الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
130 - عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني:
في «تاريخ بغداد» (13/ 404 [429]): أخبرني أبو نصر أحمد بن الحسين القاضي بالدِّينَوَر، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السنِّي الحافظ، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا هارون بن إسحاق، سمعت محمد بن عبد الوهاب القنَّاد يقول: حضرتُ مجلس أبي حنيفة، فرأيتُ مجلسَ لغوٍ لا وقار فيه. وحضرتُ مجلس سفيان الثوري، فكان الوقار والسكينة والعلم، فلزمتُه».
قال الأستاذ (ص 125): «ليس أبا الشيخ ابن حيان، لأنه لم يدرك هارون بن إسحاق الهَمْداني المتوفى سنة 258 بل هو القاضي القزويني الكذَّاب المشهور الذي وضع على لسان الشافعي نحو مائتي حديث، ولم يرو الشافعي شيئًا من ذلك أصلًا، لكن الخطيب لا يتورع أن يروي بطريقه في مثالب أبي حنيفة، كما لا يتحرج أن [1/ 310] يروي بطريقه في مناقب الشافعي
…
ولولا مثل هذه الأمور المكشوفة لما كانت السهام المصوَّبة إلى نحر الخطيب لِتصيبَ المقتل منه».
أقول: أما الجزم بأنه ليس أبا الشيخ، ففي محلِّه. وأما الجزم بأنه القزويني، فليس بجيد؛ لأنهم لم ينصُّوا على أنه يروي عن هارون، ولا على أن ابن السني يروي عنه. وكتب الرجال التي بين أيدينا لم تستوعب الرواة. نعم، يظهر من كلام الذهبي في خطبة «الميزان»
(1)
أنه استوعب المتكلَّم فيهم، وأن من لم يذكره فهو إما ثقة وإما مستور. ومعلوم أن ذلك بحسب ما وقف عليه ولم يغفل عنه. وقد استدرك عليه مَنْ بَعْده جماعةً، ووقفتُ أنا في
(1)
(1/ 3 - 4).
الكتب الأخرى على أفراد مضعَّفين لم يُذكَروا في «لسان الميزان» . وحاول جماعة استيعاب الثقات. والموجود بين أيدينا من
(1)
كتاب ابن حبان، وهو مختصٌّ بالقدماء هارون بن إسحاق وطبقته ومَن قبلهم. وكثيرًا ما يوجد في أسانيد كتب الحديث التي لم يعتن أهل العلم باستيعاب رواتها وكتبِ التاريخ وغيرها مما تُذْكَر فيه الأخبار بأسانيدها أسماءُ رواة لا نجدهم في الكتب التي بأيدينا. ومنها أسماء تشبه الموجودين في الكتب، ولكن تقوم القرائن على أن المذكور في السند رجل آخر. فإن فرضنا أن الخطيب التزم أن لا يروي في «تاريخه» شيئًا عن مثل القزويني، فهذه قرينة على أنه كان يرى أن هذا الرجل غير القزويني. وإن كان الخطيب لم يلتزم ذلك، وفرضنا أن هذا الرجل هو القزويني، وأن الخطيب عرف ذلك= فعذرُ الخطيب واضح، وهو أنه لم يلتزم أن لا يروي عن مثله مثل تينك الحكايتين.
أما الحكاية التي في مناقب الشافعي، فإنما هي رؤيا لا تضع حكمًا ولا ترفعه، والمناقب مما يتسامح فيها. وقد تسامح الحنفية في رواية الأكاذيب المكشوفة والأحاديث الموضوعة في مناقب إمامهم، كما يأتي في ترجمة محمد بن سعيد البُورقي
(2)
مع أمثلة أخرى لا تحصى. وتبعهم الخطيب نفسه، فروى في مناقب أبي حنيفة كثيرًا من ذلك. بل تسامح الحنفية في الكتب التي يسمِّيها الأستاذ «المسانيد السبعة عشر» ، وزاد عليهم الأستاذ، فاحتجَّ بأشياء من ذلك.
(1)
كذا في (ط).
(2)
رقم (207).
وأما الحكاية التي في صدر هذه الترجمة، فما يتعلق منها بالثوري ثابتٌ من غير وجه، كما يُعلم من مراجعة ترجمته في «تقدمة الجرح التعديل»
(1)
لكتاب ابن أبي حاتم، و «تاريخ بغداد»
(2)
وغيرهما [1/ 311]«حتى كان الرجل يجيء إلى المكان الذي فيه الثوري وأصحابه، فيقرب من المكان، فيحسبه خاليًا، فإذا فتح البابَ وجده غاصًّا بالناس» . وما يتعلق بأبي حنيفة إنما المراد باللغو رفعُ الأصوات في المناظرة بالرأي، والمراد بالوقار خفض الأصوات. وعلى هذا؛ فمعنى ذلك ثابت أيضًا بروايات أخرى.
ومع هذا فالقزويني إنما خلَّط في آخر عمره. فإن كان هو الواقع في السند وعَرَف الخطيبُ ذلك، فلعله علم أن سماع ابن السنِّي من القزويني قديم. قال مسلمة بن قاسم في القزويني:«كان كثيرَ الحديث والرواية، وكان فيه بأوٌ شديد وإعجاب. وكان لا يرضى إذا عورض في الحديث أن يُخرج لهم أصوله، ويقول: هم أهون من ذلك. قال: فحدَّثني أبو بكر المأموني ــ وهو من أهل العلم العارفين بوجوهه ــ قال: ناظرته يومًا، وقلت له: ما عليك لو خرَّجتَ لهم أصلًا من أصولك؟ فقال: لا ولا كرامة. ثم قام فأخرجها، وعرض عليّ كلَّ حديث اتهموه فيه مثبتًا في أصوله» . وقال ابن يونس: «كان محمودًا في القضاء، وكانت له حلقة بمصر، وكان يظهر عبادة وورعًا. وثقل سمعُه جدًّا، وكان يفهم الحديث ويحفظ ويُملي ويجتمع إليه الخلق. فخلَّط في الآخر، ووضع أحاديث
…
» ثم قال: «مات بعد أن افتضح بيسير»
(3)
.
(1)
(ص 55 - 125).
(2)
(9/ 153 وما بعدها).
(3)
ترجمته في «لسان الميزان» : (4/ 574 - 576). ووقع في (ط): «أبو بكر المأمون» .