الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خيثمة، فقال الدارقطني:[1/ 274]«ثقة مأمون» ، وقال الخطيب:«كان ثقة عالمًا متقنًا حافظًا» . هكذا في «تذكرة الحفاظ»
(1)
و «لسان الميزان»
(2)
. ووقع في «تاريخ بغداد»
(3)
: «متفننًا» بدل «متقنًا» . وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» : «الحافظ الحجة الإمام» .
فأما القَدَر فلو ثبت عنه لم يضرَّه، كما سلف في القواعد
(4)
، فكيف وهو غير ثابت! إذ لا يُدرى مَن الناس الذين نسبوه إليه وما مستندهم في تلك النسبة؟ وقد قال الأستاذ (ص 56) في قول الحِمَّاني: سمعت عشرة كلهم ثقات يقولون: سمعنا أبا حنيفة يقول: القرآن مخلوق. فقال الأستاذ: «قول الراوي: سمعت الثقة يُعَدُّ كرواية عن مجهول، وكذا الثقات» .
وأما اختصاصه بعلي بن عيسى، فالظاهر أن الفرغاني لم يذكرها على جهة الذم، إذ ليس فيها ما يقتضيه. فإنّ علي بن عيسى الوزير كان من خيار الوزراء مع مشاركته في العلم وعنايته بالعلماء. واختصاصُ ابن أبي خيثمة به إنما كان لِعُلْقة العلم.
110 - صالح بن محمد التميمي الحافظ الملقب «جَزَرة» :
ذكر الأستاذ (ص 187) قول صالح في الحسن بن زياد اللؤلؤي: «ليس بشيء، لا هو محمود عند أصحابنا ولا عندهم، يُتهم بداء سوء، وليس
(1)
(2/ 596).
(2)
(1/ 463).
(3)
(4/ 384)، ووقع في الطبعة المحققة:(5/ 265): «متقنًا» كما في التذكرة واللسان.
(4)
(ص 71 فما بعدها).
هو في الحديث بشيء». فقال الأستاذ: «جَزَرة على سعة علمه في الحديث كان بذيء اللسان مداعبًا أسوأ مداعبة. وهو القائل لمن رأى سوأته قد انكشفت: لا تَرْمَدْ عيناك أبدًا، بدل أن يخجل ويستتر. وقد قال مرة لمن سأله عن الثوري: كذَّاب. فكتب السائل قوله، فخاطبه أحدُ جلسائه مستنكرًا صنيعه: لا يحلُّ لك هذا، فالرجل يأخذه على الحقيقة فيحكيه عنك. فقال: أما أعجبَكَ؟ مَن يسأل مثلي عن مثل سفيان الثوري، يفكَّر فيه أنه
(1)
يحكي أو لا يحكي؟ كما في «تاريخ الخطيب» 9/ 326 و 327. فيفيد جوابه هذا [1/ 275] أنه ممن لا يُقبل قولُه في الأئمة، لضياع كلامه بين الهزل والجد. والعجب من هؤلاء الأتقياء الأطهار استهانتهم بأمر القذف الشنيع هكذا فيما لا يُتصوَّر قيامُ الحجة فيه، مع علمهم بحكم الله في القَذَفة. ولا يكون ذلك إلا من قلة الدين واختلال العقل».
أقول: قوله «بذيء اللسان» كلمة شنيعة لا مبرِّر لها. وقوله: «مداعبًا أسوأ مداعبة» إسراف لا مسوِّغ له، وقد ذكر أشهر ما يُحكى من مداعبة صالح، فليزِنْها القارئ وَلْيحكم أهي مما يسوغ لمثل الكوثري أن يقول في هذا الرجل الجليل:«بذيء اللسان مداعبًا أسوأ مداعبة» ؟ ولفظ القصة: «كُنَّا نقرأ على صالح جزرة، وهو عليل، فتحرَّك، فبدت عورته، فأشار إليه بعض أهل المجلس بأن يجمع عليه ثيابه، فقال: رأيتَه؟ لا تَرْمَدْ عيناك أبدًا! » فلا يشك عاقل أنه بادر فاستتر، ولوضوح ذلك لم يحتج الراوي إلى ذكره. فأما الخجل فهو حال نفسية ليس في القصة دليل على عدمه، على أن الذين حضروا وثقَّلوا عليه في مرضه بطلب السماع أولى بأن يخجَلوا. فأما هو، فمريض معذور.
(1)
كذا في «التأنيب» و (ط). وفي «التاريخ» بطبعتيه: «أن» .
وأما قوله لمن سأله عن الثوري، فكان السائل ــ كما في القصة ــ «من أهل الرُّستاق» وفي ذلك مع جواب صالح ما يُعْلَم منه أن السائل كان جاهلًا مغفَّلًا، وثقَّل على صالح بالسؤال عن المحدثين حتى بلغ من جهله أن يسأل عن سفيان الثوري المجمَع على إمامته وجلالته إجماعًا صادقًا لا يخفى عن طالب العلم في تلك الأزمنة، وكان الحاضرون غير ذاك الجاهل يعرفون عادة صالح في التنكيت، ويشاهدون جهل السائل وتثقيله، ويعرفون اعتقاد صالح في الثوري، فتجوَّز صالح في تلك الكلمة عالمًا بأن الحاضرين سينبِّهون السائل على الحقيقة، ولو لم ينبِّهوه لنبَّهه صالح في المجلس. وما وقع في القصة «أمَا أعجبك» صوابه «ما أعجبك! »
(1)
كما يوضِّحه السياق. وقوله «من يسأل مثلي
…
» يريد به أن الرجل مغفَّل، فلو فُرِض أنه لم ينبَّه في المجلس وذهب يحكي عن صالح أنه قال لمَّا سأله عن الثوري:«كذاب» لَمَا قَبِل منه ذلك أحد، ولا التفتوا إليه لظهور تغفيله، فضلًا عن العلم بحال الثوري وعقيدة صالح فيه.
قول الأستاذ: «فيفيد جوابه هذا أنه ممن لا يُقبل قولُه في الأئمة» ، إن أراد به أنه إذا حكى بعض المغفَّلين عن صالح مثل تلك الكلمة أنه قالها في مثل [1/ 276] الثوري فيما تقدَّم، لم يُلتفت إلى تلك الحكاية= فحقٌّ، وإن كنا لا نعلم شيئًا من هذا القبيل غير ما تضمنته تلك الحكاية.
قوله: «لضياع قوله بين الهزل والجد» باطل. وأي شيء له من الهزل في هذا الباب غير تلك الحكاية الفذَّة التي مرَّ توجيهها؟ أما جِدُّه في هذا الباب ــ
(1)
وهو كذلك في الطبعتين.
أعني كلامه في الرواة جرحًا وتعديلًا ــ فأكثر من أن يحصى. وهو في قبول ذلك منه كغيره من أئمة الحديث بإجماع أهل العلم.
قوله: «والعجب من هؤلاء الأتقياء الأطهار
…
» إن أراد به قول صالح في الحسن بن زياد: «يتهم بداء سوء» ، فليس بقذف، كما لا يخفى على ذي فقه.
أولًا: لأن صالحًا لم يُثبت، وإنما ذكر أن الحسن يُتَّهم، أي: يتهمه بعض الناس. وفي كتب الحنفية أنفسهم: «إن قال: قد أُخْبِرْتُ بأنك زانٍ لم يكن فيه حد»
(1)
.
ثانيًا: لأنه لم يُثبت الفعل، وإنما أثبت اتهامَ بعض الناس.
ثالثًا: لم يذكر صريح الزنا، وإنما قال:«بداء سوء» ، وأدواء السوء كثيرة؛ بل لعل تلك الكلمة لا تعريض فيها بموجِب الحد، وإنما المراد بداء السوء ما دون الفاحشة. ولم تقتصر حال اللؤلؤي على التهمة بما دون الفاحشة، بل شهد عليه الأئمة الأثبات بفعله في الصلاة، كما سلف في ترجمة الخطيب
(2)
، وتراه في ترجمة اللؤلؤي من «لسان الميزان»
(3)
وغيره. وصالح مكلَّف شرعًا بإخبار سائله عن اللؤلؤي بحاله فيما يقتضي عدالتَه أو جرحَه. وقد نصَّ جماعة من أهل العلم على أن قاصد الجرح إذا قال في
(1)
انظر «المبسوط» : (9/ 120)، و «بدائع الصنائع»:(7/ 44).
(2)
رقم (26).
(3)
(3/ 48).