المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3).34 -أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس الحماني - التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ١٠

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌1 ــ فصل

- ‌ 2 ـ فصل

- ‌3 ــ فصل

- ‌4 ــ فصل

- ‌ 5 ـ فصل

- ‌القسم الأول في القواعد

- ‌1 - رمي الراوي بالكذب في غير الحديث النبوي

- ‌ 2 - التهمة بالكذب

- ‌3 ــ رواية المبتدع

- ‌4 ــ قدح الساخط ومدح المحب ونحو ذلك

- ‌5 - هل يشترط تفسير الجرح

- ‌تحقيق: أن الجرح المجمل يثبت به جرحُ مَن لم يعدَّل

- ‌ 62] 6 - كيف البحث عن أحوال الرواة

- ‌ 73] 7 - إذا اجتمع جرح وتعديل فبأيهما يعمل

- ‌8 - قولهم: من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إلا

- ‌ 9 - مباحث في الاتصال والانقطاع

- ‌المبحث الأول: في رواية الرجل بصيغة محتملة للسماع عمن عاصره، ولم يثبت لقاؤه له

- ‌المبحث الثالث: لا يكفي احتمال المعاصرة

- ‌القسم الثانيفي التراجم

- ‌1 - أَبان بن سفيان

- ‌2 - [1/ 85] إبراهيم بن بشّار الرمادي

- ‌3 - [1/ 87] إبراهيم بن الحجاج

- ‌4 - إبراهيم بن راشد الأَدَمِيّ

- ‌5 - إبراهيم بن سعيد الجوهري

- ‌6 - إبراهيم بن شَمَّاس

- ‌7 - إبراهيم بن أبي الليث

- ‌9 - إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو إسحاق المزكِّي النيسابوري

- ‌10 - إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الجُوزَجاني

- ‌11 - أحمد بن إبراهيم

- ‌13 - أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم

- ‌15 - أحمد بن الحسن بن خيرون

- ‌16 - أحمد بن خالد الكرماني

- ‌17 - أحمد بن الخليل

- ‌18 - أحمد بن سعد بن أبي مريم

- ‌19 - [1/ 110] أحمد بن سلمان النجَّاد

- ‌20 - أحمد بن صالح أبو جعفر المصري المعروف بابن الطبري

- ‌21 - أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبو نُعيم الأصبهاني الحافظ

- ‌22 - أحمد بن عبد الله الأصبهاني

- ‌23 - أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن العكي

- ‌24 - أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود

- ‌25 - أحمد بن عُبيد بن ناصح أبو عَصيدة النحوي

- ‌ النظر في عقيدة الخطيب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌27 - أحمد بن علي بن مسلم أبو العباس الأ بَّار

- ‌28 - [1/ 161] أحمد بن الفضل بن خزيمة

- ‌29 - أحمد بن كامل القاضي

- ‌30 - أحمد بن محمد بن الحجاج أبو بكر المرُّوذي

- ‌31 - أحمد بن محمد بن الحسين الرازي

- ‌3).34 -أحمد بن محمد بن الصَّلْت بن المغلِّس الحِمَّاني

- ‌35 - أحمد بن محمد بن عبد الكريم أبو طلحة الفزاري الوساوسي:

- ‌36 - أحمد بن محمد بن عمر المنكدري:

- ‌37 - أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست أبو عبد الله العلَّاف:

- ‌38 - أحمد بن المعذَّل

- ‌39 - أحمد بن موسى النجَّار:

- ‌40 - أحمد بن يونس:

- ‌41 - الأحوص بن الجوَّاب أبو الجوَّاب:

- ‌42 - إسحاق بن إبراهيم الحُنَيني:

- ‌43 - إسحاق بن إبراهيم الموصلي:

- ‌44 - إسحاق بن عبد الرحمن:

- ‌47 - إسماعيل بن إبراهيم بن مَعْمَر أبو معمَرالهذلي الهروي الكوفي:

- ‌48 - إسماعيل بن بِشر بن منصور السُّلَيمي أبو بِشر البصري:

- ‌49 - إسماعيل بن أبي الحكم:

- ‌50 - إسماعيل بن حمدويه:

- ‌51 - إسماعيل بن عَرْعَرة:

- ‌52 - إسماعيل بن عيّاش الحمصي:

- ‌53 - إسماعيل بن عيسى بن علي الهاشمي:

- ‌54 - الأسود بن سالم:

- ‌55 - أصبغ بن خليل القرطبي:

- ‌56 - أنس بن مالك صاحب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌57 - أيوب بن إسحاق بن سافري:

- ‌58 - بشر بن السَّرِيّ:

- ‌59 - بقيَّة بن الوليد:

- ‌60 - تمَّام بن محمد بن عبد الله الأَذَني:

- ‌61 - [1/ 214] ثعلبة بن سهيل التميمي الطُّهَوي:

- ‌62 - جرَّاح بن منهال أبو العطوف:

- ‌63 - جرير بن عبد الحميد:

- ‌64 - جعفر بن محمد بن شاكر:

- ‌65 - جعفر بن محمد الصندلي:

- ‌66 - [1/ 219] جعفر بن محمد الفِرْيابي:

- ‌67 - حاجب بن أحمد الطوسي:

- ‌68 - الحارث بن عُمير البصري

- ‌69 - [1/ 225] حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك:

- ‌70 - الحجاج بن أرطاة:

- ‌71 - الحجاج بن محمد الأعور:

- ‌72 - حرب بن إسماعيل الكِرماني السِّيرجاني:

- ‌73 - الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان أبو علي بن أبي بكر:

- ‌74 - الحسن بن الحسين بن العباس بن دُوما النِّعالي:

- ‌75 - الحسن بن الربيع أبو علي البَجَلي الكوفي:

- ‌76 - الحسن بن الصبَّاح أبو علي البزار الواسطي:

- ‌77 - الحسن بن علي بن محمد الحُلْواني

- ‌78 - الحسن بن علي بن محمد أبو علي ابن المُذْهِب التميمي:

- ‌79 - الحسن بن الفضل البُوصَرائي:

- ‌80 - الحسين بن أحمد الهروي الصَّفَّار:

- ‌81 - [1/ 238] الحسين بن إدريس الهروي:

- ‌82 - الحسين بن حُميد بن الربيع:

- ‌83 - الحسين بن عبد الأول:

- ‌84 - الحسين بن علي بن يزيد الكَرابيسي:

- ‌85 - حماد بن سَلَمة بن دينار:

- ‌الوجه الثاني: أنه تغيَّر بأَخَرة

- ‌86 - حنبل بن إسحاق:

- ‌88 - خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك:

- ‌89 - داود بن المحبَّر:

- ‌90 - دَعْلَج بن أحمد السِّجْزي:

- ‌91 - الربيع بن سليمان المرادي:

- ‌92 - رجاء بن السندي:

- ‌93 - رَقَبة بن مَصْقَلة:

- ‌94 - زكريّا بن يحيى السّاجي:

- ‌95 - [1/ 257] سالم(1)بن عصام:

- ‌96 - سعيد بن سَلْم بن قتيبة بن مسلم(4)الباهلي الأمير:

- ‌97 - سعيد بن عامر الضُّبَعي:

- ‌98 - سفيان بن سعيد الثوري:

- ‌99 - [1/ 263] سفيان بن عُيينة:

- ‌100 - سفيان بن وكيع:

- ‌101 - سلَّام بن أبي مُطيع:

- ‌1).102 -سلامة بن محمود القيسي:

- ‌103 - سلمة بن كُلْثوم:

- ‌104 - سليمان بن عبد الله:

- ‌105 - سليمان بن عبد الحميد البَهْراني:

- ‌106 - سليمان بن فُليَح:

- ‌107 - سُنَيد بن داود

- ‌108 - شريك بن عبد الله النخعي القاضي:

- ‌109 - صالح بن أحمد:

- ‌110 - صالح بن محمد التميمي الحافظ الملقب «جَزَرة»:

- ‌111 - الصقر بن عبد الرحمن بن مالك بن مِغْوَل:

- ‌112 - ضِرَار بن صُرَد:

- ‌1).(2)113 -طريف بن عبيد الله:

- ‌114 - طَلْق بن حبيب:

- ‌115 - عامر بن إسماعيل أبو معاذ البغدادي:

- ‌116 - عبَّاد بن كَثِير:

- ‌117 - عبد الله بن أُبيّ القاضي:

- ‌118 - عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني:

- ‌119 - عبد الله بن جعفر بن دَرَسْتوَيه

- ‌120 - عبد الله بن خُبَيْق

- ‌121 - عبد الله بن الزبير أبو بكر الحُمَيدي

- ‌122 - عبد الله بن سعيد:

- ‌123 - عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبو بكر بن أبي داود السجستاني

- ‌ من عادة المحدثين التباهي بالإغراب

- ‌124 - عبد الله بن صالح:

- ‌125 - عبد الله بن عدي أبو أحمد الجرجاني الحافظ مؤلف «الكامل»

- ‌1)126 -عبد الله بن عمر بن الرمَّاح:

- ‌127 - عبد الله بن عَمْرو أبو معمر المِنْقَري:

- ‌128 - عبد الله بن محمد بن حميد أبو بكر بن أبي الأسود:

- ‌129 - عبد الله بن محمد بن جعفر بن حَيّان أبو الشيخ الأصبهاني الحافظ:

- ‌130 - عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني:

- ‌132 - عبد الله بن محمد بن سيَّار الفَرْهَيَاني

- ‌134 - عبد الله بن محمد العَتَكي:

- ‌135 - عبد الله بن محمود:

- ‌136 - عبد الله بن معمر:

- ‌137 - عبد الأعلى بن مُسْهِر أبو مُسْهِر الدمشقي:

- ‌138 - عبد الرحمن بن الحكم بن بشير بن سلمان:

- ‌139 - عبد الرحمن بن عمر الزّهْري أبو الحسن الأصبهاني الأزرق، المعروف برُسْته:

- ‌140 - عبد الرحمن بن محمد بن إدريس أبو محمد بن أبي حاتم الرازي:

- ‌141 - عبد الرزاق بن عمر البَزِيعي

- ‌1).142 -عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي

- ‌143 - عبد السلام بن محمد الحضرمي

- ‌144 - عبد العزيز بن الحارث أبو الحسن التميمي

- ‌146 - عبد الملك بن قُريب الأصمعي:

- ‌147 - عبد الملك بن محمد أبو قِلابة الرقاشي:

- ‌148 - عبد المؤمن بن خلف أبو يعلى التميمي النسفي الحافظ:

- ‌149 - عبد الواحد بن عليّ بن بَرْهان العكبري:

- ‌150 - عبد الوارث بن سعيد أبو عبيدة التنُّوري:

- ‌151 - عَبْد بن أحمد أبو ذر الهروي:

- ‌152 - عُبيد الله بن عبد الكريم أبو زُرْعة الرازي:

- ‌153 - عبيد الله بن محمد بن حمدان أبو عبد الله ابن بطة العكبري

- ‌154 - عُبيدة الخراساني:

- ‌155 - عثمان بن أحمد أبو عَمرو بن السَّمَّاك الدقَّاق

- ‌156 - عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ:

- ‌157 - عليّ بن أحمد أبو الحسن المعروف بابن طيبة الرزَّاز:

- ‌158 - علي بن إسحاق بن عيسى بن زاطيا:

- ‌159 - [1/ 350] عليّ بن جرير الباوردي:

- ‌160 - علي بن زيد الفرائضي:

- ‌161 - علي بن صدقة:

- ‌162 - علي بن عاصم:

- ‌164 - علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن الدارقطني:

- ‌165 - عليّ بن عمر بن محمد:

- ‌166 - عليّ بن محمد بن سعيد الموصلي:

- ‌167 - علي بن محمد بن مهران السوّاق:

- ‌168 - عليّ بن مِهران الرازي:

- ‌169 - عمار بن زُرَيق:

- ‌170 - عمر بن الحسن أبو الحسين الشيباني القاضي المعروف بابن الأُشناني:

- ‌171 - عمر بن قيس المكي:

- ‌172 - عمر بن محمد بن عمر بن الفياض:

- ‌173 - عمر بن محمد بن عيسى السَّذابي الجوهري:

- ‌174 - عَمْرو بن علي بن بحر أبو حفص الفلَّاس:

- ‌175 - عمران بن موسى الطائي:

- ‌176 - عنبسة بن خالد:

- ‌177 - فهد بن عوف أبو ربيعة

- ‌178 - القاسم بن حبيب:

- ‌179 - القاسم بن عثمان:

- ‌180 - القاسم بن محمد بن حميد المَعْمري

- ‌181 - قَطَن بن إبراهيم:

- ‌182 - قيس بن الربيع:

- ‌183 - مالك بن أنس الأصبحي الإمام:

- ‌184 - محبوب بن موسى أبو صالح الفراء:

- ‌185 - محمد بن إبراهيم بن جناد المنقري:

- ‌186 - [1/ 388] محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن الغطريف أبو أحمد الجرجاني الغِطريفي

- ‌187 - [1/ 390] محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق، يعرف بابن رزق وبأبي رزقويه:

- ‌1).188 -محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الأَدَمي:

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌190 - محمد بن أبي الأزهر:

- ‌191 - محمد بن إسحاق بن خزيمة:

- ‌192 - محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري صاحب «الصحيح»:

- ‌194 - محمد بن أعيَن أبو الوزير:

- ‌195 - محمد بن بشّار بُنْدار:

- ‌1)196 -محمد بن جابر اليمامي:

- ‌197 - محمد بن جعفر الأدمي:

- ‌198 - محمد بن جعفر الأنباري:

- ‌1).199 -محمد بن جعفر الراشدي:

- ‌200 - محمد بن حبّان أبو حاتم البُسْتي الحافظ:

- ‌201 - محمد بن الحسن بن محمد بن زياد النقاش:

- ‌202 - [1/ 439] محمد بن الحسين بن حُميد بن الرّبيع:

- ‌203 - محمد بن حماد:

- ‌204 - محمد بن حمدويه أبو رجاء المروزي:

- ‌205 - محمد بن رَوح:

- ‌206 - محمد بن سعد العوفي:

- ‌207 - محمد بن سعيد البُورَقي:

- ‌208 - محمد بن الصقر بن عبد الرحمن:

- ‌209 - [1/ 450] محمد بن العباس بن حَيّويه أبو عمر الخزّاز:

- ‌210 - محمد بن عبد الله بن أبان أبو بكر الهِيتي:

- ‌211 - محمد بن عبد الله بن إبراهيم أبو بكر الشافعي:

- ‌212 - محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الحافظ، لقبه «مُطَيَّن»:

- ‌213 - محمد بن عبد الله بن عبد الحكم:

- ‌214 - محمد بن عبد الله بن عمّار الموصلي الحافظ:

- ‌215 - محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه أبو عبد الله الضبّي الحاكم النيسابوري:

- ‌216 - محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو المفضّل الشيباني:

- ‌217 - محمد بن عُبيد الطنافسي:

- ‌218 - محمد بن أبي عتّاب أبو بكر الأعْيَن:

- ‌219 - محمد بن عثمان بن أبي شيبة:

- ‌220 - محمد بن علي أبو جعفر الورَّاق، لقبه حمدان:

- ‌221 - محمد بن علي بن الحسن بن شقيق:

- ‌222 - محمد بن علي بن عطية أبو طالب المكي:

- ‌223 - محمد بن علي البلخي:

- ‌224 - محمد بن علي أبو العلاء الواسطي القاضي:

- ‌225 - محمد بن عُمر بن محمد بن بَهْتة:

- ‌226 - محمد بن عَمْرو العُقيلي الحافظ:

- ‌227 - [1/ 466] محمد بن عوف:

- ‌228 - محمد بن الفضل السدوسي المشهور بعارم:

- ‌2).(3)229 -محمد بن فليح بن سليمان

- ‌230 - محمد بن كثير العبدي:

- ‌231 - محمد بن كثير المصيصي:

- ‌232 - محمد بن محمد بن سليمان الباغندي وأبوه:

- ‌233 - [1/ 472] محمد بن المظفّر بن إبراهيم أبو الفتح الخياط:

- ‌234 - محمد بن معاوية الزيادي:

- ‌235 - محمد بن موسى البربري:

- ‌236 - محمد بن ميمون أبو حمزة السُّكَّري:

- ‌237 - محمد بن نصر بن مالك:

- ‌239 - محمد بن يوسف الفريابي:

- ‌240 - محمد بن يونس الجمال:

- ‌241 - محمد بن يونس الكُدَيمي:

- ‌242 - محمود بن إسحاق بن محمود القوّاس:

- ‌243 - مسدَّد بن قَطَن:

- ‌244 - مسلم بن أبي مسلم:

- ‌245 - المسيّب بن واضح:

- ‌246 - مصعب بن خارجة بن مصعب:

- ‌248 - معبد بن جمعة أبو شافع:

- ‌249 - المفضّل بن غسان الغِلَابي:

- ‌250 - منصور بن أبي مزاحم:

- ‌251 - موسى بن إسماعيل أبو سلمة التَّبُوذَكي:

- ‌252 - موسى بن المساور أبو الهيثم الضبّي:

- ‌253 - مؤمّل بن إسماعيل:

- ‌254 - مؤمَّل بن إهاب:

- ‌255 - مهنَّأ بن يحيى:

- ‌256 - نصر بن محمد البغدادي:

- ‌257 - النضر بن محمد المروزي:

- ‌258 - [1/ 493] نُعيم بن حمّاد:

- ‌259 - الوضّاح بن عبد الله أبو عَوانة أحد الأئمة:

- ‌260 - الوليد بن مسلم:

- ‌261 - هشام بن عُروة بن الزبير بن العوَّام:

- ‌262 - هشام بن محمد بن السائب الكلبي:

- ‌263 - الهيثم بن جميل:

- ‌264 - يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي الأصل الدمشقي:

- ‌265 - يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني:

- ‌266 - يزيد بن يوسف الشامي:

- ‌267 - [1/ 508] يعقوب بن سفيان بن جُوَان الفارسي أبو يوسف الفَسَوي:

- ‌268 - يوسف بن أسباط:

- ‌269 - أبو الأخنس الكناني:

- ‌270 - أبو جزي بن عمرو بن سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي:

- ‌271 - [1/ 511] أبو جعفر:

- ‌272 - أبو محمد:

- ‌273 - ابن سختويه بن مازيار:

- ‌مستدرك

الفصل: ‌3).34 -أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس الحماني

ويرحل إليك أهل بغداد. قال: وسمعت ابن مُكْرم يقول: كُنَّا

(1)

عند ابن عثمان بن سعيد في بيت، وقد وضع بين أيدينا كتبًا كثيرة، فنَزع ابن عقدة سراويله، وملأه منها سرًّا من الشيخ ومنَّا، فلما خرجنا قلنا: ما هذا الذي تحمله؟ فقال: دعونا من ورعكم هذا!». وفيه أيضًا: «وقال ابن الهَرَواني (؟)

(2)

: أراد الحضرمي أبو جعفر ــ يعني مُطيَّنًا ــ أن ينشر أن ابن عقدة كذَّاب، ويصنِّف في ذلك، فتوفي رحمه الله قبل أن يفعل».

أقول: الذي يتحرَّر من هذه النقول وغيرها أن ابن عقدة ليس بعمدة، وفي سرقة الكتب، والأمر بالكذب، وبناء الرواية عليه= ما يمنع الاعتماد على الرجل فيما ينفرد به. وانظر ما يأتي في ترجمتي محمد بن حسين بن حميد، ومحمد بن عثمان (‌

‌3).

34 -

أحمد بن محمد بن الصَّلْت بن المغلِّس الحِمَّاني

.

وقد ينسب إلى جده وإلى أبي جده، ويقال له: أحمد بن عطية، وغير ذلك. أخرج الخطيب من طريقه في مناقب أبي حنيفة عدة حكايات، ثم أخرج عنه (13/ 419 [449 - 450]) حكايتين:

(1)

(ط): «لنا» تصحيف.

(2)

كذا وضع المؤلف علامة الاستفهام شكًّا في الاسم، وهو صحيح على الصواب، وهو محمد بن عبد الله بن الحسين أبو عبد الله القاضي الجعفي الكوفي (ت 402). ترجمته في «تاريخ بغداد»:(5/ 472 - 473)، و «الجواهر المضيئة»:(3/ 186 - 187). وانظر ضبط (الهرواني) في «اللباب» : (3/ 289).

(3)

(رقم 202 و 219).

ص: 284

[1/ 171] الأولى: قوله: «سمعتُ يحيى بن معين وهو يُسأل عن أبي حنيفة: أثقةٌ هو في الحديث؟ قال: نعم، ثقة ثقة، كان والله أورع من أن يكذب، وهو أجلُّ قدرًا من ذلك» .

الثانية: قوله: «سُئل يحيى بن معين: هل حدَّث سفيان عن أبي حنيفة؟ قال: نعم، كان أبو حنيفة ثقة صدوقًا في الحديث والفقه، مأمونًا على دين الله» .

ثم قال الخطيب: «أحمد بن الصَّلْت هو أحمد بن عطية، وكان غير ثقة» .

قال الأستاذ (ص 165): «سبق أن تحدثتُ عن أحمد بن الصَّلْت هذا في هامش (ص 353) من «تاريخ الخطيب»

».

أقول: عبارته هناك: «وعنه يقول ابن أبي خيثمة لابنه عبد الله: اكتب عن هذا الشيخ يا بني، فإنه كان يكتب معنا في المجالس منذ سبعين سنة. وفي شيوخه كثرة، وقد أخذ عنه أناس لا يحصون من الرواة. وتحامل ابنُ عديّ عليه كتحامله على البغوي، ولعل ذنبه كونه ألَّف في مناقب النعمان. وحديث ابن جزء لم ينفرد هو بروايته [بل له متابع]

(1)

. والكلام في حقه طويل الذيل، ومن الغريب أنه إذا طعن طاعن في رجل تجد أسرابًا من ورائه يردِّدون صدى الطاعن، أيًّا كانت قيمة طعنه».

أقول: أما الحكاية عن ابن أبي خيثمة، فأعادها الأستاذ في «التأنيب» (ص 167) ثم أتبعها بقوله:«وهذا مما يغيظ الخطيب جدًّا، ويحمله على ركوب كلِّ مركب للتخلُّص منه بدون جدوى» .

(1)

مستدركة من هامش «التاريخ» .

ص: 285

وقد نعيتُ على الأستاذ في «الطليعة» (ص 93)

(1)

أنه: «يتعارف المجاهيل ويحتج بروايتهم إذا كانت روايتهم توافق هواه» . ثم ذكرت (ص 93) هذه الحكاية، وقلت:«كذا قال، ثم لم يبيِّن ما يُعرف به أولئك الذين جهلهم الخطيب» . فتعامى الأستاذ في «الترحيب» عن ذلك، فلم يذكر فيه شيئًا! فلننظر في سند هذه الحكاية أصحيح هو؟ حتى يسوغ للأستاذ أن يجزم بقوله:«يقول ابن أبي خيثمة» . وماذا قال الخطيب في هذه الحكاية؟ أرَكِبَ كلَّ مركبٍ للتخلص منها بدون جدوى؟

قال الخطيب (ج 4 ص 209): «أخبرنا علي بن المحسِّن التنوخي، حدثني أبي، ثنا أبو بكر محمد بن [1/ 172] حمدان بن الصباح النيسابوري بالبصرة، حدثنا أبو علي الحسن بن محمد الرازي، قال: قال لي عبد الله بن أبي خيثمة: قال لي أبي أحمد بن أبي خيثمة: اكتب عن هذا الشيخ يا بُني، فإنه يكتب معنا في المجالس منذ سبعين سنة ــ يعني أبا العباس أحمد بن الصلت المغلِّس الحِمَّاني»

قال الخطيب: «قلت: لا أُبعِد أن تكون هذه الحكاية موضوعة، وفي إسنادها غير واحد من المجهولين، وحالُ أحمد بن الصلت أظهر من أن يقع فيها الريبة» .

فلندع الجملة الأولى والثالثة، ولننظر في الوسطى، هل جميع رجال السند معروفون ثقات، حتى يسوغ للأستاذ أن يعوِّل بدون جدوى، وأن يجزم بنسبة ذاك القول إلى ابن أبي خيثمة؟ أما عليّ بن المحسِّن وأبوه

(1)

(ص 72).

ص: 286

فمعروفان. فمَن أبو بكر محمد بن حمدان بن الصباح النيسابوري؟ ومَن شيخه؟ وهل يُعرف لابن أبي خيثمة ابنٌ اسمه عبد الله؟

أما الأول ففي «لسان الميزان» (ج 5 ص 147)

(1)

: «محمد بن حمدان بن الصباح النيسابوري عن الحسن بن محمد الرازي، وعنه علي بن الحسن

(2)

(صوابه: المحسِّن) التنوخي. قال الخطيب: مجهول». ولم يتعقبه بشيء. نعم، عرفنا محمد بن حمدان هذا بأنه يروي فيُكثِر عن ابن الصلت صاحب هذه الترجمة، وعنه التنوخي. أخرج الخطيب في مناقب أبي حنيفة بهذا الطريق عدة حكايات منها في (ص 339) مرتين، وفي (ص 340 وص 343 وص 345

(3)

وص 346 وص 353 وص 358) وأكِلُ الاستنتاجَ إلى القارئ.

وأما الثاني: ففي «لسان الميزان» (ج 2 ص 253)

(4)

: «الحسن بن محمد بن نصر بن عثمان بن الوليد بن مدرك الرازي أبو محمد (كذا) المتطيب

(5)

، قال الحاكم: قدم نيسابور سنة 337، وكان يحدِّث عن

(1)

(7/ 104).

(2)

الذي وقع في «اللسان» بطبعاته المتعددة: «الحسن بن علي» فتصحّف «المحسِّن» إلى «الحسن» . ويبدو أن الاسم انقلب على المؤلف فالثابت في «اللسان» : «المحسّن بن علي» وهو الذي يروي عن محمد بن حمدان كما في الأسانيد التي أشار إليها المؤلف، وليس ابنه «عليّ بن المحسّن» .

(3)

في (ط): «ص 443 وص 445) خطأ.

(4)

(3/ 118 - 119).

(5)

كذا في (ط) تبعًا للطبعة التي ينقل منها المؤلف، وفي المحققة:«المتطبّب» .

ص: 287

الكُدَيمي وأقرانه بعجائب. فمنها:

» فذكر حكايةً. قال ابن حجر: «قلت: هذا لا يحتمله الكُدَيمي وإن كان ضعيفًا. وروى الخطيب في «تاريخه» عن علي بن الحسن (كذا) بن علي التنوخي، عن أبيه، عن أبي بكر بن أحمد (كذا)

(1)

النيسابوري، عن الحسن بن محمد الرازي، عن محمد (كذا)

(2)

بن أحمد بن أبي خيثمة حكاية باطلة، وقال: في إسنادها غير واحد من المجهولين، وعنى بذلك الحسنَ بن محمد والراويَ عنه».

أقول: وللحسن هذا عجائب في «مناقب أبي حنيفة» للموفَّق.

[1/ 173] وأما الثالث: فلم أر أحدًا ذكر أن لأحمد بن أبي خيثمة ابنًا اسمه عبد الله، وما سبق عن ابن حجر مِن جعله بدل عبد الله «محمد» . فهل وقع في نسخته من تاريخ الخطيب «محمد» ، أم وقع فيها «أبو عبد الله» وهي كنية محمد، أم وقع فيها ــ كما في النسخ المطبوع عنها ــ «عبد الله» ، ولكنه ظن أن الصواب «أبو عبد الله» ، وأن كلمة «أبو» سقطت من الناسخ؟ الأشبه هذا الثالث، ولو تمَّ هذا لنجا الثالث من الجهالة والضعف، فإن أبا عبد الله محمد بن أحمد بن أبي خيثمة معروف ثقة، لكن وجدت الحكاية في «تهذيب تاريخ ابن عساكر» (ج 2 ص 57) وفيها «عبد الله» ، فضعُفَ ما ظنَّه ابن حجر. هذا حال الإسناد، فكيف ترى حال الأستاذ!

وهَبْ أن الحكاية صحَّت عن أحمد بن أبي خيثمة، فأيّ شيء فيها؟ لم

(1)

هذا الموضع والذي سبقه وقعا في الطبعة المحققة على الصواب «بن المحسن

أبي بكر بن حمدان».

(2)

وهو كذلك في الطبعة المحققة.

ص: 288

يُعرف ابن أبي خيثمة بالتوقِّي عن الرواية عن الضعفاء، فضلًا عن الكتابة عنهم. بل عامة المحدِّثين يكتبون عن كل أحد، إلا أن منهم أفرادًا كانوا يتقون أن يرووا إلا عن ثقة، ويكتبون عن الضعفاء للمعرفة، كما مر في ترجمة الإمام أحمد

(1)

مِن نَظَرِه في كتب الواقدي. وأحمد بن أبي خيثمة وابنه محمد، لو اتجه ظنُّ ابن حجر، كانا مشتغِلَين بجمع «التاريخ» ، والتاريخ يحتاج إلى موادَّ وتسامحٍ في الرواية عن الضعفاء، فلو صحت القضية لما كان فيها إلا شهادة ابن أبي خيثمة لابن الصلت أنه كان يكتب معهم من زمان طويل. وبذلك علَّل أمرَ ابنِه بالكتابة عنه، على ما جرت عادتهم من الحرص على الكتابة عن المعمَّر، ولو كان ضعيفًا، رغبةً في العلوِّ. وعلى كل حال فليس فيها توثيق.

قول الأستاذ: «وفي شيوخه كثرة» .

أقول: سيأتي كلام الأئمة فيه، وبه تَعرف أن من كان في مثل حاله، فالناس كلهم شيوخه!

قوله: «وقد أخذ عنه أناس لا يحصون» .

أقول: أما المذكورون في ترجمته فقليل، ومع ذلك فليس فيهم من عُرِف بأنه لا يروي عن الساقطين. وهذا الكلبي أشهر الرواة بالكذب، روى عنه السفيانان وابن جريج وابن المبارك وغيرهم من الأئمة، فلم ينفعه ذلك.

[1/ 174] قوله: «وتحامل عليه ابنُ عدي كتحامله على البغوي» .

(1)

(ص 276).

ص: 289

أقول: لا سواء، البغوي ــ وهو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز تأتي ترجمته

(1)

ــ تحامل عليه ابن عدي بما ليس بجرح، ثم عاد فأثنى عليه، ووثَّقه الناس. وابن الصلت جَرَحه ابنُ عدي جرحًا صريحًا مفسّرًا، وجرحه الناس كما يأتي، ولم يثن عليه أحد. ومع ذلك فقد رجع الأستاذ حين احتاج إلى الكلام في البغوي، فلم يعدَّ كلام ابن عدي فيه تحاملًا، بل بنى على ذاك التحامل، وهوَّل، ورمى البغوي بالكذب!

قوله: «ولعل ذنبه كونه ألَّف في مناقب النعمان» .

أقول: لم يخب رجاء الأستاذ، فإن من ذنب ابن الصلت عندهم أنه خلط في المناقب، كما يأتي. وذلك واضح لكل متدبر، وسيأتي أن أعلى الجارحين لابن الصلت حافظ حنفي!

قوله: «وحديث ابن جزء لم ينفرد هو بروايته» . وزاد في «التأنيب» (ص 166): «بل أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج 1 ص 45) بسند ليس فيه ابن الصلت».

أقول: في الموضع المذكور من كتاب «العلم»

(2)

: «وأُخبِرنا أيضًا عن أبي يعقوب يوسف بن أحمد الصيدلاني المكي قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العُقَيلي وأبو علي عبد الله بن جعفر الرازي ومحمد بن سماعة، عن أبي يوسف قال: سمعت أبا حنيفة رحمه الله يقول: حججتُ مع أبي سنة ثلاث وتسعين ولي ست عشرة سنة .. » . ذكر

(1)

(رقم 133).

(2)

(1/ 203 - 204). وسلمت الطبعة المحققة من الأخطاء التي سيذكرها المؤلف.

ص: 290

القصة. فيُنظر في المخبِر لابن عبد البر مَن هو؟ وفي الصيدلاني، فإني لم أجد من وثَّقه.

ومع هذا، ففي بقية السند تحريف لم يشر إليه الأستاذ رجاء أن يغترَّ به من لا معرفة له! فإن الصيدلاني لم يدرك ابن سماعة، والعقيلي لم يدرك أبا يوسف ولا ابن سماعة، وعبد الله بن جعفر هذا قد جاء ــ كما يأتي ــ هذا الخبر عنه عن أبيه عن ابن سماعة. فصواب هذه العبارة كما يعلم من «الجواهر المضيئة في تراجم الحنفية» للقرشي (1/ 273)

(1)

: «

العقيلي ثنا أبو علي عبد الله بن جعفر الرازي ثنا (أو: عن) محمد بن سماعة .. ».

ترجم القرشيُّ عبدَ الله بن جعفر هذا أخذًا من هذا الموضع في «كتاب العلم» فقط، كما يتضح من مراجعة كلامه. ولما شعر أن عبد الله بن جعفر هذا لا يُدرى مَن هو، رأى حقًّا عليه أن يموِّه، فخلع عليه لقب «الإمام» !

وفي «مناقب أبي حنيفة» للموفق (1/ 25) عن الجعابي: [1/ 175] «حدثني أبو علي عبد الله بن جعفر الرازي من كتاب فيه حديث أبي حنيفة، حدثنا أبي، عن محمد بن سماعة، عن أبي يوسف قال: «حججت مع أبي سنة ست وتسعين ولي ست عشرة سنة

» وذكر القصة. زاد في السند كما مرَّ، وقال:«سنة ست وتسعين» وفي كتاب «العلم» و «الجواهر المضيئة» عنه: «سنة ثلاث وتسعين» . تارةً حاول أن يقرِّب التاريخ من وفاة عبد الله بن الحارث، وتارةً راعى المعروف من مولد أبي حنيفة.

(1)

(2/ 300 - 301).

ص: 291

وفي «لسان الميزان»

(1)

، و «ذيل اللآلئ»

(2)

للسيوطي من طريق أبي علي الحسن بن علي الدمشقي، عن عبد العزيز بن حسن الطبري، عن مكرم بن أحمد، عن محمد بن أحمد بن سماعة، عن بشر بن الوليد، عن أبي يوسف، فذكر القصة. قال في «اللسان»: وهو باطل أيضًا. وللحسن بن علي الدمشقي ترجمة في «لسان الميزان» (2/ 236)

(3)

. وفي «شرح مسند أبي حنيفة»

(4)

لعلي قاري: «الأقرب ما ذكره أبو منصور البغدادي بإسناده عن بلال بن أبي العلاء عنه أنه قال: حملني أبي على عاتقه، وذهب إلى عبد الله بن الحارث

».

ولا أدري ما ذاك السند؟ ومَن بلال بن أبي العلاء؟ وربما كان عند القوم غير هذا!

قال الأستاذ: «فثبت أنه لم ينفرد بروايته، فيجب أن تزول نقمة الذهبي عليه بزوال سببها» .

أقول: هذا إذا كان سند المتابعة مقبولًا. أما إذا كان ساقطًا، فلا يدفع التهمة، بل يقال: بعضهم وضع، وبعضهم سرق أو وهِم أو لُقِّن أو أُدخل عليه، على أنه إذا كان مقبولًا والمروي منكرًا، فإن الراوي يبرأ وتلصق التهمة بمن فوقه. ومع ذلك، فلا ينفع ابنَ الصلت زوالُ تَبِعَة ذلك الحديث عنه إلى

(1)

(1/ 613).

(2)

(ص 110). وقال: وأخرجه ابن الجوزي في الواهيات وقال: الحماني كان يضع الحديث.

(3)

(3/ 91).

(4)

(ص 586).

ص: 292

[مَن]

(1)

فوقه، لأن له بلايا أُخر لا تحصى.

قال الأستاذ: «ولكن لا يمكنهم أن يسامحوه، لأنه بروايته الحديث المذكور بطريق أبي حنيفة يثبت أن أبا حنيفة من التابعين حتى عند من لا يكتفي بالمعاصرة أو الرؤية في ذلك، وهذا مما لايمكن مسامحته والصفح عنه

».

أقول: لخصمك أن يقول: أنت أحقُّ بالتهمة وأهلُها، بل الأمر أوضح من أن يسمى تهمة. ومع ذلك لو جئت بحجة صحيحة لوجب قبولها، فكيف ترجو أن تُردَّ حججُ الأئمة باتهامك لهم؟

وفي «التأنيب» (ص 165) بعد الإشارة إلى قول الذهبي في هذا الحديث: «هذا كذب، [1/ 176] فابن جزء مات بمصر، ولأبي حنيفة ستُّ سنين» ، قال الأستاذ:«تغافل الذهبي عن أن في مواليد رجال الصدر الأول ووفياتهم اختلافًا كثيرًا لتقدُّمهم على تدوين كتب الوفيات بمدة كبيرة، فلا يُبَتُّ في أغلب الوفيات برواية أحد النقلة. وها هو أُبيّ بن كعب رضي الله عنه من أشهر الصحابة، اختلفوا في وفاته من سنة 18 إلى سنة 32، والذهبي يُصرُّ على أن وفاته سنة 22 في كتبه جميعًا، مع أنه عاش إلى سنة 32، وشارك جمع القرآن في عهد عثمان كما يظهر من طبقات ابن سعد. وأين منزلة ابن جزء من منزلة أُبيّ حتى يُبَتَّ بوفاةٍ تُروى له عن ابن يونس وحده؟ وقد قال الحسن بن علي الغزنوي: إن وفاته سنة 99، كما في «شرح المسند» لعلي القاري، ولعل ذلك هو الصواب في وفاته».

أقول: الجواب من وجوه:

الأول: وقوع الاختلاف في ذلك في الجملة إنما هو بمنزلة وقوعه في

(1)

زيادة يستقيم بها السياق.

ص: 293

أدلَّة الأحكام، لا يبيح إلغاء الجميع جملة؛ بل يؤخذ بما لا مخالف له، وينظر في المتخالفين فيؤخذ بأرجحهما، فإن لم يظهر الرجحان أُخِذ بما اتفقا عليه. مثال ذلك: ما قيل في وفاة سعد بن أبي وقاص سنة 51، 54، 55، 56، 57، 58. فإن لم يترجَّح أحدها أُخِذ بما دلَّ عليه مجموعُها أنه لم يعش بعد سنة 58. فإن جاءت رواية عن رجل أنه لقي سعدًا بمكة سنة 65 مثلًا استنكرها أهل العلم، ثم ينظرون في السند، فإذا وجدوا فيه من لم تثبت ثقته حملوا عليه. فابن جَزء قيل في وفاته سنة 85، 86، 87، 88، وأرجحها الثاني؛ لأنه قول ابن يونس مؤرخ مصر، وهي مع ذلك مجتمعة على أنه لم يعش بعد سنة 88. فلما جاءت تلك الرواية أنه لقي بمكة سنة 96 أو 98 استنكرها أهل العلم، ووجدوا أحقَّ مَن يُحمل عليه ابن الصلت.

فأما قول الغزنوي المتأخر: إن ابن جزء توفي سنة 99، فهو من نمط ما في «المناقب» للموفق (ج 1 ص 26) روى من طريق الجِعابي القصة، وفيها أن اللقاء كان سنة 96، ثم حكى عن الجِعابي أن ابن جزء مات سنة 97= فهذان القولان مع تأخر قائليهما إنما حاولا بهما تمشية القصة. رأيا أن فيها أن اللقاء كان بالموسم، وأن المعروف في وفاة ابن جزء أنها بمصر بقرية يقال لها «سَفْط القُدور» كما جاء عن الطحاوي، وأن من شَهِد الموسم لا يمكن أن يصل إلى مصر إلا في السنة التالية [1/ 177] = فبنيا على ذلك، ولم تمكنهما الزيادة على ذلك لئلا تفحُش المخالفة لما نُقِل عن المؤرخين جدًّا.

الوجه الثاني: ابن جَزء أقرب إلى عصر تدوين الوفيات من أُبي بن كعب، ففي «فهرست ابن النديم» (ص 281) أن لليث بن سعد تاريخًا،

ص: 294

وتواريخ المحدثين مدارها على بيان الوفيات، والليث ولد سنة 94، ومات سنة 175، ومن أشهر شيوخه يزيد بن أبي حبيب المتوفى سنة 128، وهو أشهر الرواة عن ابن جَزء. وفي «تدريب الراوي»

(1)

في شرح النوع الستين: «وقال سفيان الثوري: لما استعمل الرواة الكذبَ استعملنا لهم التاريخ» والثوري ولد سنة 97، ومات سنة 161. فيظهر أن البحث والسؤال عن الوفيات قد شُرع فيه في حياة الرواة عن ابن جزء، وهكذا غيره ممن تأخرت وفاته، فلم يكن بين الباحث وبين الصحابي إلا رجل واحد، يسأله، فيُخبره عما أدركه؛ بخلاف الحال في متقدمي الوفاة كأُبيّ بن كعب.

الوجه الثالث: كان الصحابة في عهد أُبيّ بن كعب متوافرين، فلم يكن لطلبة العلم كبير حرص على لقائه؛ لأنهم يجدون غيره من الصحابة، ويرون أنه إن مات لم يَفُتهم شيء لبقاء كثير من الصحابة. وهو لعلمه بذلك لم يكن يبذل نفسه، حتى نُسِب إلى شراسة الخلق، فلعله لم يكن يتجشم لقاءَه إلا ذوو الأسنان. فإذا نظرنا في الرواة عنه، فلم نجد فيهم إلا من كان رجلًا في عهد عمر؛ لم يكن في ذلك دلالة بينة على أنه توفي في عهد عمر.

فأما ابن جزء فكان آخر الصحابة بمصر، فطلبةُ العلم بغاية الحرص على السماع منه؛ لأنهم يرون أنه إن مات لم يجدوا صحابيًّا آخر، ونزلوا طبقة عظيمة. وهو لعلمه بذلك يبذل نفسه لتحديث من يريد أن يسمع منه، صغيرًا كان أم كبيرًا، كما كان سهل بن سعد يقول: «لو متُّ لم تسمعوا أحدًا يقول:

(1)

(2/ 866). أخرجه عنه ابن عدي في «الكامل» : (1/ 84).

ص: 295

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» كما في ترجمته من «الاستيعاب»

(1)

، يحرِّضهم بذلك ــ والله أعلم ــ على السماع منه. ولما مات أنس قال مورِّق العجلي: ذهب اليوم نصف العلم. قيل: كيف ذاك؟ قال: كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالَفَنا في الحديث قلنا: تعال إلى من سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم

(2)

. فالظن بمن كان من طلبة العلم بمصر أنه إذا بلغ سنَّ الطلب في حياة ابن جزء كان أهمَّ شيء عنده أن يلقاه ويسمع منه. فلو عاش ابن جزء إلى سنة 97 أو 99 لكان في الرواة عنه من لم يبلغ سنَّ الطلب إلا قبل ذلك بقليل. ولو كان فيهم من هو كذلك لاشتهر أمره لعلو [1/ 178] سنده، ولما خفي على مثل ابن يونس وغيره ممن ذكر وفاة ابن جزء.

وقد تتبعتُ الرواة عن ابن جزء، فإذا آخرهم وفاةً عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب توفي سنة 131، وقد روى عبيد الله أيضًا عن ناعم مولى أم سلمة ووفاة ناعم سنة 80 على ما قيل، ولم يذكروا خلافه.

الوجه الرابع: لو حجَّ ابن جَزء سنة ست وتسعين أو ثماني وتسعين، وحدَّث في الموسم، واجتمع الناس حواليه ــ كما تزعمه تلك الرواية ــ لكان من حضر الموسم من أهل العلم وطلبة الحديث أحرصَ الناس على لقائه والسماع منه؛ لأنه لم يبق حينئذ على وجه الأرض صحابيٌّ سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحدَّث عنه إلا هو ــ على فرض صحة

(1)

(2/ 665). والخبر في «تاريخ ابن أبي خيثمة» : (4/ 59)، و «التعديل والتجريح»:(3/ 1131).

(2)

ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» : (2/ 28).

ص: 296

الرواية ــ ثم لتناقلوا ما يسمعون منه وتنافسوا فيه لعلوِّه، ولاسيَّما ذاك الحديث المذكور في تلك الرواية:«من تفقَّه في دين الله كفاه الله همَّه ورَزَقه من حيث لا يحتسب» ؛ فإن فيه بشارةً عظيمةً لهم، وفضيلةً بيِّنةً وترغيبًا في طلب العلم، ولا يعرفونه من رواية غيره= فما بالنا لا نجد لذلك أثرًا إلا ما تضمَّنته تلك القصة!

الوجه الخامس: لو لم يكن فيما يدل على تأخر وفاة أُبيّ بن كعب إلا ما أشار إليه الأستاذ من الرواية التي عند ابن سعد لاستنكرها أهل العلم، لكن لذلك شواهد وعواضد، منها ما روي عن عبد الرحمن بن أَبْزَى أنه قال: «قلت لأُبيّ لما وقع الناس في أمر عثمان: يا أبا المنذر

»

(1)

. ومنها: ما روي عن زِرِّ بن حبيش أنه لقي أُبيًّا في خلافة عثمان

(2)

، ومنها: ما روي عن الحسن البصري في قصة أن أُبيًّا مات قبل مقتل عثمان بجمعة

(3)

. فأما الرواية في لُقِيّ ابن جزء بمكة سنة ست وتسعين أو ثماني وتسعين، فلا شاهد لها ولا عاضد.

فإن قيل: أرأيت لو وُجِد لها شواهد وعواضد قوية، أتقبلونها؟ قلت: إن صحَّ سندها فنعم، وأيُّ شيء في هذا؟ أرأيت من قامت عليه البينة العادلة بما يوجب القتل، أيدرأ عنه القتلَ أن يقال: لو وُجِدتْ بينة عادلة بجرح الشهود لَما كان عليه قَتْل؟

(1)

ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» : (2/ 39 - 40).

(2)

انظر «طبقات ابن سعد» : (8/ 150).

(3)

انظر «الإصابة» : (1/ 27).

ص: 297

الوجه السادس: متأخرو الوفاة من الصحابة قد يقع الاختلاف في تاريخ وفاتهم، لكنه لا يكاد يكون التفاوت شديدًا. فعبد الله بن أبي أوفى سنة 86، 87، 88، وسهل بن سعد الساعدي سنة 88، 91، وأنس سنة 91، 93، 95. وأشدُّ ما رأيته من التفاوت ما قيل في وفاة [1/ 179] السائب بن يزيد، وذلك نادر، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفي وللسائب نحو سبع سنين، وعامة روايته عن الصحابة، وقد يُرسل. أما ابن جزء فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم سماعًا، ولم يذكروا له رواية عن غيره، فالحرص على السماع من ابن جزء محقَّق، بخلاف السائب.

ثم قال الأستاذ: «على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفي عمن يزيد [عددهم]

(1)

على مائة ألف من الصحابة، ولم تَحْتوِ الكتب المؤلفة في الصحابة عشر معشار ذلك، ولا مانع من اتفاق كثير منهم في الاسم واسم الأب والنسب، لاسيّما المقلِّين في الرواية».

أقول: حاصل هذا أنه يحتمل أن يكون هناك صحابي آخر وافق عبدَ الله بن الحارث بن جَزء الزُّبيدي في الاسم واسم الأب والنسب، فيكون هو الذي جاء في تلك القصة أن أبا حنيفة لقيه بمكة سنة 97 أو 98. ولا يخفى أن مثل هذا الاحتمال لا يكفي لدفع الحكم، مع أنه قد عُلم مما تقدم في الوجه الرابع وغيره ما يدفع هذا الاحتمال. فإن كان الأستاذ يشير بقوله: «في الاسم واسم الأب والنسب» ــ ولم يذكر اسم الجد ــ إلى عبد الله بن الحارث الزُّبيدي النجراني المُكْتِب، فذاك تابعي معروف.

(1)

سقطت من (ط) واستدركتها من «التأنيب» .

ص: 298

ثم ذكر الأستاذ أن ابن عبد البر: «نص على أن أبا حنيفة رأى أنس بن مالك وعبد الله بن جَزء الزبيدي روايةً عن ابن سعد» .

أقول: يحكي الذهبي عن ابن سعد أنه روى عن سيف بن جابر عن أبي حنيفة أنه رأى أنسًا. ولم أر في «الطبقات» المطبوع لا ذا ولا ذاك، فلا أدري أفي كتاب آخر لابن سعد، أم حكاية مفردة رويت بسند

(1)

؟ فإن كان الثاني، فلا أدري ما حال ذاك السند؟ وكيف وقعت لابن عبد البر زيادة:«وعبد الله بن جَزء الزبيدي» ؟ مع أني لم أعرف سيف بن جابر

(2)

، وما دام الحال هكذا فلا تقوم بذلك حجة. مع أن صنيع ابن عبد البر في «الاستيعاب» يقتضي أنه لم يعتدَّ بما حكاه في «كتاب العلم» من رؤية أبي حنيفة لابن جَزء، فإنه قال في ترجمة أنس

(3)

بعد أن ذكر أنه توفي سنة 91 و 92 و 93: «ولا أعلم أحدًا مات بعده ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أبا الطفيل» . وقال في ترجمة ابن جزء

(4)

: «كانت وفاته بعد الثمانين، وقد قيل: سنة ثمان أو سبع وثمانين، وقيل: سنة خمس وثمانين» .

(1)

هذا الاحتمال هو ما وجدته، فقد ذكره أبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى»:(4/ 176) بإسناده إلى محمد بن سعد صاحب الواقدي حدثنا أبو الموفق سيف بن جابر

به.

(2)

له ترجمة في «المقتنى» : (2/ 106) للذهبي قال: «أبو الموفق سيف بن جابر قاضي واسط» وذكر روايته عن أبي حنيفة ورواية ابن سعد عنه.

(3)

(1/ 111).

(4)

(3/ 883).

ص: 299

[1/ 180] فصل

في «تاريخ بغداد» (4/ 207) من طريق ابن الصلت: «حدثنا بِشر بن الوليد، حدثنا أبو يوسف، حدثنا أبو حنيفة قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» . ثم قال الخطيب: لم يروه عن بِشر غيرُ أحمد بن الصلت، وليس بمحفوظ عن أبي يوسف، ولا يثبت لأبي حنيفة سماع من أنس بن مالك. والله أعلم. حدثني علي بن محمد بن نصر قال: سمعت حمزة بن يوسف السهمي يقول: سئل أبو الحسن الدارقطني ــ وأنا أسمع ــ عن سماع أبي حنيفة من أنس يصح؟ قال: لا، ولا رؤيته. لم يلحق أبو حنيفة أحدًا من الصحابة».

أشار الأستاذ إلى هذا، ثم قال:«مع أن أبا حنيفة كان أكبر سنًّا من أقلِّ سنِّ التحمل عند المحدثين بكثير في جميع الروايات في وفاة أنس، مع ثبوت قدومه إلى الكوفة قبل وفاته اتفاقًا» .

أقول: أما أنا فلم أعرف أن أنسًا قدم الكوفة في أواخر عمره. فإن بنى هذا على ما اشتهر من تحديثه للحَجَّاج بحديث العُرَنيين وإيذاء الحَجَّاج له وكتابة أنسٍ إلى عبد الملك يشكوه، فهذا كان بالبصرة سنة 75. على أن الحجاج انتقل من الكوفة إلى واسط سنة 86، وفيها مات عبد الملك كما هو معروف في التاريخ. وإن بنى على ما حكى عن ابن سعد في رؤية أبي حنيفة لأنس فقد مر ما فيه

(1)

.

(1)

(ص 199).

ص: 300

وإن بنى على أن الدارقطني ــ على ما في «تبييض الصحيفة» عن حمزة السهمي ــ قال: «لم يلق أبو حنيفة أحدًا من الصحابة إلا أنه رأى أنسًا بعينه ولم يسمع منه» ، كما نقله الأستاذ (ص 15)؛ وأن جماعة ممن بعد الدارقطني ذكروا رؤية أبي حنيفة لأنس كما ذكره (ص 15) أيضًا= فلا أرى في هذا حجة.

أما ما حكاه السيوطي عن حمزة، فقد عارضه ما مر عن الخطيب. والخطيب يروي في مواضع كثيرة من «تاريخه» عن علي بن محمد بن نصر عن حمزة سؤالات حمزة للدارقطني وغيره، كما ترى شواهد ذلك في المقدمة لِـ «تاريخ جرجان»

(1)

. فيعلم مما ذُكر مع النظر إلى عادة الخطيب وعادة أهل عصره التي أشرتُ إليها في «الطليعة» (ص 110)

(2)

أنه كان عنده نسخة من كتاب حمزة، وسمعها من علي بن محمد بن نصر، فما روى عن علي بن محمد بن نصر عن حمزة من سؤالات الدارقطني فهو من ذاك الكتاب، فرواية الخطيب ثابتة.

وأما حكاية [1/ 181] السيوطي، فإن كان أخذها من نسخة من كتاب حمزة فنسخةُ الخطيب أثبتُ لقرب العهد وسماعه للكتاب بواسطة واحدة، ولِما عُرِف من تثبُّت الخطيب. وإن كان أخذها من مأْخَذ آخر فلا ندري ما حاله؟

وزعم الأستاذ أن ما وقع في «التاريخ» : «مما غيَّرته يدٌ أثيمة، وكم لمصحِّح

(1)

(ص 18 - 19).

(2)

(ص 88).

ص: 301

الطبع من إجرام في الكتاب! وكان أصل الكلام «

إلا رؤيته»، فغيَّرته اليد الأثيمة إلى: ولا رؤيته».

أقول: الكتاب أي «تاريخ بغداد» طبع بمصر، ولعل الأستاذ إن كان شكَّ في تلك الكلمة قد راجع الأصل المطبوع عنه، أو روجع له، كما عُرف من عادته في الحرص على تأييد قوله والتنديد بمخالفيه كالمصحح الذي عناه. فلو وَجَد في الأصل «إلا رؤيته» لصرَّح به. فإن عاد فحمَل على الأصل نفسه، فما باله يذكر مصحِّحَ الطبع؟ هل أَذْكَرتْه كلمةُ «الطبع» قولهم: قيل للغراب: لم تسرق الصابون؟ قال: الأذى طبعي

(1)

!

وعلى كلا الحالين، أليس لخصمه أن يعارضه باتهام مصحح «تبييض الصحيفة» ، أو كاتب أصلها؟ ومع هذا فلا مانع من صحة الحكايتين معًا بأن يقال: كان الدارقطني استند فيما في «تبييض الصحيفة» من قوله: «إلَّا أنه رأى أنسًا بعينه» إلى رواية ليِّنة أو شهرة بين حنفية عصره تسمح بذلك، لأن ذكر الرؤية وحدها «من باب المناقب الذي يُتساهل فيه» ، كما قال الأستاذ (ص 21) في قضية أخرى؛ فلما سُئل في رواية الخطيب عن الصحة نفاها.

وقول الأستاذ (ص 15): «ونفيه لسماعه بعد إثباته لرؤيته دعوى مجردة وشهادة على النفي» . يردُّ عليه أن دعوى الرؤية دعوى مجرَّدة أيضًا.

(1)

وعاد الأستاذ، فعلَّق على ص (167) قوله: «وما نسب إلى الدارقطني في (4/ 208) من نفي رؤيته لأنس من تصرُّف مصحح الطبع، كما سبق تحقيقه في صدر الردود على الخطيب

». كذا يجازف هذا الرجل هذه المجازفة، ثم يضجُّ ويعجُّ إذا نُسِب إلى بعض ذلك! [المؤلف].

قلت: المثل ذكره في «المستطرف» : (1/ 86).

ص: 302

فإن قيل: الظاهر أنه لم يقل ذلك إلا عن حجة، قلنا: هذا الظاهر لا يبلغ أن يكون حجة، ولاسيما مع التساهل في المناقب. ومع هذا، فكذلك الظاهر أنه لم ينف السماع إلا عن حجة، قد تكون بنفيٍ خاصٍّ تُقبَل على مثله الشهادة.

[1/ 182] فأما من ذكر الرؤية ممن بعد الدارقطني، فبنَوا على اشتهار ذلك بين متأخري الحنفية، وأنه «من باب المناقب الذي يتساهل فيه» ، كما نص عليه الأستاذ.

فصل

قضية سماع أبي حنيفة ترتبط بقضية ميلاده، فلا بأس بالنظر فيها هنا. في «تاريخ بغداد» (13/ 330) من طريق ابن عُقْدة بسنده إلى: «مزاحم بن ذوَّاد بن عُلَيَّة يذكر عن أبيه أو غيره قال: ولد أبو حنيفة سنة إحدى وستين

». قال الخطيب: «لا أعلم لصاحب هذا القول متابعًا» .

قال الأستاذ (ص 19): «ألَّف في رواية أبي حنيفة الأحاديثَ عن جملة من الصحابة مباشرةً جماعةٌ من القدماء من أمثال أبي حامد محمد بن هارون الحضرمي

وإلى هذه الرواية في ميلاده يكون ميل هؤلاء، وإلا ما ساغت روايتهم لبعض تلك الأحاديث في عداد مسموعاته

».

أقول: ابن عُقْدة هو أحمد بن محمد بن سعيد، تقدمت ترجمته

(1)

. ومزاحم وأبوه ضعيفان، على أنه لم يُدْرَ أعن أبيه أم عن غيره؟ فأما الذين ألَّفوا في رواية أبي حنيفة عن جملة من الصحابة، فليسوا متقدمين على عصر

(1)

(رقم 33).

ص: 303

الخطيب، ولا هم ممن يُعتدُّ به في هذا الشأن. بلغهم شيء، فرووه، ووكلوا النقد إلى أهله.

ثم ذكر الأستاذ أنه رأى في نسخة قَلَمية من «ضعفاء ابن حبان» تاريخ ميلاد أبي حنيفة سنة سبعين، وأن بعض المطالعين صحَّح في الهامش: سنة ثمانين، وأن في «أنساب ابن السمعاني» المطبوع بالزنكوغراف في مادة «الخزاز»: سنة سبعين، وفي موضع آخر من الكتاب: سنة ثمانين، وأن في «ملخصه» لابن الأثير في مادة «الخزاز»: سنة ثمانين، وأن أبا القاسم السِّمناني عصريَّ الخطيب ذكر قولين: سبعين، ثمانين، وأن صاحب «الجواهر المضيئة» ذكر ثلاث روايات: 61، 63، 80، وأن العيني ذكر في «تاريخه» ثلاثًا أيضًا: 61، 70، 80.

أقول: أما رواية 61، فقد مرَّ ما فيها. وأما رواية 63 فتفرَّد بذكرها في جملة ما قيل صاحب «الجواهر المضيئة»

(1)

المتوفى سنة 775، ولم يذكر من قالها. وأما رواية 70، فحكاها السِّمناني [1/ 183] عصريُّ الخطيب ولم ينسبها إلى قائل، ووقعت في نسخة من «الضعفاء» لابن حبان، وفي موضع من نسخة من «الأنساب» كما مرَّ عن الأستاذ مع ما فيه= فغاية الأمر أنه قيل بها في القرن الرابع.

وأما سنة ثمانين فثبتت من طرق في «انتقاء ابن عبد البر» (ص 122 - 123)

(2)

و «تاريخ بغداد» (13/ 330) عن أبي نعيم الفضل بن دُكَين، وهو

(1)

(1/ 53).

(2)

(ص 188 - 192).

ص: 304

إمام جليل كوفي كأبي حنيفة، سمع منه وروى عنه. وكذلك في «تاريخ بغداد» عن زُفَر بن الهذيل صاحب أبي حنيفة، وفيه أيضًا (ص 325 - 326) عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة: «ولد جدِّي في سنة ثمانين، وذهب ثابت إلى علي بن أبي طالب

». وفي السند نظر، لكن الأستاذ احتجَّ بتلك الرواية في تعليقه على «مناقب أبي حنيفة» للذهبي (ص 7) فقال: «صحَّ عن إسماعيل بن حماد

». وكذلك في «الانتقاء» عن يحيى بن نصر بن حاجب، وهو حنفي توفي سنة 215. وفي «الانتقاء» آخِر (ص 123) من طريق أبي يعقوب يوسف بن أحمد بن يوسف المكي الذي يُكثِر الأستاذ من ذكر كتابه والثناء عليه ويعبِّر عنه بابن الدخيل تلميذ العقيلي قال: «سمعت القاضي أبا الحسن أحمد بن محمد النيسابوري قال: وأما أبو حنيفة فلا اختلاف في مولده أنه ولد سنة ثمانين

». والنيسابوري هذا متقدم على الذين ذكروا سنة سبعين.

ومن العجب أن الأستاذ قال (ص 20): «قول ابن عبد البر: «وأما أبو حنيفة فلا اختلاف في مولده

» يدل على أنه لم يطلع على تلك الروايات، وعذره أنه لم يرحل إلى الشرق

». ولا أدري أغلط هذا أم مغالطة! فإن ابن عبد البر لم يقل ذلك من عند نفسه، وإنما رواه عن شرقيٍّ متقدم كما رأيت.

وعلى كل حال فتاريخ المولد يثبت ببعض ما ذُكِر فضلًا عن جميعه، ولم يعارض ذلك ما يستحق أن يُلتفت إليه. ولا يبعد أن تكون الأقوال الأخرى إنما بُنيت على رواية بعض تلك الأحاديث الواهية دفعًا لوضوح البطلان عنها كما تقدم في قول من قال: إن وفاة عبد الله بن الحارث بن جزء سنة 97 أو 99، ثم أخذها بعضُ من لم ينظر فيها!

ص: 305

ومن عجيب شأن التعصب أنه يبلغ بصاحبه من العمى أن يسعى جاهدًا في الإضرار بمن يتعصب له، متوهمًا أنه إنما يسعى في نفعه. لو كان مولد أبي حنيفة متقدمًا كما زعموا، بحيث أدرك [1/ 184] جماعةً من الصحابة وأكابر التابعين، كان الذي ينبغي له أن يتحرَّى السماعَ منهم لأحاديث كثيرة يحتج بها في كتبه، ويرويها عنه أصحابه كأبي يوسف ومحمد في كتبهم الثابتة عنهم. فلو ثبت مع ذلك أحاديث عن أولئك لكنها قليلة، وكان معظم روايته عمن سِنُّه قريب من سنِّه كحماد بن أبي سليمان، لكانت شُنْعةً عليه أن يتشاغل عن الاستكثار من أولئك حتى يبلغ عمره ثلاثين أو أربعين سنة أو أكثر، بالمخاصمة في الإرجاء والقدر كما يأتي. وسيأتي

(1)

في ترجمة أبي العطوف جرَّاح بن مِنهال عن سلمة بن سليمان أحد ثقات أصحاب ابن المبارك قال: «قال رجل لابن المبارك: هل كان أبو حنيفة عالمًا؟ قال: لا، ما كان خليقًا لذاك. ترك عطاء، وأقبل على أبي العطوف! » . وقد نازع الأستاذ في صحة هذه الحكاية عن ابن المبارك بما فيه ما فيه، وهَبْ أنها لم تصح عن ابن المبارك، فالشُّنْعةُ بحالها. ولذلك حاول الأستاذ أن يُثبت أن أبا حنيفة استكثر من عطاء، وربما أنظر في ذلك في ترجمة أبي العطوف، وعلى كل حال فهذه الشُّنعة أخفُّ بكثير من عدم الاستكثار من الصحابة وكبار التابعين، فكيف إذا لم تثبت عنه رواية واحدة عن صحابي أو تابعي كبير؟ ! فأولئك المساكين والأستاذ معهم يركبون ــ كما يعبِّر به الأستاذ ــ كلَّ مركب لمحاولة إثبات أن أبا حنيفة أدرك عدة من الصحابة، ويحتمل أن يكون قد سمع منهم، وفي ذلك عبرة!

(1)

(رقم 62).

ص: 306

قال الأستاذ: «والاختلاف شديد في مواليد رجال الصدر الأول» .

أقول: قد مرَّ ما فيه

(1)

، وهو على كلِّ حال لا يسوِّغ التشكُّك فيما قامت عليه الحجة من ذلك.

قال: «والأكثرون على أن أبا حنيفة ولد سنة 80 ترجيحًا منهم لأحدث التواريخ المروية في المواليد وأقدمها في الوفيات، أخذًا بالأحوط في الحكم بالاتصال أو الانقطاع» .

أقول: لا أثر ههنا للاحتياط المذكور، بل القطع بسنة ثمانين أخذًا بالحجة الواضحة التي لم يعارضها ما يستحق أن يُلتفت إليه.

قال الأستاذ: «هنا أمور تخدش ما اختاره الأكثرون» .

أقول: فلننظر فيها واحدًا واحدًا.

قال: «منها ما فعله الحافظ أبو عبد الله محمد بن مَخْلَد العطَّار المتوفى سنة 331 في جزئه الذي [1/ 185] سماه: «ما رواه الأكابر عن مالك» حيث عَدَّ حماد بن أبي حنيفة من هؤلاء الأكابر، فساق حديثًا بطريق حماد بن أبي حنيفة عن مالك. وحماد هذا وإن توفي قبل مالك بنحو ثلاث سنين لكن عدَّه من الأكابر لا يتم إلا إذا كان ميلاده قبل ميلاد مالك أيضًا، فيجب أن يكون ميلاد أبي حنيفة قبل سنة 80 بمدة لا تقل عن عشر سنين

وابن مخلد من الحفاظ البارعين من شيوخ الدارقطني، فلا يحيد عن التحقيق فيما يكتب. وجزؤه المذكور محفوظ بظاهرية دمشق في قسم المجاميع رقم 98، وعليه تسميعات وخطوط كثيرة من حملة الرواية».

أقول: يكفي لحل هذه الشبهة أن الأستاذ نفسه قال في تعليقه على

(1)

(ص 293 - 298).

ص: 307

«الانتقاء»

(1)

لابن عبد البر: «وفي هذا الجزء رواية الزهري

والثوري

وحماد بن زيد، وإبراهيم بن طهمان، وورقاء وغيرهم».

ومولد مالك سنة 93، والثوري سنة 97، وحماد بن زيد سنة 98، ولعل في الجزء مَن ولد بعد ذلك

(2)

. وإبراهيم بن طهمان لم يذكروا ميلاده، ويظهر من أسامي شيوخه أنه أصغر من حماد بن زيد، لكنه صار من الأكابر في حياة مالك ومات قبله، فإن مالكًا عُمِّر. فإذا كان مولد أبي حنيفة أول سنة 80، فإنه يبلغ سنُّه آخر سنة 98 ــ وهي السنة التي ولد فيها حماد بن زيد ــ تسع عشرة سنة، فأيُّ مانع من أن يولد له في هذه السنة أو قبلها؟ والأقرب أن ابن مخلد ــ إن صح ما في ذاك الجزء ــ إنما نظر إلى أن حماد بن أبي حنيفة بلغ مبلغ الأكابر في حياة مالك، ومات قبله، ولم يدقِّق في ميلاده، لأنه غير معروف. وبالنظر إلى سن أبيه يحتمل أن يكون ولد سنة 97 كالثوري، أو سنة 98 كحماد بن زيد، أو قريبًا من ذلك.

فاتضح أنه ليس فيما وقع في ذلك الجزء ما يخدش فيما قامت عليه الحجة الواضحة أن مولد أبي حنيفة سنة ثمانين.

هذا كلُّه إذا بنينا على صحة ما وقع في ذلك الجزء، وإلا فالغالب على الظن خلاف ذلك؛ [1/ 186] فإن ذاك الحديث وقع في ذاك الجزء هكذا: «نا

(1)

(ص 42).

(2)

قلت: صدق ظن المؤلف رحمه الله تعالى، ففي الجزء المذكور رواية عبد الله بن وهب عن مالك في عدة مواضع منه (ق 205/ 2 - 207/ 2 و 208/ 2) ومولد ابن وهب سنة 125، وفيه (ق 206/ 2) رواية أشهب وهو ابن عبد العزيز عنه، ومولده 145. [ن].

ص: 308

أبو محمد القاسم بن هارون، نا عمران، نا بكار بن الحسن الأصبهاني، نا حماد بن أبي حنيفة، ثنا

(1)

مالك

». كما نقله الأستاذ فيما علَّقه على

(1)

كذا هو في تعليق الكوثري على «الانتقاء» (ص 13)، ولعله خطأ غير ــ[كذا ولعل الصواب حذف «غير» بدلالة سياق الكلام]ــ مقصود من الكوثري لغرض في نفسه، فإن الذي في الجزء المذكور من النسخة التي أشار إليها الكوثري نفسه (ق 204/ 2): «

عن مالك

». ليس فيها تصريح حماد بالتحديث. وكذلك هو في نسخة أخرى محفوظة أيضًا في ظاهرية دمشق، وعليها سماعات كثيرة (ق 38/ 2)، وإسناد الرواية فيهما هكذا: «ثنا أبو محمد القاسم بن هارون بن جمهور بن منصور الأصبهاني ــ وكتبه لي بخطه ــ قال: ثنا أبو سعيد عمران بن عبد الرحيم الباهلي الأصبهاني، ثنا بكار بن الحسن الأصبهاني، ثنا حماد بن أبي حنيفة، عن مالك بن أنس

». فتأمل كيف تعمَّد الكوثري أن يسقط من السند نسبَ عمران «بن عبد الرحيم الباهلي» مع ثبوت ذلك في النسختين من الجزء! وما ذلك ــ والله أعلم ــ إلا تعميةً لحاله، وتمشيةً لحال إسناد روايته، ليتم له الاستدلال بها على ما رمى إليه من إثبات رواية حماد بن أبي حنيفة عن مالك، التي حاول أن يستنبط منها أن ميلاده كان قبل ميلاد مالك! وأن ميلاد أبي حنيفة كان قبل سنة 80! وهيهات هيهات، فإنها ظلمات بعضها فوق بعض، فقد كشف المؤلف رحمه الله تعالى أن عمران هذا هو ابن عبد الرحيم كما جاء في السند، وأنه متهم بالوضع، وأن ما استلزمه الكوثري من روايته ــ على فرض ثبوتها ــ غير لازم.

وأزيد عليه فأقول: إن حماد بن أبي حنيفة نفسه ليس بحجة في الرواية، فقد ضعَّفه ابن عدي وغيره من قبل حفظه، ولهذا أورده الذهبي في كتاب «الضعفاء» وقال (ق 35/ 1):«مقل ضعيف الحديث» .

ثم إن ما استظهره المصنف رحمه الله تعالى من أن أصل الجزء المذكور إنما هو «حماد بن أبي حنيفة عن أبي حنيفة

» وأن الناسخ زاغ نظره من «أبي حنيفة

» لا يساعد عليه أن النسخة الأخرى متفقة مع الأولى في عدم ذكر أبي حنيفة، زد على ذلك أنه قد كتب ناسخ الأولى على الوجه الأول منها وتحت اسم الكتاب أكثر أسماء الرواة عن مالك، وفيهم حماد بن أبي حنيفة دون أبي حنيفة. فهذا وذاك يرجح أن لا زوغ من الناسخ، وأن الرواية هكذا وقعت لابن مخلد. والله أعلم. [ن].

ص: 309

«الانتقاء»

(1)

، وذكر هو أن ذاك الحديث قد رواه الدارقطني في «غرائب مالك» ، وابن شاهين عن «محمد بن مخزوم، عن جده محمد بن الضحاك، ثنا عمران بن عبد الرحيم الأصبهاني، ثنا بكار بن الحسن، ثنا حماد بن أبي حنيفة، عن أبي حنيفة، عن مالك

». فعمران في سند ابن مخلد هو عمران بن عبد الرحيم في سند الدارقطني وابن شاهين، وفي ترجمته من «الميزان» عن السليماني:«هو الذي وضع حديث أبي حنيفة عن مالك» .

[1/ 187] فابن مخلد لم يشترط في ذاك الجزء الصحة، وإنما اكتفى بما قد رُوي، فلو وقع في روايته من طريق عمران بسقوط أبي حنيفة، لكان الظاهر أن يذكر الرواية الأخرى؛ فإنه لا بد أن يكون عند تأليفه ذاك الجزء تتّبَعَ ما يصلح أن يُذكر فيه، ويبعد أن لا يظفر بالرواية المشهورة عن عمران بثبوت أبي حنيفة وهي أدلُّ على مقصوده. وقد ذكر الأستاذ أنه ليس في ذلك الجزء من طريق أبي حنيفة عن مالك شيء، وبهذا يظهر أنه وقع في روايته كما وقع في رواية غيره:«حماد بن أبي حنيفة، عن أبي حنيفة، ثنا مالك» ، فزاغ نظر ناسخ ذاك الجزء من (حنيفة) الأولى إلى الثانية. ولا يدفع ذلك ما على الجزء من التسميعات، وقد رأينا عِدَّة من الأصول القديمة عليها كثير من التسميعات والتصحيحات، وبقي فيها مثل هذا الخلل أو أشدُّ منه. راجع «التاريخ الكبير» للبخاري (ج 1 قسم 1 ص 70، 79، 80، 101، 105، 154، 157).

(1)

(ص 42).

ص: 310

ومن غرائب الأستاذ أن يحاول تثبيت ما وقع في الجزء المذكور مع احتماله كما رأيت، ثم يحاول في «التأنيب»

(1)

أن يخفي اصطلاح ابن مخلد في «الأكابر» ويثبت أنه إنما يعني بهم الذين ولدوا قبل مالك، ثم يبالغ في الثناء على ابن مخلد ليخدش بصنيعه المزعوم في نصوص المتقدمين الصريحة= كلُّ ذلك لِيثبتَ أن أبا حنيفة أدرك جماعةً من الصحابة وأكابر التابعين، ويحتمل أن يكون سمع منهم، مع علمه أنه لا تثبت عن أبي حنيفة رواية واحدة عن واحد منهم، ويغفل عن النتيجة التي سلفت الإشارة إليها!

قال الأستاذ: «ومنها أن العُقيلي روى في ترجمة حماد بن أبي سليمان ما يفيد أن إبراهيم بن يزيد النخعي لما مات اجتمع خمسة من أهل الكوفة فيهم عمر بن قيس الماصر وأبو حنيفة، فجمعوا نحو أربعين ألف درهم، ثم أعطوه حماد بن أبي سليمان ليستعين به ويتفرغ لرياسة الجماعة في العلم. وكانت وفاة إبراهيم النخعي سنة 95، ولو كان ميلاد أبي حنيفة سنة ثمانين لكان سِنُّه عند وفاة النخعي خمس عشرة سنة، ومن يكون في مثل هذا السنِّ لا يتصوَّر أن يهتمَّ هذا الاهتمام بمن يخلف النخعي

».

أقول: قال الأستاذ نفسُه فيما علَّقه على «مناقب أبي حنيفة» للذهبي (ص 7): «قال العُقَيلي في «الضعفاء» : حدثنا أحمد بن محمد الهروي، قال: حدثنا محمد بن المغيرة البلخي، قال: حدثنا [1/ 188] إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن سليمان الأصفهاني، قال: لما مات إبراهيم اجتمع خمسة من أهل الكوفة فيهم عمر بن قيس الماصر وأبو حنيفة، فجمعوا أربعين ألف درهم، وجاؤوا إلى الحكم بن عتيبة، فقالوا: إنا قد جمعنا أربعين ألف درهم نأتيك بها وتكون رئيسنا في

(1)

(ص 20 القديمة و 38 الجديدة).

ص: 311

الإرجاء، فأبى عليهما الحكم. فأتوا حماد بن أبي سليمان فقالوا له، فأجابهم، وأخذ الأربعين ألف درهم»!

لا أناقش الأستاذ في تمويهه، وإنما أنظر في الحكاية. فالهروي والبلخي لم أجدهما

(1)

. وإسماعيل لم يتضح لي من هو؟ وابن الأصبهاني متكلَّم فيه، قال أبو حاتم:«لا بأس به يكتب حديثه ولا يحتج به»

(2)

. وأخرج له النسائي حديثًا

(3)

ثم قال: «هذا خطأ، ابن الأصبهاني ضعيف» . وقال ابن عدي

(4)

: «مضطرب الحديث، قليل الحديث، مقدارُ ما له قد أخطأ في غير شيء [منه]» . وكانت وفاته سنة 181. ويظهر من وفَيَات شيوخه أنه لم يدرك موت إبراهيم. فإن صحّ سندُ الحكاية إليه، فممن سمع القصة؟ وما عسى أن يكون أخطأ في سياقها؟

ثم أيُّ شيء فيها؟ ! كان إبراهيم شديدًا على المرجئة، وفي ترجمته من «طبقات ابن سعد»

(5)

عدة حكايات في ذلك. منها عن الحارث العُكْلي عن إبراهيم قال: «إياكم وهذا الرأي المحدَث ــ يعني المرجئة» . وعن مُحِلِّ بن مُحرِز عن إبراهيم قال: «كان رجل يجالس إبراهيم يقال له: محمد، فبلغ

(1)

أما الهروي أحمد بن محمد فيحتمل أنه ابن ياسين صاحب «تاريخ هراة» (ت 334) ترجمته في «سير النبلاء» : (15/ 340). قال الخليلي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: متروك.

(2)

«الجرح والتعديل» : (7/ 267 - 268).

(3)

رقم (1811).

(4)

في «الكامل» : (6/ 229) وما بين المعكوفين منه.

(5)

(8/ 391 - 392).

ص: 312

إبراهيم أنه يتكلم في الإرجاء، فقال له إبراهيم: لا تجالسنا». وعن مُحِلِّ أيضًا: «قال لنا إبراهيم: لا تجالسوهم ــ يعني المرجئة» . وعن حكيم بن جبير عن إبراهيم قال: «لأنا على هذه الأمة من المرجئة أخوَفُ عليهم من عِدَّتهم من الأزارقة» . وعن غالب أبي الهذيل

(1)

أنه كان عند إبراهيم، فدخل عليه قوم من المرجئة قال: فكلَّموه، فغضب وقال:«إن كان هذا كلامكم فلا تدخلوا علَيَّ» .

وفي «تهذيب التهذيب»

(2)

في ترجمة ذرِّ بن عبد الله المُرْهِبي: «قال أبو داود: كان مرجئًا، وهَجَره إبراهيمُ النخعي وسعيد بن جبير للإرجاء» . وفيه

(3)

في ترجمة محمد بن السائب الكلبي: «وقال ابن فضيل عن مغيرة عن إبراهيم أنه قال لمحمد بن السائب: ما دمتَ على هذا الرأي لا تقرَبْنا. وكان مرجئًا» . [1/ 189] فكأنهم كانوا مقموعين في حياته، فلما مات خلا لهم الجوّ واستعانوا بالمال.

وفي ترجمة إبراهيم من «تهذيب التهذيب»

(4)

: «روى عنه الأعمش ومنصور وابن عون وزبيد اليامي وحماد بن أبي سليمان ومغيرة بن مِقسَم الضبِّي، وخلق» . وهؤلاء سوى حماد منكرين

(5)

للإرجاء، ولما دخل فيه

(1)

(ط): «بن أبي الهذيل» ، والتصحيح من «الطبقات» ومن ترجمته في «التاريخ الكبير»:(7/ 99)، و «الجرح والتعديل»:(7/ 47).

(2)

(3/ 218).

(3)

(9/ 179).

(4)

(1/ 177).

(5)

كذا في (ط) والوجه «منكرون» خبر هؤلاء.

ص: 313

حماد أنكروا ذلك عليه. وفي «تهذيب التهذيب»

(1)

في ترجمة حماد: «قال أبو حذيفة: ثنا الثوري قال: كان الأعمش يلقى حمادًا حين تكلَّم في الإرجاء، فلم يكن يسلِّم عليه،

وقال شعبة: كنت مع زبيد فمررنا بحماد، فقال: تنحَّ عن هذا، فإنه قد أحدث». وفيه

(2)

في ترجمة عَمْرو بن مرة: «قال جرير عن مغيرة: لم يزل في الناس بقية حتى دخل عمرو في الإرجاء، فتهافت الناس فيه» .

وعلى فرض صحة سند الحكاية إلى ابن الأصبهاني وأنه سمعها من ثقة، فالظاهر أنها تأخرت عن موت إبراهيم مدة. وفي كتاب ابن أبي حاتم (ج 2 قسم 2 ص 146):«نا أحمد بن سنان الواسطي، نا أبو عبد الرحمن المقرئ، نا ورقاء، عن المغيرة قال: لما مات إبراهيم جلس الحكم وأصحابه إلى حماد، حتى أحدث ما أحدث. قال المقرئ: يعني الإرجاء» . ورجاله ثقات.

وعلى صحة تلك الحكاية وأنها على ظاهرها في أن القضية وقعت عقب موت إبراهيم، فقد يكون ذكر أبي حنيفة مدرَجًا أوقع فيه اشتهارُه بالإرجاء مقرونًا بعمر بن قيس الماصر، كما قُرنا في البيتين اللَّذين في «تاريخ بغداد» (13/ 380 [388])، و «التأنيب» (ص 59).

وبعد اللَّتيَّا والَّتي، فإبراهيم توفي في أوائل سنة 96

(3)

؛ وذلك أن

(1)

(3/ 17).

(2)

(8/ 103).

(3)

(ط): «97» خطأ لعله من الطباعة، وما بعده يدل على صواب ما أثبت.

ص: 314

أبا نعيم الفضل بن دكين قال: سنة 96، وقال ابن حبان:«مات بعد الحجاج بأربعة أشهر» . والحجاج هلك في شوال سنة 95، وقيل: في رمضان منها، فإذا كان أبو حنيفة ولد أول سنة ثمانين، فإنه يتم له عند وفاة إبراهيم ست عشرة سنة، ومن كان في هذا السن وهو جَلْد ذكيّ لا يمتنع أن يستعين به أصدقاء أبيه في جمع المال ونحوه، ولاسيما إذا كان أبوه مرجئًا فإنه ينشأ متحمسًا لرأي أبيه جاهدًا فيه.

قال الأستاذ: «ومنها: أنه قد تضافرت الروايات على أن أبا حنيفة قبل انصرافه إلى الفقه كان جدليًّا يشتغل بعلم الكلام، حتى هبط البصرة نحو عشرين مرة ليناظر القدرية وغيرهم. ثم [1/ 190] انصرف إلى الفقه، ومن تكون سِنه عند وفاة النخعي كما ذكرناه، لا يمكن له الاشتغال الطويل بالجدل قبل انصرافه إلى الفقه» .

أقول: ما تضافرت الروايات، بل تنافرت. ففي «تاريخ بغداد» (13/ 331) من طريق «محمد بن شجاع الثلجي، ثنا الحسن بن أبي مالك، عن أبي يوسف قال: قال أبو حنيفة: لما أردتُ طلبَ العلم جعلت أتخيَّر العلوم، وأسأل عن عواقبها

قلت: فإن نظرتُ في الكلام ما يكون آخره؟ قالوا: لا يسلَم مَن نظر في الكلام من مشنَّعات الكلام، فيرُمى بالزندقة

قلت: فإن تعلمت الفقه؟ قالوا: تُسأل وتفتي الناس، وتُطلب للقضاء وإن كنت شابًّا. قلت: ليس في العلوم شيء أنفعُ من هذا. فلزمت الفقة وتعلَّمته». والروايات المخالفة لهذه والموافقة لها يُعلم ما فيها بالنظر في أسانيدها.

وهَبْ أنه صحَّ أن أبا حنيفة كان جدليًّا ثم انصرف إلى الفقه، فمتى انصرف؟ إن قيل: قد جاء عنه أنه لازم حمَّادًا ثماني عشرة سنة. قلت: إن

ص: 315

صح ذلك فلعله لازمَه أولًا للإرجاء، فإن حمادًا كان يقول به في الجملة كما مرَّ، ثم أكمل المدة للفقه. فإن صح هبوطه البصرةَ نحو عشرين مرة لمخاصمة القدرية، فليس مِن لازمِ انصرافه إلى الفقه هجرُه الكلامَ في القدر البتة، ولا مِن لازمِ ملازمته حمادًا أن لا يغيب عنه في السنة الأسبوع والأسبوعين، والشهر والشهرين للحج

(1)

والحاجة. على أن حمادًا توفي سنة 120 كما قاله أبو بكر ابن أبي شيبة، وحكى ابن سعد

(2)

إجماعَهم عليه. وقول البخاري ــ وتبعه ابن حبان ــ سنة 119 متأخر عن هذا الإجماع. وملازمة أبي حنيفة حمادًا ثماني عشرة سنة معناه إذا كان مولد أبي حنيفة أول سنة 80

(3)

أنه ابتدأ في الملازمة وسِنُّه نحو ثلاث وعشرين سنة، فلا مانع أن يكون قد مَهَر في مسائل الكلام المعروفة حينئذ كالإرجاء والقدر. وهذا ابن سينا يزعم أنه أحكم المنطقَ وأقليدس والمِجَسْطي والطبيعي والإلهي والطبَّ، وألَّف فيها أو في أكثرها، وكان مع ذلك يتلقى الفقه ويناظر فيه، وأخذ الأدب= كلُّ ذلك وعمره إحدى وعشرون سنة! ولذلك نظائر.

وبالجملة فلم يأتِ الأستاذ بعد اللَّتيَّا والَّتي بما يصح أن يُعَدَّ معارضًا لما ثبت من أن مولد أبي [1/ 191] حنيفة سنة ثمانين، ولم يستفد إلا تضييع وقته ووقت من يتعقَّبه، والسعي فيما لو صحَّ لأنتج نقيضَ مقصوده كما سلف! والله المستعان.

(1)

(ط): «للحجج» تحريف.

(2)

في «الطبقات» : (8/ 452).

(3)

(ط): «180» خطأ.

ص: 316

فصل

ولنعطف على ابن الصَّلْت. هَبْ أن أبا حنيفة ولد سنة 61 أو قبلها، وأنه سمع من أنس وروى عنه عدة أحاديث، فإن هذا لا يدفع إنكار الخطيب ذاك الحديثَ على ابن الصلت، من جهة أنه لم يروه غيرُه عن بِشْر، ولا يُحفظ عن أبي يوسف ولا يَثبت عن أبي حنيفة. وهذا الحديث مما تتوفر الدواعي على كثرة روايته واشتهاره، فلو كان عند أبي حنيفة لَكثُر تحديثُه به لعلوِّ السند، وإثباتِ السماع من الصحابي، والترغيبِ فيما كان يدعو إليه من طلب العلم. ولو حدَّث به لَكثُر تحديثُ تلامذته به وإثباتُه في كتبهم. فلو قال قائل: لو كان عنده لَتواتَرَ عنه، لَما أبعدَ.

وأهل العلم من قديم يلهجون بمتن هذا الحديث، ويتطلَّبون له إسنادًا صحيحًا، فلا يجدونه. ولأجل ذلك وقع كثير من الناس في روايته بأسانيد مركَّبة أو مدلَّسة أو نحو ذلك، واحتاج أهل العلم إلى نقله من وجوه ضعيفة. ذكره ابن عبد البر في أوائل «كتاب العلم»

(1)

ثم قال: «هذا حديث يروى عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجوه كثيرة كلُّها معلولة، لا حجة في شيء منها عند أهل العلم بالحديث من جهة الإسناد» . ثم ذكر

(2)

عن إسحاق بن راهويه المتوفى سنة 238 «أنه كان يقول: طلب العلم واجب، ولم يصح في الخبر» . قال ابن عبد البر: «يريد إسحاق ــ والله أعلم ــ أن الحديث في وجوب طلب العلم في أسانيده مقال لأهل العلم

(1)

(1/ 23).

(2)

(1/ 52).

ص: 317

بالنقل، ولكن معناه صحيح عندهم

».

فصل

ثم روى الخطيب

(1)

من طريق ابن الصَّلْت: «حدثنا محمد بن المثنَّى صاحب بِشر بن الحارث قال: سمعت ابن عيينة قال: العلماء: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، وأبو حنيفة [1/ 192] في زمانه [والثوري في زمانه]» . قال الخطيب: «قلتُ: ذِكْر أبي حنيفة في هذه الحكاية زيادةٌ من الحِمَّاني (ابن الصَّلت)، والمحفوظ ما أخبرناه عليُّ بن محمد بن عبد الله المقرئ الحذَّاء، أخبرنا أحمد بن جعفر بن سالم (صوابه: سَلْم) الخُتَّلي، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الخالق، حدثنا أبو بكر المروزي (صوابه: المرُّوذي) حدثني محمد بن أبي محمد

(2)

(صوابه: محمد بن أبي عمر، كما قاله الأستاذ) عن سفيان بن عيينة قال: علماء الأزمنة ثلاثة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه.

ثم قال: «فإن قيل: ما أنكرتَ أن تكون رواية الحِمَّاني صحيحة، والرواية الثانية

(3)

فيها ذِكْر أبي حنيفة، وحَذَفه بعضُ النقَلَة؟ قلتُ: مَنَع من ذلك أمران: أحدهما: أن عبد الرزاق بن هارون

(4)

يروي عن ابن عيينة مثل

(1)

(4/ 208) وما بين المعكوفين منه.

(2)

ووقع هذا الخطأ أيضًا في الطبعة الجديدة من «تاريخ بغداد» : (5/ 341).

(3)

(ط): «الثابتة» تحريف، والعبارة في الطبعة المحققة من التاريخ: «والرواية الثانية نقصَ منها ذِكر

». والنص واضح بدونها.

(4)

كذا في (ط) و «التاريخ» الطبعة القديمة، وصححها في المحققة إلى «همام» .

ص: 318

هذا القول الثاني سواء. والأمر الآخر: أن المحفوظ عن ابن عيينة سوء القول في أبي حنيفة. من ذلك ما أخبرنا محمد بن عبد الله الحِنَّائي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الصديق المروزي، حدثنا أحمد بن محمد المنكدري، حدثنا محمد بن أبي عمر قال: سمعت ابن عيينة يقول (ح)

(1)

وأخبرنا ابن الفضل، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثني محمد بن أبي عمر ــ يعني العدَني ــ قال: قال سفيان: ما وُلِد في الإسلام مولود أضرُّ على أهل الإسلام من أبي حنيفة. وهكذا روى الحميدي عن ابن عيينة. ولسفيان بن عيينة في أبي حنيفة كلام غير هذا كثير شبهه في المعنى. ثم

(2)

ذكرناه في أخبار أبي حنيفة».

أشار الأستاذ (ص 166) إلى رواية ابن الصَّلْت عن محمد بن المثنى صاحب بِشر بن الحارث بقوله: «

وبأنه روى عن محمد بن المثنى عن ابن عيينة

». وأشار إلى رواية ابن أبي عمر، وقال في الحاشية:«الفرق بين الروايتين عن ابن عيينة: فرقُ ما بين محمد بن المثنى ومحمد بن أبي عمر العدني، نسأل الله المعافاة، فبهذا اطلعت على جليِّة صنيع الخطيب هناك أيضًا» .

أقول: لا يكاد الأستاذ يقول: «نسأل الله الصون» أو «السلامة» ، أو «المعافاة» إلا حيث يكون قد فعل إحدى الفَعَلات! والفَعْلة هنا أنه لم يسُقْ السند، وفيه: عن ابن الصلت «حدثنا محمد بن المثنى صاحب بشر بن الحارث» . واقتصر في أصل «التأنيب» وفي «حاشيته» في [1/ 193] ذكره

(1)

زيادة من المؤلف.

(2)

كذا في (ط) تبعًا للطبعة القديمة، وفي المحققة: «يشبهه في المعنى قد ذكرناه

» وهو أصح.

ص: 319

شيخ ابن الصلت على قوله: «محمد بن المثنى» ، لم يقل:«صاحب بشر بن الحارث» . وأشار إلى رجحان محمد بن المثنى على محمد بن يحيى بن أبي عمر، يريد إيهام أنه محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار العنَزي أبو موسى البصري الحافظ المعروف بالزَّمِن، فإنه هو الذي يُفهَم عند إطلاق «محمد بن المثنى». وليس في كتب أسماء الرجال المتداولة مَن يقال له:«محمد بن مثنى» غيره، وقد سمع من ابن عيينة وأدركه ابن الصَّلت. فعلم الأستاذ أن من يطالع «التأنيب» ، ولا يقف على «تاريخ الخطيب» ، أو لا يراجعه في ذاك الموضع؛ لا يقع إلا على هذا الحافظ.

والواقع أن الذي في السند: «محمد بن مثنى صاحب بِشر بن الحارث» كما مضى. وهذا رجل آخر، ترجمته في «تاريخ بغداد» (ج 4 ص 286): «محمد بن المثنى بن زياد أبو جعفر السِّمسار، كان أحد الصالحين، صحِب بِشرَ بن الحارث وحفظ عنه، وحدَّث عن نوح بن يزيد وعفَّان بن مسلم وغيرهم

». ثم ذكر قول ابن أبي حاتم: «كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق» ، وأنه «مات سنة 260» . وهذا دون ابن أبي عمر بكثير، ولم يخرِّج له أحد من الستة. وابن أبي عمر روى عنه مسلم في «صحيحه» مائتي حديث وستة عشر حديثًا على ما في «التهذيب»

(1)

عن كتاب «الزهرة» . وستأتي ترجمته

(2)

، والنظر في كلام الأستاذ فيه.

(1)

(9/ 520).

(2)

لم أجد ترجمته في «التنكيل» فلعله كتبها في المسوّدة ثم ضرب عليها، أو ذهل عن كتابتها.

ص: 320

وفوق ذلك، فالسِّمسار يظهر أنه لم يدرك ابن عيينة، وأن ابن الصلت افتُضح في روايته عنه أنه قال:«سمعت ابن عيينة» ؛ فإن ابن عيينة مات سنة 198، والمسمَّون من شيوخ السمسار ماتوا بعد ذلك بزمان. فبشر بن الحارث سنة 227، وعفان 220، ونوح بن يزيد قريبًا من ذلك، ولم أظفر بتاريخ وفاته، لكن ذكروا في الرواة عنه أحمد بن سعد بن إبراهيم أبا إبراهيم الزهري الذي ولد سنة 198 ــ كما في «تاريخ بغداد» (ج 4 ص 181) ــ وأحمد بن علي بن الفضيل أبا جعفر الخرَّاز المقرئ المتوفى سنة 286 كما في «تاريخ بغداد» (ج 4 ص 303) = فظهر بذلك أن وفاة نوح كانت سنة بضع عشرة ومائتين، أو بعد ذلك. أضف إلى ذلك أن من عادتهم أنهم يحرصون على أن يذكروا في ترجمة الرجل أقدم شيوخه وأجلَّهم، فلو عرفوا للسِّمسار سماعًا من ابن عيينة، أو أحد أقرانه، أو مَن قَرُب منهم؛ لكان أولى أن يذكروه في شيوخه من نوح وعفَّان.

فإن قيل: إن كان ابن الصلت أراد الكذب، فما الذي منعه أن يسمِّي شيخًا أشهرَ من السمسار وأثبتَ، لا يُشَكُّ في سماعه من ابن [1/ 194] عيينة؟

قلت: منعه علمُه بأن الكذب على المشاهير سرعان ما يُفتضح، لإحاطة أهل العلم بما رووه، بخلاف المغمورين الذين لم يرغب أهلُ العلم في استقصاء ما رووه.

ومع ما تقدَّم، فلا معنى للموازنة بين شيخ ابن الصَّلْت وبين ابن أبي عمر، ما دام ابن الصَّلْت فيه ما فيه. ومع ذلك فقد عضد الخطيب رواية ابن

ص: 321

أبي عمر برواية عبد الرزاق بن هارون

(1)

، وهي عنده في ترجمة سفيان من «التاريخ» (ج 9 ص 154) من وجهين بنحو رواية ابن أبي عمر. وقريب منها رواية العباس بن يزيد البحراني في «تاريخ بغداد» (ج 3 ص 227).

فقد اتضح جدًّا صحة قول الخطيب: إن المحفوظ عنده اقتصار ابن عيينة على الثلاثة، لم يذكر أبا حنيفة؛ فإنَّ المحفوظ عندهم هو الطرف الراجح، كما مرَّ في ترجمة الخطيب

(2)

. ولا يخفى على عارف اطلع على ترجمة ابن الصلت أنَّ روايتَه بالنسبة إلى ما قال الخطيب إنه المحفوظ عنده: نسبةُ الوهمِ إلى الظن!

وأما قول الخطيب: «الأمر الآخر أن المحفوظ عن ابن عيينة

» فالحكاية التي ذكرها ساقها بسندين في أحدهما المنكدريّ، وفي الآخر ابن درستويه، وستأتي ترجمتاهما

(3)

.

وحاصل الكلام فيهما: أن المنكدريّ ليس بعمدة، ولكنه أحسنُ حالًا من ابن الصلت بكثير؛ وأن ابن درستويه موثَّق لا يضرُّه ما قيل فيه. مع أن رواية الخطيب من طريقه عن يعقوب بن سفيان إنما يأخذها الخطيب من «تاريخ يعقوب بن سفيان» ، فرجحانُ هذه الرواية وحدها على رواية ابن الصلت واضح جدًّا. فقول الأستاذ:«أفبمثل هذين الإسنادين يكون الخبر محفوظًا؟ » لا وجه له، على أن الخطيب ضمَّ إلى ذلك رواية الحميدي، وهي

(1)

كذا وقد تقدم (ص 318) أن صوابه: «همام» .

(2)

(رقم 26).

(3)

(برقم 36 و 119).

ص: 322

عنده في «التاريخ» (ج 13 ص 399 [419 - 420]) من وجهين رجالُ كلٍّ منهما ثقات، وإن تكلم الأستاذ في بعضهم بما بيَّنتُ حاله في تراجمهم. والحميدي إمام، وإن كره الأستاذ. ثم أشار الخطيب إلى الكلمات الأخرى وهي معروفة.

ومن تأمل ما تقدَّم، وعرف ابنَ الصلت معرفة جيدة، ولم يُعمِه الهوى= لم يَرْتَبْ في صحة حكم الخطيب على ابن الصلت بأنه زاد تلك الزيادة من عنده. على أن المدار في هذه الأمور على غلبة الظن، فلا يُلتفت إلى الاحتمالات البعيدة؛ بل من تدبر ما يرويه ابن الصلت في [1/ 195] المناقب، وقارَنَ ذلك بما رواه الثقات فيها وفي غيرها= عرف تزيُّدَه في غير موضع. والله المستعان.

ثم قال الأستاذ: «فكأنَّ ابن الصلت كَفَر في نظر الخطيب بذكره أبا حنيفة في عداد

(1)

هؤلاء الثلاثة

وهذا هو محض الإجحاف. أبو حنيفة الذي ملأ ما بين الخافقين علمًا

إذا ذُكِر في صفِّ هؤلاء الثلاثة يكون ذلك من أبرز الحجج على كذب ابن الصلت كذبًا بيِّنًا. هذا ما لا يقوله إلا من اعتلَّ قلبه اعتلالًا لا دواء له

».

أقول: هذا ديدن الأستاذ: إذا أعْوَزته الحجة لجأ إلى التهويل على العامة! قد ذكر الخطيب حجَّتَه كما تقدم شرحه، وأئمة الحديث كثيرًا ما يطعنون مثل ذاك الطعن بنحو تلك الحجة، وإن كان المرويُّ فضيلةً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو لأحد كبار أصحابه، كما تراه في كتب الموضوعات وكتب الضعفاء، فهل يُرَدُّ كلامُهم بمثل هذا التهويل! فلينظر

(1)

(ط): «عدد» .

ص: 323

الأستاذ، أو غيرُه من العارفين في «دلائل النبوة» لأبي نعيم، أو في «الخصائص الكبرى» للسيوطي، وليراجع نفسَه فيما يستنكره، وعمَّ نشأ استنكاره؟ أعن اعتقاده نقصًا في النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو بغضٍ له، أو حرصٍ على غمط فضله؟ فالخطيب لم يجعل زيادةَ ابن الصلت من أبرز الحجج على كذبه من جهة أنها منقبةٌ لأبي حنيفة، بل من الوجهين اللذين نصَّ عليهما، مع ما عُرِف من حال ابن الصلت بغير هذه الحجة. وماذا يغني الضجيج أمام الحجة إلا كما قيل:

أوسعتُهم سبًّا، وأودَوا بالإبلْ

(1)

!

أو كما قال الآخر:

فلا تُكْثِروا فيها الضِّجاجَ فإنه

محا السَّيفُ ما قال ابنُ دارةَ أجمعا

(2)

فصل

ثم ختم الأستاذ كلامه بقوله (ص 168): «ومن الغريب أنه إذا طعن طاعن في رجل تجد أسرابًا من الرواة يركضون وراءه، يردِّدون صدى الطاعن أيًّا كانت قيمة طعنه، ولهم موقف يوم القيامة رهيب لا يُغبَطون عليه» .

(1)

مثل مشهور قاله كعب بن زهير في قصة له، انظر «الأمثال» (ص 321) لأبي عبيد، و «مجمع الأمثال»:(3/ 426).

(2)

نسبه أبو عبيدة وابن الأعرابي والآمدي إلى الكميت بن ثعلبة. انظر: «المغتالين ــ نوادر المخطوطات» (2/ 157)، و «اللسان» (دور). وقال المرزباني في «معجم الشعراء» (238):«وغيرُ أبي عبيدة يروي هذه الأبيات للكميت بن معروف، وهو أولى بالصواب» ، وله في «الوحشيات» (116) و «البيان والتبين» (1/ 389).

ص: 324

[1/ 196] أقول: مات ابن الصلت سنة 308. ولم يذكروا مولده، لكن قال ابن عدي: «رأيته سنة 297، فقدّرت أن له سبعين سنة، أو أكثر». فلنجعل الزيادة المحتملة سبعًا، فيكون مولده سنة 220. لكنه يروي عمن مات سنة 228 كمسدَّد ويحيى الحِمَّاني، وسنة 227 كبشر بن الحارث وسعيد بن منصور وأحمد بن يونس، وسنة 226 كإسماعيل بن أبي أويس ومحمد بن مقاتل، وسنة 224 كأبي عبيد، وسنة 222 كمسلم بن إبراهيم، وسنة 221 كالقعنبي وعاصم بن علي، وسنة 220 كعفَّان، وسنة 219 كأبي نعيم وأبي غسان، وسنة 215 كثابت بن محمد الزاهد. ومِن هؤلاء مَن لم يكن بالكوفة منشأِ ابن الصلت، فلو كان أدركهم وطبقتَهم وسمع منهم لكان مولده تقريبًا على رأس المائتين، فيكون بلغ من العمر مائة سنة وثماني سنين. ولو صحَّ ذلك أو احتمل الصحة عند محدِّثي عصره لَفُتِنوا به، كعادتهم في الحرص على علوِّ الإسناد، ولو كان في الشيخ لِين. وقد تشبَّث الأستاذ بذلك في كلامه في عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي كما يأتي في ترجمته

(1)

. فزُهْدُهم في ابن الصلت واضحُ الدلالة على أنهم كانوا يرون أنه لم يدرك أولئك القدماء الذين يحدِّث عنهم، وقد صرَّحوا بذلك كما يأتي. وليس بيد الأستاذ إلا تلك الحكاية عن ابن أبي خيثمة، وقد علمتَ حالها.

فأما الطاعنون، فوقفتُ على جماعة منهم:

الأول: حافظ الحنفية عبد الباقي بن قانع البغدادي (ولد سنة 265 أو في التي تليها، ومات سنة 351). وكان مع ابن الصلت في بغداد، ولما بلغ

(1)

(رقم 133).

ص: 325

أوانَ الطلب كان ابن الصلت على فرض صحة سماعه من أولئك القدماء في نحو ثمانين سنة من عمره، فلا بدّ أن يكون ابن قانع قد قَصَده وجالسه، وسمع منه؛ طلبًا للسماع مع علوّ السند والموافقة في المذهب. ولكنه بعد اختباره لابن الصلت قال فيه:«ليس بثقة» . فهل كان ذنبُ ابن الصلت عند ابن قانع الحنفي ما قاله الأستاذ (ص 167): «لكن ذنبُ الرجل أنه ألَّف كتابًا في مناقب أبي حنيفة» !

الثاني: أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ الشافعي (277 - 365). ينظر تمام كلامه في ابن الصلت في «كامله»

(1)

والمنقول منه في «لسان الميزان»

(2)

: «رأيته سنة سبع وتسعين ومائتين

(3)

ما رأيت في الكذَّابين أقلَّ حياءً منه. كان ينزل إلى

(4)

الورّاقين، فيحْمِل مِن عندهم [1/ 197] رِزَمَ الكتب،

ص: 326

ويحدِّث عمّن اسمُه فيها، ولا يبالي متى مات، وهل مات قبل أن يولد أولا». قال ابن حجر:«ثم ذكر له أحاديث» يعني مما يبيِّن كذبه.

الثالث: أبو حاتم محمد بن حِبَّان البُسْتي الحافظ (قبل 280 - 354). قال في ابن الصلت: «راودني أصحابنا على أن أذهب إليه فأسمع منه، فأخذت جزءًا لأنتخب فيه، فرأيته قد حدَّث عن يحيى بن سليمان بن نضلة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا: «ردُّ دانِقٍ من حرام أفضل عند الله من سبعين حَجةً مبرورةً» . ورأيته حدَّث عن هنّاد، عن أبي أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر:«لردُّ دانقٍ من حرام أفضل من مائة ألف يُنفق في سبيل الله» ، فعلمتُ أنه يضع الحديث، فلم أذهب إليه. ورأيته يروي عن جماعة ما أحسبه رآهم! »

(1)

.

وابن عدي دخل بغداد سنة 297، وابن حبان دخلها بعد سنة 300، وكان أحمد بن علي الأ بَّار قد توفي سنة 290؛ ولكن الأستاذ يقول:«ذنب الرجل أنه ألَّف كتابًا في مناقب أبي حنيفة حينما كان خصوم أبي حنيفة يتمنَّون أن يصفو الجوُ للأبَّار الذي كانوا حملوه على تدوين مثالب أبي حنيفة إفكًا وزورًا، فتحاملوا على الحِمَّاني هذا؛ ليُسقطوا رواياته» !

الرابع: أبو الحسن علي بن عمر بن مهدي الدارقطني الحافظ (306 - 385). قال في ابن الصلت: «يروي عن ثابت الزاهد وإسماعيل ابن أبي أويس وأبي عبيد القاسم بن سلام ومَن بعدهم، يضع الحديث» هكذا في

(1)

«المجروحين» : (1/ 153).

ص: 327

«تاريخ بغداد» (ج 5 ص 104). وفيه (ج 4 ص 209): «حدثني أبو القاسم الأزهري قال: سُئل أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني ــ وأنا أسمع ــ عن جمع مُكْرَم بن أحمد فضائلَ أبي حنيفة، فقال: موضوع كلُّه كذب، وضعه أحمد بن المغلِّس الحِمَّاني» . وراجع «الطليعة» (ص 96 - 97)

(1)

.

الخامس: أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم صاحب «المستدرك» (321 - 403). قال: «روى ابن الصَّلْت عن القعنبي ومسدَّد وابن أبي أويس وبِشر بن الوليد أحاديث وضعها، وقد وضع أيضًا المتون مع كذبه في لُقِيِّ هؤلاء»

(2)

. وبِشر بن الوليد مات سنة 238، فإن صح ما فرَضْناه من مولد ابن الصلت، فقد أدرك بشرًا، وعن بشر روى حديث:«طلب العلم فريضة» كما تقدم.

[1/ 198] السادس: أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب البَرْقاني الحافظ (333 - 425). عدَّ ابنَ الصلت فيمن وافق الدارقطني عليه من المتروكين.

السابع: أبو نُعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني الحافظ (336 - 430). قال في ابن الصلت: «روى عن شيوخ لم يَلْقَهم بالمشاهير والمناكير»

(3)

.

الثامن: أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ (338 - 412). قال في ابن الصلت: «كان يضع» . هكذا في «تاريخ بغداد»

(4)

. وفي

(1)

(ص 74 - 76).

(2)

كلام الحاكم في كتاب «المدخل إلى الصحيح» : (1/ 128 - ط العبيكان).

(3)

«الضعفاء» (ص 65).

(4)

(4/ 209).

ص: 328

«الميزان» و «اللسان» : «كان يضع الحديث»

(1)

.

التاسع: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ (392 - 463). قال في ابن الصلت: «حدَّث عن ثابت بن محمد الزاهد وأبي نعيم

أحاديثَ أكثرها باطلة هو وضَعها. وحكى أيضًا عن بشر بن الحارث، ويحيى بن معين، وعليّ ابن المديني أخبارًا جمعها بعد أن صنَّفها (في «اللسان»: وضعها)

(2)

في مناقب أبي حنيفة».

وذكر المثالين السابقين: حديث طلب العلم، والزيادةَ في الحكاية عن ابن عيينة.

العاشر: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (673 - 748). قال في ابن الصلت مرةً: «هالك» ، ومرةً:«وضَّاع» ، ومرةً:«كذَّاب»

(3)

. وأورد له الحكاية في لُقِيِّ أبي حنيفة لعبد الله بن الحارث بن جَزء، وقد مرَّ ذلك.

الحادي عشر: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 - 852). ذكر في «لسان الميزان»

(4)

كلام الأئمة في ابن الصلت، ثم قال: «ومن مناكيره: روايتُه عن بِشر الحافي، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رفعه: «ازهد في الدنيا يحبك الله

» الحديث

وهذا الحديث بهذا الإسناد باطل».

(1)

«الميزان» : (1/ 140)، و «اللسان»:(1/ 612).

(2)

في الطبعة المحققة: «صنعها» وهو أقرب.

(3)

انظر «الميزان» : (1/ 140)، و «المغني»:(1/ 55).

(4)

(1/ 612 وما بعدها).

ص: 329

فهؤلاء أحد عشر إمامًا طعنوا في ابن الصلت، وجرحوه جرحًا مفسَّرًا مشروحًا. ولو تتبعنا لوجدنا معهم غيرَهم كابن عساكر وابن السمعاني وآخرين، ولكن الأستاذ الذي جاء بعدهم بقرون يأبى إلا أن يجعلهم «أسرابًا يركضون وراءه يردِّدون صدى الطاعن أيًّا كانت قيمةُ طعنه، ولهم موقف يوم القيامة رهيب لا يُغبطون عليه» مع أنه قد عَرف حُججَهم، ولم يجد ما يصح [1/ 199] أن يُعَدَّ مخالفًا لهم، وينسى موقفه يوم القيامة كأنه مرفوع عنه القلم دونهم! ويذكر في ابن درستويه ما هو بالنسبة إلى ما في ابن الصلت كالهباءة بالنسبة إلى الجبل العظيم، ثم يقول:«وتضعف كواهلُ الخطيب وأذنابه عن حَمْلِ أثقال التهم التي رُكِّبت على أكتاف هذا الأخباري الهاذي» ؛ ولكن لا تضعف كواهله عما على ابن الصلت، كأنَّ الخطيب وغيره من أئمة الحديث كما قال حسَّان

(1)

:

لو يدِبُّ الحوليُّ من ولد الذَّرْ

رِ عليها لأندبتها الكلومُ

لكنه هو «ثَهْلانُ ذو الهضَبات ما يتحلحلُ»

(2)

!

ولو اكتفى بقوله (ص 165): «متكلَّم فيه، ولسنا بحاجة إلى رواياته في مناقب أبي حنيفة، وعندنا بطرقِ رجالٍ لم يُتكلَّم فيهم روايات كثيرة بمعنى ما رواه» لاستراح وأراح، لكنه عاد فدل على وثوقه بدعواه. وخير للحنفية أن يغسلوا أيديهم من ابن الصلت، فإن المدافعة عن مثله شهادة من المدافِع عن نفسه بماذا؟

(1)

«ديوانه» : (1/ 40) تحقيق وليد عرفات، دار صادر، 1974.

(2)

كذا أنشده أبو عبيد وغيره. انظر «تهذيب اللغة» : (3/ 441) و «جمهرة ابن دريد» : (1/ 188)، وقال الفرزدق «ديوانه»:(2/ 157):

فادفَع بكفِّك إن أردتَ بناءنا

ثهلانَ ذا الهضبات هل يتحلحلُ

ص: 330