الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
78 - الحسن بن علي بن محمد أبو علي ابن المُذْهِب التميمي:
له ذِكْر في ترجمة الخطيب، وتكلم فيه الأستاذ في موضع آخر. وحاصل الكلام أن الخطيب قال في «التاريخ» (ج 7 ص 390):«كان يروي عن ابن مالك القطيعي «مسند أحمد بن حنبل» بأسره. وكان سماعه صحيحًا إلا لأجزاء منه، فإنه ألحق اسمَه فيها. وكذلك فعل في أجزاء من «فوائد ابن مالك» . وكان يروي عن ابن مالك أيضًا كتاب «الزهد» لأحمد بن حنبل، ولم يكن له به أصل عتيق وإنما كانت النسخة بخطه كَتَبها بأخَرَة. وليس بمحلٍّ للحجة. حدثنا ابن المُذْهِب
…
ثنا ابن مالك وأبو سعيد الحُرَقي قالا: ثنا أبو شعيب الحرَّاني، ثنا البابْلُتِّي
…
وجميع ما كان عند ابن مالك عن أبي شعيب جزء واحد وليس هذا الحديث فيه. حدثني ابن المذهب، حدثنا محمد بن إسماعيل الوراق، وعلي بن عمر الحافظ، وأبو عمر بن مهدي قالوا: حدثنا الحسين بن إسماعيل
…
فأنكرته عليه وأعلمتُه أن هذا الحديث لم يكن عند أبي عمر بن مهدي، فأخذ القلم وضرب على اسم ابن مهدي. وكان كثيرًا يَعرض عليَّ أحاديثَ في أسانيدها أسماءُ قوم غير منسوبين، ويسألني [1/ 234] عنهم، فأذكر له أنسابهم، فيلحقها في تلك الأحاديث، ويزيدها في أصوله موصولةً بالأسماء. وكنت أنكر عليه هذا الفعل، فلا ينثني عنه».
أقول: أما الأمر الأول ــ وهو إلحاق السماع ــ فأجاب ابن الجوزي في «المنتظم» (ج 8 ص 155) بقوله: «هذا لا يوجب القدح، لأنه إذا تبين سماعَه للكتاب جاز أن يكتب سماعه بخطه. والعجب من عوام المحدثين كيف يجيزون قول الرجل: أخبرني فلان، ويمنعون أن يكتب سماعه بخط نفسه أو
إلحاق سماعه فيها بما يتقنه! ».
أقول: جرت عادتهم بكتابة السماع وأسماء السامعين في كلّ مجلس، فمن لم يسمَّع له في بعض المجالس دلَّ ذلك على أنه فاته، فلم يسمعه. فإذا ادعى بعد ذلك أنه سمعه ارتابوا فيه، لأنه خلاف الظاهر. فإذا زاد فألحق اسمه أو تسميعه بخط يحكي به خطَّ كاتب التسميع الأول قالوا: زَوَّر. والظاهر أن هذا لم يقع من ابن المذهب، ولو كان وقع لبالغ الخطيب في التشنيع، وإنما ألحق ما ألحق بخطه الواضح. ولا ريب أن من استيقن أنه سمع جاز له أن يُخبرَ أو يكتبَ أنه سمع، وأن من ثبتت
(1)
عدالتُه وأمانتُه ثم ادعى سماعًا ولا معارض له، أو يعارضه ما مرَّ ولكن له عذر قريب كأن يقول: فاتني أولًا ذلك المجلس وكان الشيخ يعتني بي فأعاده لي وحدي، ولم يحضر كاتب التسميع= فإنه يُقبل منه. ولعل هذا هو الواقع، فقد دلَّ اعتمادُ الخطيب عليه في كتاب «الزهد» كما يأتي واقتصارُه في الحكم على قوله:«ليس بمحل للحجة» أنه كان عنده صدوقًا.
وذكر ابن نقطة كما في «الميزان»
(2)
أن مسنَدَي فضالة بن عبيد وعوف بن مالك وأحاديث من مسند جابر لم تكن في كتاب ابن المذهِب، وهي ثابتة في رواية غيره عن شيخه. قال:«ولو كان يُلحق اسمه ــ كما زعم الخطيب ــ لألحَقَ ما ذكرناه» . يعني لو كان يُلحق اسمه فيما لم يسمَع. والخطيب لم يقل ذلك، وإنما أطلق أنه ألحق اسمه؛ لأن ثبوت السماع
(1)
(ط): «تثبت» والصواب ما أثبت.
(2)
(2/ 34)، وكلام ابن نقطة في «التقييد لرواة السنن والمسانيد»:(1/ 280).
بمجرّد الدعوى مع الصدق ليس في درجة ثبوته بالبينة. وقد قال الخطيب في «الكفاية» (ص 109): «ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز، فتوقف عن الاحتجاج بخبره
…
رجاء إن كان الراوي حيًّا أن يحمله ذلك على التحفظ
…
وإن كان ميتًا أن يُنزِّله من ينقل عنه منزلته، فلا يُلحقه بطبقة السالمين من [1/ 235] ذلك المغمز
…
». وقال شجاع الذهلي: «كان شيخًا عسِرًا في الرواية، وسمع الكثير، ولم يكن ممن يُعتمد عليه في الرواية، كأنه خلط في شيء من سماعه» . وقال السِّلَفي: «كان مع عُسْرِه متكلَّمًا فيه
…
». والعَسِرُ في الرواية هو الذي يمتنع من تحديث الناس إلا بعد الجهد، وهذه الصفة تنافي التزيُّد ودعوى سماع ما لم يسمع. إنما يدعي سماعَ ما لم يَسمع من له شهوة شديدة في ازدحام الناس عليه وتكاثُرهم حوله، ومن كان هكذا كان من شأنه أن يتعرض للناس يدعوهم إلى السماع منه ويرغِّبهم في ذلك. فأما من يأبى التحديث بما سمع إلا بعد جهد، فأيُّ داع له إلى التزيُّد؟
وأما الأمر الثاني: وهو قضية كتاب «الزهد» ، فقد قال السِّلَفي عقب ما مرَّ عنه:«حدَّث بكتاب الزهد ــ بعد ما عدِمَ أصلَه ــ من غير أصله» . فدل هذا على أنه كان لابن المُذْهِب أصل بكتاب «الزهد» ، ولكن عدِمَه وبقيت عنده نسخة بخطه، فلعله كان قد عارضها بأصله أو أصل آخر علِمَ مطابقته لأصله. ويقوِّي ذلك أن الخطيب نفسه سمع منه كتاب «الزهد» ، وروى منه أشياء.
وأما الأمر الثالث: وهو قول الخطيب: «وليس بمحلٍّ للحجة» ؛ فحاصله أنها لا تقوم الحجة بما يتفرد به. وهذا لا يدفع أن يُعتمد عليه في الرواية عنه من مصنَّف معروف: كـ «المسند» ، و «الزهد» . وسيأتي في ترجمة
عبد العزيز بن الحارث
(1)
طعنُهم فيه، وتشنيعُهم عليه، وتشهيرُهم به بسبب حديثين نسبهما إلى «المسند» ، وهم يرون أنهما ليسا منه. ولم يغمزوا ابن المُذهِب بشيء ما من هذا القبيل، وذلك يدل أوضح دلالة على علمهم بمطابقة نسختيه اللتين كان يروي منهما «المسند» و «الزهد» لسائر النسخ الصحيحة. فالكلام فيه وفي شيخه لا يقتضي أدنى خَدْش في صحة «المسند» و «الزهد» ، فليخسأ أعداء السنة!
وأما الخبران اللذان ذكرهما الخطيب، فالذي يظهر لي أن ابن المُذْهِب كان يتعاطى التخريج من أصول بعض الأحاديث، فيكتب الحديث من طريق شيخ من شيوخه، ثم يتصفح أصوله؛ فإذا وجد ذاك الحديث قد سمعه من شيخ آخر بذاك السند كتَبَ اسم ذاك الشيخ مع اسم الشيخ الأول في تخريجه، وهكذا، وهذا الصنيع مظِنَّة للغلط، كأنْ يريد أن يكتب [1/ 236] اسم الشيخ على حديث، فيخطئ، فيكتبه على حديث آخر. أو يرى السند متفقًا، فيتوهم أن المتن متفق، وإنما هو متن آخر، وأشباه ذلك. وقد قال ابن معين:«من سمع من حماد بن سلمة الأصناف ففيها اختلاف، ومن سمع منه نسخًا فهو صحيح»
(2)
. وقال يعقوب بن سفيان في سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي: «كان صحيح الكتاب إلا أنه كان يحوِّل، فإن وقع فيه شيء فمن النقل، وسليمان ثقة»
(3)
. والمراد بأصناف حماد وتحويل سليمان نحوُ ما ذكرتُ من التخريج. وكأنّ ابن المُذْهِب شعر بهذا من نفسه، ولذلك ضرب
(1)
رقم (144).
(2)
انظر «التهذيب» : (3/ 12).
(3)
انظر «التهذيب» : (4/ 208).