الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«الثقات»
(1)
، وأخرج له البخاري في «الصحيح» مقرونًا بغيره، وأخرج له أبو داود في «السنن» وقال الآجري عن أبي داود:«عنبسة أحب إلينا من الليث بن سعد. سمعت أحمد بن صالح يقول: عنبسة صدوق» . كنت استعظمت هذه الكلمة للاتفاق على جلالة الليث وإمامته، ثم تبيَّن لي كما يرشد إليه السياق أن مراده تفضيل عنبسة على الليث في أمر خاص، وهو روايتهما عن يونس بن يزيد الأيلي
(2)
. فإن أصول يونس كانت صحيحة كما قاله ابن المبارك وغيره، وكان إذا حدَّث من غيرها ربما يخطئ. وكان الليث سمع من يونس من غير أصوله، وعنبسة سمع من عمه يونس من أصوله وكانت أصوله عند عنبسة. ويدل على هذا أن أبا داود قال عقب كلمته تلك:«سألت أحمد بن صالح قلت: كانت أصول يونس عنده أو نسخه؟ قال: بعضها أصول وبعضها نسخه» . فعنبسة يروي عنه ابن وهب، ويصدِّقه أحمد بن صالح، ويثني عليه ابن وارة، ويثبته أبو داود، ويستشهد به البخاري، ويوثقه ابن حبان.
(3)
177 - فهد بن عوف أبو ربيعة
، اسمه زيد ولقبه فهد:
في «تاريخ بغداد» (13/ 406 [432]) من طريق «إبراهيم بن راشد الأَدَمي قال: سمعت أبا ربيعة محمد
(4)
(؟) بن عوف يقول: سمعت
(1)
(8/ 515).
(2)
وهو ما استظهره الإمام الذهبي في «تاريخ الإسلام» : (4/ 1177).
(3)
عيسى بن عامر. يأتي في ترجمة محمد بن الفضل [رقم 228]. [المؤلف].
(4)
كذا في الطبعة القديمة، وفي الطبعة المحققة:(15/ 560)«فهد» على الصواب.
حماد بن سلمة
…
».
قال الأستاذ (ص 129): «وأبو ربيعة فهد بن عوف، وقد كذَّبه ابن المديني» .
أقول: قال ابن أبي حاتم
(1)
: «سمعت أبي يقول: ما رأيت بالبصرة أكيس ولا أحلى من أبي ربيعة فهد بن عوف، وكان ابن المديني يتكلم فيه
…
قيل لأبي: ما تقول فيه؟ فقال: تعرف وتنكر، وحرَّك يدَه». ثم ذكر عن أبي زرعة قصةً حاصلها: أن أبا إسحاق الطالقاني ورد البصرة، فحدَّث من حديث ابن المبارك بحديثين غريبين؛ أحدهما عن وُهيب بسنده، والآخر عن حماد بن سلمة بسنده. فبعد مدة يسيرة حدَّث فهد بالحديث الأول عن وهيب بن خالد بذاك السند، والثاني عن حماد بن سلمة بسنده، فرموا فهدًا بسرقة الحديثين، وأنه إنما سمعهما من الطالقاني [1/ 376] عن ابن المبارك عن وهيب وعن حماد، فحدَّث بهما عن وهيب وعن حماد. وغلط مع ذلك فروى الأول عن وهيب بن خالد، وإنما وهيب شيخ ابن المبارك وهيب بن الورد. والحجة في رميه بسرقة الحديث الثاني أنه حديث غريب لم يكن في كتب حماد بن سلمة ولا رواه عنه غير ابن المبارك، حتى حدَّث به الطالقاني عن ابن المبارك، فوثب عليه فهد.
وقد يحتمل في هذا أن يكون فهد قد سمعه من حماد بن سلمة ثم غفل عنه، فلما حدَّث به الطالقاني واستفاده الناس وأعجبوا به، فتَّش فهدٌ في كتبه فوجده عنده عن حماد بن سلمة، ولكن في هذا الاحتمال بُعْد.
فأما الحديث الأول، فالتهمة فيه أشد؛ لأنه ليس من حديث وهيب بن
(1)
«الجرح والتعديل» : (3/ 570).
خالد أصلًا، وإنما هو من حديث وهيب بن الورد. ولا يخفى أنه ليس من الممتنع أن يكون الحديث عند وهيب بن خالد أيضًا ولم يسمعه منه إلا فهد، لكن في هذا من البعد ما فيه.
فالظاهر أن هذين الحديثين هما ــ ولا سيما الأول ــ بليَّة هذا الرجل. ولأجل ذلك كذَّبه ابن المديني، وتكلم فيه غيره. لكن يظهر من كلمة أبي حاتم أنه متوقف، وقال ابن أبي حاتم:«قلت لأبي زرعة: يُكتَب حديثه؟ فقال: أصحاب الحديث ربما أراهم يكتبونه» . وأسْنَد إلى ابن معين أنه سئل عنه فقال: «ليس لي به علم، لا أعرفه، لم أكتب عنه» . وقد يبعد أن لا تكون القصة بلغت ابن معين، ومع ذلك توقَّف. وقال العجلي:«لا بأس به»
(1)
. وذكره ابن حبان في «الثقات»
(2)
وقال: «مات يوم الاثنين لأربع خلون من المحرم سنة تسع عشرة ومائتين» .
والذي يتجه أنه إن كان صرَّح في الحديث الأول بسماعه من وهيب بن خالد فقد لزمته التهمة، وإن لم يصرِّح وإنما رواه بصيغة تحتمل التدليس، فقد يقال: لعله دلَّسه. ولكن يبقى أنهم لم يذكروه بالتدليس، والمدلس إنما يسلم من الجرح بالتدليس إذا كان قد عُرف عنه أنه يدلِّس، فإن ذلك يكون قرينة تخلُّصه من أن يكون تدليسه كذبًا. وقد يقال: كان جازمًا بصحة الخبرين عن وهيب وحماد، فاستجاز تدليسهما، وإن لم يكن قد عُرِف بالتدليس. وفي هذا نظر. والله أعلم.
(1)
في «الثقات» : (2/ 209).
(2)
(9/ 13).