمادًا
…
».
قال الأستاذ (ص 127): «أحمد بن عبد الله هو الفِرياناني المروزي، قال أبو نعيم: مشهور بالوضع. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي: يروي عن الفضيل وعبد الله بن المبارك وغيرهما المناكير. وقال الدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليس في حديثهم، وعن الأثبات ما لم يحدِّثوا به. وقال ابن السمعاني: وكان ممن يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، وكان محمد بن علي الحافظ سيئ الرأي فيه» . ثم قال: «الصواب: العتكي، كما في «أنساب ابن السمعاني» ».
أقول: ذكره ابن السمعاني في (الفرياناني)
(1)
، ووقع في النسخة:«العتكي الهاشمي»
(2)
كذا، والهاشمي لا يجتمع في حقّ النسب مع العتكي ولا مع العكي، وليس في «الميزان» ولا «اللسان»
(3)
أنه هاشمي ولا عتكي ولا عكي، وليس فيهما ولا في «الأنساب» أنه يروي عن مصعب بن خارجة ولا أنه يروي عنه
(4)
الأ بَّار؛ لكن لم أجد غيره يصلح أن يكون هو الواقع في السند، فالظاهر أنه هو. ومما قاله ابن السمعاني أن (فريانان) خَرِبت قال:«وبقي قبر أبي عبد الرحمن بها يزوره الناس ويدورون حوله، زُرْته غير مرة» . قال: «وسئل أحمد بن سيَّار عنه، فقال: لا سبيل إليه» .
وهذا يدل أن الرجل كان له شهرة وصيت في تلك الجهات، وقد روى
(1)
«الأنساب» : (9/ 293).
(2)
في مطبوعة «الأنساب» قال محققه إنه لم يستطع قراءة هذه الكلمة فأسقطها من النص.
(3)
«الميزان» : (1/ 108)، و «اللسان»:(4/ 196).
(4)
(ط): «عن» خطأ.
عنه الحسن بن سفيان وغيره كما في «الميزان» ، وقال الذهبي:«وقد رأيت البخاري يروي عنه في كتاب «الضعفاء» ».
أقول: في باب الإمام ينهض بالركعتين من «جامع الترمذي»
(1)
: «قال محمد بن إسماعيل [البخاري]: ابن أبي ليلى هو صدوق، ولا أروي عنه، لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه، وكلّ من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئًا» . والبخاري لم يدرك ابن أبي ليلى، فقوله:«لا أروي عنه» أي: بواسطة. وقوله: «وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئًا» يتناول الرواية بواسطة وبلا واسطة، وإذا لم يرو عمن كان كذلك بواسطة فَلَأن لا يروي عنه بلا واسطة أولى؛ لأن المعروف عن أكثر المتحفظين أنهم إنما يتقون الرواية عن الضعفاء بلا واسطة، وكثيرًا ما يروون عن متقدمي الضعفاء بواسطة.
وهذه الحكاية تقتضي أن يكون البخاري لم يرو عن أحد إلا وهو يرى أنه يمكنه تمييزُ صحيح حديثه من سقيمه. وهذا يقتضي أن يكون الراوي على الأقل صدوقًا في الأصل، فإن الكذاب لا يمكن أن يعرف صحيح حديثه.
فإن قيل: قد يُعرف بموافقته الثقات. قلت: قد لا يكون سَمِع، وإنما سرق من بعض أولئك الثقات. ولو اعتدَّ البخاري بموافقة الثقات لروى عن ابن أبي ليلى ولم يقل فيه تلك الكلمة، فإن ابن أبي ليلى عند البخاري وغيره صدوق، وقد وافق الثقات في كثير من أحاديثه، ولكنه عند البخاري كثير الغلط بحيث لا يؤمَن غلطُه حتى فيما وافق عليه الثقات. وقريب منه من عُرف بقبول التلقين، فإنه قد يلَقَّن من أحاديث شيوخه ما حدَّثوا به ولكنه لم
(1)
عقب حديث (364). وما بين المعكوفين بعده من المؤلف.
يسمعه منهم. وهكذا من يحدِّث على التوهُّم، فإنه قد يسمع من أقرانه عن شيوخه، ثم يتوهم أنه سمعها من شيوخه، فيرويها عنهم.
فمقصود البخاري من معرفة صحيح حديث الراوي من شيوخه لا تحصل بمجرد موافقة الثقات، وإنما تحصل بأحد أمرين:
إما أن يكون الراوي ثقةً ثبتًا، فيُعرف صحيح حديثه بتحديثه. وإما أن يكون صدوقًا يغلط، ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطريق أخرى، كأن يكون له أصول جيدة، وكأن يكون غلطه خاصًّا بجهة كيحيى بن عبد الله بن بكير روى عنه [1/ 124] البخاري، وقال في «التاريخ الصغير»
(1)
: «ما روى يحيى [بن عبد الله] بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني أتقيه» ونحو ذلك.
فإن قيل: قضية الحكاية المذكورة أن يكون البخاري التزم أن لا يروي إلا ما هو عنده صحيح، فإنه إن كان يروي ما لا يرى صحته فأيُّ فائدة في تركه الرواية عمن لا يدري صحيحَ حديثه من سقيمه؟ لكن كيف تصح هذه القضية مع أن في كتب البخاري غير «الصحيح» أحاديث غير صحيحة، وكثير منها يحكم هو نفسه بعدم صحتها؟
قلت: أما ما نَّبه على عدم صحته، فالخطب فيه سهل. وذلك بأن يُحْمَل كونه لا يروي ما لا يصح على الرواية بقصد التحديث أو الاحتجاج، فلا يشمل ذلك ما يذكره ليبين عدم صحته. ويبقى النظر فيما عدا ذلك، وقد
(1)
لم أجده في المطبوع منه، وهو مطبوع باسم «الأوسط» على الصحيح. والنص في «تهذيب التهذيب»:(11/ 238) والمؤلف صادر عنه.
يقال: إنه إذا رأى أن الراوي لا يعرف صحيحُ حديثه من سقيمه تَرَكه البتةَ ليعرف الناسُ ضعفَه مطلقًا، وإذا رأى أنه يمكن معرفة صحيح حديثه من سقيمه في باب دون باب ترك الرواية عنه في الباب الذي لا يعرف فيه كما في يحيى بن بكير. وأما غير ذلك فإنه يروي ما عَرَف صحته وما قاربه أو أشبهه مبيِّنًا الواقع بالقول أو الحال. والله أعلم.
والمقصود هنا أن رواية البخاري عن الفِرياناني تدلّ أنه كان عنده صدوقًا في الأصل. وقد لقيه البخاري، فهو أعرف به ممن بعده. وقد تأيَّد ذلك بأن الرجل كان مشهورًا في تلك الجهة بالخير والصلاح كما مرَّ. وأن أحمد بن سيار على جلالته لما سئل عنه قال:«لا سبيل إليه» ، كأنه يريد أنه لا ينبغي الكلام فيه بمدحٍ لضعفه في الرواية، ولا قدحٍ لصلاحه في نفسه؛ على أن أكثر الذين تكلموا فيه لم يرموه بتعمّد الكذب. فأما أبو نعيم فمتأخر، وقد تتبعنا كلام من تقدمه فلم نجد فيه ما تحْصُل به النسبة إلى الوضع فكيف الشهرة؟
هذا، والحكاية التي ذكرها الخطيب عن أحمد بن عبد الله ليست من طريق البخاري، وإنما هي من طريق الأ بَّار، والأ بَّار ناقل لا ناقد. ولكن الأستاذ لم يقنع بتوهين تلك الحكاية، بل قال:«ومن يعوِّل على الوضاع لا يكون إلا من طراز الأ بَّار المأجور» . ولا يبعد أن يكون أراد التعريض بالبخاري، وما أوهن رأيًا يضطرُّ الجَدِل النِّحرير في الدفاع عنه إلى الطعن في مثل البخاري!
[1/ 125] فأما الأ بَّار، فهو أحمد بن علي بن مسلم حافظ فاضل تأتي