الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتابع».
أقول: أبو حاتم رحمه الله معروف بالتشدّد، قلّما وجدته يقول في رجل:«هو صدوق» إلا وقد وثَّقه غيرُه، وعبد السلام هذا ذكره ابن حبان في «الثقات»
(1)
. وتفرّدُه بتلك الحكاية لا يضرُّه. والله الموفق.
144 - عبد العزيز بن الحارث أبو الحسن التميمي
.
مرّ في ترجمة الخطيب أحمد بن علي بن ثابت
(2)
تجنِّي ابن الجوزي على الخطيب أنه مال على أبي الحسن، ووعدتُ أن أفرد له ترجمةً أوضِّح فيها ما ظهر لي أن الخطيب إما مصيب مشكور وإما مخطئ معذور.
ترجمة أبي الحسن في «تاريخ بغداد» (10/ 461) وذكر فيها أمرين، وذكر في ترجمة ابنه عبد الوهاب (11/ 33) ثالثًا، وهي هذه:
الأول: قال: «حدثني الأزهري قال: قال لي أبو الحسن بن رزقويه: وضع أبو [1/ 326] الحسن التميمي في «مسند أحمد بن حنبل» حديثين، فأنكر أصحابُ الحديث عليه ذلك، وكتبوا محضرًا أثبتوا فيه خطوطهم بشرح حاله. قال الأزهري: ورأيت المحضر عند ابن رزقويه، وفيه خطُّ الدارقطني وابن شاهين وغيرهما».
الثاني: قال الخطيب: «حدثني أبو القاسم عبد الواحد بن علي العُكْبري قال: حدثني الحسن بن شهاب عن عمر بن المسلم قال: حضرت
(1)
(8/ 427 - 428).
(2)
رقم (26).
مع عبد العزيز بن الحارث الحنبلي بعض المجالس، فسئل عن فتح مكة أكان صلحًا أو عَنوة؟ فقال: عَنوة. فقيل: ما الحجة في ذلك؟ فقال: ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الصواف، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا عبد الرزاق، عن مالك ــ أو معمر قال عبد الواحد: أنا أشك ــ عن الزهري، عن أنس: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في فتح مكة أكان صلحًا أو عَنوة؟ فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «عَنوة» . قال ابن المسلم: فلما خرجنا من المجلس قلت له: ما هذا الحديث؟ قال: ليس بشيء، وإنما صنعتُه في الحال لأدفع به الخصم».
الثالث: قال الخطيب في ترجمة عبد الوهاب: «حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي قال: سمعت أبي يقول
…
». فساق السند مسلسلًا بالآباء إلى أكينة «يقول: سمعت عليًّا، وسئل عن الحنّان المنّان
…
». وساق الذهبي في ترجمة أبي الحسن من «الميزان»
(1)
بالسند إليه قال: «سمعت أبي
…
» بسلسلة الآباء إلى «أكينة يقول: سمعت أبي الهيثم يقول: سمعت أبي عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما اجتمع قوم على ذِكْر إلا حفَّتْهم الملائكة، وغشيَتْهم الرحمة» . قال الذهبي: «المتَّهَمُ به أبو الحسن. وأكثر أجداده لا ذكر لهم في تاريخ ولا في أسماء رجال» .
فأما الأمر الأول، فأجاب عنه ابن الجوزي في «المنتظم» (ج 7
(1)
(3/ 339).
(1)
.
[1/ 327] أقول: يقع في بعض مسانيد الصحابة من «المسند» أحاديث لصحابي آخر. ففي مسند ابن عباس من «المسند» (ج 1 ص 258)
(2)
حديث من رواية أبي هريرة مرفوعًا، وفي الصفحة التي تليها
(3)
حديث من رواية أنس مرفوعًا، ولذلك نظائر. فكأنَّ مقصود ابن الجوزي أنه يجوز أن يكون أبو الحسن حوَّل الحديثين المذكورين مثلًا، فألحق الأول في مسند أبي هريرة، والثاني في مسند أنس. ولا يخفى بعدُ هذا الاحتمال، إذ لو كان هذا هو الواقع لما كان هناك ما يدعو الحفّاظ الأثبات كالدارقطني وابن شاهين إلى شدة الإنكار وكتابة المحضر، ولَمَا عبَّر ابن رزقويه بقوله:«وضع أبو الحسن» .
فأما قول ابن الجوزي: «ومن مسموعاته» ، فكأنه أراد به أنه إن لم يكن ذانك الحديثان من «المسند» فيجوز أن يكون سمعهما أبو الحسن خارج «المسند» بسند «المسند» ، كأن يكون «المسند» عنده من روايته عن ابن
(1)
أقول: وهناك احتمال ثالث لم يذكره ابن الجوزي، وهو أن يكون قد وقعت له أحاديث من بعض نسخ «المسند» أو رواياته، فألحقها في نسخته أو في الرواية التي لم تقع فيها تلك الزيادات ولم يبين مصدر هذه الأحاديث الزائدة.
(2)
رقم (2342).
(3)
رقم (2346).
الصواف عن عبد الله بن أحمد عن أبيه، وسمع بهذا السند نفسه حديثين مفردين، فألحقهما في «المسند» .
وهذا الاحتمال أقرب من الأول، وعليه فلم يكن من أبي الحسن وضعٌ ولا افتراء. ويبقى النظر في صورة إلحاقه، فإن كان إنما علَّقهما في الحاشية على سبيل الفائدة الزائدة لا على إيهام أنهما من «المسند» ، فهذا لا محذور فيه أصلًا. وإن كان أدرجهما في «المسند» موهمًا أنهما منه، فقد أساء، إلا أنه لا يكون ذلك وضعًا للحديث وافتراءً له. وإنكار الحفاظ وكتابة المحضر وقول ابن رزقويه: «وضع
…
في (مسند أحمد)» يدلُّ أن الواقع لم يقتصر على الكتابة في الحاشية بدون إيهام.
وقد وقع التقصير من الجانبين؛ قصَّر الأزهري عن تفصيل القضية، فلم يذكر ما هما الحديثان، وما قال الحفّاظ؟ وقصَّر محدّثو الحنابلة، فلم يراجعوا عند كتابة المحضر، ولم ينقلوا بيان الحال إن كان الواقع على وجه لا يضرُّ صاحبَهم أبا الحسن. فلو ساغ لابن الجوزي أن يتهم الخطيبَ بالميل لساغ لمن يدافع عن الخطيب أن يقول: لو كان هناك ميلٌ لتداركه محدثو الحنابلة في عصر الخطيب عندما سمعوا ما ذكره الخطيب في «تاريخه» . ولعلهم كانوا قد علموا بالقضية، أو سألوا عنها، فعرفوها، ورأوا أن السكوت عنها أولى؛ لأن ذكرها مفصلةً لا ينفع صاحبهم، بل لعله يكون أضرَّ عليه.
وقد كان ابن الجوزي قريبًا من عصر الواقعة، فإن لم يعتن بالبحث عنها والسؤال فقد قصَّر. وإن بحث وسأل، فعرفها، فما باله اقتصر [1/ 328] على التجويزات البعيدة والتجنِّي على الخطيب؟ ولا يُظَنُّ به أنه بحث وسأل، فلم
يجد خبرًا ولا أثرًا إلا ما ذكره الخطيب؛ لأنه لو كان الأمر هكذا لكان الظاهر أن يذكره ابن الجوزي، فإنه أقوى للدفاع مما اقتصر عليه.
وبعدُ، فالأسلم للجانبين والأحقن لدم الأخوين أن يقال: لعل أبا الحسن سمع ذينك الحديثين مفردين ليسا من «المسند» ، ولكنهما بسنده، فألحقهما في الحاشية أو بين السطور غير قاصد الإيهام، ولكن كانت صورة الإلحاق موهمة. فأبو الحسن معذور لعدم قصده، والمنكرون معذورون لبنائهم على الظاهر. والله أعلم.
وأما الأمر الثاني، فأجاب عنه بأن عبد الواحد «لا يُعوَّل على قوله
…
». وستأتي ترجمة عبد الواحد
(1)
، فلا هو بالذي تقوم الحجة بما ينفرد به ولا هو بمن يُظَنُّ به أن يختلق مثل هذه القصة اختلاقًا. وإذ كان الأمر كذلك، فلا مانع من إبداء احتمال يخفُّ به الاستبعاد، كأن يقال: لعل صاحب القصة رجل آخر غير أبي الحسن، ويكون ابن المسلم لم يُسمِّه، بل قال مثلًا:«بعض الفقهاء» أو «بعض الشيوخ» ، ولعله ذكر مذهبه، فظن عبد الواحد أنه أبو الحسن، فسمَّاه.
وأما الأمر الثالث، فلم يذكره الخطيب في ترجمة عبد العزيز، وإنما الذي اتَّهم به عبدَ العزيز هو الذهبي، ولا حجة للذهبي على ذلك إلا أن عبدَ الوهاب موثَّق، وعبدُ العزيز قد قيل فيه ما تقدَّم في الأمرين السابقين. وقد علمتَ أن الأمر الثاني لم يثبت ولا قارب، وأن الأمر الأول لا يخلو عن احتمال، فالأَولى في هذا الأمر الثالث الحملُ على أحد الآباء المجاهيل.
(1)
رقم (149).
ومع أن ابن الجوزي دافع عن أبي الحسن، فلم يذكر أن أحدًا من حفاظ الحنابلة أو غيرهم وثَّقه، ولا وثقه هو، بل اقتصر على أنه لا يجوز القطع عليه بالكذب. وإنما ذَكَر قولَ أبي يعلى ابن الفراء الحنبلي:«رجل جليل القدر، وله كلام في مسائل الخلاف، وتصنيف في الأصول والفرائض»
(1)
.
والذي يتحصَّل هنا: أنه لم يثبت ما يُقطع به على أبي الحسن أنه وضع الحديث، لكنه مع ذلك لم يثبت على قواعد الرواية ما يقتضي أن تجبَ الحجةُ بروايةٍ ينفرد بها. فأمَّا الخطيب، فمَنْ أنصفَ علِمَ بأنه لم يتعدَّ ما يوجبه عليه فنُّه ومقامُه. والله أعلم.
145 -
[1/ 329] عبد الملك
(2)
بن حبيب القرطبي. أحد مشاهير المالكية:
ذكر الأستاذ (ص 6) عن الباجي: «روى عبد الملك بن حبيب، أخبرني مطرِّف: أنهم سألوا مالكًا عن تفسير الداء العضال
…
». وفيه قول الباجي: «وعندي أن هذه الرواية غير صحيحة
…
».
قال الأستاذ (ص 8): «ووجهُ حكمه يظهر من ترجمة مطرِّف
…
وعبد الملك في كتب الضعفاء».
أقول: كان ابن حبيب فقيهًا جليلًا نبيلًا صالحًا في نفسه، لكن لم تكن الرواية من شأنه، كان يتساهل في الأخذ، ويروي على التوهُّم. هذا محصَّل
(1)
نقله عنه الخطيب في «تاريخه» : (10/ 461)، وذكره ابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة»:(3/ 246 - 248).
(2)
وقع في (ط) محرفًا «عبد الله» !